شبهة التعارض بين آيتين حول تكريم الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
*********************
"ولقد كرمنا بني آدم" تعنى هذه الأية تكريم الإنسان ولكن هذه الآية "ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين "
وكذلك مكان خروج المولود للدنيا لا يعني تكريم الله له
فإن الله تعالى خلق أدم عليه السلام بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته، وجعل أصل مادته الطين ـ وهو يتكون من ماء وتراب، وشرفهما معلوم -وهذا يدل على شرف بني آدم وعلو قدرهم . وأما تناسلهم من ماء مهين ـ وهو القليل الضعيف الحقير ـ فلا يدل على حقارتهم ، لاستحالة هذا الماء ونفخ الروح في البدن ونشأته نشأة أخرى في أحسن صورة وأبهج منظر ، مميزاً على سائر المخلوقات بالعقل والبيان ومسخراً له ما في الكون ، وهذا هو المقصود بالتكريم المنصوص عليه في قوله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات ...) [ الإسراء: 70 ] ، قال القرطبي رحمه الله تعالى ( وقال محمد بن جرير الطبري : بتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم ، وقيل الكلام والخط ، وقيل بالفهم والتمييز . والصحيح الذي يعول عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الله ويفهم كلامه ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله ؛ إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل وأنزلت الكتب ، فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس وأدركت تفاصيل الأشياء ، وقد جعل الله في بعض الحيوان خصالاً يفضل بها ابن آدم أيضاً ، كجري الفرس وسمعه وإبصاره ، وقوة الفيل ، وشجاعة الأسد ، وكرم الديك ، وإنما التكريم والتفضيل بالعقل كما بيناه " انتهى كلامه ، وهذا يدل على أن الإنسان ليس بكامل ، بل فيه نقص من جوانب أخرى فهو يحمل العذرة بين جنبيه ، والعرق تحت إبطه ، والمخاط في أنفه ، وهي أشياء مستقذرة .
و ينعدم تكريم الإنسان حينما يلغي عقله ولا يعبد ربه ، بل يعبد هواه فيصبح شراً من البهيمة ، كما قال الله تعالى عن هؤلاء : ( أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) [ الأعراف : 179 ] .
وأما خروج الجنين من فرج أمه فليس فيه نقص ، بل هو الموضع المتعلق بالجنين من حيث الوطء والولادة وما يتبع ذلك .