وقفات مع أحداث الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أثنى على عبده ورسوله محمّد في غير موضع من محكم كتابه، وامتدحه بجميل خلقه وكريم آدابه، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه واستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو ربّنا الرحمن آمنّا به، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله أنزل عليه الذكر وحفظه على مرّ الدهر وتعاقب أحقابه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى الطيبين الطاهرين آله، وعلى الأبرار المكرمين أصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما طلعت شمس نهار وأضاء كوكبُ شهابه.
أما بعد: اتقوا الله في أقوالكم وأعمالكم تكونوا من المفلحين لا زالت أحداث الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورود أفعالها متوالية ولذلك نقف معها بعض الوقفات.
أيها المسلمون:
الوقفة الأولى:
إنَّ من المتقرر أن رسول الله محمداً خاتم الأنبياء وأفضل الرسل وأزكى البشر، وأنَّ حرمته أعظم الحرمات، وأنَّ محبته دين وانتقاصه كفر، ويدل على ذلك الوعيد الشديد الذي جاء فيه هذه الآية (إنَّ الذين يُؤذونَ اللَّهَ ورسولَهُ لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مهينا) (الأحزاب: 57).
ومن أعظم الأذى الاستهزاء به والسخريّة منه وتنقُّصه بأيِّ أسلوبٍ وأيّ طريقة.
إنَّ سيرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أصحُّ سيرة لتاريخ نبي مرسل، سيرة واضحة مدقّقة محققة في جميع أطوارها ومراحلها، قال عنها كاتب من غير المسلمين: (محمد هو النبي الوحيد الذي وُلد تحت ضوء الشمس)، إشارة من هذا الكاتب إلى دقّة سيرته عليه الصلاة والسلام وصحّتها وتوازنها.
يُقال ذلك ويثار. عباد الله. والمسلمون يعيشون اليوم هذه الحملة المسعورة الموجهة نحو دينهم ونبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حملة ظالمة آثمة هي امتداد لحملات من التشويه والنيل والجور التي طالت رسالة الإسلام ونبي الإسلام. وصدق رسول الله إذ قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين...)(1)(صحيح الجامع: 3650).
الوقفة الثانية:
لقد بدأت هذه العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم بالظهور علانية من قِبَلِ مَنْ عندهم علم من الكتاب من اليهود الذي فيه البشارة بنبي آخر الزمان، الذين واجهوه بالحسد والبغضاء لما اختاره الله وبعثه بالهدى ودين الحق.
وفي سنوات بعثته الوضيئة تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لأصناف من الناس يعادونه، ولصنوف من البلاء يلاقيها كلها بصبر وثبات، يوصف بالساحر والكاهن والكذاب والشاعر، ويستهزأ بأصحابه وأتباعه، وفي المدينة النبوية يقال له السخريات، وفي الحروب يشج وجهه، وتكسر رباعيته، ويمثل بعمه، وهو ساكت لا يتأفف، ولما علم الكفار وأهل النفاق منزلة أم المؤمنين عائشة لديه بين سائر نسائه. صلى الله عليه وسلم. لم يتركوه إلا وخاضوا في عرضها بعدما كانوا يرمونه بالألقاب البذيئة، بل يدعو لهم صلى الله عليه وسلم بعد أن طلب منه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين فقال: (بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم مــن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، ثم مات عليه الصلاة والسلام متأثراً بطعام صنعته يهودية من يهود المدينة)(2).
ثم تحصل فتنة الردة بعد وفاته، ويظهر أدعياء النبوة كفئة حاسدة للنبي على مكانته، وتستمر صور العداء في تواصل تذكية روح الشر وعدم الرضى التي قال الله عنها: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120).
إنّهم يعلمون ونعلم، ويرون ونرى. إنَّ الذي يدخلون في دين الإسلام في ازدياد وتنامٍ على الرّغم من كل الظروف والمتغيرات والأحداث والمقاومات، بل والتهديد والتشويه للإسلام وأهله ونبيه وقرآنه في تعدد وتبادل للأدوار بين أعداء الإسلام والمسلمين، وتشكيك في بعض شعائر الإسلام، كالتعدد والطلاق والحدود والجهاد، وتعددت صور الحرب والعداء على الإسلام ونبيه وكتابه وأهله. قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (الأنعام: 112).
أيها المسلمون:
هذه نماذج مجملة وغيض من فيض للسخرية والاستهزاء الذي تعرض له رسول الله (ص).
وإن من صور العداء والنكير على الإسلام وأهله ذلك الدور المشين الذي يتبوأ به منافقوا كل زمان ومكان.
الوقفة الثالثة:
إن مما يؤكده تلاحق هذه الأحداث وسوء هذه الحملات المسعـورة، أن هناك اتجاهاً عالمياً مقصوداً يهدف إلى تصعيد الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين بكل الوسائل، والإصرار على تحويل موضوع الكراهية والحقد ضد الإسلام إلى ثقافة رابحة في ذهن كل غربي، من خلال المنتجات الإعلامية التي يتم تعليبها في صورة (أفلام ومسلسلات وبرامج إذاعية ورسوم كاريكاتيرية ولوحات فنية) ومنتجات ثقافية في صورة (مقالات وكتب ودراسات وقصص وروايات ونصوص مدرسية ومناهج تعليمية وكتابات ساقطة)، كلها تعمل على تشويه صورة العرب والمسلمين في عيون الرأي العام الغربي، وكلها تعمل على تعمية بصيرة الغرب وتجهيله عن الإطلاع بوضوح على الإسلام وحضارة العرب والمسلمين، وكلها تصر جاهدة على استمرار تفريخ صورة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وتصر على قذف منتجاتها الإعلامية والثقافية في سوق الغرب على هيئة قنابل حارقة تنفجر بصورة هستيرية في المخ الغربي لترسخ في داخله صورة هذا العداء من خلال تصوير أن الإسلام دين الإرهاب والعنف.
اللهم أبطل كيد الكافرين، وأعز الإسلام وانصر المسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الوقفة الرابعة:
إن ما رأيناه وما سمعناه من تفاعل المسلمين في كل مكان وبخاصة من بعض الحكومات سياسياً، وكذا موقف كثير من رجال الأعمال اقتصادياً فضلاً عن المقالات والكتابات علمياً، وموقف الشعوب المسلمة، النفوس المؤمنة ويحدد فيها ضرورة الوحدة بين المسلمين، وأن لا عز للمسلمين إلا بهذه الوحدة، وبهذه الوحدة يعرف القاصي والداني أهمية الوحدة للمسلمين وأثرها في الواقع العالمي.
الخطبة الثانية:
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
عباد الله:
الوقفة الخامسة:
إن محبة الرسول- صلى الله عليه وسلم- عقيدة راسخة في قلوب المؤمنين، ثمرتها الاقتداء والبذل والعطاء والتضحية والجهاد في سبيل نصرة دينه وإعلاء لوائه وحماية سنته، وهذا الحبُّ العميق الدقيق ليس حباً إدعائياً، ولا عاطفة مجردة، ولكنه حب برهانه الاتباع والطاعة والانقياد والاستسلام، وأيّ فصل بين الحب والاتباع فهو انحراف في الفهم وانحراف في المنهج. الحب الصادق يقود إلى الاتباع، والاتباع الصحيح يذكي مشاعر الحب. وقد سبق تفصيل ذلك في الخطبة السابقة، لكن هذه الأحداث تملي علينا تعميق الإتباع والإقتداء.
الوقفة السادسة:
إن من الحقيقة التي نؤمن بها أن الهجوم على الإسلام ونبيّ الإسلام لا يزيد الدين وأهله إلا صلابة وثباتاً وانتشاراً وظهوراً، وفي كتاب ربنا: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً) (الفتح: 28).
على أهل الإسلام أن يتحلّوا باليقظة والوعي لما يتعرّض له الإسلام والمسلمون من تهديدات ومخاطر، وأن لا يستجيبوا لاستفزازات المتعصبين، ولتكن مواقفهم محسوبة، مع حُسن تقدير للعواقب، كما يجب التآزر والتعاون في التصدي لهذه الحملات المغرضة الجائرة، وأن يبذلوا كل جهدٍ ممكن وإمكانات متوفرة من أجل دحض هذه الافتراءات وكشف زيفها وكذبها.
اللهم اكفنا شر الأشرار، واجعلنا من أنصار سيد الأبرار