الفصل الثالث.

الإسلام.

 

التعريف :

الإسلام في اللغة : الخضوع و الانقياد , يقال فلان أسلم أي خضع و انقاد .

ويطلق لفظ الإسلام ويراد به مجموعة التعاليم التي أوحاها الله إلى سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام و هي داعية إلى توحيد الله  و الخضوع لأحكامه والانقياد للأصول العامة التي جاء بها الأنبياء من قبل. يقول الله تعالى :
شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..الآية [الشورى : 13]

ومن ثم فقد أطلق لفظ مسلم على كل من يتبع تعاليم الله تعالى , فيقال أن نوحا" مسلم و إبراهيم مسلم و موسى مسلم وعيسى مسلم  ( لإتباعهم شرع و منهج الله الذي إنزله عليهم ) , وكذلك يسمى بهذا الإسم كل من تبعهم و انقاد لتعاليم الله تعالى.

ولما كان محمد عليه الصلاة و السلام آخر من حمل هذه التعاليم ودعا إليها أطلق عليه و على أتباعه المسلمين , وسمي الدين الإسلام .

فالإسلام هو خاتم الأديان و محمد عليه الصلاة و السلام هو خاتم الأنبياء والرسل .

الإسلام جاء مكملا" وناسخا"  لما سبقه من أديان ومصححا" لما طرا عليها من تجديد أو تغيير.
و لأنه آخر الأديان و الرسالات السماوية أصبح فهو المنهج الذي أرتضاه الله للناس جميعا"  فوجب على كل من عرف به الإيمان به , يقول الله تعالى .

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ... [آل عمران : 19]
وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران : 85]

فالعقيدة الإسلامية العظيمة مضمونها : توحيد الله ، والإخلاص له ، والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بجميع المرسلين ، مع الإيمان بوجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج ، والإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله .

إلى ماذا يدعو الإسلام ؟

( أ ) إفراد العبادة و تخصيصها لله وحده والنهى عن الشرك فقال تعالى :
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً ............ [النساء : 36]
وبين الله تعالى سعة وكبر رحمته و أنه يغفر الذنوب جميعا" إلا الشرك به فقال الله تعالى :

إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء : 48]

و قال الله تعالى
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر : 53]
في التفسير الميسر للآية السابقة :
قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي, وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم.

وقال الله تعالى في الحديث القدسي :
أخرجه الترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم؛ لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة).
( كتاب التوحيد. محمد بن عبد الوهاب ).



(ب) الإيمان بالله و الكتب التي أنزلها و بالرسل الذين أرسلوا من قبل فقال تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء : 136]
 

( ج ) لم يترك الإسلام خيرا" إلا دعا إليه و أمر به ومن ذلك :

- 1- أمر الله تعالى بالعدل والإحسان و إعطاء الأقارب و نهي عن الزنا المنكر والظلم فقال تعالى :
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل : 90]

 - 2 - أمر الله تعالى بالعدل و تأدية الأمانة فقال تعالى :
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء : 58]

- 3 - أمر الله بالتوحيد في العبادة و موصيا" بالإحسان للوالدين فقال تعالى :
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [الإسراء : 23]

- 4 -أمر الله تعالى بالإيمان والصلاة و الزكاة و الإنفاق و الوفاء بالعهد و الصبر.
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة : 177]

- 5 –أمر الله  تعالى بالإحسان للوالدين و الأقارب و اليتامى و المساكين و الجيران ومن لا يجد ما يعيده لبلاده.
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء : 36]

( د ) لم يدع الإسلام شرا" إلا نهى عنه وحذر منه ومن ذلك :

- 1 – نهى الله عن الشرك وقتل الأولاد و الفواحش و قتل الأنفس فقال الله تعالى :
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام : 151]

- 2 – نهى الله عن سوء الظن و الغيبة و التجسس فقال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات : 12]

- 3 – نهى الله عن السخرية و التنابز بالألقاب فقال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات : 11]

- 4 – نهى الله عن أكل مال اليتيم فقال الله تعالى :
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً [النساء : 2]

- 5 – نهى الله عن الخمر و الميسر ( القمار ) و الأزلام و الأنصاب فقال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة : 90]

الإيمان و العمل والجزاء في الإسلام

بين الإسلام أن الإيمان و العمل مرتبطان ببعضهما فلا يصح إيمان بلا عمل و لا عمل بلا إيمان, وقد بين  القرآن الكريم  حسن الجزاء الذي ينتظر الذين آمنوا وعملوا الصالحات في مواضع عدة مثل :

وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [المائدة : 9]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف : 30]

وبين الله تعالى أن الجزاء في الآخرة بمقدار العمل في الدنيا و أن الله تعالى لا يظلم أحد فقال :

وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً [الكهف : 88]
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر : 40]
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت : 46]

ومن عدل الله تعالى أن الإنسان لا يتحمل خطيئة غيره فقد قال الله تعالى :

وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم : 39]

قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [الأنعام : 164]
في التفسير الميسر جاء عن الآية السابقة :
قل -أيها الرسول- : أغير الله أطلب إلها, وهو خالق كل شيء ومالكه ومدبره؟ ولا يعمل أي إنسان عملا سيئا إلا كان إثمه عليه, ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى, ثم إلى ربكم معادكم يوم القيامة, فيخبركم بما كنتم تختلفون فيه من أمر الدين.

كما جاء أيضا" قول الله تعالى :
مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء : 15]
في التفسير الميسر جاء عن الآية السابقة :
من اهتدى فاتبع طريق الحق فإنما يعود ثواب ذلك عليه وحده، ومن حاد واتبع طريق الباطل فإنما يعود عقاب ذلك عليه وحده، ولا تحمل نفس مذنبة إثم نفس مذنبة أخرى. ولا يعذب الله أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب.

 

التشريع في الإسلام :

 

الإسلام دين و دولة *

كما تكلم الإسلام عن الله والملائكة والأنبياء والجنة و النار والعبادات و غيرها من شئون الدين تكلم كذلك عن البيع و الشراء و الزواج و الطلاق والميراث و غيرها من شئون الدنيا , ووضع الإسلام لهذه و تلك , القوانين و النظم , وألزم المسلمين بإتباعها وحدد عقوبة المخالفين والعصاة تحديدا" مفصلا" أو تحديدا" مجملا" وترك تفصيله لإجتهادات أئمة المسلمين. "

 

* كتاب "الإسلام. د. أحمد شلبي. ص 246"

 

التشريعات الإسلامية  تشريعات ربانية **

والتشريعات الإسلامية لضبط الحياة الفردية و الأسرية , والإجتماعية و الدولية .
تشريعات ربانية في اسسها و مبادئها و أحكامها الأساسية , التي أراد الله أن ينظم بها سير القافلة البشرية, ويقيم العلاقات بين أفرادها و جماعاتها عل أمتن القواعد و أعدل المباديء بعيدا" عن القصور البشري .
وكانت هذه هي الميزة الأولى للتشريع الإسلامي على ماسواه من التشريعات قديمها و حديثها , شرقيها و غربيها , ليبراليها و اشتراكيها . فهو التشريع الفذ في العالم الذي أساسه وحي الله و كلماته المعصومة من الخطأ , المنزهة عن الظلم .

 

وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنعام : 115]

 

وبهذا تقرر في الأصول الإسلامية أن المشرع الوحيد هو الله.
فهو الذي يأمر و ينهي , ويحلل و يحرم , ويكلف و يلزم بمقتضى ربوبيته و ألوهيته وملكه لخلقه جميعا" , فهو رب الناس , ملك الناس , إله الناس , له الخلق و الأمر , له الملك و الحكم.

 

وليس لأحد غيره حق التشريع المطلق , إلا من أذن الله فيه مما ليس فيه نص ملزم , فهو في الحقيقة مجتهد أو مستنبط أو مقنن . وليس مشرعا" أو حاكما".

حتى الرسول عليه الصلاة و السلام نفسه لم يكن مشرعا" , وإنما وجبت طاعته , لأنه مبلغ عن الله تعال , فأمره من أمر الله :  مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ .. الآية [النساء : 80] .

 

** الخصائص العامة للإسلام. د.يوسف القرضاوي. ص40-41 باختصار)

 

الإعجاز الفكري ***

قال لي زميل بجامعة كمبريدج : قدم لي الإسلام و أثبت لي أنه رسالة من عند الله.

قلت .  محمد ( عليه الصلاة و السلام ) رجل أمي , لم يعرف القراءة ولا الكتابة وبيئته كذلك محدودة الثقافة و لكن رجلا" كهذا  جاء بنظام للميراث عاش أربعة عشر قرنا" من الزمان وقورن بأفكار البشر في رحلته الطويلة , ولكنه رجحها و لا يزال يرجحها , تعال معي نقارنه بالنظام الإنجليزي الذي يعطي الميراث للأبن الأكبر و يدع الباقيين وتعال نقارنه بالنظم التي تعطي البنين وتحرم البنات كما كان متبعا" عند العرب وسكان شمل أفريقيا , وتعال نقاره ببعض النظم التي تجعل الميراث لأبن الخالة الكبرى و تحرم من سواها , كبعض الأنحاء في إندونيسيا , تعال نقارنه بالنظم القديمة و الحديثة و سنجده يرجح الجميع وباعتراف المفكرين المخلصين.

هذه واحدة ¸و جاء هذا الرجل بنظام للزواج , وبنظام للطلاق , و نظام للرق , ونظام للعبادات , و نظام للسياسة , ونظام للاقتصاد , وتنظيم للحرب , ولما بعد الحرب من مشكلات , وتنظيم لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي , وتحدث هذا الرجل عن الله و ما هو الله في التفكير الإسلامي و تحدث عن ماوراء الكون فجلى هذه النقاط.

قلت لمحدثي : ترى أيمكن أن تكون كل هذه الأشياء من صنع محمد عليه الصلاة و السلام. ؟؟!!

***(( الدكتور أحمد شلبي ."بتصرف" . الإسلام ص 62-63 ))


مصادر التشريع ****

من مظاهر الوضوح في النظام الإسلامي أن له مصادر محددة بينة , تستقى منها فلسفتة النظرية و تشريعاته العملية.
فالمصدر الأول هو كتاب الله : القرآن , الذي :(.. كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود : 1]

والمصدر الثاني : سنة محمد عليه الصلاة و السلام .

وتعني ما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير. فهذة السنة هي الشرح النظري , والتطبيق العملي , للقرآن الكريم. فأعظم تفسير لكتاب الله يتجلى في سيرة الرسول عليه الصلاة و السلام وفي حياته الحافلة و سنته الشاملة .
بقول الله تعالى  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب : 21]

ومما يلحق بهذه السنة ك سنة الخلفاء الراشديين المهديين بعد محمد عليه الصلاة و السلام , الذين نشأوا في حجر النبوة , ونهلوا من معين الرسالة , فما أثر عنهم مما أتفقوا عليه جميعهم , أو عن طائفة و لم ينكره عليهم أصحابهم , فهو سنة يقتدى بها .  كما جاء بالحديث عن الترمذي و أبي داود.

" عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشديين المهديين من بعدي, عضوا عليها بالنواجذ"

وما عدا ذلك فكل واحد يأخذ من كلامه و يترك, لا عصمة لمجتهد , و إن علا كعبه في العلم والتقوى . وهو على أي الحالين – أصاب أو أخطأ – غير محروم من الأجر , إن أصاب له أجران و إن أخطأ فله أجر.

 

****(خصائص الإسلام – د.يوسف القرضاوي ص 181-182. باختصار)

 

 

المرأة في الإسلام


ظهر الإسلام وكان بالعالم أجمع تفرقة كبيرة بين الرجل والمرأة . وفي البيئة التي نشأ فيها الإسلام كان من ينجب فتاة  يختار بين أن يبقيها على كراهة أم يدفنها حية في التراب  خوفا" من العار!!   كما كانت المرأة لا ترث زوجها بل تورث مع متاعه .

بعد أن جاء الإسلام , ساوى بين الرجل والمرأة في التكليفات والجزاء فقال تعالى :
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل : 97]

وقال الله تعالى موصيا" الرجال بالنساء
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء : 19]
كما أعطى الإٌسلام للمرأة نصيبا" في الميراث و هو أن المرأة ترث نصف ما يرث الرجل حسب الآية الكريمة
ُيوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ..... [النساء : 11]
وفي العصر الحديث بعد أن تحررت المرأة من العبودية والرق , ثارت إعتراضات حول ميراث المرأة و لماذا تحصل على نصف ميراث الرجل في الإسلام ؟!
وللإجابة نسألهم  ما ميراث المرأة في اليهودية و النصرانية ؟

الإجابة .......... لا شيء إن كان هناك ذكر !!. أي إن كان لهاأخ لا ترث !!
وما نصيب الزوجة  ؟ 

الإجابة...............   لم يرد لها أي ذكر .!!

ونسألهم لماذا يرضى النصارى في مصر ( رأس الكنيسة الأرثوذوكسية ) بتطبيق التشريع الإسلامي في  الميراث  ؟!  لماذا  ؟؟ .........  لأنه الأصلح .....ولأنه من عند الله    تعالى.

سفر العدد 27  : 8  وَأَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ أَيَّ رَجُلٍ يَمُوتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْلِفَ ابْناً، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ.

وننظر نظرة على التاريخ المظلم للمرأة على مر العصور و حتى الربع الأول من القرن العشرين ونأخذ مثال واحد :

بقيت المرأة في القانون الإنجليزي تباع من زوجها لآخر بست بنسات ، و استمر هذا القانون سارياً حتى عام 1805م ، فيما اعتبر قانون الثورة الفرنسية المرأة قاصراً كالصبي و المجنون ، و استمر ذلك حتى عام 1938م .

( سيتم التعرض لموضوع المرأة و الشبهات حول و ضعها في الإسلام في الفصل التاسع إن شاء الله تعالى. )

 

 

الرق في الإسلام.

يعتبر الإسلام أول دين عمل على ضرب الرقيق كمؤسسة , وفي نفس الوقت أتخذ مايلزم من خطوات لإلغاء الرق و القضاء عليه.

فالرق كان موجودا" عند العرب و في اليهودية و النصرانية و لم تأت أي تشريعات سابقة للتخلص منه.


جاء الإسلام فأمر بحسن معاملة العبيد

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ، قَالَ سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ، قَالَ رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ ـ رضى الله عنه ـ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ‏"‏ ‏.‏ ثُمَّ قَالَ ‏"‏ إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ ‏"‏ ‏. صحيح البخاري 2587.‏


شجع الإسلام على تحريرالعبيد

بأن جعل فضلا" كبيرا" لمن يحررهم وجعل كفارة كثير من الأعمال تحرير رقبة فقال الله تعالى :

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ... [النساء : 92]


وقال تعالى :

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة : 60]

 

و جاء بصحيح البخاري

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ ‏"‏ ‏.‏ حديث رقم 2557.

 

 

حرية الاعتقاد .

( كتب الشيخ . محمد الغزالي في كتابه – هذا ديننا -ص-60 )

 

الإسلام ما قام يوما" , ولن يقوم على إكراه.
لأنه واثق من شيء واحد ...من نفاسة تعاليمه و جودة شرائعه.

كل ما يبتغي من الناس أن يجد مكانا" في السوق العامة يعرض فيه ما لديه على العيون المتطلعة , والبصائر الناقدة.

فإذا لم تكن جودة الشيء هي التي تغري بالإقبال عليه و قبوله فلا كان قبول و لا كان إقبال..!

وهذا سر قانونه الوثيق : لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 256]

 

وفي عراك الأحياء على ظهر هذه الأرض لشتى الأسباب قد يجر الإسلام جرا" لقتال لم يشعل ناره

أتظنه إذا إنتصر  في هذا القتال , و أمكنته الفرصة من وضع الأغلال في أعناق عبدة الأصنام , أتظنه يفعل ذلك و يلزمهم بترك شركهم واعتناق عقيدة التوحيد ؟؟ ......  لا ......

يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه و سلم : وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ [التوبة : 6]

 إنه لم يقل له : فإذا سمع كلام الله  فأمره أن يترك  دينه و ليتبع دينك الحق .... لا ....أطلق سراحه و رده آمنا" إلى وطنه.

فإذا أحب أن يدخل في الإسلام فسيأتي طائعا" لا كارها" .
ولم ذلك الإرجاء و الترك ؟؟     ..... ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ [التوبة : 6]

فيجب إذا" أن يتركوا حتى يعلموا الدين , فإذا علموا الدين , فسوف يدخلونه......

 

(إن شاء الله تعالى  في الفصل التاسع نتعرض لشبهة وكذبة "" إنتشارالإسلام بالسيف "")
--------------------------------------
ونختم بقول  كارليل الإنكليزي في كتابه ( الأبطال):

من العار أن يصغي الإنسان المتمدن من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين أن دين الإسلام دين كذب .وأن محمداً لم يكن على حق : لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة – فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجاً منيراً أربعة عشر قرناً من الزمن لملايين كثيرة من الناس- فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها هذه الملايين ، وماتت أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع ؟! لو أنة الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفاً ، وعبثاً .وكان الأجدر بها أن لا توجد.

إن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يبني بيتاً من الطوب لجهله بخصائص البناء، وإذا بناه فما ذلك الذي يبنيه إلا كومة من أخلاط هذه المواد –فما بالك بالذي يبني بيتاً دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه مئات الملايين من الناس.

وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمداً كاذباً متصنعاً متذرعاً بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع …فما الرسالة التي أداها إلا الصدق والحق وما كلمته إلا صوت حق صادر من العالم المجهول وما هو إلا شهاب أضاء العالم أجمع .ذلك أمر الله ن وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
-----------------------------------------------

قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً [النساء : 170]