
-
تغيرات الكنيسة المصرية التاريخية - محمد مورو (هام)
في عهد البطريرك القبطي بنيامين جاء الفتح الإسلامي إلى مصر ورحب به المسيحيون للخلاص من الاضطهاد الروماني وثقة منهم في عدل وسماحة الإسلام وأعطى القائمون المسلمون عهداً بالسلامة والأمانة للبطريرك بنيامين الذي كان مختفيا من الاضطهاد الروماني.
ماذا حدث للكنيسة المصرية، وهل هذا الذي حدث هو نوع من التغيير التكتيكي أم أنه تغيير استراتيجي يضرب عميقاً في بنية وتركيب وتقاليد وتراث الكنيسة بل وعقائدها الدينية أيضا؟ وهل الشأن الكنسي المصري شأن مسيحي خالص، أم أنه جزء من التاريخ الوطني المصري ومن ثم العربي والإسلامي، بمعنى أن من حق المسلم أيضا على قدم المساواة مع المسيحي المصري والعربي ان يهتم بشؤون الكنيسة باعتبارها جزءاً من التركيب الحضاري والوطني المصري العربي؟
إن الاقتراب من هذه الأسئلة الجوهرية يفرض في البدء فهم تقاليد الكنيسة المصرية وتاريخها وتراثها بل وعقائدها أيضا.
دخلت المسيحية إلى مصر مبكراً جداً، على يد القديس مرقص أحد حواريي المسيح عليه السلام. وواجه المسيحيون في مصر موجات من الاضطهاد الروماني قبل أن تدخل الدولة الرومانية في المسيحية. وعندما اعتنق الإمبراطور قسطنطين المسيحية توقف الاضطهاد قليلا ليعود بعدها اشد قسوة تحت دعاوى اخرى.
ذلك أن الإمبراطورية الرومانية حاولت السيطرة على الكنيسة المصرية وإخضاعها لأوامر الإمبراطور، إلا أن البطريرك أثناسيوس رفض ذلك، وكانت النتيجة أن تعرض للمطاردة من قبل السلطات الرومانية التي وضعت جائزة لمن يأتي برأسه، واستمر اثناسيوس مطارداً لمدة عشرين عاماً كاملة حماه خلالها الرهبان والفلاحون، وفي عام 451 أكدت الكنيسة المصرية استقلالها العقائدي عن روما.
فقام الرومان بخلع الأنبا ديوسكورس وفرضوا بطريركا جديدا إلا أن المسيحيين المصريين رفضوا ذلك، ومنعوا البطريرك الجديد من دخول الكنيسة المصرية فقام جنود الإمبراطورية بإدخاله بالقوة وحدثت مذبحة على أبواب الكنيسة، وشهدت تلك الفترة أسوأ فترات الاضطهاد الروماني ضد المسيحيين المصريين وسقط بينهم الكثير من القتلى.
وحاول الإمبراطور الروماني هرقل أن يستثمر النفوذ الذي حصل عليه من حملاته العسكرية الناجحة ضد الفرس وأن يفرض بالقوة توحيد الكنيستين المصرية والبيزنطية إلا أن المحاولة فشلت رغم دمويتها ووحشيتها. وهكذا دشنت الكنيسة المصرية استقلالها العقائدي.
وفي عهد البطريرك القبطي بنيامين جاء الفتح الإسلامي إلى مصر ورحب به المسيحيون للخلاص من الاضطهاد الروماني وثقة منهم في عدل وسماحة الإسلام وأعطى القائمون المسلمون عهداً بالسلامة والأمانة للبطريرك بنيامين الذي كان مختفيا من الاضطهاد الروماني.
واستقبله عمرو بن العاص وأكرمه وقال له "جميع بيتك ورجالك اضبطهم ودبر أحوالهم"، وظلت العلاقة ودية على العموم بين المسلمين والمسيحيين على قاعدة عدم تدخل الحكام المسلمين في الشؤون الكنسية، وعدم تدخل البطاركة في السياسة وهو ما يتفق مع التقاليد الكنسية المصرية.
وعندما جاء الصليبيون إلى المنطقة منذ عام 1095 لم يظهر المسيحيون المصريون أي قدر من التعاطف معهم، واصدر القادة الصليبيون قراراً بمنع المسيحيين الأرثوذكس المصريين من الحج الى بيت المقدس بدعوى أنهم ملحدون وقام ملك فرنسا لويس التاسع بفرض بطريرك كاثوليكي على مدينة دمياط ولم تتوقف محاولات تغيير عقائد الكنيسة المصرية وتقاليدها.
ففي عام 1769 بعث بابا روما مندوباً عنه إلى مصر يحمل رسالة يدعو فيها البطريرك المصري يؤانس الثامن عشر إلى الاتحاد بين الكنيستين، إلا أن البطريرك رفض تلك الدعوة. ومع ظهور الاستعمار لم تتوقف تلك المحاولات عن طريق حملات التبشير التي استهدفت تغيير مذهب المسيحيين المصريين قبل أن تستهدف تنصير المسلمين، وتصدت الكنيسة المصرية لتلك الحملات، كما شارك المسيحيون المصريون إخوانهم المسلمين في التصدي للتغريب والنضال ضد الاستعمار.
وعندما ظهر ما يسمى بمجلس الكنائس العالمي، رفضت الكنيسة المصرية الانضمام إليه معتبرة انه جزء من المخطط الأميركي، إلا أن ذلك تغير في ما بعد على يد البابا شنودة.
نلاحظ من خلال ذلك السرد التاريخي أن:
- الكنيسة المصرية ترفض الخلط بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية.
- أن عقائد الكنيسة المصرية مختلفة عن عقائد الكنائس الغربية.
- أن المسيحيين المصريين تعرضوا لاضطهاد شديد ثم محاولات للتذويب ولكنهم تمسكوا بتقاليدهم.
- بديهي أن هناك خطاً هامشياً بين المسيحيين المصريين (التعاون مع الأجانب) ولكن ذلك كان مرفوضاً من الكنيسة وهو على كل حال موجود أيضا لدى المسلمين وبالتالي فليست له دلالة.
في الفترة الأخيرة، حدثت تغيرات إستراتيجية في بنية وتركيبة الكنيسة المصرية. ويمكننا أن ندخل العديد من العوامل في أسباب هذا التغيير منها صعود نجم الولايات المتحدة وإسرائيل ومحاولة الولايات المتحدة استخدام ورقة الأقليات، ومنها زيادة نفوذ المسيحيين المصريين المهاجرين (أقباط المهجر) واختراقهم من قبل أجهزة استخبارات غربية، وانسداد أفق التعبير الديمقراطي في مصر.
ولكن السبب الرئيس في رأينا يرجع إلى محاولة الكنيسة الاضطلاع بدور سياسي (حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 934 لسنة 36 قضائية) وهو أمر خطير على مستوى التخلي عن التقاليد الكنسية المصرية وعلى مستوى توتير العلاقة مع المسلمين، والمراهنة على العامل الخارجي لتحقيق بعض المطالب.
ونحن طبعاً لا نرفض أن يطالب المسيحيون المصريون بما يشاءون، ولكن ليس عن طريق استخدام الكنيسة وقيادتها ولكن عن طريق المجتمع المدني (المجالس الملية مثلاً). فتحول البطريرك إلى قائد سياسي، وهو مطاع دينيا بالطبع، يختلف عن الوضع بالنسبة إلى شيخ الأزهر مثلاً الذي لا يمكن أن تعتبر مخالفته وقوعاً في الإثم.
معنى ذلك إن ينقسم المجتمع إلى حزبين كبيرين: حزب مسيحي بقيادة البطريرك وحزب إسلامي بقيادة رئيس الجمهورية. وهذا السلوك هو الذي ظهر في أكثر من حادثة منذ حادثة الخانكة الأولى عام 1972 وانتهاء بالحوادث الأخيرة في الإسكندرية، وكانت محكمة القضاء الإداري في مصر، وتقرير هيئة مفوضي الدولة قد أشارا إلى هذا السلوك في حكمهما الصادر في الدعوى التي اشرنا إليها.
وهو سلوك يكرس الطائفية والاستقطاب في المجتمع، ولا يعني هذا أن الطائفية والاستقطاب لا يستندان إلى أسباب أخرى ولكن دور قيادة الكنيسة هنا دور محوري، فكان من الممكن مثلا أن تصدر الكنيسة المصرية قرار حرمان بحق من يسمون "أقباط المهجر" وهذا كان سيقضي على فتنة هؤلاء في مهدها، ويظل دورها مقتصراً على الأمور الروحية وتترك المطالب السياسية والمهنية وبناء الكنائس وما شابه لمؤسسات المجتمع المدني كالأحزاب والجمعيات والصحافة والمؤسسات التشريعية وغيرها.
على كل حال فإن هذا السلوك في رأي عدد من الشخصيات المسيحية المصرية كجمال اسعد ورفيق حبيب وغيرهما فيه خروج على التقاليد الكنسية، ويشكل خطراً على مصالح المسيحيين المصريين، لأن المراهنة هنا على العامل الخارجي أمر غير مضمون كما انه غير مبرر أخلاقيا.
ولأن ما يحدث الآن، وما حدث في الثلاثين عاما الأخيرة، هو أمر استراتيجي يمس بنية الكنيسة المصرية ويمس سلامة العلاقة بين أطراف المجتمع، ويمس الأمن القومي المصري والعربي، فإن الأمر يستدعي قدرا كبيرا من الاضطلاع بالمسؤولية والصراحة والمكاشفة،.
ويستدعي حواراً واسعاً ليس بين المسلمين والمسيحيين، أو بين الدولة والكنيسة، ولكن بين المسيحيين أنفسهم، لأن التاريخ يقول أن من يراهن على العامل الخارجي هو أول من يدفع الثمن وآخر من يستفيد.
نقلا عن مجلة الحياة اللبنانية.
http://masr.20at.com/article.php?sid=512
http://www.elfarouk.net/modules.php?...rticle&sid=384
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة armoosh_2005 في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 25-11-2009, 02:33 PM
-
بواسطة نوران في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 10-06-2008, 01:05 PM
-
بواسطة E/hossam_abdo في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 01-11-2007, 09:51 PM
-
بواسطة kholio5 في المنتدى من ثمارهم تعرفونهم
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 15-03-2007, 02:23 AM
-
بواسطة kholio5 في المنتدى من ثمارهم تعرفونهم
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 11-03-2007, 01:45 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات