584 هـ / 1189 م
المكان : قلعةٌ في قلب انجلترا ..
لم يكد ملك انجلترا هنري الثاني يُوارى الثرى حتى خلفه شابٌ في الثلاثينات من عمره يتدفق فتوةً ونشاطًا.. وصليبية !.
![]()
ريتشارد قلب الاسد ومخطوطة تبين صورتة منذ القرن الثاني عشر ميلادي
إنه ريتشارد قلب الأسد، المُقاتل الصلد الذي – كما يقول أحدُ مؤرخي الإسلام الأقدمين " ... عظم به شرُّ الفرنج واشتدت نكايتهم في المسلمين، وكان رجل زمانه شجاعة ومكراً وجلداً وصبراً، وبلي المسلمون منه بالداهية التي لا مثل لها... "
كان قلبُ الأسد مسكونًا بالرغبة في قيادة حرب صليبية ثالثة على بلاد الإسلام، وفاءً لوعدٍ قطعه لوالده،
كما جاء في بعض الوثائق التاريخية البريطانية [1]:
"…He acted upon a promise to his father to join the Third Crusade..."
لم يكتفِ ريتشارد قلب الأسد بالانضمام للحملة الصليبية الثالثة فحسب؛ بل كان مُحرضًا عليها داعيًا إليها، حتى دفع حماسُه أحدَ المؤرخين الإنجليز إلى الجزم بأن هدف قلب الأسد من تولي العرش إنما كان- في المقام الأول- من أجل قيادة الفيلق الإنجليزي في الحرب الصليبية، ومن أجل مرامه باع كثيرًا من أملاكه، وغادر قصوره إلى "الأرض المقدسة"!
يقول المؤرخ الإنجليزي [2] هاري جيل Harry Gill :
"When Richard I. came to the throne in 1189 his great ambition was, not to rule England, but to take part in a Crusade He devoted all his father’s accumulated wealth, and sold all honors in his gift, in order that he might further this purpose. He joined his forces with those of Philip Augustus of France and set out on the third Crusade to the Holy Land, leaving his Castle at Nottingham…"
وفعلاً؛ اتفق ريتشارد مع "فردريك بربروسا" إمبراطور ألمانيا، و"فيليب أوغسطس" ملك فرنسا على غزو بلاد المسلمين هقب دحر الصليبين عن القدس على يد البطل صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله- في سنة 583 هـ / 1187 مـ..
صلاح الدين الايوبي وصورة تخيلية له
انطلق ريتشارد من قصره في قلب انجلترا، اتَّعد مع الامبراطور الألماني على اللُقيا، لكن بربروسا غرق في نهرٍ وتفرق جيشُه؛ فكان اللقاءُ بين الفرنسيين والإنجليز في صقلية،
ثم نشب بينهما نزاعٌ؛ سُرعان ما تجاوزه القائدان الصليبيان تحقيقًا للهدف الأسمى، وتوحيدًا للجهد !
وصلت الجيوش الصليبية إلى شواطئ الشام، لكن محاولة احتلال القدس لم تنجح، وتقازمتْ قوة قلب الأسد وشجاعتُه وصبرُه أمام شموخ قوة وشجاعة وصبر صلاح الدين وجنودِ المسلمين، وتهشم جبروتُه على صخرة الإيمان الراسخة!،
حاصرتْ الحملةُ عكا حصارًا استمر –كما يقول ابن كثير رحمه الله- سبعة وثلاثين شهرًا!- استبسل فيه المسلمون حتى آخر رمق..
طال الأمدُ، و تكالبت على المسلمين متاعبُ الجوع والأوبئة؛ فاضطروا إلى تسليم عكّا ودفع 200 ألف دينار للصليبين على شرط أن لا يُمس أحد من حامية المدينة المسلمة بسوء،
لكن ريتشارد قلب الأسد نفض العهد!، وأخذ معه –طبقًا لبعض لمصادر الغربية- قرابة 2700 أسير من المُسلمين، ثم قتلهم! [3]
وبعدها.ز خُتم المشهد الأول من الحملة الصليبية الثالثة بعقد صلح الرملة بين صلاح الدين الأيوبي وبين ريتشارد قلب الأسد عام 21 شعبان 588هـ - 1سبتمبر 1192..
مات صلاحُ الدين-رحمه الله-،
وحاول ريتشارد قلب الأسد العودة إلى قصره في قلب انجلترا، ثم هلك ..
وبقيتْ مشاهد أخرى من الحملة الصليبية الثالثة لمّا تنته بعد
المفضلات