الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد ...
فمرحبا بأخي الحبيب وشرفنا إنضمامك لنا .
وبالنسبة لموضوعك أخي الحبيب فكما قلت أنها تقبل الصواب وتقبل الخطأ فاسمح لي بالتعليق على موضوع وبيان كيف يجب أن نتعامل مع القرآن تفسيرا وتأويلا ...
كما قال تعالى وتفضلت أنت بالنقل أن القرآن ينقسم إلى قسمين ( آيات محكمات ) و ( آيات متشابهات )
معنى المحكمات : بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس ..
معنى المتشابهات : فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم وتحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئًا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد .
ودعني أيضا أخي أفرق بين التأويل وبين التفسير :
فالتأويل : هو بيان معنى النص وما يؤول إليه أو صرف النص إلى غير ظاهره ولكن بدليل وهذا هو التأويل الصحيح .
أما التأويل الفاسد فهو صرف المعنى عن ظاهره بغير دليل ..
أما التفسير : هو بيان اللفظ وبيان غريب النص والمراد منه بالقطع والجزم .
يقول الله عز وجل :
" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) " آل عمران
أخي الحبيب لا يمكن مُطلقا تفسير كلام الله عز وجل بمجرد العقل والأراء الشخصية يستحيل عقلا أن نُقر بذلك ولا أقصد بهذا أن نلغي عقولنا لا , ولكن هناك أسس وأصول لا يجب أن نتعدها فالواجب تقديم الأصول ثم نستخدم عقولنا في فهمها واستيعابها .
ودعني أوضح بمثال إذا كان لديك مسألة في علم الهندسة ومطلوب منك حلها فلا يمكنك حلها بمجرد عقلك وفكرك إلا إذا إعتمدت على مُعطيات المسألة وأصولها أولا .
كذلك القرآن الكريم فاللغة العربية وكلماتها تحتمل أكثر من معنى ولها أكثر من مراد ولا يحل لأحد أن يختار منها ما رآه حسناً بعقله لأن الله عز وجل مراده واحد ومقصده واحد .
ومن المعلوم أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصح الناس في العربية وأعلمهم بها وأنقى الناس قلوبا فهم أولى بما تفضلت به من تفسير القرآن بما يروه هم وبما يعقلوه ولكن ما الذي حدث حين فعلوا ذلك :
روى البخاري رحمه الله من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
لَمَّا نَزَلَتْ { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ " لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ { لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } بِشِرْكٍ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } "
فانا وأنت إذا ألقينا هذا الكلام وراء ظهورنا هلكنا لماذا ؟ لأنه بالفعل من لم يلبس إيمانه بظلم وقد جاءت نكرة يعني أي ظلم سببت أحدا أو ضربت أحدا أو غضبت أو أو أو .. وهكذا أوله الصحابة ولكن هذا ليس مراد الله عز وجل مع أن ظاهر الآية يحتمل المعنى لغة وعقلا ..
مثال آخر :
روى الترمذي وابن ماجة من حديث عائشة رضي الله عنها أنها :
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ " لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ " وهذا حديث حسنه الألباني رحمه الله .
وقول عائشة أولته بفهمها وبما تحتمله اللغة ولكنه ليس مراد الله .
فيا أخي الحبيب لا ينبغي للمسلم أن يفسر القرآن أو يأوله بعقله وبفهمه الشخصي وأن يُلقي كلام الصحابة والعلماء وراء ظهره وقد رأيت أن الصحابة رضوان الله عليهم أخطأوا عندما اعتمدوا على أنفسهم في التأويل وهناك أمثلة كثيرا .
روى مسلم في صحيحه عن مسروق ( تابعي ) قال :
جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ ( اي ابن مسعود ) رَجُلٌ فَقَالَ تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ يُفَسِّرُ هَذِهِ الْآيَةَ { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } قَالَ" يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَانٌ فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ " فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ " مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ الْجَهْدِ وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ .... الحديث " .
وفي هذه الرواية أيضا قال " { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ } قَالَ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ " ولو سلمتها لعقلي لقال لي أنها يوم القيامة وما كنت أتصور أبدا أنها يوم بدر .
فكيف لنا يا أخي بمجرد عقولنا أن نعرف مراد الله بدون الرجوع إلى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم الصاحبة الذين تعلموا منهم وتابعيهم وتابعيهم حتى يصل إلينا العلم هذا أمر مرفوض .
يتبع ...
المفضلات