ولا تقتلوا وليدا

ولا تقتلوا وليدا

Thursday 17-1-2013
مثلت الحرب في السيرة النبوية جزءا هاما منها، وشارك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعضها وقادها بنفسه وهي ما يسمى بالغزوات، وقد تعرض الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حملات تشويه من أعداء الإسلام ـ قديما وحديثا ـ، واشتد هذا العداء والتشويه في العصور الأخيرة من خلال حملات إعلامية مضللة، ركزت بعضها على حروب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغزواته، فزعمت ـ زورا وبهتانا ـ أن الإسلام دين عنف وإرهاب, وأن رسول الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل يحب الحرب وإراقة الدماء ..
وقد أهملت تلك الدراسات عن عمد جوانب العظمة والكمال والرحمة في شخصية وحياة وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتجاهلت منهج وأخلاقيات الحرب عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلم تتحدث عن جوانب الرحمة والإنسانية في حروبه مع أعدائه، ولم تذكر رغبته وميله إلى المصالحة والموادعة قبل الحرب، وتناست حسن معاملته للأسرى ..
والسيرة النبوية والتاريخ يشهدان أنه لم تعرف البشرية محاربا أرحم بأعدائه أثناء الحرب وقبلها وبعدها من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وباستقراء سيرته وهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المعارك الحربيّة المختلفة، سواء المعارك التي قادها بنفسه (الغزوات)، أو ما كان يُوصِي به صحابته وقادته في عمليّاتهم ومعاركهم الحربيّة (السرايا) يتضِحُ لنا المنهج الأخلاقيّ الذي وضعه وطبقه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياته، والذي يؤكد سمو منهجه وهديه في الحياة كلها بما فيها الحروب والقتال، ويدحض افتراء المفترين وشبهات المبطلين .
وصايا عامة في الحرب :
عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: ( اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ) رواه البخاري .
قال الإمام النووي: " قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ولا تغدروا) بكسر الدال، والوليد: الصبي، وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها وهي تحريم الغدر، وتحريم الغلول، وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا، وكراهة المثلة، واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى الله تعالى، والرفق بأتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم وما يجب عليهم، وما يحل لهم وما يحرم عليهم، وما يكره وما يستحب " .
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث جيوشه قال: ( اخرجوا بسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع ) رواه أحمد .
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يُعرف به ) رواه البخاري .
وذكر ابن هشام في السيرة النبوية أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوصى عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ عندما أرسله إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل، فقال له: ( اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم ) رواه الحاكم .
قبل القتال :
لم يكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينظر إلى أعدائه نظرة لا تفرق بين معاهد ومحارب، ولم يكن ينقض العهود أو يغدر بأعدائه، بل كان يعامل كل فريق بمقتضى ما يربط بينهما من علاقات السلم والحرب، وقد لخص ابن القيم مُجْمل هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك في كتابه زاد المعاد فقال : " .. ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام : أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذِّمة، فأمر أن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأن يوَّفَّي لهم به ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانة نبذ إلى عهدهم، ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد ، وأُمَرَ أن يقاتل من نقض عهده ، ولما نزلت سورة " براءة " نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها، فأمره فيها أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام، وأمره بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان " .
أثناء القتال :
رغم كون القتال عملية تزهق فيها الأرواح وتجرح الأبدان، ويقصد فيها إلحاق أنواع الأذى بالأعداء، فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شرع لأمته آدابا يتحلون بها قبل الحرب وأثناءها وبعدها .. فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا و لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ) رواهمسلم .
اللهم نصرك لغزة الذي وعدت
المفضلات