قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِى بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.. تُرى أي نوع من العلم كان عند آدم? أهو علم ديني أم علم دنيوي؟ وأي الأسماء التي علمها الله له؟ وما المقصود بلفظة "الأسماء"؟.. لا يمكن أن يكون العلم الذي أعطاه الله لآدم علمًا دينيًّا؛ لأن آدم لم يكن قد أُنزل عليه وحْي, حتى يتكوّن من ورائه علم دينيّ, إنّما هو علم بأسماء الأشياء التي أودعها الله في الأرض, والتي سيحتاج آدم إلى التعامل معها.. والعلم بأسمائها يعني -والله أعلم: العلم بخصائصها وفوائدها وما يتّصل بذلك من مهماتها في الحياة، وهذا -بالقطع- ليس علمًا دينيًّا ولعله لو كان علمًا دينيًّا, لكان الملائكة أولى بالعلم به من آدم؛ لأن الملائكة هم الذين ينزلون بالوحي على رسل الله عليهم السلام.
وقال ابن كثير في تفسيره: هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه به من علم أسماء كل شيء دونهم، وهذا كان بعد سجودهم له، وإنما قدّم هذا الفصل على ذاك، لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة حين سألوا عن ذلك فأخبرهم الله سبحانه وتعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون؛ ولهذا ذكر تعالى هذا المقام عقيب هذا ليبيِّن لهم شرف آدم بما فُضِّلَ به عليهم في العلم، فقال تعالى {وعلم آدم الأسماء كلها}.
وقال السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: عرض عليه أسماء ولده إنسانًا إنسانًا، والدواب، فقيل: هذا الحمار، هذا الجمل، هذا الفرس.
وقال الضحَّاك عن ابن عباس: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان، ودابة، وسماء، وأرض، وسهل، وبحر، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.
وروى ابن أبي حاتم وابن جرير، من حديث عاصم بن كليب، عن سعيد بن معبد عن ابن عباس: {وعلم آدم الأسماء كلها} قال: علمه اسم الصحفة والقدر، قال: نعم حتى الفسوة والفسية.
واختار ابن جرير أنه علمه أسماء الملائكة وأسماء الذرية؛ لأنه قال: {ثم عرضهم} وهذا عبارة عما يعقل. وهذا الذي رجح به ليس بلازم، فإنه لا ينفي أن يدخل معهم غيرهم، ويعبر عن الجميع بصيغة من يعقل للتغليب. كما قال: {وَاللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رَجُلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور:45].
وقد قرأ عبد الله بن مسعود: {ثم عرضهن}، وقرأ أبي بن كعب: {ثم عرضها}، أي: السماوات.


والصحيحُ أنَّه علمَه أسماء الأشياء كلها: ذواتها وأفعالها؛ كما قال ابن عباس حتى الفسوة والفسية. يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر.
قال ابن عطية: اختلفوا في أي الأسماء علم الله آدم؟ فقيل: جميع المخلوقات حقيرها وجليلها، وقيل: أسماء الأجناس، وقيل: علم الأسماء بكل لغة تكلمت بها ذريته، وقد غلا قوم في هذا المعنى حتى حكى ابن جني عن أبي علي الفارسي أنه قال: علَّم الله آدم كل شيء حتى أنه كان يحسن من النحو مثل ما أحسن سيبويه، ونحو هذا من القول الذي هو بين الخطأ.. وقال أكثر العلماء: علمه منافع كل شيء وما يصلح.


المصدر: بوابة القاهرة الإخبارية


http://www.cairoportal.com/quran-and-biography/26033