أسطورة التحوّل الى الإسلام في أندلوسية الحاضر

بعد ايام من 11 من سبتمبر كنت أتمشى امام كنيسة السانطو عندما إلتقيت بصديقي، خوان، فسألني بين المزاح والجدية، إن كنت من اتباع اسامة بن لادن. في اللحظة الاولى، نظرا لجوّ الرّعب وعدم الامن، إعتبرت السؤال مجاني وغير مسؤول، بل صادما. فترة من الزمن فيما بعد، كنت أفكّر في ما كان يحدث ربما السؤال ليس غريبا ربّما يوجد منطق فيه.
اربعة سنوات بعد ذلك اليوم أنطونيو روتشا إقترح عليّ ان أكتب نصّا في مجلّة Ateneo Popular حول تحوّلي الى الإسلام ومحاولة إختصار تلك العملية. إني قد بدأت تلك المهمّة وكنت أطوّرها منذ عدّة سنين وأنتج عن هذا العمل كتاب "سطور المورو الجديد" الذي حاولت فيه قبل كلّ شيئ التحليل والتعبير عن المفاتيح التي حسب نظرتي يمكنها ان تساعد في فهم هذه العملية بطريقة ما. لهذا أظنّ اليوم أنّه رغم صعوبة تلخيص تجربة مثل هذه يجب القيام بالمحاولة لأنها طريقة جيّدة للمساهمة في التعارف المتبادل والشخصي الذي هو أساس الحياة الإجتماعية والثقافية والروحية لكلّ بشر ولكلّ قوم.
بحث جذري
بالمعنى العام الأسإلة يمكنها ان تكون مثل هذا النّوع: كيف لشاب من اسرة ميسورة وتلقى تربية في مدرسة خاصّة تابعة لجماعة أوبوس داي، يرجع متحوّلا الى مسلم ويكسر بذلك القوالب الإجتماعية والثقافية المقيمة بجذارة؟ ما التحوّلات الداخلية التي عاشها هذا الشخص؟ ما هي التجارب التي جعلته يعرف نفسه بطريقة مختلفة ويتبنى ضميرا جديدا –في الظاهر على الأقل- ليس له علاقة بتربيته وثقافته الأصليتان؟
للجواب على السؤال الأوّل يجب ان أقول انني في سنّ الخامسة عشر عشت أزمة وجدانية عميقة. كنت طفلا متديّن، ربما روحاني، تربيت بقيّم طبقة النبلاء البرجوازية الاندلوسية في لبّ عهد دكتاتورية فرانكو. كنت أذهب الى الكنيسة كل يوم احد، في ألمودوبر او بياروبيا، مع ابويّ و إخوتي. ربّما لهذا، عندما بدأت أعرف العالم في سن المراهقة لا يمكنني إلّا ان أتسائل عن بعض الأمور التي رغم كل الجهد المبدول لم أعثر على الأجوبة. الضغط بين ما اشعره في قلبي و بين ما تقدّم الي الحياة بات لا يحتمل. عقيدة الكنيسة اصحت بالنسبة لي عقبة تمنعني من التفكّر والتنفّس بحرّية. كنت في غاية الحاجة الى الاجوبة.
كنت طالبا متميّزا وأعشق القراءة. كلّما مضيت في إكتشاف العلم والفلسفة والفنّ وفوق كلّ هذا اكتشاف الحياة بدأت اعلم انّ منطقي وفطرتي تنافس فكرا جبريا ومذهبا مليئا بعقائد وألغاز. وبدأت أتطلّع على حياة في داخلي مبنية على الوسطاء ومسؤوليات اخلاقية يشرف عليها آخرون كالكهنة الرقباء على اعمق خصوصيتي. كذلك بدأ يظهر لي الفرق الواسع بين الدّعوى الى التواضع والفقر والصدقة وبين سلوك الترف لبعض المؤسسات الدينية.
وهكذا انجررت الى نوع من الحياة المادّية وعدم اتباع الديانة واوقفت موضوع الدين الى فرصة اخرى. ومع هذا تركت ايضا بتضرّج كثيرا من الافكار واساليب الحياة التي تميّز طبقتي الإجتماعية. هذه التجربة للإنحلال الطبقي والقطع مع الاعراف الاساسية الموروثة بدأت تؤدي بي الى نوع جديد من الحياة لم تكتمل صورته بعد. ايضا يجب عليّ ان اقول انّ ذلك السلوك المادّي الذي يوفّر لي نظرة الى العالم متطابقة مع منطقي و شعوري كان يحمل دائما نبض سؤال حول الوجود ومسألة النّفس والرّوح والإله.
في ذلك الوقت وفي التحوّل الدمقراطي في منتصف السبعينات المجتمع الأندلوسيّ كان في ذروة الكفاح ضد الفاشية وضد الحكم الجبري يمرّ منه الحركات الاديولوجية المتأخّرة التي نشأت من حركة الثقافة المضادّة لماي الفرنسي وحركة الهبي. في ذلك الوقت كنت مهتما بأساليب حياة وافكار اخرى. مع كتب لماركس وفرويد وجونغ ورستش كنت أقرأ ايضا كارلوس كساندرا وكتب يوغا التبت ونصوص عن البوذية، الى آخر. كنت ابحث عن نفسي وأحاول العثور على معنى لوجودي. عن طريق الفنّ عثرت على طريقة لتحقيق تلكة المعرفة، مرآة تسمح لي التأمل في عمق ذاتي وفي الحياة والوجود بدون عقبات وحدود.
قد مررت من كلّ تلك المراحل سنة عندما وصلت الى هذه القرية منذ عشرين سنة كالذي يريد العثور اخيرا على هوية كالذي عاش الكثير من الإنقطاعات ولم يبق له مرآة ليرى نفسه. بالرغم انّه طريقا متعثّرا وصعبا، وربما بسبب هذا، كان مليءا بالإكتشافات بمعنى إنساني وكوني.
هكذا خطوة خطوة بدأت أتعلّم تثمين الأشياء التي مرّت بدون أنتباهي. بدأت افهم كم هو صعب كسر النماذج والأفكار المسبقة الطريقة التي نرى بها الآخرون. تلك الرؤية تمنعنا من التعارف ببعضنا لبعض. "فلان قليل الادب، إنه لصّ" "آه.. فلانة، نعم، إنّها إشتراكية، لا يمكن الثقة بها" هذه الأمثلة تصبح مثل قبضان حياتنا الإجتماعية والجماعية، لأن تلك الأفكار المسبقة تكون بقوّة حتى إذا اراد شخصا يحسّن او يغيّر حياته عادة ما يمنعه من ذلك الضغط الإجتماعي النّظرة المهيمنة. و هذا ما نسميهي عادة النفاق الإجتماعي.
في ذلك الموقف من البحث الجدري أتيحت لي الفرصة للتعايش مع مسلمين للمرّة الأولى في حياتي، ولأتقاسم رؤية مختلفة في بعض المظاهر وقريبة في أخرى عن تلك التي بدأت تبقى في الخلف. ذلك الإكتشاف جعلني اهتمّ اكثر بمعرفة ذلك الأسلوب للحياة الذي لم اكن اعلم عنه شيئا سوى بعض الافكار المصتنعة الموروثةحول المورو.
شيئا فشيئا بدأت أكتشف نموذج آخر للعيش ليس مبنيا على الإتلاف ولا على الإنقطاعات بل نموذج للمساوة منطقي وبسيط ومتوازن. هنا لا يوجد التناقض بين الحياة الروحية والحياة المادّية. لا توجد ألغاز ولا مبادئ تناقض المنطق ولا العلم ولا يوجدوا كهنة ولا وسطاء بين الحاجة الاخلاقية والروحية والحقيقة الاحدية التي نسميها الله ولا بين السؤال والجواب.
عندما إستمعت لأوّل مرّة لتلاوة القرآن شعرت بالرسالة تصل الر مركز عمقي. تلك التلاوة كانت ولا تزال حتى الآن محرّك يثير ما في عمقي ويصل الى النخاع العظمي ويتركني لوحدي مع الحقّ.
اللهم نصرك لغزة الذي وعدت
المفضلات