- الحقيقة الواضحة أنه منذ بداية الألفية الثالثة لم تتبق سوى رؤيتين عالميتين تتنافسان للفوز بقلوب وعقول الغربيين : الدنيوية المعاصرة والإسلام

- السؤال : إلى من سينتمي المستقبل ؟ تتحدد النتيجة من خلال إجابة على سؤال حيوي : هل سيصبح القرن الحادي والعشرين قرن تدين أم لا ؟

- الواضح أن الديانات في سبيلها للانقراض خاصة في أوربا ، الناس تتخلى عن المسيحية وكنائسها ، الكنائس نفسها تساهم في ذلك بتقديمها تنازلات لا تنتهي ، لقد أصبح هناك رهبان لوطيين وأبيح الإجهاض وأصبح المطارنة والأساقفة إناثًا

- بالطبع الساحة ليست خالية تمامًا فالذين طلقوا المسيحية كثير منهم يلجأون للشعوذة والديانات الخاصة وأخذ الناس يجربون الشامانية والراهبات السلتيات وعبادة الشيطان والمعلمون الروحيون الهندوس والحميات القاسية والهوس بالصحة وحتى نشوة رقص التانجو

- الشباب في الغرب سئموا من ضياع الهدف والفراغ الروحي وصاروا يبحثون عن اليقين ، لقد تربوا بلا قيود وأصبحوا تواقين للقيادة ولقيم حقيقية ولعادات يمكنهم الوثوق بها ، هؤلاء يجعلوا القرن الحادي والعشرين إلى قرن تدين

- السؤال : إذا كانت أسهم الدين في صعود فهل سيكون الإسلام أم المسيحية هو الخيار المفضل لهؤلاء الباحثين عن السكينة والروحانية أم سيختار الناس ديانة اخترعها البشر

- أما عن النصرانية ففي رأيي غير قابلة للإصلاح وأما عن الديانات المصطنعة ففي الغالب لا مستقبل لها لأن الدين لابد أن تكون له سلطة إلهية مطلقة لا يرقى إليها شك وهذا لا يكون إلا في ديانة سماوية
- إن جيل الشباب الغربي أصبح يلتمس الرفقة والعشرة وقلقه يتزايد حول مصير العازبين في شيخوختهم ، وهنا يبدو الإسلام حلًا مثاليًا ، من خلال معانى الأخوة الإيمانية وصلة الرحم وبر الوالدين وحقوق الجار التي توفر الدفء والحنان والتعاطف والتراحم لهذا الشباب الخائف

- إن الطبيعة التوحدية لفضاء الانترنت وجو المغالاة في السخونة الجنسية والتنافسية الوحشية للحياة في الغرب والضغط المستمر على تحقيق انجازات تفوق طاقة الفرد ، كل هذا جعل كل أمريكي عادي يستشير طبيبًا نفسيًا واحدًا على الأقل

- إن هؤلاء الخائفين ينبهرون بالطمأنينة التي ينعم بها المسلمون وقلة الضغوط النفسية التي يتعرضون لها وانسجامهم مع الكون ومع ربهم ونفسهم لذا فهم يتوقون لاكتشاف المزيد عن الإسلام

- إذن هناك توصية واحدة بخصوص ما يتوجب على المسلمين عمله لنشر الإسلام : عرض الإسلام كوسيلة رئيسة لشفاء المجتمع الغربي من أمراض تكاد تودي بحياة هذا المجتمع ، لكن هناك شيء ينبغي الالتفات له وهو الابتعاد عن تقديم الإسلام بكل جزم ويقين واعتزاز ودون اعتذار أو تبرير أو طرق دفاعية ، يجب ألا نظهر بمظهر من يطلب شيئًا ولكن بحقيقة من لديه شيء يعطيه

- ماذا لدى الإسلام ليعطيه لهؤلاء الحيارى الخائفين :
١- توحيد الله : مفهوم الإسلام لله هو المفهوم الوحيد الذي يمكن أن يقبله ويقتنع به المثقف المعاصر ، التوحيد والدين الخالص لعبادة الإله الواحد دون زخارف مصطنعة
٢- نظام العائلة : لا يمكن لحضارة أن تستمر إذا تحطم كيان الأسرة ، وبينما فقد نظام العائلة تقريبًا في الغرب مكانته تظل العائلات المسلمة ورغم كل تأثيرات الحداثة والعولمة ، تظل تتميز عمومًا برباط أسري وثيق وتوفر لأعضائها شعورًا بالأمان
٣- ضبط النفس فبينما أصبح الغرب مدمنًا في عمق كيانه وأصبح الكثيرون هناك يدمنون السجائر والكحول والكوكايين والانترنت حتى صاروا عبيدًا لما يدمنون ، بينما نجد المسلمين جاهزون متيقظون لا يشعرون بالذنب نتيجة قتلهم لشخص بريء أثناء القيادة تحت تأثير المخدرات
٤- دين خال من الطقوس والقرابين والعقائد الغامضة بل يمكن لأقل مسلم منزلة أن يؤم الناس في الصلاة
٥- نظرة متوازنة للجنس فيجعله في إطار الحلال عبادة والمحافظة على كرامة المرء بحمايتها من استغلال جسدها كسلعة وتحريم الإجهاض وتحريم وتأثيم اللواط والسحاق
٦- ترياق للاقتصاد بمنع الربا وكل أشكال الاستثمارات الخالية من المخاطر وهو ما يجبر أصحاب الأموال على امتلاك روح ريادية تدفع الاقتصاد نحو الأمام

- في النهاية يمكن تلخيص الفرق الأساسي بين الغرب والشرق في نوعية الحياة والتي تتمثل في سلوكيات مختلفة فيما يتعلق بالكم والنوع ، فالغرب يميل للكم وتقييم كل الأشياء ماديًا وفي صورة أرقام بينما الشرقي المسلم يميل للحقائق الروحية البحتة ، حياة الإنسان الغربي تتوجه نحو التملك بينما حياة المسلم تتوجه نحو الوجود ولذا تجد ضبط النفس والراحة والصداقة وكرم الضيافة عند المسلمين

- في النهاية فإن فرص انتشار الإسلام كبديل وعلاج تعتمد ليس فقط على اعتراف الغرب بأنه مريض بل على استعداده لابتلاع الدواء ، فالتبصر شيء والتصرف بما تمليه البصيرة شيء آخر وفرق بين الإدراك والتطبيق ، القرآن يزخر بقصص تلك الأمم التي أخطأت في قراءة علامات الخطر ورفضت كل التحذيرات حتى انهارت حضارتها لما أصابها أمر الله ، وقد لا يجد الغرب الشجاعة والتصميم لتعديل المسار واختيار الإسلام أسلوب حياة والاستمرار في انحرافه حتى يذهب ضحية تناقضاته وأكثر هذه التناقضات تدميرًا هو تأليه الغرب للإنسان

- لقد أصبح لدى المسلمين اليوم مفكرين يمكنهم إلحاق الهزيمة بالإيدلوچية الغربية في عقر دارها وطبقًا لقوانينها ، والتحدي هنا هو إزالة الأوهام الأساسية للعقلية التنويرية والثقة المفرطة التي توليها لمنطق استقلالية الإنسان ، يجب خلع الإنسان عن عرش سيادته المفترضة وإعادته لحظيرة الإيمان بالله من خلال بيان : غباء وخطورة الإلحاد وتناقضه ومعقولية وجود الله وبالتالي عقلانية الإيمان

مراد هوفمان