
-
رسول ورسالة
رسول ورسالة
أحمد الله تبارك وتعالى وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابة ومن اقتدى بهدية وأتبع طريقه وسار على نهجه إلى يوم الدين وبعد:فنحن نلتقي في بيت الله نستدر من صاحب هذه الذكرى العطرة فيضا من حسن الأسوة وكمال القدوة حيث قال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } .وليس أحب إلينا , ولا أشوق لأرواحنا من تلك الساعات الكريمة التي نلتقي فيها دراسة لكتاب الله وسنته رسول الله وسيرته العطرة التي بها القدوة والأسوة ونسأل الله أن يجعل مجلسنا هذا من المجالس التي تتباهى بها الملائكة ونستعيد ما كان يفعله أصحاب رسول الله
وينتحي بهم ناحيته في المسجد يتدارسون كتاب الله تبارك وتعالى فكان النبي
إذا رأهم سر بهم ودعا لهم وقال : (ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده) فاللهم اجعلنا من الذين يحق فيهم قول النبي
)إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) .وأود أن ألقي نظرة معكم في هذه الليلة المباركة من سيرة الرسول
فألقى معكم نظرة عجلى
ا – على البيئة التي نشاء فيها رسول الله .
ب – واستفادته من تلك البيئة .
ج- ثم تطلع العالم إلى المنقذ لهم .
د – ثم ما تحمله هذه الرسالة من فضائل ومثل نحن أحوج إليها اليوم وغدا كما درج أسلافنا الصالحون عليها نسعد بها في الدنيا والأخر .
أ- إن البيئة التي نشأ فيها رسول الله
وهى البيئة المكانية كانت أشرف الأمكنة وأطهر البقاع لقد كان في الحجاز بمكة المكرمة بجوار البيت المحرم , وما جاور الجزيرة العربية حين قام بأسفاره ورحلاته , واستيطانه المدينة حين هاجر فهو في هذه الربوع نشأ وكانت نشأته في هذه البيئة الطيبة والمنبت الكريم تتناسب مع المهمة العظمى التي اختير لها فالعربي يواجه الكون وجها لوجه يفترش الأرض ويلتحف السماء , ويكافح عناصر الكون كفاحا شديدا يستشعر البرد على حقيقة , والحر على قيظه , وفى أثناء هذه المؤثرات , لا يستطيع أن يحصل على مقوماتهن حياته إلا بشق الأنفس فهو حين يريد أن يحصل على الماء لابد أن
- سورة الأحزاب21
-(صحيح) أخرجه مسلم في صحيحه حديث رقم 2702، وأخرجه أحمد في مسنده حديث رقم 11465، وأخرجه ابن حبان في صحيحه حديث رقم 855، وأخرجه الطياليسي في مسنده حديث رقم 2347,2508، وأخرجه أبو يعلى في مسنده حديث رقم 6159.
-(صحيح) أخرجه مسلم في صحيحه حديث رقم 2568، وأخرجه الدارمي في سننه حديث رقم 2757، وأخرجه مالك في الموطأ برواية يحيى الليثي حديث رقم 1776.
- ( التحف ) لحافا اتخذه لنفسه وباللحاف وغيره تغطى به ويقال التحفت الدابة بالسمن(المعجم الوسيط (2/ 818)
- ( القيظ ) صميم الصيف ( ج ) أقياظ وقيوظ(المعجم الوسيط (2/ 770)
يقطع المسافات الطويلة , ولا بد أن يضرب في مهد الأرض ليلقاه , وحين يريد الغذاء فلابد من هذا العناء أيضا فكانت رحلتي الشتاء والصيف ثم هو رضي النفس , قوى الحواس يرسل مشاعره في الفضاء غير المحدود فتنهال عليه الأفكار والمعاني , وهو لا يحده قيد ,ولا يمنع تفكيره مانع هذه هي البيئة التي جعلت الرجل العربي ممتازا في شؤن حياته في تكوينه وفى أخلاقه .وهذه البيئة لا بد أن تطبع إنسان بطابع خاص وهى بيئة لا تتوافر فيها الضروريات فضلا عن الكماليات والشهوات ثم نرى عاملا أخر وهو ملاصقة هذه البيئة لحرم الله ومجاورتها له ولذا للحرم قداسة خاصة في نفوس أهله , لأنهم يعتقدون أنه معقل عزهم فهم يتقاسمون خدمة , ويتفانون في تعظيمه , ويقدمون سقاية الحجيج , وإكرام الوافدين عليه ويرون الفخر كل الفخر فيما يقومون به , حتى يتفاخرون بعد البعثة والإسلام بهذه الأشياء التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم حتى نزل قول الله تعالى {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .هذه البيئة التي سكنها الإسلام وعمرها كانت بيئة ممتازة عن غيرها نبت فيها الإسلام ثم انبسط على الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي كذلك من حدود الصين إلى حدود طنجة .هذه البيئة ميزها الله عن غيرها تميزا عجيبا إذ جعلها في أعدل بلاد الأرض , ومهبط الروحانيات , ومنبع الأديان والفلسفيات ومشرق النور والحكم والأمثال فما أولانا نحن المسلمين أن ننقذ بهذا الوطن الذي اختاره الله للفكرة الإسلامية ومازالت مكة قلب هذا الوطن .لقد اختير رسول الله
من العرب والعرب هم أهل هذه الصحراء فماذا فعلت فيهم ؟لقد كونتهم تكوينا رائعا فالعربي سليم في بدنه , سليم في حواسه , حسن رقيق , وشمة يقظه , وبدنه مكتمل , لا ترى فيه مسكنا لداء ولا أثر لعلة والواقع أن الصحراء ساعدت كثيرا على استمتاع هؤلاء القوم بسلامة عقولهم , وصحة أبدانهم ومعافاة حواسهم فإن هذه الخشونة التي عاشوا فيها سهلت عليهم الارتباط بالحياة , وسهلت لهم التضحية في سبيل ما يعتقدون والعربي بتأثره ببيئته بما يرى وبما يسمع فإذا سمع القول تأثر به وأنصت إليه , ويستطيع بحسه الدقيق ونفسه الشاعرة أن يصل إلى الكثير مما في القول من الحق .ثم هناك عامل آخر
- سورة التوبة19
هذه الحياة في الصحراء جعلتهم يعتمدون على الكرم والبذل والإباء , والتضحية والشجاعة , وحرية الفكر , والصبر والجلد , فالمجتمع الذي نشأ فيه العربي هو أفضل المجتمعات لهذا اختير رسول الله
, واختير له هذا المجتمع العربي , والبيئة الطيبة وهذا الوسط العالمي .لم يختر من الفرس على سعة علومهم ومعارفهم , ولا من الهند على عمق فلسفاتهم , ولا من الرومان على تقننهم وتفننهم ولا من اليونان على عبقرية شاعريتهم وخيالهم إنما اختبر من هذه البيئة البكر لأن هؤلاء الأقوام وإن كانوا على ماهم عليه من علوم ومعارف إلا أنهم لم يصلوا إلى ما وصل إليه العرب من سلامة الفكرة والفطرة , وحرية الضمير , وسمو الروح .لقد كان العرب على غاية من العفة والطهر لم تدانهم فيها أمة من الأمم فهذا عبد الله والرسول
وقد عرضت عليه الكاهنة نفسها فأبت نفسه الشريفة أن تتدنس بأرجاس الجاهلية والفاحشة وأبى عليه خلقه الفاضل إلا أن يقول:
** أَمَّا الحرامُ فالمَماتُ دونَهُ ** والحِلُّ لا حِلَّ فأستَبينَهُ ** فكيفَ بالأمرِ الذي تَبْغِينَه **** يحمى الكريم عرضه ودينه **
وما نجده في عثمان بن طلحه حين كان على الكفر وصاحب أم سلمة في هجرتها بصبها وكانت على جانب كبير من الجمال وهى شابة تقول لقيت عثمان بن طلحة, فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة. فقال: هل معك أحد؟ فقلت: لا والله, إلا الله وابني هذا. فقال: والله مالك مترك, وأخذ بخطام البعير, فانطلق معي يقودني فوالله ما صحبت رجلاً من العرب أراه أكرم منه, كان إذا نزل أناخ بي ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها, فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدَّمه ورحله, ثم استأخر عني, وقال: اركبي. فإذا ركبت, واستويت على بعيري, أتى فأخذ بخطامه, فقاده حتى ينزل بي, فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم المدينة. فلما نظر إلى قرية بني عمر بن عوف بقباء وكان فيها منزل أبي سلمة في مهاجرة فقال: إن زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله. ثم انصرف راجعاً إلى مكة. فكانت تقول والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة ، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة وقد حدث يوم الفتح جلس رسول الله في المسجد فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية
- السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون (1/ 63)
- ( الخطام ) الزمام وما وضع على خطم الجمل ليقاد به ويقال وضع الخطام على أنف فلان ملكه واستبد به ومنع خطامه امتنع من الذل والانقياد ووتر القوس ( ج ) خطم وأخطمة(المعجم الوسيط (1/ 245)
- ( أناخ )بالمكان أقام ويقال أناخ به البلاء والذل حل به ولزمه والجمل أبركه ويقال أناخ بفلان حاجته أنزلها به وشكاها إليه(المعجم الوسيط (2/ 961)
- الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء (1/ 254) الروض الأنف (2/ 290) السيرة الحلبية (2/ 183) السيرة النبوية (2/ 316)
- الحِجابةُ يعنون حِجابةَ الكَعْبةِ وهي سِدانَتُها وتَولِّي حِفْظِها وهم الذين بأَيديهم مَفاتِيحُها(لسان العرب (1/ 298)
صلى الله عليك ، فقال رسول الله
أين عثمان بن طلحة ؟ فدعي له فقال هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء قال ابن هشام : وذكر سفيان بن عيينة أن رسول الله
قال لعلي إنما أعطيكم ما ترزءون لا ما ترزءون والعربي لا يقتحم على عدوه الذي يحاربه داره لأن للديار حرمات وإنما ينتظر حتى يخرج منه ويبارزه وجها لوجه ولا يعرف الغدر والخيانة ومن ذلك تأمرت قريش على قتل رسول الله
ليلة الهجرة وأحاطت فتيانها بالدار ولم يقتحموا على من فيها حتى خرج لهم علي بن أبى طالب رضي الله عنه فعرفوا أن كيدهم قد أحبط.
ب - العربي لديه نفس سامية وشمم عالية ومن هذا نعرف الخطأ الذي يقع فيه بعض المؤرخين وهم يصورون المجتمع العربي مجتمعا همجيا ينفعلون لأتفه الأسباب ويهيمون كالأنعام .صحيح أن معظمهم كانوا مشركين , وكان معظمهم يشرب الخمر , ويأتي بعادات مستهجنه قبيحة لكن جوهر الروح العربي كان جوهرا نقيا وما جاءت هذه الرذائل إلا من أساف العربي ومقالاته في فضائل الأخلاق وجاء الإسلام فعدل من أخلاقهم وكشف عن جوهر هذه النفوس . أما ذلك النبي الأمي الذي أشرق على العالم شمس الهداية والتوحيد ومعجزة أنه أمي حتى يأتي بكتاب أسلم أرباب الفصاحة له وقيادهم ويقول اله تعالى {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ. بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} .
ج – هيأ الله نبيه قبل البعثة من الميلاد إلى البعثة بما يستطيع به من التربية العالية أن يكون أهلا لحمل هذه الرسالة الكبرى وقد كانت الدنيا تتطلع إلى بعثته المنقذ لها من الضلال .لقد كانت الدنيا كلها في حاجة إلى رسالته , وإلى هذا الرجل المرتقب وبخاصة في ذلك الوقت الذي عميت فيه الوحشة الروحية والفكرية والدينية .لقد كان الناس في ذلك الوقت الذي بعث فيه النبي
إما يهودا أو نصارى , أو وثنيين كالفرس والعرب الفرس يعبدون النار وقد فشت فيهم المبادىء الخاطئة , والعرب يعبدون الأحجار التي ينتحلون لها صفة الألوهية , والروم كانوا يحملون لواء المسيحية التي تحولت إلى فرق يخطىء بعضها بعضا فلم تكن هذه
-الرُّزْءُ: المصيبة، ( العباب الزاخر (1/ 19، بترقيم الشاملة آليا)
- سيرة ابن هشام [مشكول] (2/ 412) الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء (2/ 189) الرحيق المختوم (ص: 386)
- أسَافَ الرجل: أي هلك ماله(العباب الزاخر (1/ 440، بترقيم الشاملة آليا).
- سورة العنكبوت48 -49
العقيدة مستقرة في نفوس الناس واليهودية لم تكن لها فكرة ولا جامعة ولكنها قبائل صغيرة مستضعفة , والخلاف بينها وبين الفرق المسيحية مستحكم : وقد استفاض في الناس بأنه سيبعث نبي إلى الناس كافة , فكان اليهود والنصارى يأملون أن يكون منهم , والعرب يظنون أنه منهم حتى بلغ بأميه بن أبى الصلت أنه كان يرجوا أن يكون هو النبي المنتظر(فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) .فالعالم الإنساني كان في حاجة إلى محمد ورسالته فلما جاء النبي
هيأه الله قبل حمله الرسالة بأن يصقله صقلا ربانيا يتلائم مع ضخامة هذا العبء الكبير {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } .لقد هيأ الله تعالى الأذهان والأرواح حتى تستقبل الدنيا هذا النبي الكريم استقبالا كريما .فأبرز الحوادث التي لقيها النبي
في ابان حياته أنه فقد عائلته عائلا فعائلا فهو إذ يستقبل الدنيا يسبقه أبوه إلى الدار الآخرة , وهو إذ يستقبل السادسة من عمره تلحق به أمه بأبيه , ثم لا يلبث بعد ذلك بسنتين حتى يلحق جده بهما , ثم يكون في كفالة عمه أبى طالب إن هذا المعنى فيه من أنواع التكريم للنبي
ما فيه فقد أراد الله لنبيه أن ينشأ في كنف ورعاية لأن كنف الناس ورعايتهم , إن الله تعالى يريد أن يحمله الأعباء من بدء الحياة حتى يستكمل رجولته فلا يبتئس بما يواجه في حياته من الآلام {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } ورحل النبي رحلة مع عمه أبى طالب بالشام وقد تجاوز العشر سنين حيث رأى أفقا واسعا عن أفق مكة وسمع تبشير الرهبان بقرب بعثه ولاشك أن هذه الرحلة تركت في نفسه أثرا واضحا فزادت لديه بمعرفة الأقاليم والناس وكانت تكميلا له ولا يكمل الإنسان مثل السفر والرحلات وحضر حرب الفجار بين قريش وهمازن وهو يصطلي بنار هذه الحرب مع أعمامه وقد بدأها وانتهى منها وهو يرده معهم وهذا كان تدريبا له تدريبا ابتدائيا على ما يلقى من كفاح مع الناس في مستقبل حياته ,وحضر حلف الفضول وشاهده ذلك الحلف الذي تعاقد فيه نخبه من قريش على أن ينصروا المظلوم ولو لم يدعهم أحد إلى هذا سواء كان ذلك في مكة أم في غيرها وقد روى أن رجلا من خثعم قدم مكة معتمرا ، أو حاجا ، ومعه بنت له يقال لها : القتول من أوضأ نساء العالمين فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج وغيبها عنه فقال الخثعمي : من يعديني على هذا الرجل فقيل له عليك بحلف الفضول فوقف عند الكعبة ، ونادى : يا لحلف الفضول فإذا هم يعنقون إليه من كل جانب وقد
- ( استفاض ) الخبر انتشر والقوم في الحديث توسعوا والوادي شجرا امتلأ(المعجم الوسيط (2/ 708)
- سورة البقرة89
- سورة المزمل5
- ( إبان ) الشيء أوانه(المعجم الوسيط (1/ 3)
- سورة الطور48
انتضوا أسيافهم يقولون جاءك الغوث ، فما لك ؟ فقال إن نبيها ظلمني في ابنتي ، وانتزعها مني قسرا ، فساروا معه حتى وقفوا على باب الدار فخرج إليهم فقالوا له أخرج الجارية ويحك ، فقد علمت من نحن وما تعاقدنا عليه فقال أفعل ولكن متعوني بها الليلة فقالوا له لا والله ولا شخب لقحة فأخرجها إليهم .روى أن عاصي بن وائل السهمي ماطل رجلا في دين له فوقف الرجل حين أعياه الأمر وأعلى صوته مستغيثا بحلف الفضول فاجتمع أهل الحلف على العاصي بن وائل ولم يتركوه حتى قضى للرجل دينه وروى أن النبي
قال في حلف الفضول ( لقد شهدت مع عمومتي في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت) هذا الحادث كان له أثر في نفس الرسول حتى إنه ليفخر به في الإسلام .ثم يأتي حادث بناء الكعبة واحتكام قريش إليه
وكان هذا في الواقع عقد لواء الإمامة لرسول الله
ولو بصوره غير مباشرة فنشأته
منذ ولد إلى أن بعث تمتاز بأمور بارزة لقي فيها كثيرا من الشدائد فلم تكن حياته هينة سهلة بل كانت قاسية تحمل فيها مواجها الحياة وظروفها فارغة من اللين والمتعة واللهو . وهو يلقى كل هذا باحتساب وصبر واحتمال وتلك كانت التربية العالية التي أرادها الله له والحياة التي امتازت بالتعالي عن سفاسف الأمور فلم يسجد لصنم , ولم يشرب الخمر , ولم يله كما يلهو الصغار ولا كما يعبثون , وإنما كان طاهرا نقيا منصرفا إلى مكارم الأخلاق وإلى الخير المحصن حتى أطلقوا عليه فيما بينهم ( الصادق الأمين ) ليكون أهلا لتحمل الرسالة التي يجتبيها الله له .
د – عظمة الرسول وفضل رسالة على الدنيا :-
إن الله عز وجل أرسل رسلا كثيرين قاموا بواجب الدعوة إليه وتوارثوا كابرا عن كابر هداية الخلق ونصرة الحق فأنقذوا الناس من أنفسهم وعرفوهم إلى ربهم .ولكن محمدا
كان بشخصية وطبيعة رسالة أمام الأنبياء وكان بحق سيد الدعاة إلى الله فما سر هذه العظمة ؟
وبم كان هذا الفضل المبين ؟
السر في هذا أن محمدا الرسول كلف أن يغرس في قلوب من حوله إيمانا لا تستخدم في غرسه إلا الوسائل المقدورة لطاقة البشر وقد استطاع ذلك من غير أن تتبدل الأرض غير الأرض على عكس ما حدث على عهد موسى مثلا إذ رفع الطور فوق رؤس الناس ليؤمنوا
- الروض الأنف (1/ 241) السيرة الحلبية (1/ 215) السيرة النبوية (1/ 259)
- (صحيح) فقه السيرة (ص: 67) السيرة النبوية (1/ 266) الرحيق المختوم (ص: 44)
- السفساف : الرديء من كل شيء والأمر الحقير(القاموس المحيط (ص: 1059)
- سيرة النبي المختار (ص: 119) محمد صلى الله عليه وسلم كأنك تراه (ص: 30) أعلام النبوة (ص: 107)
بالله وأعطوا على ذلك الموثق {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . وكما كان نبينا بين أتباعه بشرا رسولا فقد كان كذلك مع أعدائه لم تسخر ضدهم قوى السماء على كثرة ما لحقه فهم من إيذاء على عكس ما حدث لموسى فقد نكل الله بأعدائه تنكيلا قاهرا إذ مسخهم قردة وخنازير {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ. فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} .وليس يفهم من ذلك أن حياة الرسول كانت خلوا من الخوارق لا فإن النبوات قائمة على أن تقترن بالخوارق في كثير من مظاهرها إنما المهم أن تأسيس اليقين في قلوب الموقنين واستئصال العدوان من نفوس المعتدين ,كان العامل الفعال فيه بشرا اكتملت في خلقه وخلفه عناصر الكمال الإنساني , وانتهت إلى شخصيته أمجاد الفطرة البشرية الناصعة فكان أتباعه من أعمق الناس حبا له لأنه أهل لكل حب , وكان أعداؤه من أشد الناس تهيبا له لأنهم يدركون أن أمامهم بطولة يعز تناولها , ويصعب الكيد لها .وكان هو في محبته للمؤمنين برا ودودا تنبثق من فؤاده النبيل عواطف جياشة لا تنضب معينها ولا يعكر صفوها .اتسعت للسابقين واللاجئين من أمته من رآهم ومن لم يرهم سمعه أصحابه يقول(وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله.قال [ بل ] أنتم أصحابي، وإخواننا الذين يأتون بعد) فأي حب هذا الذي يمتد مع العصور المستقبلة ليربط بقلوب نبيها في الغيب , أما أعداؤه فحسبنا من نقاء صدره أن ابن أبى رأس النفاق الذي طعن النبي في شرفه , وافترى الإفك على أهله كفنه يوم مات في قميصه وأن النبي السمح لم يرفض الاستغفار له حتى أمر بالكف عنه .ذلك أمر يختص بشخصية النبي الذي تخيرته العناية الإلهية لحمل الأمانة العظمى (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) .أما الأمر الذي يتصل برسالته بإسلامية نفسها فقد شاء الله أن يكون كتابها مسك الختام , وأن تغلق من بعده أبواب السماء , فلن ينزل ملك بوحي , ولن ينزل الملأ الأعلى بعده نبأ , وعلى الناس مكن كل جنس ولون أن يستمعوا في هذا القرآن إلى الكلمة الأخيرة من هدى الرحمن {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وقوله تعالى { لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } هذه الرسالة إذن باقية مع الزمن ما بقي الزمن فصاحبها نبي الخلود .وإذا علمنا أنها استوعبت كل
- سورة البقرة63
- سورة البقرة 65-66
-(صحيح) أحكام الجنائز (ص: 190)اخرجه مسلم (1 / 150 - 151) ومالك (1 / 49 - 50) والنسائي (1 / 35) وابن ماجه (2 / 580) والبيهقي (4 / 78) وأحمد (2 / 300، 408)
- سورة الأنعام124
- سورة الأنعام115
- سورة الروم30
ما في الرسالات الأولى من أصول ثابتة بعد أن نفت عنها خرافات الجهلة من الأتباع , وأكاذيب الدجالين من رجال الدين من كل طائفة علمنا أن الإسلام في جوهره النقي دين الأزل والأبد , وأن نبي الإسلام هو إمام الأنبياء وحامل لواء الحق من بداية أمره إلى نهاية مستقرة .ولقد كان نبي القرآن عربيا بحكم المولد واللسان فليس وقفا على أمة دون أمة من حيث التعاليم والتشاريع بل ميراثه ملك للناس جميعا على سواء وحق القيام على دعوته يجب على كل من تبلغه آياتها { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ } .فإذا افتخرت أمة بأن النبي منها فلتفتخر الأمم جميعا بأن النبي لها {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } .ومن الخطأ أن نظن لأي عموم الرسالة وخلودها تحكما في عقول الأجيال , وتجاهلا لأحوال الأمم وظروفها المتجددة ووفقا لحركات التطور الإنساني نحو الكمال .فإن تعميم نبوة محمد
وتخليدها لم يقصد به إلا المحافظة على ذلك كله لخير الإنسان وحده .فإن الإسلام أوضح الحقائق الأساسية في علاقة الإنسان بالله , وبالناس , وبالكون , وربطها بهدى الفطرة وضياء العقل .وإذا كانت به قيود مفروضة , أو صور مرسومة حددها الإسلام تجمع الفطرة مع الحق , ويتحمل العقل ويشرد عن سواء السبيل , ويخرج الإنسان على نفسه .إن الإسلام دين الإنسانية الخالصة ونبي الإسلام أحق من تلجأ إليه هذه الإنسانية لتأوى في كنفه إلى الإيمان والأمان , والإخاء والحب , والصفاء والنقاء .{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} . اللهم إنك تعلم وما مرادي به وهداية المتعلمين ونصيحة المسلمين وإيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين وأوصلني إلى جنتك برحمتك يا أرحم الراحمين وقد أحببت رسولك وأصحابه وأهل الحق الذين قالوا بقول رسولك وفقنا الله للقول الصدق وان لا تزل أقدامنا عن الصراط السوي والمنهج الواضح القوي والمسلك القويم النبوي ويسر لنا الاهتداء بهدي نبيه محمد
- سورة الأنعام19
- سورة الأنبياء107
- سورة المؤمنون72-74
والاقتفاء بمن اتبع سنته واختار شريعته واقتدى بسيرته والله المسئول أن يزيده مما أولاه أن يصلح لكل منا آخره وأولاه فضلا من رب العالمين وكرمنا منه سبحانه اللهم آمين
الشيخ الحسيني مصطفى الريس
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة د/مسلمة في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
مشاركات: 22
آخر مشاركة: 13-04-2014, 08:04 PM
-
بواسطة mounir4 في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 13
آخر مشاركة: 04-07-2009, 05:23 PM
-
بواسطة الهزبر في المنتدى الأدب والشعر
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 09-09-2007, 07:11 PM
-
بواسطة muslem1_3 في المنتدى البشارات بالرسول صلى الله عليه وسلم
مشاركات: 58
آخر مشاركة: 05-05-2007, 02:25 AM
-
بواسطة ali9 في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 12-10-2005, 12:35 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات