بسم الله الرحمن الرحيم

د. مصطفى عبدا لرحمن .




كثير من الأمهات الحوامل ، تخشى أن تلد طفلاً خديجاً ، لما تسمع من جاراتها وصديقاتها عن فلانة المسكينة التي رزقت بطفل في الشهر السابع من الحمل وخرجت هي من دار الولادة بينما بقي هو لأسابيع في الحاضنة ... فماذا نعني بالطفل الخديج ؟ وما هي أهم الاختلاطات التي يتعرض لها ، وما هو دور الأم في العناية به؟...

من هو الوليد الخديج ؟

إن فترة الحمل الطبيعية تمتد من 37- 41 أسبوعا ، تحسب من أول يوم لأخر طمث رأته الحامل .
الخديج Premature : هو كل وليد يولد قبل 37 أسبوع من الحمل.
ان نسبة حدوث الخداجة Prematurity تختلف باختلاف البلدان ، ولكنها بشكل عام تتراوح من 6 – 8 % من الحمول .. أي أن 6 – 8 % من الولدان يولدون خدجاً قبل 37 أسبوع من الحمل.

ماهي صفات الوليد الخديج ؟

يكون الوليد الخديج : قليل الوزن قصير الطول صغير الحجم مقارنة بأقرانه المولودين في عمر حملي طبيعي ، وأيضاً يكون جلده رقيقاً ونسيجه الشحمي تحت الجلد قليلاً .
لكن أكثر الخدج يلحقون بأقرانهم المولودين بعمر حملي طبيعي في حوالي السنتين من العمر، حيث تصبح أوزانهم وكذلك أطوالهم وبالتالي أحجامهم ، مساوية أو قريبة لأوزان وأطوال وأحجام أقرانهم من الآخرين، وذلك في معظم الحالات .

ما هي أهم المشاكل والمضاعفات التي يتعرض لها الخديج ؟

عندما يولد الوليد خديجاً ، فان أعضاءه تكون غير مكتملة النمو والنضج ، وبالتالي فإن هذه الأعضاء تكون غير قادرة على القيام بوظائفها كما ينبغي ، وعليه فإن كل المضاعفات والاختلاطات تزداد أو تنقص بحسب درجة الخداجة ، أي بحسب بعد أو قرب الوليد من العمر الحملي الطبيعي : 37 أسبوع.
عندما تلدين طفلاً خديجاً ، يجب أن تعلمي أن وليدك سيبقى في المستشفى لفترة تطول أو تقصر بحسب المضاعفات التي يمكن أن يتعرض لها ، وأيضاً بحسب بعده أو قربه من العمر الحملي الطبيعي :37 أسبوع ... وعلى سبيل المثال : فإن الوليد المولود في عمر 32 أسبوع ، يتوقع أن يبقى في المستشفى حوالي 5 أسابيع ، والآخر الذي ولد في 30 أسبوع ، يتوقع أن يظل في المستشفى مدة 7 أسابيع وهكذا ...
أما عن المشاكل والمضاعفات التي يمكن أن يتعرض لها وليدك الخديج ، فهي على نوعين :

النوع الأول من المضاعفات : وهو ناجم كما سبق وأشرنا ، عن النقص الحاصل في درجة اكتمال نمو أعضائه ووظائف هذه الأعضاء ( وحدوث هذه المضاعفات أو إمكانية حدوثها هي السبب المباشر لبقائه في المستشفى ) :

1. مضاعفات تنفسية : حيث يصاب الخديج بصعوبات مختلفة في التنفس و منذ اللحظات الاولى لولادته : وذلك نتيجة غياب أو نقص حاد في مادة السرفاكتانت Surfactant المسؤولة عن إعطاء الرئتين القدرة على القيام بوظيفتها في التنفس . لقد تمكن العلماء في السنوات الأخيرة من استخراج هذه المادة من الحيوانات أو تصنيعها كيميائياً ، وحقنها في رئتي الوليد الخديج لوقايته أو معالجته من هذه المضاعفات التنفسية ، ولكن ومع ذلك ، فإن هذه الصعوبات التنفسية الشديدة تتطلب أحياناً وضع الوليد الخديج على أجهزة خاصة Ventilator تساعده على التنفس وذلك لمدة تطول أو تقصر بحسب درجة الخداجة .

2. مضاعفات دموية ( فقر الدم ) : حيث يصاب الخديج بالشحوب الناجم عن فقر الدم وذلك نتيجة عجز نقي العظام الغير مكتمل النمو والنضج عن إنتاج عناصر الدم من كريات بيضاء وكريات حمراء وصفيحات دموية، مما يتطلب في كثير من الأحيان نقل الدم لمرة واحدة أو أكثر ثم إعطاؤه الحديد لفترة قد تمتد أشهراً.

3. مضاعفات استقلابية ( كنقص سكر الدم ، ونقص كالسيوم الدم ) : مما يتطلب مراقبة سكر الدم وكذلك كالسيوم الدم وبشكل دوري ومنتظم ، ثم معالجة النقص الحاصل قبل تفاقمه وازدياد مخاطره ومضاعفاته.

4. كثرة الإصابة باليرقان ( الصفار ) : مما يتطلب إجراء فحوصات دموية ، ووضعه في كثير من الأحيان على جهاز خاص يبث أشعة زرقاء Phototherapy ، تعمل على شفائه، وفي أحيان نادرة لا يشفى هذا الصفار إلا بعملية معقدة لاستبدال شبه كامل لدمه بدم أخر فيما يعرف ب Exchange Transfusion .

5. نقص في حرارة الجسم : حيث يتطلب وضعه في حاضنة Incubator خاصة تحفظ له درجة حرارة ثابتة حتى يقترب من عمر 37 أسبوع .

6. عدم انتظام في حركات تنفسه ، وتوقف هذا التنفس للحظات أحياناً : وذلك نتيجة عدم نضج مركز تنظيم التنفس في دماغه ، مما يتطلب وضعه على أدوية خاصة Cafeine أو Theophylline تنبه عنده مركز التنفس باستمرار ، وكذلك وضعه على جهاز خاص Monitor لمراقبة حركات تنفسه وضربات قلبه، يعطي هذا الجهاز انذاراً اذا ما حصل توقف في التنفس أو عدم انتظام في ضربات القلب ، فيتدخل الطبيب بسرعة لتقديم العلاج المناسب.

7. إصابته بالأنتانات Infections : يتعرض الخديج أكثر من غيره من الولدان للإصابة بالانتانات وذلك : لعدم نضج جهازه المناعي ، ولذلك تجرى له فحوصات جرثومية وتحليلات دموية للتأكد من عدم إصابته ، أما إذا تأكدت الإصابة فإنه يوضع على الصادات الحيوية Antibiotics لقتل هذه الجراثيم لمدة تمتد من 5 ß 10 أيام وأحياناً أكثر من ذلك .

8. صعوبات في التغذية : ان حركات المص والبلع لا تظهر عند الوليد إلا إذا بلغ عمر 35 أسبوعا ، فإذا ما ولد الخديج قبل هذا العمر فإنه لن يستطيع الرضاعة من أمه ولا حتى أخذ الرضاعة البلاستيكية ولذلك : يضطر إلى سحب الحليب من أمه وتمريره عبر أنبوب Tube مرن إلى معدته مباشرة...
وفي أحيان كثيرة نضطر إلى إعطائه السوائل المغذية Parental Nutrition عن
طريق الوريد لنساعده على النمو وذلك لأن كمية الحليب التي نمررها في الأيام أو الأسابيع الأولى عادة لا تكون كافية ، لأننا لا نستطيع أن نرفع هذه الكمية لعدم قدرة أمعائه الغير ناضجة والضعيفة على هضم كمية كافية من الحليب .

فإذا ما أعطي كمية كبيرة تفوق قدرة أمعائه على الهضم فإن ذلك يسبب له مضاعفات في أمعائه... هذه المضاعفات المعوية تزداد حين نضطر إلى إعطائه حليباً اصطناعياً ، ولذلك احرصي على سحب حليبك وتقديمه له كلما استطعت إلى ذلك سبيلا.
أما النوع الثاني من المشاكل : فهو ناجم عن هذا الانفصال الذي سيحدث ، أنت وقد عدت إلى البيت أما هو فقد بقي في المستشفى :
لقد بينت كثير من الدراسات أن هناك مشاكل نفسية واضطرابات سلوكية يمكن أن تصيبه في سنواته الأولى نتيجة هذا الانفصال القسري بينه وبينك بعيد ولادته ، وأكدت جميع هذه الدراسات على أن تخفيف هذا الانفصال المفاجئ ( منذ الولادة ) ، والمديد ( اذ يمتد أحياناً عدة أسابيع ) ممكن باتباع النصائح التالية :


1. يجب أن تزوريه يومياً : وتجلسي بجانبه ، وتلمسيه بيديك ، وتكلميه بلسانك وقلبك ، وتغني وتناغي له بصوتك وروحك ومشاعرك وحنانك وكل عاطفتك ، وصدقيني أنه يشعر بك ويأنس بقربك وتنفرج أساريره عند تحسسه رائحتك .

2. أن تشاركي بالعناية به : عندما تسمح حالته بذلك ، كأن تغيري له ( حفاضه ) ، أو تنظفي له جسمه بقطن ناعم مبلل بالماء والصابون .

3. احرصي على تغذيته بحليبك ... وحليبك فقط ... كلما كان ذلك ممكناً : واسحبي هذا الحليب يومياً وعدة مرات وأت به إلى المستشفى ، فإن في ذلك حماية له من مضاعفات معوية وإصابات تحسسية ، وهذا سيتطلب منك دوماً أن تشربي الكثير من السوائل ، وأن تنوعي في تغذيتك ، وأن تنالي قسطاً من الراحة ، حتى تكون كمية الحليب كافية له ولا يضطر إلى إعطائه حليباً اصطناعياً.

4. عند عودته إلى المنزل : حاولي أن تعوضيه ايام الفراق ، فأغدقي عليه من حبك وحنانك ، وصبي عليه من وجدك وعطفك واهتمامك...فكل هذا سوف يخفف ان شاء الله من الآثار السلبية لهذا الفراق الاضطراري بينك وبين وليدك .

5. وأخيراً : لابد أن أذكرك أن العقدين الماضيين شهدا تقدماً هائلاً في العناية بهؤلاء الخدج ، حيث تطورت أساليب إنعاش الولدان بعيد الولادة ، وأصبح لدينا معالجات فعالة تحميهم من كثير من المضاعفات التنفسية والاختلاطات الانتانية ، وانخفضت في السنوات الأخيرة نسبة وفيات الخدج ، وكذلك قلت نسبة إصابتهم بعقابيل واختلاطات نفسية وعصبية ، وأصبحنا اليوم وبفضل من الله أولاً ، ثم بفضل هذه التطورات ، قادرين على إنعاش وإنقاذ حياة هؤلاء الخدج حتى ولو ولدوا بعمر حملي أقل من 28 أسبوع .




المصدر: موقع طبيب الويب .