تفكيك الحركة النسوية العربية التغريبية 1-2

د. نورة خالد السعد
• أكاديمية وكاتبة
هناك مقالة متميزة للأستاذ الهيثم زعفان نشرت منذ أسبوعين تقريبًا بعنوان (الثورات وتفكيك الحركة النسوية التغريبية) ذكر أن هناك ثورات متلاحقة قلبت موازين القوى في المنطقة العربية، ثورات خلفت تداعيات، أنهت مراحل من العز والسلطان لتحلق في الأفق، بوادر فجر جديد تتشكل لبناته الآن. إن وافق مراد الشارع سبحانه وتعالي طابت الخطى، وإن سار على درب الهوى فقدنا بوصلة الخير وسقطنا في الظلمات ومالآته، نسأل الله الخير والسلامة، وتساءل عن تداعيات الثورات على الحركة النسوية العربية التغريبية؟
سؤاله مهم جدًا ومحوري خصوصًا أن (ملف المرأة)، الذي يتم قسرًا من خلاله تغيير التشريعات الربانية وتطويع المجتمعات المسلمة لهذا التغيير لترضي بهذه التغييرات، التي في أغلبها منافية للشريعة الإسلامية سواء فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية والاقتصادية والقوامة وإلغاء الميراث كما هو منصوص عليه قرآنيًا وغيرها من تعديلات جذرية للأسف تولت تأطيرها زوجة رئيس كل دولة، وخصوصًا أن ملف المرأة تحت عهدتها!! وأصبحت (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) هي (المرجعية الشرعية للأسف) أي بديلًا لأي تشريع رباني، وذلك تنفيذًا للمادة الثانية منها الفقرة (و) التي تنص على (اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزًا ضد المرأة). وأصبحت قضية المرأة وحقوقها وواجباتها رهنًا لمحتوى هذه الاتفاقية بما فيه من خطورة على البناء الأسري في المجتمعات الإسلامية، وطالما كان الملف في يد زوجة الحاكم فلا بد أن تتغير الأنظمة والشرائع السماوية إرضاء لمن هندس هذه الاتفاقية!! ولا ننسى أن تونس من البلدان التي نفذت تدابير هذه الاتفاقية حرفيًا، وأسهمت ليلي طرابلسي في ذلك ومنعت المسلمات من ارتداء الحجاب حتى أن من تريد أن تضع مولودها في المستشفى تضطر إلى خلع حجابها وليس نقابها!! كي يسمح لها بالدخول للمستشفى والاستفادة من الخدمات الصحية!! هذا مثال فقط، وأيضا في مصر تولت سوزان مبارك تغيير العديد من الأنظمة ومررتها عبر مجلس الشعب، الذي ثبت تزوير انتخاب بعض أعضائه ممن يوالون النظام، وبالتالي سيبصمون على جميع ما تريده زوجة الرئيس!
الأستاذ الهيثم ذكر في مقالته المهمة (أن من تداعي هذه الثورات في تونس ومصر وليبيا سيؤدي إلى تفكيك النسوية العربية التغريبية الانحلالية في معظم مطالبها، وسيؤدي إلى زوالها بإذن الله، وذكر أنه في كل عام يتم الاحتفال بيوم المرأة العالمي في يوم 8 مارس وتشارك رموز الحركة النسوية العربية التغريبية في الاجتماع السنوي في نيويورك المتعلق بمراقبة تطبيقات مقررات بكين الانحلالية في دولهم الإسلامية ليقدموا التقارير إلى الممول الغربي وبها ما أنجزوه من مجهودات لتغريب المرأة المسلمة وفق مقررات مؤتمر بكين وبقية تعاليم الأمم المتحدة الليبرالية. هذا العام يشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون مختلفا جذريا فلا مؤتمرات ولا تقارير ظل!!
في السابق كانت النساء وبخاصة المقربات من حرم الحاكم وعصبتها يحظين بمناصب استراتيجية بالنسبة للحركة النسوية وبخاصة في الإعلام، والتعليم، والتشريعات، والسياسات التخطيطية، وتحديد النسل، مكنهن من تمرير تشريعات وصياغتها جبرًا وتنفيذ مضامينها قسرًا، وسجن شرفاء في المجتمع لمجرد أنهم زوجوا بناتهم تحت سن الـ 18 عامًا، ومن كانت ترتكب جريمة الزنى والعياذ بالله تحت هذه السن كانت الوزيرة من قبل النظام تدافع عن هذه الجريمة والحمل السفاح وتوفر لها ولمثيلاتها الرعاية والحنان!! ويتساءل: أي فساد هذا الذي يحرم الحلال ويسهل الحرام والفسق والفجور؟؟ ثم يوضح أيضًا أنه بسقوط هذه الأنظمة فقدت الحركة النسوية سيطرتها على البرلمان الذي يمرر القوانين والاتفاقيات الدولية بهوى الحاكم وحرمه!
يقول: كل هذا سيذهب بلا رجعة بإذن الله، فالمجتمعات التي انتفضت فاض بها الكيل من كل أشكال الفساد ومنه هذا الانحلال المستهدف لعفة المرأة المسلمة. وبما أن من تداعيات هذه الثورة ضد الفساد هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فلن يكون هناك مكان لنسوة لا كفاءة لهن، ولو كانت المرأة مناسبة لمكان مناسب فلن تعمل إلا وفقًا للمنظومة المجتمعية الجديدة! وأكد أن ما صنعته الـ (ح.ن.ع.ت) ومن ورائها الغرب طوال عقود طويلة. هدمته الثورة في ساعات قليلة!! الآن هناك وعي ونضج سياسي داخل المجتمعات العربية وأية تشريعات أو اتفاقيات دولية جديدة أو حتى إعادة النظر في التشريعات والاتفاقيات القديمة المتعلقة بالمرأة ستحظى بالمناقشات الجادة وفق مبدأ المصلحة والمفسدة، ولن تكون هناك تشريعات مستمدة من الاتفاقيات الدولية، التي تصطدم بالتشريعات وثقافة المجتمعات، وهكذا فنتيجة لهذه التداعيات: هل يعقل أن يقوم بنيان بعد هدم عموده الرئيس؟؟ يتبع
--------------------------------------
تفكيك الحركة النسوية العربية التغريبية 2-2

د. نورة خالد السعد
• أكاديمية وكاتبة
عودة إلى وقود الحركة النسوية التغريبية في العالم العربي وفق ما ذكره الأستاذ الهيثم في مقالته المهمة عن تفكيك هذه الحركة مع سقوط الأنظمة في تونس ومصر كان من تمويل جهات غربية، فقد كانت نشيطات الحركة النسوية العربية التغريبية يعملن باستمرار من أجل التطبيق الحرفي لمقررات ومؤتمرات المرأة التغريبية والانحلالية. ولا مانع لديهن من التمويل ببذخ وإثراء كي يتم تمرير جميع الأجندات التغريبية تحت مسميات متعددة. وقد ذكرت لنا المهندسة كاميليا حلمي رئيس اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل أنهم تلقوا عرضًا بملايين الدولارات من جهات غربية لتمرير مصطلحات ومفاهيم اتفاقية السيداو تحت ستار إسلامي كي تجد قبولًا في مجتمعاتنا الإسلامية وبالطبع المهندسة كاميليا حلمي رفضت هذا رفضًا قاطعًا.
ولكن ليس الجميع مثل إخلاص المهندسة كاميليا، بل هناك من أسهم في تمرير هذه المصطلحات وفق العديد من المسميات أو تحت عدد من الأجندات الأخرى.
وكما ذكر أيضا الأستاذ الهيثم أن المجتمع في مصر أصبح الآن أكثر جرأة على مواجهة الفساد، ومن يرد تغريب المجتمع وسلخه من قيمه وأخلاقه مقابل دولارات محدودة ممن ارتزق في عهد الأنظمة الفاسدة سيحاول أن يتطهر الآن في ظل موجة التطهير السائدة، لأنهم يعلمون أنه إذا اكتشف المجتمع ارتزاقه من مؤسسات التمويل الغربية نظير القيام بأنشطة تغريبية. وبالتالي فإن مصدر التمويل سيجف وهو الذي كان له المفعول السحري في عهد الأنظمة البائد الفاسدة. وهذه يعني المزيد من الخلخلة والتفكك في منظومة الحركة النسوية العربية التغريبية. خصوصًا أن من قام بالتجنيد لتمريرها يعلمون أنهم لولا مواطن النفوذ ووقود المال الغربي لن يكون هناك أي نجاح لتمرير هذه الأجندات.
أتفق مع الأستاذ الهيثم تمامًا في جميع النقاط، التي استعرضها في مقالته وخصوصًا ما يتعلق بتلك البضاعة لأننا سنجدها بضاعة راكدة فاسدة هوائية تخالف التعاليم الدينية وتصطدم بثقافة المجتمعات العربية وحاملي هذه البضاعة يعلمون أنهم لولا مظلة أعمدة السلطان ومواطن النفوذ وعقود المال لما تحركت تلك البضاعة الفاسدة.
** تذكرت هذه المقالة المتميزة عندما قرأت ما قالته وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة سابقًا ثريا أحمد عبيد، وذلك في محاضرة لها يوم الثلاثاء منذ أسبوعين بوزارة الخارجية تحت عنوان “حوار حول الأمم المتحدة”، وقالت: في السعودية لا نحتفل “نحن النساء” باليوم العالمي للمرأة، والذي يصادف اليوم “الثلاثاء”، ولكن قد يكون أنه من المناسب أن نحتفل به بطريقة خاصة، وهي التركيز على مكانة المرأة السعودية وما وصلت إليه عالميًا، والتركيز على الشابات السعوديات كيف يعملن وإلى أين وصلن، ومن هنا نركز عليهن الضوء بحيث نبين إنجازاتهن في الوطن والجامعات، حيث لدينا مظاهر للمرأة السعودية لم تظهر حتى الآن”. وإلى هنا أجد أن حديثها يصب في مصلحة المرأة ثم المجتمع إذا تم وفق منظومة المجتمع المسلم، أما أمنيتها أن ترى قريبًا المرأة السعودية سفيرة لبلادها، خصوصًا أن المملكة تملك نساء رائعات وصل بعضهن إلى أماكن دولية مرموقة!
ما ذكرته الدكتورة ثريا من أمنيات يصب في أجندات الحركة النسوية العربية التغريبية، التي تشهد تفككًا في أبنيتها حاليًا في المجتمعين اللذين قيل سابقا إنهما أحرزا نجاحا في تطبيق هذه المنظومة التغريبية في نسيج المجتمعين التونسي والمصري. هذا التفكك ولله الحمد لأن محاور ومتطلبات هذه الحركة التغريبية العربية قائمة علي التصادم مع بنية المجتمعات المسلمة وإحداث الخلل في مقوماتها الأسرية، التي نشهد واقعيًا الآن نتائجها المدمرة في معظم المجتمعات الغربية. فهذه الطموحات التي تتحدث عنها الدكتورة ثريا عبيد هي من تطبيقات تلك الحركات التغريبية التي تفككت الآن ولله الحمد، ولن يكون لها بحفظ الله أي تنفيذ في منظومتنا المسلمة. ولو كان هناك خير وإصلاح فيها فلماذا نحن نستخدمها ولا نفعل ما يوجد في تشريعاتنا الإسلامية، وكما جاءت أيضا في (ميثاق الأسرة في الإسلام والقوانين الدولية) فهو جهد أسهم في إعداده العديد من علماء المسلمين من عدد من الدول العربية الإسلامية. وبدلًا من الترويج لبنود اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي أسهم في إعدادها مجموعة من الراديكاليين والنسويين والشواذ كي يتم تمريرها وتطبيق بنودها علي مجتمعاتنا المسلمة!!
جريدة المدينة - الجمعة 20 / 4 / 1432هـ - العدد : 17502
المفضلات