في دار من دور المدينة المباركة جلس عمر إلى جماعة من أصحابه فقال لهم " تمنوا ..

فقال أحدهم " أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله "

ثم قال عمر تمنوا ، فقال رجل آخر " أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به "

ثم قال تمنوا ، فقالوا " ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين ؟

فقال عمر " ولكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة فأستعين بهم على اعلاء كلمة الله "
رحم الله عمر الملهم ، لقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقة ، وتنهض به الرسالات الكبيرة ، وتحيا به الأمم الهامدة .

إن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة ، والثروات المنشورة ، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرءوس المفكرة التي تستغلها ، والقلوب الكبيرة التي ترعاها والعزائم القوية التي تنفذها : انها تحتاج إلى الرجال

الرجـــــــل أعـــز من كل معدن نفيس ، وأغلى من كل جوهر ثمين ، ولذلك كان وجوده عزيزاً في دنيا الناس ، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنها الناس كإبل مائة لا تكاد فيها راحلة " متفق عليه

الرجل الكفء الصالح هو اكسير الحيــاة ، وروح النهضات ، وعمــاد الرسالات ، ومحور الاصـــلاح

فـللــه ما أحكم عمر حين لم يتمن فضة ولا ذهباً ، ولا لؤلؤاً ولا جوهراً ، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتاز الذين تتفتح على أيديهم كنوز الأرض ، وأبواب السماء

إن رجلاً واحداً قد يساوي مائة ، ورجلاً قد يوازي ألفاً ، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره ، وقد قيل " رجل ذو همة يحيى أمة "
حاصر خالد " الحيرة " فطلب من أبي بكر مدداً ، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمر التميمي وقال " لا يهزم جيش فيه مثله ، وكان يقول " لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل ! اللــــــه أكبـــــــر

ولكن ما الرجل الذي نريد ؟ هل هو كل من طر شاربه ، ونبتت لحيته من بنى الانسان ؟ إذن فما أكثر الرجال !!

إن الرجولة ليست بالسن المتقدمة ، فكم من شيخ في سن السبعين وقلبه في سن السابعة ! وكم من غلام في مقتبل العمر ، ولكنك ترى الرجولة المبكرة في قوله وعمله وتفكيره وخلقه

وليست الرجــــولة ببسطة الجسم ، وطول القامة ، وقوة البنية .. كان عبد الله بن مسعود نحيفاً نحيلاً فانكشفت ساقاه يوماً - وهما دقيقتان هزيلتان - فضحك بعض الصحابة فقال الرسول " أتضحكون من دقة ساقيه ؟ والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد "

ليست الرجولة بالسن ولا بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه ، وإنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور ، وتبعده عن سفسافها ، قوة تجعله كبيراً في صغره ، غنياً في فقره ، قوياً في ضعفه ، قوة تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه : واجبه نحو نفسه ، ونحو ربه ، ونحو بيته ودينه وأمته

ولم تر الدنيا الرجولة في أجلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في تلك النماذج الكريمة التي صنعها الاسلام على يد رسوله العظيم ..


أما اليوم ، وقد أفسد الاستعمار جو المسلمين بغازاته السامة الخانقة من الحاد وإباحية ، فقلما ترى إلا أشباه الرجال ، ولا رجال

أعجبتني وآلمتني كلمة لرجل درس تعاليم الاسلام السمحة الشاملة فقال في إعجاب مرير " يا له من دين لو كان له رجال !! "

وماذا يغني عن الإسلام رجال أهميتهم أنفسهم ، وحكمتهم شهواتهم ، وسيرتهم مصالحهم

نسأل الله تعالى أن يغفر ذنوبنا ويضاعف أعمالنا الصالحة ويصلح أحوال المسلمين في الدنيا والدين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم

--
منقول