الـــــــــــــــرد


جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري

حديث أبي هريرة في الأمر بالاستنثار , وفيه ‏" فإن الشيطان يبيت على خيشومه " ‏‏والخيشوم بفتح الخاء المعجمة وبسكون الياء التحتانية وضم المعجمة وسكون الواو هو الأنف , وقيل : المنخر .‏

وقوله : " فليستنثر " ‏أكثر فائدة من قوله : " فليستنشق "

لأن الاستنثار يقع على الاستنشاق بغير عكس , فقد يستنشق ولا يستنثر , والاستنثار من تمام فائدة الاستنشاق , لأن حقيقة الاستنشاق جذب الماء بريح الأنف إلى أقصاه والاستنثار إخراج ذلك الماء , والمقصود من الاستنشاق تنظيف داخل الأنف والاستنثار يخرج ذلك الوسخ مع الماء فهو من تمام الاستنشاق , وقيل : إن الاستنثار مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف , وقيل : الأنف نفسه , فعلى هذا فمن استنشق , فقد استنثر لأنه يصدق أنه تناول الماء بأنفه أو بطرف أنفه , وفيه نظر . ثم إن ظاهر الحديث أن هذا يقع لكل نائم ويحتمل أن يكون مخصوصا بمن لم يحترس من الشيطان بشيء من الذكر , لحديث أبي هريرة المذكور قبل حديث سعد فإن فيه " فكانت له حرزا من الشيطان " وكذلك "آية الكرسي" , وقد تقدم فيه " ولا يقربك شيطان " ويحتمل أن يكون المراد بنفي القرب هنا أنه لا يقرب من المكان الذي يوسوس فيه وهو القلب فيكون مبيته على الأنف ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ , فمن استنثر منعه من التوصل إلى ما يقصد من الوسوسة , فحينئذ فالحديث متناول لكل مستيقظ . ثم إن الاستنشاق من سنن الوضوء اتفاقا لكل من استيقظ أو كان مستيقظا , وقالت طائفة بوجوبه في الغسل وطائفة بوجوبه في الوضوء أيضا , وهل تتأدى السنة بمجرده بغير استنثار أم لا خلاف ؟ وهو محل بحث وتأمل . والذي يظهر أنها لا تتم إلا به لما تقدم .

والله أعلم .