137)...‏ إنا خلقناهم من طين لازب
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
النص القرآني المعجز جاء في أوائل سورة الصافات‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها‏(182)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بقسم بالملائكة الأطهار الذين ـ بفطرتهم ـ لا ينفكون عن عبادة الله‏(‏ تعالي‏),‏ ويصطفون في طاعته بأفضل مما يصطف كثير من عباد الله المكلفين في الصلاة‏.‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول العقيدة الاسلامية‏,‏ وفي سبيل الدعوة إليها استشهدت سورة الصافات بعدد من أشياء الكون وظواهره في الاستدلال علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق‏,‏ والشاهدة لله‏(‏ تعالي‏)‏ بالألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ ومن ثم بقدرته علي البعث‏.‏
وقد استهلت سورة الصافات بقسم من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بملائكته الكرام‏,‏ وبعدد من الوظائف التي أمروا بها ـ والله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ غني عن القسم لعباده‏,‏ ولكن له أن يقسم بما يشاء تأكيدا لأهمية المقسم به وتنويها بعظم شأنه‏,‏ فأقسم‏(‏ تعالي‏)‏ بالملائكة‏,‏ أو بطوائف من خلقه غير الملائكة لها صفة الصف بانتظام‏,‏ والزجر بقوة‏,‏ والتلاوة ذكرا لله تعالي وتسبيحا بحمده وتمجيدا لجلاله فقال‏(‏ عز من قائل‏):‏

والصافات صفا‏.‏ فالزاجرات زجرا‏*‏ فالتاليات ذكرا‏*(‏ الصافات‏:1‏ ـ‏3)‏ ثم يأتي جواب القسم بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
إن إلهكم لواحد‏.‏ رب السماوات والأرض ومابينهما ورب المشارق‏*(‏ الصافات‏:4‏ ـ‏5)‏

وفي هاتين الآيتين الكريمتين تأكيد لوحدانية الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وتنزيه لجلاله عن الشريك‏,‏ والشبيه‏,‏ والمنازع‏,‏ والصاحبة‏,‏ والولد‏,‏ وتعظيم لذاته لأنه رب هذا الكون ومليكه‏,‏ وخالقه ومبدعه وحافظه وصاحب الأمر والنهي فيه‏.‏ والآيتان قرار إلهي حاسم يقتل كل جذور الكفر والشرك والضلال من العقول والقلوب التي عششت فيها الانحرافات العقدية والفكرية‏,‏ وما أكثرها في تاريخ البشرية‏,‏ وما أظهرها في زمن الفتن التي تظلل الأرض وأهلها في هذه الأيام‏..!!‏ وتتطرق سورة الصافات إلي محاولات مردة الجن وشياطينهم لاستراق السمع علي أهل السماء‏,‏ مؤكدة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد سخر الشهب الثاقبة لتتبعهم ودحرهم‏,‏ وقد توعدهم بعذاب شديد في الدنيا قبل الآخرة‏.‏
ثم يتوجه الخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بالأمر الإلهي أن يسأل منكري البعث‏,‏ المستبعدين لإمكانية وقوعه أن ينظروا إلي خلق السماوات والأرض‏,‏ وإلي زينة السماء الدنيا بالأجرام المختلفة ومنها الكواكب‏,‏ وأن يقارنوا بين خلقها بأبعادها الشاسعة المذهلة‏,‏ وأعمارها المتطاولة‏,‏ فيدركوا أن خلقها أكبر من خلقهم‏,‏ وقد خلقهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ من طين لازب‏,‏ وحددهم بحدود أماكنهم وأعمارهم‏,‏ وهي لاتقارن أبدا بتعاظم أبعاد الجزء المدرك من الكون‏,‏ ولابتقادم عمره‏,‏ وتشهد بأن الذي أبدعه بهذه الصفات قادر علي بعث من خلقهم من طين لازب‏,‏ وحددهم بحدود المكان والزمان‏,‏ وعلي بعث آبائهم الأولين وهم أذلاء صاغرون‏,‏ وفجأة تنتقل سورة الصافات لاستعراض موقف من مواقف الآخرة‏,‏ وقد أطلقت نفخة البعث فإذا بجميع من كانوا ينكرونه في الدنيا‏,‏ ويسخرون من امكانية وقوعه‏,‏ إذا بهم يخرجون من قبورهم فزعين مشدوهين مذعورين وهم يصيحون‏:‏

‏...‏ ياويلنا هذا يوم الدين‏*‏
‏(‏الصافات‏:20)‏
فيجابون‏:‏ هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون‏*‏ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون‏*‏ من دون الله فاهدوهم إلي صراط الجحيم‏*‏ وقفوهم إنهم مسئولون‏*(‏ الصافات‏:21‏ ـ‏24).‏
وتستطرد الآيات في استكمال عرض هذا المشهد الرهيب‏,‏ والكفار والمشركون‏,‏ والعصاة والظالمون عاجزون كل العجز‏,‏ وكل من الذين اتبعوا والذين اتبعوا من المشركين وشركائهم يتلاومون بلا فائدة‏,‏ ويتبادلون الاتهامات بالتضليل والغواية دون جدوي ويأتيهم الحكم الإلهي القاطع فيخرسهم أجمعين‏,‏ وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون‏*‏ إنا كذلك نفعل بالمجرمين‏*‏ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون‏*‏ ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون‏*‏ بل جاء بالحق وصدق المرسلين‏*‏ إنكم لذائقوا العذاب الأليم‏*‏ وما تجزون إلا ما كنتم تعملون‏*(‏ الصافات‏:33‏ ـ‏39).‏
وفي قول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ عن خاتم أنبيائه ورسله‏:‏
بل جاء بالحق وصدق المرسلين‏*‏
‏(‏الصافات‏:37)‏

تأييد من الله‏(‏ تعالي‏)‏ لسيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وتأكيد علي حقيقة نبوته‏,‏ وشهادة بصدق رسالته‏,‏ وبرهان علي وحدة رسالة الدين‏,‏ وعلي الأخوة بين الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليهم وسلم وبارك عليهم أجمعين‏),‏ وهو في الوقت نفسه رد إلهي جازم علي الذين كذبوا بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏),‏ وعلي الذين تطاولوا علي شخصه الكريم في القديم والحديث بألسنتهم البذيئة‏,‏ وأقلامهم الرخيصة‏,‏ كالذين يتسترون اليوم وراء شاشات الشبكة العنكبوتية كخفافيش الظلام ينفثون فيها أحقادهم المريضة‏,‏ وأضغانهم البغيضة‏,‏ وأفكارهم السقيمة‏,‏ وجهلهم الفاضح باللغة العربية‏,‏ وبقواعد الدين فيها ويهاجمون الإسلام العظيم‏,‏ ونبيه الكريم‏,‏ وعلماءه‏,‏ ورموزه‏,‏ بأفحش الأساليب‏,‏ وأبعدها عن أدب الحوار‏,‏ وصاحب الحجة لايفحش في الخطاب أبدا‏,‏ وفحشهم دليل فشلهم وشعورهم بالنقص الشديد‏,‏ وبالعجز الكامل عن الرد علي ما يواجهون من اتهامات في صميم عقيدتهم وفي حجية ما بأيديهم من كتب‏.‏
وتقارن الآيات في سورة الصافات بين إكرام الله‏(‏ تعالي‏)‏ لعباده الموحدين بتنعيمهم في جنات الخلد‏,‏ وبالفوز العظيم برضاه‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وبين ما يلقاه كل من الكفار والمشركين‏,‏ المكذبين ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ من ضياع في الدنيا‏,‏ وخزي وعذاب في الآخرة‏,‏ وتصورهم الآيات وهم يصطلون بنار جهنم وجحيمها‏,‏ ويأكلون من زقومها وعليهم شوب من حميم‏.‏

وتستمر الآيات في تأكيد ضلال أكثر الأمم السابقة علي الرغم من إرسال عدد من الأنبياء والمرسلين إليهم‏,‏ وإنذارهم من مغبة الكفر بالله أو الشرك به أو معصيته‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ أو الانحراف عن المنهج الذي وضعه لاستقامة الحياة علي الأرض‏.‏
وللتدليل علي ذلك استعرضت السورة المباركة سير عدد من أنبياء الله ورسله وموقف أقوامهم من دعوتهم‏,‏ وكان من هؤلاء الأنبياء نوح‏,‏ إبراهيم وولداه‏(‏ اسماعيل واسحاق‏),‏ موسي وهارون‏,‏ إلياس‏,‏ لوط‏,‏ ويونس‏(‏ علي نبينا وعليهم من الله السلام‏),‏ وفي هذا القصص تتجلي معية الله‏(‏ تعالي‏)‏ لكل من أنبيائه ورسله وعباده المؤمنين‏,‏ ورحمته بهم‏,‏ وتعهده بنصرهم وبدحر أعدائهم من الكفار والمشركين‏,‏ والطغاة الظالمين‏,‏ والتنكيل بهؤلاء الكافرين الظالمين في الدنيا قبل الآخرة‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين‏*‏ ولقد أرسلنا فيهم منذرين‏*‏ فانظر كيف كان عاقبة المنذرين‏*‏ إلا عباد الله المخلصين‏*‏
‏(‏الصافات‏:71‏ ـ‏74)‏

وتعاود الآيات في سورة الصافات توجيه الخطاب إلي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ليقوم بالرد علي عدد من خرافات أهل الزيغ والضلال وأساطيرهم المبتدعة والتي منها الادعاء الباطل بوجود نسب بين الله‏(‏ تعالي‏)‏ والجن‏,‏ وبناء علي تصديقهم لهذه الفرية تخيلوا الملائكة نتاجا لها‏,‏ وادعي المبطلون بأن الملائكة كلهم إناث‏,‏ وهو ادعاء باطل وخيال مريض‏,‏ وأقبح من ذلك الادعاء الباطل علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بنسبة الصاحبة والولد إليه‏,‏ وواضح أنهما من صفات المخلوقين‏,‏ والخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ منزه عن جميع صفات خلقه‏,‏ ولذلك قال‏(‏ تعالي‏)‏ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏:‏
فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون‏*‏ أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون‏*‏ ألا إنهم من إفكهم ليقولون‏*‏ ولد الله وإنهم لكاذبون‏*‏ أصطفي البنات علي البنين‏*‏ مالكم كيف تحكمون‏*‏ أفلا تذكرون‏*‏ أم لكم سلطان مبين‏*‏ فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين‏.‏ وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون‏*‏ سبحان الله عما يصفون‏*‏
‏(‏الصافات‏:149‏ ـ‏159).‏

ثم تكرر الآيات وعد الله‏(‏ تعالي‏)‏ لأنبيائه ورسله ولجنده المؤمنين بالنصر والتمكين‏,‏ ووعد الله حق لايتخلف‏,‏ ولذلك تطالب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ باعتزال الكفار والمشركين لأنهم يستعجلون نزول عذاب الله‏,‏ وهو واقع بهم لامحالة‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين‏*‏ إنهم لهم المنصورون‏*‏ وإن جندنا لهم الغالبون‏*‏ فتول عنهم حتي حين‏*‏ وأبصرهم فسوف يبصرون‏*‏ أفبعذابنا يستعجلون‏*‏ فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين‏*‏ وتول عنهم حتي حين‏*‏ وأبصر فسوف يبصرون‏*(‏ الصافات‏:171‏ ـ‏179)‏

وتختتم سورة الصافات بقول الحق‏(‏ وهو أصدق القائلين‏):‏
سبحان ربك رب العزة عما يصفون‏*‏ وسلام علي المرسلين‏*‏ والحمد لله رب العالمين‏*(‏ الصافات‏:180‏ ـ‏182)‏

من ركائز العقيدة في سورة الصافات
‏(1)‏ الإيمان بالله‏,‏ وملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ واليوم الآخر‏.‏
‏(2)‏ التصديق بوحدانية الله‏(‏ تعالي‏)‏ وتنزيهه عن الشريك‏,‏ والشبيه‏,‏ والمنازع‏,‏ والصاحبة‏,‏ والولد‏,‏ وعن كل وصف لايليق بجلاله‏,‏ وتحريم الشرك بالله تحريما قاطعا ومساواته بالكفر‏.‏

‏(3)‏ اليقين بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق والمغارب‏,‏ ورب كل شيء ومليكه‏.‏
‏(4)‏ التسليم بأن الإنسان قد خلق من طين لازب‏.‏

‏(5)‏ الإيمان بحقيقة البعث‏,‏ بل حتميته وضرورته‏.‏
‏(6)‏ التصديق ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
‏(7)‏ اليقين بحقيقتي الجنة ونعيمها‏,‏ والنار جحيمها‏.‏

‏(8)‏ التسليم بأن مجرد اتباع دين الأباء دون تمحيص ليس عذرا كافيا للإنسان في يوم الحساب‏.‏
‏(9)‏ التصديق بما جاء في القرآن الكريم من قصص الأولين‏.‏

‏(10)‏ الإيمان بعالم الغيب وما فيه من ملائكة وجن‏.‏
‏(11)‏ اليقين بنصر الله‏(‏ تعالي‏)‏ لكل من أنبيائه ورسله وجنده المؤمنين وأنهم هم الغالبون في كل معركة يدخلونها بإذن الله‏.‏

من الإشارات العلمية في سورة الصافات
‏(1)‏ الإشارة الي ما بين السماوات والأرض علي ضخامة السماوات والضآلة النسبية للأرض مما يشير الي مركزية الأرض بالنسبة الي الكون وهو ما لايقوي علم الإنسان علي إثباته‏.‏ ومن العجيب أن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قد أشار الي هذا الأمر في أكثر من حديث‏,‏ وأن وجود اشارات في التراث القديم الي ذلك قد يكون من بقايا الوحي السماوي للأمم السابقة علي بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏).‏
‏(2)‏ وصف الله الخالق بوصف رب المشارق‏,‏ والرب هو المالك‏,‏ واكتفي بذكر المشارق عن المغارب لأنه لاتوجد مشارق بلا مغارب‏,‏ وهي مشارق الشمس ومغاربها علي الأرض‏,‏ مما يشير الي كل من كروية الأرض‏,‏ ودورانها حول محورها امام الشمس‏,‏ ومركزية الأرض بالنسبة للكون لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو رب الكون ومليكه‏,‏ واطلاق وصف رب المشرق علي الإله الخالق لايمكن أن يقتصر علي مشارق الأرض وحدها بل علي مشارق ومغارب الكون كله‏,‏ فإذا كانت مشارق الأرض تعبر عن مشارق الكون فلابد من كون الأرض في المركز من الكون‏.‏

‏(3)‏ الاشارة الي أن زينة السماوات الدنيا هي الكواكب‏,‏ وفي مقام آخر يشير القرآن الكريم الي أن زينة السماء الدنيا هي المصابيح أي النجوم‏(‏ الملك‏:5),‏ والجمع بين النجوم والكواكب والشهب والنيازك‏(‏ أورجوم الشياطين‏)‏ فيه تأكيد علي وحدة البناء في الكون‏,‏ فالنجوم تتخلق من دخان السماء‏,‏ وتنفجر لتعود الي دخان السماء‏,‏ والكواكب تنفصل أصلا عن النجوم‏,‏ ونهاية الكواكب الأنشطار‏,‏ والانتثار فينتج عن ذلك الانشطار كل من الكويكبات والشهب والنيازك‏,‏ وهذه كلها حقائق لم يدركها الإنسان إلا في القرن العشرين‏.‏
‏(4)‏ وصف الشهاب بأنه ثاقب يشي بثقبه للغلاف الغازي للأرض وذلك بتحركه فيه بسرعات كونية فائقة‏,‏ تعاونها الجاذبية الأرضية‏,‏ قبل احتراقه بالكامل باحتكاكه بجزئيات الهواء‏.‏

‏(5)‏ الإشارة القرانية الكريمة الي خلق الإنسان من طين لازب‏.‏
‏(6)‏ الإشارتان القرآنيتان إلي التقام الحوت لنبي الله يونس بن متي‏(‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏)‏ دون غيره من حيوانات البحر والي حمايته عليه السلام‏,‏ بشجرة من يقطين انبتها الله‏(‏ تعالي‏)‏ عليه تعتبران من أوضح جوانب الإعجاز العلمي في كتاب الله كما سبق وأن أوضحنا في مقالين سابقين‏.‏

‏(7)‏ ذكر عدد كبير من الأنبياء والمرسلين السابقين علي بعثة خاتمهم بمئات الي آلاف السنين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه أجمعين وسرد جوانب من قصصهم‏,‏ ومن تفاعل أقوامهم معهم‏,‏ وذلك من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ وفي أمه لم تكن أمة تدوين‏.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج الي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الخامسة من القائمة السابقة والتي تصف خلق الإنسان من طين لازب كما جاء في الآية الحادية عشرة من سورة الصافات‏,‏ وقبل الدخول الي شرح دلالتها العلمية أري ضرورة استعراض أقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب‏*(‏ الصافات‏:11)‏
‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:‏ يقول تعالي‏:‏ فسل هؤلاء المنكرين للبعث أيهما أشد خلقا هم أم السماوات والأرض‏,‏ وما بينهما‏...‏؟ فإنهم يقرون أن هذه المخلوقات أشد خلقا منهم‏.‏ وإذا كان الأمر كذلك فلم ينكرون البعث؟ وهم يشاهدون ما هو أعظم مما أنكروا‏...‏ ثم بين أنهم خلقوا من شيء ضعيف فقال‏:(‏ إنا خلقناهم من طين لازب‏)‏
قال مجاهد والضحاك‏:‏ هو الجيد الذي يلتزق بعضه ببعض‏...‏

‏*‏ وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة ما مختصره‏:‏ فاستفتهم واسألهم إذا كانت الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما‏...‏ كلها من خلق الله فهل خلقهم هم أشد وأصعب من خلق هذه الأكوان والخلائق؟ ولا ينتظر منهم جوابا‏,‏ فالأمر ظاهر‏,‏ إنما هو سؤال للاستنكار والتعجب من حالهم العجيب‏,‏ وغفلتهم عما حولهم‏,‏ والسخرية من تقديرهم للأمور‏,‏ ومن ثم يعرض عليهم مادة خلقهم الأولي‏,‏ وهي طين رخو لزج من بعض هذه الأرض‏,‏ التي هي إحدي تلك الخلائق‏..‏
‏*‏ وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه لا أري حاجة الي استعراضه هنا‏.‏

من الدلالات العلمية للنص الكريم
في سبع عشرة آية قرآنية كريمة جاء ذكر خلق الإنسان عبر عدد من المراحل‏,‏ منها المراحل التالية‏:‏
‏(1)‏ من تراب وجاء ذلك في خمس آيات‏[(‏ آل عمران‏:59),(‏ الحج‏:5),(‏ الروم‏20),(‏ فاطر‏:11),(‏ غافر‏:67)].‏

‏(2)‏ من طين وجاء ذلك في ست آيات‏:[(‏ الأنعام‏:2),(‏ الأعراف‏:12).(‏ الإسراء‏61),(‏ السجدة‏:7),(‏ ص‏:76,71)].‏
‏(3)‏ من طين لازب وجاء ذلك في آية واحدة‏:(‏ الصافات‏:11).‏

‏(4)‏ من سلالة من طين وجاء ذلك في آية واحدة‏:(‏ المؤمنون‏:12).‏
‏(5)‏ من صلصال من حمأ مسنون وجاء ذلك في ثلاث آيات من سورة‏:(‏ الحجر‏:33,28,26).‏

‏(6)‏ من صلصال كالفخار وجاء ذلك في آية واحدة من سورة الرحمن‏(‏ الرحمن‏:14).‏

وهذه المراحل يمكن استعراض جزء منها فيما يلي‏:‏
أولا‏:‏ إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون‏*).‏
‏(‏ آل عمران‏:59)‏
ذكر الامام أحمد عن أبي موسي الأشعري‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم‏)‏ قال‏:‏ إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض‏,‏ فجاء بنو آدم علي قدر الأرض‏.‏ جاء منهم الأحمر‏,‏ والأبيض والأسود وبين ذلك‏,‏ والخبيث والطيب وبين ذلك‏).‏
والحديث أخرجه أيضا كل من أبي داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح‏.‏ وهذا الحديث الشريف جاء مطابقا لقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):...‏ ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود‏*‏
‏(‏ فاطر‏:27).‏

وهذه الألوان الثلاثة تمثل الأقسام الرئيسية للصخور الأولية الحامضية وفوق الحامضية‏(‏ بيض وحمر‏),‏ والمتوسطة‏(‏ مختلف ألوانها‏),‏ والقاعدية وفوق القاعدية‏(‏ وغرابيب سود‏)‏ والمجموعة الأخيرة تشمل الصخور الخضراء إلي السوداء لأن العرب تسمي الأسمر أخضر‏.‏ وتربة الأرض تتكون بواسطة التحلل الكيميائي والحيوي لصخورها‏,‏ كما تتكون نتيجة تفكك الصخور بواسطة عوامل التعرية المختلفة التي تؤدي في النهاية إلي تكون غطاء رقيق لصخور الغلاف الصخري للأرض من فتات وبسيس الصخور علي هيئة حطام مفروط يعرف باسم عادم الصخور أو تربة الأرض‏,‏ أو تراب الأرض‏,‏ سواء كان ناتجا من تحلل الصخور التي يعلوها مباشرة‏,‏ أو أن يكون منقولا إليها بواسطة عوامل النقل المختلفة‏,‏ وهو عادة ما يأخذ ألوان الصخور التي أخذ منها‏.‏
وتربة الأرض تمثل الحلقة الوسطي بين غلافها الصخري وكل من أغلفتها المائية والهوائية والحيوية‏,‏ وذلك لأنها تتكون أساسا من خليط من المعادن التي تفككت من صخور الأرض بفعل عوامل التعرية المختلفة‏,‏ ومن المركبات العضوية وغير العضوية الناتجة عن التفاعل والصراع بين تلك النطق الثلاثة من نطق الأرض ونطاقها الحيوي‏,‏ أي كلا من الكائنات التي تعمر قطاع التربة وفضلاتها وبقاياها‏,‏ بالإضافة إلي الفضلات الناتجة عن بلايين البلايين من الكائنات الحية التي تعمر اليابسة‏.‏

ومن المكونات العضوية للتربة البكتيرية‏,‏ والطحالب‏,‏ والفطريات‏,‏ وبقايا مختلف النباتات الأرضية‏,‏ التي تمثل التربة مصدر كل الغذاء والماء اللازم لحياتها بما تمثله من وسط تتراكم فيه بقايا العديد من العمليات الأرضية‏,‏ والسلاسل الغذائية التي تتحلل بواسطة الكائنات الدقيقة التي تزخر بها التربة‏,‏ والتي تجهز بنشاطاتها كل العناصر اللازمة لنمو النباتات الأرضية‏.‏
وتتكون التربة الأرضية أساسا من المعادن الصلصالية‏(‏ وهي أكثر من عشرة معادن‏),‏ ومن حبيبات المرد‏(‏ الرمل‏),‏ وأكاسيد الحديد‏,‏ وكربونات كل من الكالسيوم والمغنيسيوم‏,‏ بالإضافة إلي آثار طفيفة من عناصر الأرض الأخري‏.‏

وبالإضافة إلي التركيب الكيميائي والمعدني لتربة الأرض فإن كلا من حجم حبيباتها ونسيجها الداخلي له دور مهم في تصنيفها إلي أنواع عديدة‏,‏ وتقسم التربة حسب حجم حبيباتها إلي التربة الصلصالية‏,‏ والطميية‏(‏ الغرينية‏),‏ والرملية‏,‏ والحصوية‏,‏ وأكثر أنواع التربة إنتشارا هو خليط من تلك الأحجام‏,‏ بالإضافة إلي العديد من المواد الدبالية التي تتراوح نسبتها بين‏30%‏ وأكثر من‏50%,‏ وتمثل البكتيريا أكثر من‏90%‏ من مجموع الكائنات الحية في التربة وتنقسم إلي بكتيريا ذاتية التغذية‏,‏ وغير ذاتية التغذية‏,‏ ومن الصنف الأول بكتيريا العقد الجذرية والتي أعطاها الله‏(‏ تعالي‏)‏ القدرة علي تثبيت غاز النيتروجين وتحويله إلي مركبات نيتروجينية مهمة في التربة ولذا تعرف باسم بكتيريا النيتروجين‏,‏ وهناك بكتيريا الهيدروجين‏,‏ وبكتيريا الكبريت‏,‏ وبكتيريا الحديد‏,‏ وغيرها‏,‏ وهي تلعب أدوارا مهمة في تزويد التربة بالمركبات الكيمائية المناسبة‏.‏ أما البكتيريا غير ذاتية التغذية فإنها تقوم بتكسير المواد العضوية المعقدة من مثل المواد السيليولوزية وغيرها من المواد الكربوهيدراتية‏.‏ ومن مثل الزيوت والدهون وغيرهما من المواد البروتينية‏,‏ وتحويل ذلك كله إلي مواد عضوية بسيطة‏.‏ وقد يضاف إلي تربة الأرض بعض نواتج الثورات البركانية‏,‏ ورذاذ أملاح البحار‏,‏ وحبوب اللقاح‏,‏ وبعض نواتج الاحتراق من الأدخنة والرماد‏,‏ وبعض الدقائق الكونية من مثل غبار الشهب والجسيمات الكونية‏.‏

ثانيا‏:..‏ وبدأ خلق الإنسان من طين‏*.‏
‏(‏ السجدة‏:7).‏
‏(‏ الطين‏)‏ هو التراب والماء المختلطان‏,‏ و‏(‏الطينة‏)‏ أخص منه‏,‏ يقال‏(‏ طين‏)‏ السطح‏(‏ تطيينا‏)‏ أي غطاه بالطين‏,‏ وبعض اللغويين يفضل‏(‏ طانه‏)‏ فهو‏(‏ مطيين‏).‏ و‏(‏الطينة‏):‏ الخلقة والجبلة‏.‏
و‏(‏الطين‏)‏ الرقيق يقال له‏(‏ الوحل‏)‏ ومصدره‏(‏ موحل‏)‏ بفتح الحاء ومكانه‏(‏ موحل‏)‏ بكسر الحاء‏,‏ وفعله‏(‏ وحل‏)(‏ يوحل‏)(‏ وحلا‏)‏ و‏(‏موحلا‏)‏ أي‏:‏ وقع في‏(‏ الوحل‏),‏ وهي لفظة لم ترد في كتاب الله‏(‏ تعالي‏).‏
ومع وجود الماء يتأين العديد من ذرات العناصر‏(‏ أي يحمل شحنة كهربية‏).‏ وكان بعض المتكلمين يعترض علي إمكانية خلق الإنسان من طين بدعوي‏,‏ أن الطين يتكون من سيليكات الألومنيوم وهي مادة لاتذوب في الماء‏,‏ ومن ثم لايمكن لها أن تدخل في تركيب جسم الإنسان‏,‏ ولو قرأ الأسطر أعلاه عن تعقيد التركيب الكيميائي لتراب الأرض‏,‏ لأدرك أنه عند اختلاط الطين بالماء فإن المسافات بين دقائقه تمتلئ بالمواد المذابة‏,‏ وبأيونات العناصر المختلفة‏,‏ ومن هنا أشار القرآن الكريم إلي الخلق من سلالة من طين‏,‏ هذا فضلا عن أن قدرة الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ لاتحدها حدود‏,‏ ولا يمكن أن تقارن بها قدرات المخلوقين‏.‏

ثالثا‏:‏ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين‏*).‏
‏(‏المؤمنون‏:12)‏
و‏(‏سلالة‏)‏ الشئ ما‏(‏ استل‏)‏ منه في خفاء وتستر‏,‏ وهو ما يسلت من شئ آخر ويفصل عنه‏,‏ ويقال‏:(‏ إنسل‏)‏ من بينهم بمعني خرج في خفاء وتستر‏,‏ و‏(‏تسلل‏)‏ مثله‏,‏ و‏(‏سل‏)‏ الشئ و‏(‏ أسله‏)‏ بمعني نزعه وأخرجه مما كان فيه‏,(‏ السليل‏)‏ الولد‏,‏ والأنثي‏(‏ سليلة‏)‏ لأنهما يستلان من موروثات الوالدين‏.‏ ودلالة الآية الكريمة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلق الإنسان من خلاصة من الطين وليس من الطين كله‏,‏ ويبدو ــ والله تعالي أعلي وأعلم ــ أن المقصود بذلك هو نسل الإنسان الوليد‏,‏ وليس الإنسان الأول‏,‏ حيث يستل النبات من طين الأرض عناصر خاصة يحولها إلي ثماره ومحاصيله‏,‏ فيأكلها الإنسان‏,‏ حيث تتحول في جسده إلي طاقة‏,‏ وإلي خلايا حية‏,‏ بها ينمو ويعيش ويتناسل ويتكاثر‏,‏ أو يأكلها الحيوان ثم يأكل منها الإنسان‏,(‏ من لبنه أو بيضه أو لحمه‏)‏ فيتحول ذلك في جسده أيضا إلي طاقة‏,‏ وإلي خلايا حية بها ينمو ويعيش ويتكاثر‏,‏ ثم يموت فيتصلب جسده ويتحول إلي حالة شبيهة بالتمثال الجامد‏(‏ صلصال كالفخار‏),‏ ثم يبدأ الجسد في التحلل فيرم وينتن‏(‏ صلصال من حمأ مسنون‏),‏ ثم يبدأ الجسد المتفسخ في فقد جزء من مائه فيتحول إلي الطين‏,‏ ثم يفقد مزيدا من الماء فيصبح طينا لازبا‏,‏ وبفقده كل مائه يتحول الطين إلي تراب الأرض ويضيع فيه إلا عظمة واحدة في حجم حبة الخردل تتركز في نهاية العصعص سماها رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ عجب الذنب‏)‏ ووصفها بأنها لاتبلي أبدا وقال‏:‏ إن الإنسان خلق منها‏,‏ وهي الشئ الوحيد الذي يبقي منه بعد تحلل جسده‏,‏ فإذا جاءت ساعة البعث أنزل الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ماء خاصا ينبت به كل مخلوق من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من حبتها أو كما قال‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

رابعا‏:...‏ إنا خلقناهم من طين لازب‏*)‏
‏(‏الصافات‏:11).‏
وطين‏(‏ لازب‏)‏ أي لاصق‏(‏ أو لازق‏)‏ بعضه ببعض لاشتداده‏,‏ و‏(‏اللازب‏):‏ الثابت الشديد الثبوت‏.‏ يقال‏(‏ لزب‏)‏ الشئ‏(‏ يلزب‏)(‏ لزبا‏)‏ و‏(‏لزبا‏)‏ بمعني دخل بعضه في بعض‏,‏ و‏(‏لزب‏):‏ لصق وصلب‏,‏ ويعبر بـ‏(‏ اللازب‏)‏ عن الواجب الثابت فيقال‏:‏ صار الشئ ضربة‏(‏ لازب‏)‏ وهو أفصح من قول ضربة لازم‏,‏ و‏(‏اللزبة‏):‏ السنة الجدبة الشديدة‏,‏ وجمعها‏(‏ الزبات‏).‏ ويقصد بالطين اللازب الطين الذي فقد جزءا من مائه فأصبح لزقا‏.‏ ويبدو ــ والله تعالي أعلم ــ أن المقصود بالخلق في هذه الآية الكريمة هو خلق الأحياء المخاطبين بالوحي في وقت تنزله‏,‏ ومن جاء بعدهم ومن سوف يجيئون إلي يوم الدين‏.‏ وقد ينسحب ذلك علي خلق أبينا آدم‏(‏ عليه السلام ولخلقه قصة لها تفاصيلها في كتاب الله وفي سنة خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين سوف نرويها في مقال قادم إن شاء الله‏(‏ تعالي‏).‏
ويدعم هذه الرؤية أن الخطاب في الآية الكريمة موجه إلي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ليقول لكفار قريش‏:‏ هل أنتم أشد خلقا من السماوات والأرض وما فيهما من أجرام وملائكة وجان ونبات وحيوان‏,‏ ومختلف صور المادة والطاقة وغير ذلك من مخلوقات وقد خلقكم الله من أمر حقير ألا وهو الطين اللازب؟

ويدعم هذه الرؤية أيضا التقارب الشديد بين التركيب الكيميائي لكل من جسم الإنسان والطين اللازب أي المتماسك رغم مرونته لشدة لصوق جزيئاته ببعض‏,‏ كما يؤكد ذلك تحول جسد الإنسان بعد الوفاة ليمر بعكس مراحل الخلق كما وصفها القرآن الكريم حتي ينتهي الي التراب‏,‏ مرورا بمرحلة‏(‏ صلصال كالفخار‏)‏ حين يتخشب الجسد ويتصلب وكأنه تمثال من صخر‏,‏ ثم‏(‏ صلصال من حمأ مسنون‏)‏ حين تبدأ خلاياه في التعفن والتحلل‏,‏ ثم مرحلة‏(‏ الطين اللازب‏)‏ حين تأخذ الجثة في التفسخ الكامل‏,‏ وطمس المعالم‏,‏ ثم مرحلة‏(‏ الطين‏),‏ ثم يفقد هذا الطين لمحتواه من الماء بالتدريج حتي يصبح‏(‏ سلالة من طين‏)‏ فإذا فقد ماءه بالكامل تحول الي تراب يتيه في تراب الأرض‏,‏ ولا يبقي منه إلا عظمة دقيقة مثل حبة الخردل يبعث منها يوم القيامة بعد إنزال ماء خاص من السماء كما جاء في أحاديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏
فالحمد لله الذي أنزل القرآن الكريم بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ وحفظه كلمة كلمة‏,‏ وحرفا حرفا علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏,‏ وإلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الأرض ومن عليها‏,‏ وأبقاه محتفظا بكل ما فيه من حق‏,‏ ونور الربوبية يتلألأ من بين آياته‏,‏ واشاراته وألفاظه حتي يبقي حجة علي جميع الخلق إلي يوم الدين‏,(‏ والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون‏*)‏ وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين‏.‏