136)‏ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين‏*‏
‏*(‏ المؤمنون‏:12)*‏
بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
هذه الآية الكريمة جاءت في بداية العشر الثاني من سورة المؤمنون‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها ثماني عشرة ومائة بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم إشادة بالمؤمنين‏,‏ وعرضا لبعض صفاتهم‏.‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة الكريمة حول قضية الإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ ربا‏,‏ واحدا أحدا‏,‏ فردا صمدا‏,‏ لا يشبهه أحد من خلقه‏,‏ ولا يشاركه أحد في ملكه‏,‏ ولا ينازعه أحد في سلطانه‏,‏ وتنزيهه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ تنزيها كاملا عن كل وصف لا يليق بجلاله‏.‏
وهذه السورة الكريمة بشارة للمؤمنين برضاء الله‏(‏ تعالي‏)‏ عنهم لما يتمتعون به من صفات نبيلة‏,‏ ولذلك استهلت بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏

قد أفلح المؤمنون‏*‏ الذين هم في صلاتهم خاشعون‏*‏ والذين هم عن اللغو معرضون‏*‏ والذين هم للزكاة فاعلون‏*‏ والذين هم لفروجهم حافظون‏*‏ إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين‏*‏ فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون‏*‏ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون‏*‏ والذين هم علي صلواتهم يحافظون‏*‏ أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون‏*‏
‏(‏المؤمنون‏:1‏ ـ‏11).‏

وقد روي الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنه بعد نزول هذه الآيات قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):...‏ لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة‏.‏ وهذا الدستور الإيماني‏,‏ الأخلاقي الرفيع أتبع باستعراض عدد من آيات الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الخلق للدلالة علي طلاقة قدرته‏,‏ وفي مقدمة ذلك خلق الإنسان من سلالة من طين‏,‏ وجعل نسله من ماء مهين‏,‏ وتتابع الآيات وصف مراحل الجنين البشري وصف الخبير العليم حتي أنشأه خلقا آخر‏(‏ فتبارك الله أحسن الخالقين‏).‏
وبعد هذا الاستعراض المعجز لمراحل الجنين في الإنسان والتي تبدأ بالنطفة الأمشاج التي لا يكاد يتعدي قطرها‏00.2‏ من الملليمتر‏,‏ والتي تنمو بالتدريج الي أجزاء أكبر حتي اكتمال نمو الجنين الذي لا يكاد يتعدي طوله في شهره التاسع‏(360‏ ملليمترا‏)‏ تنتقل الآيات الي الحديث عن حتمية الموت والبعث والحساب‏,‏ وكلها حق علي جميع العباد‏.‏

واستشهدت السورة الكريمة بعدد آخر من آيات الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الكون علي طلاقة قدرته في الخلق‏,‏ ومن ثم قدرته علي البعث‏.‏
ثم انتقلت السورة المباركة الي سرد قصص عدد من أنبياء الله ورسله الذين اصطفاهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهداية أممهم‏,‏ وكان منهم أنبياء الله‏:‏ نوح‏,‏ وهود‏,‏ وصالح‏,‏ وأعداد أخري من الأنبياء والمرسلين الذين أرسلوا نبيا إثر نبي‏,‏ ورسولا إثر رسول حتي جاء زمن كل من موسي وهارون‏,‏ ثم زمن عيسي ابن مريم‏(‏ علي نبينا وعليهم جميعا من الله السلام‏),‏

وأكدت السورة الكريمة أخوة جميع الأنبياء‏,‏ ووحدة رسالة السماء‏:‏ ألا وهي الإسلام الخالص لله تعالي‏,‏ والقائم علي أساس من توحيده‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ توحيدا مطلقا فوق جميع خلقه‏:(‏ أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره‏).‏
وسجلت سورة المؤمنون تفاعل تلك الأقوام مع رسالات الله‏,‏ وتفرقهم عنها بعد الرسل‏,‏ واختلافهم عليها‏,‏ وابتداعهم فيها حتي أخرجوها عن إطارها الرباني‏,‏ وجعلوها عاجزة عن هدايتهم‏,‏ فغرقوا في الدنيا وشهواتها الي آذانهم ظانين أن ما يمدهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ به من مال وبنين هو خير لهم‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون‏*‏ فذرهم في غمرتهم حتي حين‏*‏ أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين‏*‏ نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون‏.‏
‏(‏المؤمنون‏:51‏ ـ‏56)‏

ثم تعرض السورة الكريمة لعدد آخر من صفات المؤمنين الذين يصفهم ربهم بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون‏*‏ والذين هم بآيات ربهم يؤمنون‏*‏ والذين هم بربهم لا يشركون‏*‏ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم الي ربهم راجعون‏*‏ أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون‏*‏ ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون
‏(‏المؤمنون‏:57‏ ـ‏62).‏

وبالمقابل تعاود السورة الكريمة الي ذكر عدد من صفات الكفار والمشركين ممثلين في كفار ومشركي قريش‏,‏ ومن يسير علي نهجهم الي يوم الدين‏,‏ عارضة لشيء مما سوف يعانون منه من حسرة وندم في يوم القيامة فتقول‏:‏
بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون‏*‏ حتي إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون‏*‏ لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت آياتي تتلي عليكم فكنتم علي أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون‏*‏ أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين‏*‏ أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون‏(‏ المؤمنون‏:63‏ ـ‏69)‏

وردت سورة المؤمنون علي كل من منكري البعث‏,‏ والذين يتطاولون زورا علي وحي السماء‏,‏ واستعرضت حوارا بينهم وبين رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ وخلصت الي تنزيه الذات الإلهية عن كل من الولد والشريك لأنهما من صفات المخلوقين‏,‏ والله‏(‏ تعالي‏)‏ منزه تنزيها كاملا عن جميع صفات خلقه‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض سبحان الله عما يصفون‏*‏ عالم الغيب والشهادة فتعالي عما يشركون‏.‏
‏(‏المؤمنون‏:92,91).‏

وبعد ذلك تنتقل الآيات الي وصف صورة من ذل الكفار والمشركين في ساعات الاحتضار وبعد البعث فتقول‏:‏
حتي إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون‏*‏ لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون‏*‏ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون‏*‏ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون‏*‏ ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون‏*‏ تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون‏*‏ ألم تكن آياتي تتلي عليكم فكنتم بها تكذبون‏*‏ قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين‏*‏ ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون‏*‏ قال اخسأوا فيها ولا تكلمون
‏(‏المؤمنون‏:99‏ ـ‏108)‏

ثم تقارن الآيات بين موقف المؤمنين في يوم الحساب وقد كانوا يطلبون المغفرة والرحمة من رب العالمين‏,‏ وموقف الكفار والمشركين الذين كانوا يقفون من المؤمنين في الدنيا موقف السخرية والاستهزاء والضحك‏,‏ فانتقم الله‏(‏ تعالي‏)‏ منهم‏,‏ وجزي المؤمنين بأن جعلهم الأعلون في الدنيا والفائزين في الآخرة‏.‏
وتختتم سورة المؤمنون بتأكيد أن البشر لم يخلقوا عبثا‏,‏ وأنهم راجعون حتما الي الله‏,‏ الملك الحق الذي لا إله إلا هو رب العرش الكريم‏,‏ واستنكرت شرك المشركين الذين أنذرتهم عقاب الله الشديد‏,‏ ونعتتهم بالكفر‏,‏ وقررت أنهم لا يفلحون أبدا‏,‏ وفي المقابل وجهت خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ـ ومن ورائه كل المؤمنين ببعثته الشريفة الي يوم الدين ـ أن يطلبوا المغفرة والرحمة من الله الذي هو خير الراحمين‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات في ختام السورة‏.‏

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون‏*‏ فتعالي الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم‏*‏ ومن يدع مع الله إلها آخر لابرهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون‏*‏ وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين‏.(‏ المؤمنون‏:115‏ ـ‏118).‏

من ركائز العقيدة في سورة المؤمنون
‏(1)‏ الايمان بأن الجنة حق‏,‏ وأن النار حق‏,‏ وأنه لايرث الفردوس خلودا فيها إلا المؤمنون الذين عددت السورة الكريمة جانبا من صفاتهم‏,‏ ولذلك سميت باسمهم‏.‏
‏(2)‏ اليقين بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد خلق الانسان من سلالة من طين‏,‏ وقدر مراحله الجنينية مرحلة بعد اخري حتي تتم تسويته في خلقته الكاملة‏.‏ وان الموت حق عليه بعد حياته الدنيا‏,‏ ثم عليه من بعد ذلك البعث يوم القيامة‏,‏ لان الانسان لم يخلق عبثا‏,‏ وانه حتما عائد الي خالقه ليجزيه علي ما عمله في حياته الدنيوية‏.‏
‏(3)‏ التصديق بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق السماوات السبع والارضين السبع وما ومن فيهن‏,‏ وانه منزل الماء بقدر من السماء‏,‏ ومسكنه في الارض‏,‏ وانه‏(‏ سبحانه‏)‏ قادر علي الذهاب به وإفنائه‏,‏ وأنه منشئ الزروع‏,‏ والانعام‏,‏ وخالق كل شئ‏.‏
‏(4)‏ الايمان بجميع انبياء الله ورسله‏,‏ وبوحدة رسالتهم القائمة علي التوحيد المطلق لله‏(‏ تعالي‏)‏ فوق جميع خلقه‏.‏
‏(5)‏ اليقين بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو عالم الغيب والشهادة‏,‏ وأنه هو خير الرازقين‏,‏ وانه هو الذي يحيي ويميت‏,‏ وأن له اختلاف الليل والنهار‏,‏ وأنه هو رب العرش الكريم‏,‏ وأن الشرك بالله كفر‏,‏ وانه لايفلح الكافرون‏.‏
‏(6)‏ الإيمان بأنه لاعودة بعد الموت الا في يوم البعث‏,‏ لأن الأموات من ورائهم برزخ الي يوم يبعثون‏,‏ وبأنه عند نفخة الصور الأولي يصعق كل حي‏,‏ وعند النفخة الثانية يبعث كل ميت‏.‏
‏(7)‏ اليقين بأن من ثقلت موازينه في حساب الآخرة فـأولئك هم المفلحون‏,‏ وأن من خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون‏.‏

من الإشارات الكونية في سورة المؤمنون
‏(1)‏ الاشارة الي خلق الانسان من سلالة من طين‏.‏
‏(2)‏ وصف مراحل الجنين البشري المتتالية بدقة بالغة‏,‏ ووصف كل من الرحم والغدد بأنه قرار مكين‏.‏
‏(3)‏ الاشارة الي خلق السماوات السبع وما بينها من فواصل‏(‏ طرائق‏).‏
‏(4)‏ الاشارة الي انزال الماء من السماء بقدر وإسكانه في الارض مما يؤكد ان أصل الماء المخزون في صخور قشرة الارض هو ماء المطر‏(‏ ماء السماء‏).‏
‏(5)‏ التأكيد علي الارتباط الوثيق بين إنزال الماء من السماء واخراج النبات من الارض‏,‏ وانشاء جنات من نخيل واعناب وغير ذلك من اشجار الفواكه والثمار‏,‏ ونباتات المحاصيل المختلفة من مثل الغلال والبقول والاوراق والسيقان والجذور‏.‏
‏(6)‏ وصف شجرة الزيتون بانها تنبت بالدهن وصبغ للآكلين‏,‏ والتركيز علي شجر الزيتون الذي ينبت في طور سيناء بصفة خاصة‏.‏
‏(7)‏ وصف الانعام بان في خلقها عبرة للمعتبرين‏,‏ خاصة ما يخرج من بطونها من لبن وما يؤكل منها من لحم‏,‏ واتخاذها وسيلة للركوب والحمل في البر‏,‏ كما تستخدم الفلك في البحر‏,‏ وغير ذلك من المنافع الكثيرة‏.‏
‏(8)‏ الاشارة الي السبق في خلق حاسة السمع علي خلق كل من الابصار وا لافئدة‏,‏ والدراسات التشريحية المتأخرة تؤكد ذلك‏.‏
‏(9)‏ الاشارة الضمنية الرقيقة الي دوران الارض حول محورها امام الشمس بتعبير اختلاف الليل والنهار‏.‏
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج في شرح دلالتها العلمية الي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف اقصر الحديث هنا علي النقطة الأولي من القائمة السابقة‏,‏ والمتعلقة بخلق الانسان من سلالة من طين كما جاء في الآية الثانية عشرة من سورة المؤمنون‏,‏ وقبل البدء في ذلك اري لزاما علي استعراض أقوال عدد من المفسرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين‏.‏
‏(‏المؤمنون‏:12)‏
‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:‏ يقول تعالي مخبرا عن ابتداء خلق الانسان من سلالة من طين وهو ادم عليه السلام ـ خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون‏..‏ وقال ابن جرير‏:‏ إنما سمي ادم طينا لأنه مخلوق منه‏,‏ وقال قتادة‏:‏ استل ادم من الطين‏..‏ وذلك مخلوق من التراب‏..‏ وقال النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):0‏ إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض‏,‏ فجاء بنو ادم علي قدر الأرض‏,‏ جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك‏,‏ والخبيث والطيب وبين ذلك‏)(‏ اخرجه الأئمة احمد وأبو داود والترمذي وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏
‏*‏ وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة‏)‏ ما مختصره‏:‏ وفي اطوار هذه النشأة‏,‏ وتتابعها بهذا النظام‏,‏ وبهذا الاطراد‏,‏ ما يشهد بوجود المنشئ أولا‏,‏ وما يشهد بالقصد والتدبير في تلك النشأة وفي اتجاهها اخيرا‏.‏ فلا يمكن ان يكون الأمر مصادفة عابرة‏,‏ ولا خبط عشواء بدون قصد ولا تدبير‏,,‏ وهذا النص يشير الي اطوار النشأة الانسانية ولا يحددها‏,‏ فيفيد ان الانسان مر باطوار مسلسلة‏,‏ من الطين الي الانسان‏.‏ فالطين هو المصدر الأول‏,‏ أو الطور الأول‏,‏ والانسان هو الطور الأخير‏..‏ وهي حقيقة نعرفها من القرآن‏,‏ ولا نطلب لها مصداقا من النظريات العلمية التي تبحث عن نشأة الإنسان أو نشأة الأحياء‏.‏ ان القرآن يقرر هذه الحقيقة ليتخذها مجالا للتدبر في صنع الله ولتأمل النقطة البعيدة بين الطين وهذا الإنسان المتسلسل في نشأته من ذلك الطين ولا يتعرض لتفصيل هذا التسلسل لانه لا يعنيه في اهدافه الكبيرة‏.‏

‏*‏ وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبها خيرا‏)‏ ما نصه‏:...‏ اللام جواب قسم اي‏:‏ والله لقد خلقنا جنس الانسان من صفوة وخلاصة استلت من الطين‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ هو ادم لانه انسل من الطين‏..‏
‏*‏ وجاء في بقية التفاسير كلام لايخرج كثيرا عن ذلك‏,‏ ولا اري حاجة الي تكراره هنا‏.‏

من الدلالات اللغوية للآية الكريمة
‏(‏الطين‏):‏ هو التراب المختلط بالماء‏,‏ ومن ذلك قوله تعالي‏:‏
وبدأ خلق الانسان من طين‏(‏ السجدة‏:7)‏ هو الذي خلقكم من طين‏(‏ الانعام‏:2)‏ أأسجد لمن خلقت طينا‏(‏ الاسراء‏:61)‏ من سلالة من طين‏(‏ المؤمنون‏:12)‏ فأوقد لي ياهامان علي الطين‏(‏ القصص‏:38).‏
والفعل من الطين‏(‏ طان‏)‏ فهو‏(‏ مطين‏)‏ أو‏(‏ طين‏)(‏ تطيينا‏)‏ وبعض علماء اللغة ينكره‏,‏ و‏(‏ الطينة‏):‏ الخلقة والجبلة‏.‏

و‏(‏ سلالة‏)‏ الشيء ما‏(‏ استل‏)‏ منه في خفاء وتستر‏,‏ وهو مايسلت من شيء آخر ويفصل عنه‏,‏ ويقال‏:(‏ إنسل‏)‏ من بينهم بمعني خرج في خفاء وتستر‏,‏ و‏(‏ تسلل‏)‏ مثله‏,‏ و‏(‏ سل‏)‏ الشيء و‏(‏ أسله‏)‏ بمعني أخرجه مما كان فيه‏,‏ و‏(‏ السليل‏)‏ الولد‏,‏ ويقال للأنثي‏(‏ سليلة‏).‏
والتراب‏:‏ مادة من مواد الأرض‏,‏ جافة صلبة تتكون من حبيبات دقيقة في حجم حبيبات الصلصال والغرين‏(16/1‏ من الملليمتر في قطر الحبة أو‏00,062‏ ـ من الملليمتر‏)‏ ولدقة حبيبات التراب يمكن للرياح أن تحمله عالقا بها لمسافات طويلة خاصة في حالة حدوث الدوامات الهوائية‏,‏ ولفترات زمنية طويلة ثم تسقطه علي الأرض عندما تتباطأ سرعات هبوبها‏.‏

وينتج التراب عن طريق تفتيت صخور الأرض بفعل عوامل التعرية المختلفة ومن أهمها التجوية الكيميائية لمعادن الأرض‏,‏ ويتكون التراب أيضا بفعل الثورات البركانية‏,‏ أو من رذاذ أملاح البحار‏,‏ وحبوب اللقاح‏,‏ والبكتيريا‏,‏ والدخان الناتج عن عمليات الاحتراق المختلفة‏,‏ ودقائق الرماد‏.‏ وقد يختلط بتراب الأرض بعض الدقائق الكونية القادمة إلينا من خارج نطاق الأرض من مثل الغبار الكوني وغبار الشهب‏.‏
وجمع‏(‏ التراب‏)(‏ أتربة‏)‏ و‏(‏ تربان‏)‏ بكسر التاء‏.‏

يقال‏:(‏ ترب‏)‏ الشيء بمعني أصابه التراب‏,‏ و‏(‏ ترب‏)‏ الرجل أي افتقر كأنه لصق التراب‏,‏ و‏(‏ تربت يداه‏)‏ أي لا أصاب خيرا‏.‏
ويقال‏:(‏ تربه‏)(‏ تتريبا‏)(‏ فتترب‏)‏ أي لطخه بالتراب فتلطخ‏),‏ و‏(‏ أتربه‏)‏ أي جعل عليه التراب‏,‏ و‏(‏ المتربة‏)‏ هي المسكنة والفاقة‏.‏

كذلك يقال‏:(‏ أترب‏)‏ الرجل أي استغني كأنه صار له من المال بقدر التراب‏.‏
و‏(‏ الترب‏)‏ بالكسر اللدة‏,‏ وجمعه‏(‏ أتراب‏)‏ ومنه قول الله تعالي‏(‏ عربا أترابا‏).‏
و‏(‏ الترائب‏)‏ هي عظام الصدر وواحدتها‏(‏ تريبة‏).‏

ويقال‏(‏ للتراب‏)‏ كذلك‏:(‏ التوراب‏),‏ و‏(‏ التورب‏),‏ و‏(‏التيرب‏)‏ وهو واحد‏(‏ التيارب‏),‏ و‏(‏ التيراب‏),‏ و‏(‏الترباء‏),‏ و‏(‏ الترب‏),‏ و‏(‏التربة‏).‏
ويقال‏:‏ ريح‏(‏ تربة‏)‏ أي تأتي بالتراب‏,‏ وبارح‏(‏ ترب‏)‏ ريح فيها تراب‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
أولا‏:‏ التركيب الكيميائي لجسم الإنسان يؤكد صلته بالطين‏:‏
يتكون جسم الإنسان أساسا من الماء‏(54%‏ إلي أكثر من‏70%)‏ بالإضافة إلي البروتينات‏(‏ بين‏11%,17%),‏ والدهون‏(‏ بين‏14%,26%),‏ وعدد من العناصر ومركباتها غير العضوية‏(‏ بين‏5%.6%).‏
وبتحليل التركيب الكيميائي لجسم الإنسان إلي عناصره الأولية يتضح أنه يتكون مما يلي‏:‏
الأكسجين‏65%‏
الكربون‏18%‏
الإيدروجين‏10%‏
النتيروجين‏3%‏
الكالسيوم‏1,4%‏
الفوسفور‏7%‏

وتشمل العناصر النادرة كلا من اليود‏,‏ والفلور‏,‏ والبروم‏,‏ والحديد‏,‏ والنحاس‏,‏ والمنجنيز‏,‏ والزنك‏,‏ والكروم‏,‏ والكوبالت‏,‏ والنيكل‏,‏ والموليبدينوم‏,‏ والقصدير‏,‏ والفاناديوم‏,‏ والسيليكون‏,‏ والألومنيوم‏.‏ وهذه الشوارد علي ندرتها إلا أن أقل خلل في نسبها بالزيادة أو النقصان قد يؤدي إلي اعتلال جسم الإنسان‏.‏
وعناصر جسم الإنسان تشبه في مجموعها التركيب الكيميائي لتراب الأرض المختلط بالماء أي الطين‏.‏ ويتكون تراب الأرض في غالبيته من المعادن الصلصالية‏(ClayMinerals)‏ التي تتركب أساسا من سيليكات الألومنيوم المميأة‏,‏ وتشمل عددا من المعادن التي تزيد عن العشرة‏,‏ والتي تتباين عن بعضها البعض بتباين نسب التميؤ‏,‏ وباختلاف نسب كل من الألومنيوم والسيليكون‏,‏ أو بإضافة بعض العناصر الأخري مثل المغنيسيوم‏,‏ البوتاسيوم‏,‏ وغيرهما من العناصر‏.‏
كذلك يختلط مع المعادن الصلصالية نسب متفاوتة من حبات الرمل‏(‏ الكوارتز‏)‏ والفلسبار‏,‏ والميكا‏,‏ وأكاسيد الحديد‏,‏ وبعض المعادن الثقيلة‏,‏ بالاضافة إلي شيئ من الرماد البركاني‏,‏ ودقائق الأملاح المندفعة من البحار‏,‏ والجير أو الكلس‏,‏ ودقائق الرماد الناتج عن مختلف عمليات الاحتراق‏,‏ ومايصاحبه من هباءات الدخان‏,‏ ويختلط بالتربة كل من حبوب اللقاح وغيرها من بقايا النباتات‏,‏ والبكتيريا وغيرها من بقايا الأحياء الدقيقة‏,‏ وبعض آثار الغبار الكوني وغبار الشهب‏,‏ وبعض المحتويات العضوية الأخري من بقايا الكائنات الحية المختلفة‏,‏ مما يجعل تراب الأرض الممزوج بالماء‏(‏ الطين‏)‏ قريبا جدا في تركيبه الكيميائي من تركيب جسم الإنسان‏.‏

وتراب الأرض من الرواسب الفتاتية الناعمة الحبيبات التي تقل أطوال أقطار حبيباتها عن‏256/1‏ من الملليمتر‏,‏ وإن اختلطت بها بعض حبيبات الغرين‏(‏ الذي تتراوح أقطار حبيباته بين‏16/1‏ مم‏,256/1‏ من الملليمتر‏),‏ وبعض حبيبات الرمل‏(4/1‏ ـ‏16/1‏ من الملليمتر‏).‏
والرسوبيات الصلصالية الحديثة التكوين تحتوي علي نسب عالية من المسامية‏(‏ بين‏70%,80%),‏ بينما تتناقص هذه النسب إلي حوالي‏13%‏ فقط في الصخور الصلصالية القديمة خاصة الطفلية منها‏(Shale).‏ وهذه النسب العالية من المسامية في الرسوبيات الصلصالية الحديثة تزداد بعد تعريتها وتحولها الي تراب‏,‏ وتمتليء مسام التراب بأيونات العناصر المختلفة والماء والهواء والبقايا الدقيقة للأحياء‏,‏ وإذا زادت نسبة الماء تحول هذا التراب إلي الطين‏.‏ ومايذوب من عناصر الأرض ومركباتها في الماء المحتجز بين حبيبات المعادن الصلصالية المكونة للطين وبين شقوقه هو السلالة التي خلق الله‏(‏ تعالي‏)‏ منها الأنسان‏.‏

ثانيا‏:‏ نمو الإنسان بتغذيته علي نبات الأرض يؤكد صلته بسلالة من طينها‏:‏
تمتص جذور النباتات عناصر الأرض ومركباتها الذائبة في الماء المحتجز بين حبيبات التربة فتنمو وتنتج المحاصيل والثمار المختلفة التي يحيا عليها كل من الإنسان وكثير من أنواع الحيوان‏(‏ الحيوانات آكلة العشب‏),‏ وحتي المخلوقات التي تجمع بين أكل اللحوم والخضروات‏(‏ كالإنسان‏),‏ وتلك التي تأكل اللحوم فقط‏.(‏ كالضواري من الحيوان‏)‏ فإنها تحيا وتنشط‏,‏ وتنمو أجسادها علي هذا الخليط من عناصر الأرض ومركباتها الذي تستله جذور النباتات من المسافات البينية الفاصلة لحبيبات الصلصال المكونة لتراب الأرض‏(‏ تربة الأرض‏)‏ والذي يتحول إلي طين بالري‏,‏ ومن هنا كانت حكمة الله‏(‏ تعالي‏)‏ بخلق النبات قبل خلق كل من الحيوان والانسان‏,‏ لأن النبات هو الوسيلة الوحيدة لتحويل عناصر الأرض إلي سلسلة من المواد الغذائية التي يحيا عليها كل من الحيوان والانسان‏,‏ وصدق الله العظيم الذي انزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏
‏*‏ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين‏(‏ المؤمنون‏:12)‏

‏*‏ وقوله‏(‏ وهو أحكم القائلين‏:‏ الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين
‏(‏السجدة‏:7)‏

وقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري‏(‏ طه‏:55)‏
‏*‏ وقوله‏(‏ جل شأنه‏):‏ والله انبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا
‏(‏نوح‏:17‏ و‏18)‏

‏*‏وقوله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ علي لسان عبده ورسوله صالح‏(‏ عليه السلام‏)‏ مخاطبا قومه‏:‏
‏..‏ ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها‏..‏
‏(‏ هود‏:61)‏

ولذلك أيضا قال خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏)‏ إن أصل الأنسان الذي يخلق منه في الدنيا يتجمع في عظمة تبقي في أسفل العمود الفقري‏(‏ العصعص‏)‏ سماها‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ باسم عجب الذنب‏,‏ ووصفها بأنها في حجم حبة الخردل‏,‏ وأنها لا تبلي أبدا‏,‏ ولا تأكلها الأرض التي يدفن فيها الميت‏.‏ وقد أثبتت الدراسات العلمية صحة ذلك‏(HansSpemann1935).‏
وأضاف الصادق المصدوق‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ ينزل من السماء ماء في يوم البعث فينبت به كل مخلوق من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من بذرتها‏(‏ البخاري‏,‏ مسلم‏,‏ أبو داود‏,‏ النسائي أحمد‏,‏ ابن ماجه‏,‏ ابن حبان‏,‏ مالك‏,‏ وغيرهم‏)‏

ثالثا‏:‏ بعد الوفاة تتحلل أجساد البشر وتتحول الي سلالة من طين قبل أن تغيب في تراب الأرض‏:‏
تتأكد صلة جسد الانسان بتراب الأرض ومائها‏(‏ طين الأرض‏)‏ بالتقارب الكبير بين تركيبهما الكيميائي‏,‏ وبنمو هذا الجسد الانساني‏(‏ من مرحلة الجنين في بطن أمه الي الانسان الكامل النمو‏)‏ علي بعض عناصر الأرض ومركباتها الذائبة والمختزنة بين جبيبات الصلصال المكونة لتربة الأرض‏,‏ والتي يحولها النبات بقدرة الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ الي ثمار ومحاصيل يحيا عليها الانسان‏,‏ أو تحولها الحيوانات الآكلة للنبات الي منتجات ولحوم يأكلها الانسان في سلسلة رائعة للغذاء يلعب النبات الدور الرئيسي فيها‏,‏ وينتهي أصلها الي هذه السلالة من العناصر والمركبات التي تمتصها جذور النباتات من طين الأرض‏,‏ وبذلك تتأكد الحقيقة القرآنية التي يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين‏(‏ المؤمنون‏:12)‏
وتتأكد هذه الحقيقة كذلك بأنه بعد وفاة الانسان‏,‏ وتحلل جسده فإنه يتحول الي تراب الأرض‏,‏ بعملية معاكسة لعملية الخلق التي بدأت من تراب الأرض الذي ارتوي بالماء فأصبح طينا‏,‏ وأذاب الماء من هذا الطين ماقبل الذوبان فيه من عناصر ومركبات الأرض‏,‏ فتمايزت من بين حبات هذا الطين سلالة خاصة تعرف باسم‏(‏ سلالة من طين‏)‏ وبتبخير المحاليل المكونة لتلك السلالة ترسبت مكوناتها بين حبات المعادن الصلصالية‏(‏ الترابية‏),‏ فأصبح الطين لاصقا بعضه ببعض‏(‏ طين لازب‏).‏
ثم ترك هذا الطين اللازب ليجف بالتدريج فأسود وأنتن‏(‏ وأصبح صلصالا من لحما مسنون‏)‏ ثم زاد جفافه فأصبح صلصالا كالفخار‏,‏ ثم نفخ الله‏(‏ تعالي‏)‏ فيه الروح فأصبح إنسانا‏(‏ آدم أبو البشر‏).‏

وعند مغادرة الروح للجسد الانساني فإنه ييبس حتي يصير كالتمثال الحجري‏(‏ الصلصال‏),‏ ثم بعد دفنه يبدأ في التحلل التدريجي الذي تقوم به البكتريا‏,‏ والفطريات‏,‏ والطحالب‏,‏ والفيروسات التي تعايشت معه في حياته‏,‏ والتي توجد في التربة التي يدفن فيها‏,‏ فيتغير لونه وتنتن رائحته فيصير صلصالا من حمأ مسنون‏),‏ ثم يهترئ الجسد تماما ويصبح كالطين اللازب ويتبخر مابه من ماء فيتحول الي تراب الأرض‏,‏ ويغيب فيه‏,‏ فيما عدا عجب ذنبه الذي يحفظ بقدرة الله‏(‏ تعالي‏)‏ حتي يبعث منه في يوم القيامة‏.‏
هذه الشواهد الثلاثة تؤكد علي الحقيقة القرآنية التي أنزلها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة بقوله العزيز‏:‏

ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين‏(‏ المؤمنون‏:12)‏
والذين فتنوا بنظرية التطور العضوي يردون هذا الطين إلي أول الخلق‏,‏ أي إلي أول خلية حية خلقت علي وجه الأرض والتي تدعي النظرية أنها بالانقسام والتكاثرأعطت ملايين الأنواع من صور الحياة التي مثل كل نوع منها ببلايين الأفراد التي عمرت الأرض علي مراحل متدرجة حتي وصلت الي الانسان‏.‏ ولكن القرآن الكريم يؤكد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ والشفرة الوراثية وتعقيدات بنائها يؤكدان علي حقيقة الخلق الخاص لكل نوع من أنواع المخلوقات‏,‏ وانقسام جزيء الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين والمعروف باسم الدنا‏(DNA)‏ يشير الي أن الرجوع بمخزون الشفرات الوراثية عند بلايين البشر الذين يعمرون الأرض اليوم‏,‏ والبلايين التي عاشت وماتت‏,‏ ومن سوف يأتي من بعدنا من أناس إلي قيام الساعة‏,‏ كل هؤلاء إذا عدنا بانقسام مخزونهم الوراثي الي الوراء مع الزمن فإنه ينتهي الي شفرة وراثية واحدة كانت في صلب ابينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ لحظة خلقه

كذلك فإن الدراسات الحديثة في علم الأحياء الجزيئي‏(MolecularBiology)‏ قد أثبتت أنه يمكن تتبع السلالات الأحيائية بواسطة الحمض النووي الريبي المنزوع الأكسجين للمتقدرات‏(MitochondrialDNA)‏ وهي جسيمات دقيقة‏(‏ عضيات‏)‏ في سائل الخلية مهمتها تزويد الخلية الحية بالطاقة اللازمة‏,‏ ومحتواها من الحمض النووي‏(‏ الدنا‏)‏ لا يدخل في اختلاط جينات الأبوين اثناء عملية الانقسام الانتصافي‏(Meiosos)‏ لأنه يؤخذ من بويضة الأم فقط‏.‏ وعلي ذلك فإنه يمكن تتبع السلالات من الأم الي الجدات العلا حتي الام الأولي‏(‏ حواء عليها السلام‏)‏ لأن هذا الجزيء من الحمض النووي الخاص بالأم لا يتغير إلا بواسطة الطفرات التي تورث عن طريق خط الأمهات الي الأجيال المتعاقبة‏,‏ وبتتبع ذلك ثبت ان جميع البشر يشتركون في دنا متقدري واحد‏(MitochondrialDNA)‏ ورثوه عن جدة عليا واحدة هي أم البشرية كلها التي قدر وجودها منذ حوالي المائتي الف سنة مما يهدم خرافة التطور من جذورها‏,‏ وخرافة تعدد الأصول الانسانية التي نادي بها بعض علماء الدراسات الانسية الغربيين والتي تكاد أن تدمر الانسان المعاصر بالصراعات العرقية العديدة والقائمة علي أساس من هذه الأفكار الشيطانية الغربية‏,‏ وصدق الله العلي العظيم الذي انزل في محكم كتابة من قبل الف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏

وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون
‏(‏الأنعام‏:98)‏

وهي حقيقة لم تتوصل إليها العلوم المكتسبة إلا منذ أقل من عقدين من الزمن‏,‏ ولا يمكن لعاقل أن يجد لها مصدرا من قبل أربعة عشر قرنا غير الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ الذي أنزل القرآن الكريم بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ علي مدي أربعة عشر قرنا أو يزيد‏,‏ والي أن يرث الأرض ومن عليها‏.‏
فالحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله الذي بعث لنا خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ والحمد لله الذي تعهد بحفظ رسالته الي يوم الدين لتبقي صوت الله‏(‏ تعالي‏)‏ في الأرض وحجته علي الخلق اجمعين الي يوم يبعثون‏,‏ وضلي الله عليه وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه‏,‏ ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏