(119)واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير‏*‏
‏*‏ لقمان‏:19*‏

بقلم الدكتور‏:‏زغـلول النجـار
هـذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في بدايات النصف الثاني من سورة لقمان‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وعدد آياتها أربع وثلاثون‏(34)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الاشارة فيها الي لقمان الحكيم‏,‏ وهو شخصية لا يعرف المؤرخون كثيرا عنها‏,‏ فقد قيل إنه نوبي‏,‏ أو سوداني أو حبشي أو عبري‏,‏ وجمهور الذين ذكروه مجمعون علي أنه لم يكن نبيا‏,‏ وإن كان قليل منهم يرجح نبوته لذكر القرآن الكريم له بالإسم‏,‏ وإطلاق اسمه علي هذه السورة الكريمة‏,‏ وإن كانوا يجمعون علي أنه كان من الأحناف لما اشتهر به من التوحيد‏,‏ ونبذ الشرك‏,‏ والحكمة‏,‏ والدعوة الي مكارم الأخلاق التي روت السورة الكريمة التي نحن بصددها طرفا منها في مقام نصيحة لقمان الحكيم لابنه‏.‏

ويدور المحور الرئيسي للسورة الكريمة حول قضية العقيدة الإسلامية‏,‏ ومن ركائزها‏:‏ التوحيد الخالص لله تعالي‏(‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة‏,‏ ولا ولد‏),‏ وتنزيهه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ والإيمان بحقيقة الوحي‏,‏ والنبوة‏,‏ والرسالة‏,‏ واليقين بضرورة البعث‏,‏ والحساب‏,‏ والجزاء‏,‏ والجنة‏,‏ والنار‏,‏ والتسليم بملكية الله الخالصة للسماوات والأرض وما فيهما‏,‏ وبشمول علمه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ لكل شيء‏,‏ وبضرورة الخضوع لأوامره‏,‏ واجتناب نواهيه في عبودية خاضعة‏,‏ وعبادة خالصة له وحده‏(‏ سبحانه‏),‏ والتسليم كذلك بضرورة الالتزام بمكارم الأخلاق‏,‏ ومن ألزمها بر الوالدين‏,‏ ومنها النهي عن الغرور الكاذب‏,‏ والتكبر علي الخلق‏,‏ والاختيال بالجاه والسلطان‏,‏ والعجب بالنفس‏,‏ والتفاخر بالمكاسب المادية الزائلة‏,‏ وكلها من مداخل الشيطان الذي أمرنا بمعصيته ومعاداته‏,‏ ومنها الاقتصاد في المشي‏,‏ والغض من الصوت تواضعا لله‏(‏ تعالي‏),‏ وشكرا له علي نعمه الظاهرة والباطنة‏,‏ ومنها إسلام الوجه لله الخالق البارئ المصور‏,‏ مع الاحسان الي الخلق‏,‏ والاستمساك بالعروة الوثقي‏,‏ واليقين بأن الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ هو الحق‏,‏ وأن مايدعو المشركون من دونه هو الباطل‏,‏ وأن الله هو العلي الكبير‏.‏

وبشرت السورة المحسنين بالنعيم المقيم‏,‏ وأنذرت الكافرين بالعذاب الأليم‏,‏ وختمت بما استأثر الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعلمه من أمور الغيب التي لا سبيل للإنسان في الوصول الي علم شيء منها‏.‏
هذا‏,‏ وقد استشهدت السورة الكريمة في سياق ذلك بعدد من الآيات الكونية علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في الخلق‏,‏ والشاهدة للخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بالألوهية‏,‏ والربوبية‏,‏ والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ والشاهدة له‏(‏ تبارك اسمه‏)‏ بأنه كما خلق فإنه قادر علي إفناء خلقه‏,‏ وعلي إعادة بعثه وحسابه وجزائه إن خيرا فخير‏,‏ وإن شرا فشر‏.‏

عرض موجز لسورة لقمان
تبدأ سورة لقمان بثلاثة من الحروف الهجائية المقطعة هي الم التي تكررت في مطلع ست من سور القرآن الكريم‏(‏ هي‏:‏ البقرة‏,‏ آل عمران‏,‏ العنكبوت‏,‏ الروم‏,‏ لقمان‏,‏ والسجدة‏),‏ وجاءت هذه الحروف الثلاثة بإضافة الحرف‏(‏ ص‏)‏ في مطلع سورة الأعراف‏(‏ المص‏),‏ وبإضافة الحرف‏(‏ ر‏)‏ في مطلع سورة الرعد‏(‏ المر‏).‏
وقد قيل في هذه المقطعات بأنها رموز الي كلمات أو معان أو أعداد معينة‏,‏ أو أنها أسماء للسور التي جاءت في أوائلها‏,‏ أو هي من قبيل التحدي للعرب بالقرآن الكريم الذي لم تتجاوز حروفه حروف لغتهم‏,‏ وعلي الرغم من ذلك فقد عجزوا وسوف يظلون عاجزين عن الاتيان بشيء من مثله‏.‏

وقد قيل في هذه الحروف الهجائية المقطعة أنها من وسائل قرع الأسماع والقلوب كي تتنبه لتلقي القرآن الكريم من قبيل استهلالات العرب‏,‏ أي أنها مجرد فواتح للسور‏,‏ أو أن كل حرف منها يدل علي كلمة محددة المعني الذي يستخرج من مضمون السورة‏,‏ أو أنها من دلائل نبوة سيدنا محمد‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وصدق رسالته‏,‏ بسبب نطقه بأسماء الحروف ـ وهو الأمي ـ‏,‏ والأمي ينطق بأصوات الحروف ولا يعرف أسماءها‏.‏ أو أنها تجمع بين كل هذه الأقوال وغيرها‏,‏ أو أنها من أسرار القرآن الكريم التي لم يأذن الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعد بالكشف عن مدلولاتها والله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أعلم بمضمونها‏.‏
وبعد هذا الاستهلال مباشرة جاء الثناء علي القرآن الكريم وعلي المؤمنين به وذلك بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏).‏

ألم‏*‏ تلك آيات الكتاب الحكيم‏*‏ هدي ورحمة للمحسنين‏*‏ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون‏*‏ أولئك علي هدي من ربهم وأولئك هم المفلحون‏*.(‏ لقمان‏:1-5).‏
ثم عرجت الآيات الي استنكار عمل من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم‏,‏ ويتخذها هزوا ليضل الناس عن طاعة الله ويصرفهم عن التمسك بآداب دينه‏.‏

وقد قيل في لهو الحديث أنه كل ماكان ملهيا عن سبيل الله من وسائل الترفيه الحرام من قبيل التمثيل الفاضح الذي تكشف فيه العوارات‏,‏ والغناء الماجن الذي تتجاوز فيه حدود الأدب‏,‏ ومشاهدته أو الاستماع إليه‏,‏ وذلك من مثل ماتمتليء به وسائل الاعلام في أيامنا هذه مما يخدش الحياء وينحط بالذوق السليم‏,‏ ويصرف الناس عن كل جاد وهادف في هذه الحياة‏,‏ ويدعو الي الفواحش والرذائل‏.‏
وفي النهي عن ذلك يروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله الشريف‏:‏ لا يحل تعليم المغنيات‏,‏ ولا بيعهن‏,‏ وأثمانهن حرام‏,‏ وقدرت السورة الكريمة أن هؤلاء لهم عذاب مهين في الدنيا قبل الآخرة‏.‏

وروي ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ أن هذه الآية الكريمة كانت قد نزلت في رجل من كفار قريش اشتري جارية مغنية‏,‏ وكان حريصا علي ان يصرف أوقات الناس في الاستماع اليها‏,‏ وكان إذا تليت عليه آيات القرآن الكريم انصرف عنها مستكبرا متعاليا‏,‏ ومتغطرسا مجافيا كأن أذنيه قد أصيبتا بالصمم الثقيل فلم يسمعها‏(‏ تماما كما يفعل العديد من أهل الإعلام الفاسد في زماننا‏).‏
وتطالب الآيات خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ـ كما تطالب كل متبع لهديه من بعده ـ أن يبشر هذا اللاهي وأشباهه بالعذاب الأليم في الدنيا وبالعذاب المهين في الآخرة‏.‏

وفي المقابل تؤكد الآيات الكريمة في سورة لقمان أن الذين آمنوا ببعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وبرسالته‏,‏ وعملوا الصالحات فإن لهم جنات النعيم خالدين فيها أبدا‏,‏ وأن هذا هو وعد الله الحق الذي لا يخلف‏,‏ والله هو العزيز الحكيم‏.‏
واستشهدت السورة الكريمة بعدد من آيات الله الكونية الدالة علي طلاقة قدرته المبدعة في الخلق‏,‏ ثم تخاطب الناس جميعا بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين‏*.‏
‏(‏لقمان‏:11)‏

ثم أثنت الآيات علي عبد من عباد الله آتاه الله الحكمة هو لقمان فعرف باسم لقمان الحكيم‏,‏ والحكمة تقتضي الوضاءة في الفهم‏,‏ والفقه في الدين‏,‏ والاصابة في الحكم‏,‏ ومن صميمها أن يكون العبد شاكرا لأنعم الله‏,‏ فبالشكر تدوم النعم‏,‏ ويجزل الثواب من الله‏(‏ تعالي‏).‏
‏...‏ ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد‏*.‏
‏(‏لقمان‏:12)‏

ومن سمات حكمة لقمان نهي ابنه ـ وهو يعظه ـ عن الشرك بالله الذي وصفه بأنه من أبلغ صور ظلم الإنسان لنفسه‏.‏
وتوصي الآيات الأبناء ببر الوالدين مستشهدة بحمل الأم لجنينها وهنا علي وهن‏,‏ أي ضعفا علي ضعف‏,‏ ورعايته حتي يفطم بعد عامين‏,‏ وهذا مما يستوجب الشكر لله‏(‏ تعالي‏)‏ علي الخلقة والرعاية الإلهية طيلة مدة الحمل حتي يخرج الصغير حيا من بطن أمه‏,‏ والشكر للوالدين علي تحملهما مارافق ذلك الحمل والوضع من مشاق‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علي وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير‏*.(‏ لقمان‏:14)‏
وحتي في حالة ايمان الابن وكفر الوالدين أو شركهما بالله‏(‏ تعالي‏)‏ فإن الآيات توصي الابن بعدم طاعتهما في أمر الدين‏,‏ وبطاعتهما فيما سواه من أمور الدنيا التي لا تحمله تبعة أو مسئولية أمام الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وأن يتبع سبيل من تطهر من أدران الكفر والشرك‏,(‏ ويقصد به أبو بكر الصديق رضي الله عنه‏),‏ وقد عاد الي ربه في توبة صادقة‏,‏ وبراءة كاملة من كل ذلك حين آمن بخاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ حتي يسعد في الحياة الدنيا برضاء الله‏,‏ وينجو في الآخرة من عذابه‏,‏ والرجوع إليه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أمر حتمي بعد هذه الحياة ليخبر كلا بما عمل ويجازيه عليه‏.‏

وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏


شدة صوت الانسان مقارنة باصوات عدد من الحيوانات

وإن جاهداك علي أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون‏*‏
‏(‏لقمان‏15)‏

وهذه الآية الكريمة نزلت في الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص‏(‏ رضي الله عنه‏),‏ وذلك لأنه لما أسلم قالت له أمه جميلة وكان أحب ولدها إليها‏,‏ وكان بارا بها‏:‏ يا سعد‏,‏ ماهذا الدين الذي أحدثت؟ فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح‏,‏ ولا آكل ولا أشرب حتي تدع دينك هذا وترجع الي ماكنت عليه‏,‏ أو أموت فتعير بي‏,‏ ويقال‏:‏ ياقاتل أمه‏,‏ فقال لها‏:‏ لا تفعلي يااماه فإني لا أدع ديني هذا لشيء‏,‏ وأبي سعد أن يوافقها‏,‏ وصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل بظل حتي خشي عليها‏,‏ فلما رأي منها ذلك قال لها‏:‏ تعلمين والله يا أماه‏,‏ لو كانت لك مائة نفس‏,‏ فخرجت نفسا نفسا‏,‏ ماتركت ديني هذا لشيء‏,‏ إن شئت فكلي‏,‏ وإن شئت فلا تأكلي‏,‏ فلما رأت ذلك منه أكلت‏,‏ فأنزلت هذه الآية الكريمة في سعد وأمه‏,‏ وتمام الآية نزل في أبي بكر الصديق‏(‏ رضي الله عنه وأرضاه‏),‏ وقد كان سببا في هداية سعد بن أبي وقاص الي الإسلام‏.‏
ثم تعاود الآيات استكمال وصايا لقمان الحكيم لابنه ـ وهو يعظه ـ مؤكدا إحاطة علم الله بكل شيء‏,‏ وأنه هو اللطيف الخبير‏,‏ ويوصيه بإقامة الصلاة‏,‏ وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ وبالصبر علي المكاره‏,‏ وبعدم التكبر علي الخلق أو الاستعلاء عليهم‏,‏ أو الزهو والتباهي والافتخار‏,‏ والخيلاء‏,‏ والعجب بالذات لأن الله تعالي لا يحب ذلك‏,‏ ويوصيه بالاقتصاد في المشي‏,‏ وبغض الصوت‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات علي لسانه‏:‏
يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير‏*‏ يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر علي ماأصابك إن ذلك من عزم الأمور‏*‏ ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور‏*‏ واقصد في مشيك وا غضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير‏*‏
‏(‏لقمان‏:16‏ ـ‏19)‏

وتعاود الآيات إلي تذكير الناس بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد سخر لهم مافي السماوات وما في الأرض‏,‏ وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة‏,‏ وعلي الرغم من ذلك فإن منهم من يجادل في وحدانية الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وفي ضرورة الخضوع لجلاله بالطاعة والعبادة‏,‏ من غير علم من الله‏,‏ ولا برهان منطقي علي مايدعيه من أقوال‏,‏ وفي ذلك يقول الله‏(‏ وهو أحكم القائلين‏):‏
‏..‏ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدي ولا كتاب منير‏*‏ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ماوجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم الي عذاب السعير‏*(‏ لقمان‏:21,20)‏

وتؤكد الآيات أن من يسلم وجهه لله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏,‏ مقرا لجلاله بالألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ متقربا إليه بالإيمان الكامل‏,‏ والطاعة التامة‏,‏ منفذا لأوامره‏,‏ ومجتنبا لنواهيه‏,‏ ومتذللا له بالعبودية الكاملة‏,‏ مؤمنا بأن نهاية كل شيء إليه‏,‏ ومصير كل الخلائق إليه وهو الناجي حقا وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ومن يسلم وجهه إلي الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقي وإلي الله عاقبة الأمور‏*.(‏ لقمان‏:22)‏

ثم تتوجه الآيات بالخطاب الي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بألا يحزن لكفر الكافرين‏,‏ لأن الخلق جميعهم راجعون الي الله‏(‏ تعالي‏)‏ العليم بذات الصدور‏,‏ وتتوعدهم الآيات بأن إمهالهم في الدنيا بمتاعها القليل سوف يتبعه العذاب الشديد في الآخرة‏,‏ والخطاب موصول لأتباع هذا النبي الخاتم الي يوم الدين‏:‏ ألا يحزنوا لكفر الكافرين‏,‏ ولتطاول خفافيش الظلام منهم الذين يتسترون خلف شاشات شبكة المعلومات الدولية‏(‏ الشبكة العنكبوتية‏)‏ لينفثوا سمومهم الحاقدة‏,‏ وجهلهم الفاضح‏,‏ وشركهم الكريه‏,‏ وحقدهم علي الاسلام وكتابه‏,‏ وعلي خاتم أنبياء الله ورسله‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين‏),‏ فعقاب الله يتهددهم بوعده‏,‏ ووعيده‏(‏ والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏*).‏
وتؤكد الآيات لرسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أنه لو سئل الكافرون عن خالق السماوات والأرض لأجابوا بالقطع بأنه هو الله‏(‏ تعالي‏),‏ وتأمره بحمد الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي نعمة الاسلام الذي لا يرتضي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده دينا سواه‏,‏ خاصة أن أكثر الناس لا يدركون فضل هذا الدين علي غيره من الأديان‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏

ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور‏*‏ نمتعهم قليلا ثم نضطرهم الي عذاب غليظ‏*‏ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون‏*‏
‏(‏لقمان‏:23‏ ـ‏25)‏

وتؤكد الآيات مرة أخري أن جميع مافي السماوات والأرض هو ملك لله‏(‏ تعالي‏)‏ الغني عن جميع خلقه‏,‏ المحمود في السماوات والأرض‏.‏ وتعظيما للقرآن الكريم تؤكد أن كلمات الله فيه لا تنفد أبدا مهما حاول المفسرون‏.‏ واجتهد الكاتبون‏,‏ وتقرر أن خلق الناس وموتهم ثم بعثهم من اليسر علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ كخلق نفس واحدة‏,‏ وأن من صفات الله‏(‏ تعالي‏)‏ أنه السميع البصير‏.‏
وعاودت الآيات الاستشهاد بعدد آخر من الآيات الكونية علي طلاقة القدرة الالهية المبدعة في الخلق والافناء والبعث‏,‏ وعلي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ خبير بما يعمل كل واحد من خلقه‏,‏ وأنه‏(‏ تبارك اسمه‏)‏ هو الحق‏,‏وانه هو العلي الكبير‏,‏ وأن كل مايدعون من دونه هو الباطل‏.‏

وتستعرض الآيات جانبا من طبائع النفس البشرية غير المؤمنة‏,‏ ومن ذلك أنها تلجأ الي الله‏(‏ تعالي‏)‏ ساعات الضيق والشدة‏,‏ وتلهو عن طاعته في أوقات الرخاء والسعة‏,‏ وضربت لذلك مثلا بمن يقلع في المياه المتلاطمة للبحار والمحيطات والذي تارة يسلم برحمة من الله وفضل‏,‏ وتارة تغشاه تلك الأمواج المتلاطمة فيلجأ الراكبون في البحر الي الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏,‏ وينسوا كل من أشركوهم في عبادته‏,‏ حتي إذا أنجاهم الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ الي البر برحمته وفضله فمنهم من يقر بالفضل لله‏(‏ تعالي‏),‏ ومنهم من يجحد ذلك كفرا بنعمة الله عليه‏.‏
وتختتم سورة لقمان بآيتين كريمتين تدعوان الناس جميعا الي تقوي الله‏,‏ والي خشية أهوال يوم القيامة حيث لا يغني والد عن ولده‏,‏ ولا مولود عن والده شيئا‏,‏ ووعد الله‏(‏ سبحانه‏)‏ بذلك هو الحق‏,‏ وعليه فلا يجوز لعاقل أن يغتر بالدنيا الفانية‏,‏ أو أن يستهويه الشيطان بالانصراف عن طاعة الله الذي عنده علم الغيب كله‏,‏ ولا يعلمه سواه لأنه‏(‏ تعالي‏)‏ هو العليم بكل شيء‏,‏ والخبير في كل أمر‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:‏

يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور‏*‏ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير‏*(‏ لقمان‏:34,33).‏

من ركائز العقيدة في سورة لقمان
‏(1)‏ الايمان بأن آيات القرآن الكريم هي كلام الله الموحي بها إلي خاتم أنبيائه ورسله‏(‏ صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏),‏ وأن القرآن هو الكتاب الحكيم الذي جعله الله‏(‏ تعالي‏)‏ هدي ورحمة للمحسنين‏;‏ وأن كلماته لا تنفد أبدا مهما حاول تفسيرها المفسرون‏,‏ وكتب عنها الكاتبون‏.‏

‏(2)‏ اليقين بأن إقامة الصلاة‏,‏ وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏,‏ والصبر علي القيام بذلك والدعوة إليه هو من عزائم الأمور‏,‏ ومن الهداية الربانية التي تقود صاحبها إلي الفلاح في الدنيا والنجاة في الآخرة‏,‏ وإلي الاستمساك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها‏.‏

‏(3)‏ التصديق بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم‏,‏ خالدين فيها أبدا‏,‏ كما وعد رب العالمين‏,‏ ووعده الحق‏,‏ وهو العزيز الحكيم‏,‏ وأن من كفر فعليه كفره‏,‏ وأن مآله إلي جهنم وبئس المصير‏,‏ حتي لو تمتع بشيء من زينة الحياة الدنيا‏,‏ ومتاعها القليل‏,‏ وذلك لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ سوف يضطره إلي عذاب غليظ يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتي الله بقلب سليم‏.‏

‏(4)‏ الإيمان بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ بما في ذلك السماوات القائمة بغير عمد مرئية‏,‏ والأرض التي ألقي فيها رواسي كي لا تميد بما عليها من الخلق‏,‏ وبث فيها من كل دابة‏,‏ وأنزل من السماء ماء فأنبت فيها من كل زوج كريم‏;‏ وأن غير الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا يخلق شيئا‏;‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي سخر للناس ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه‏,‏ وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة‏,‏ وأنه هو الغني الحميد‏,‏ واللطيف الخبير‏,‏ الذي لاتخفي عليه خافية في الأرض ولا في السماوات‏,‏ ومن هنا كان الشكر لله‏(‏ تعالي‏)‏ واجبا علي المخلوقين جميعا‏.‏

‏(5)‏ التصديق بأن الشرك بالله‏(‏ تعالي‏)‏ هو من أخطر درجات ظلم النفس لأن مآله وخيم‏,‏ وأن الشيطان للإنسان عدو مبين‏,‏ يدعوه دوما إلي عذاب السعير‏.‏

‏(6)‏ الإيمان بحتمية الآخرة‏,‏ بل بضرورتها‏,‏ وبما فيها من بعث وحساب وخلود إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏,‏ وأن فيها لايجزي والد عن ولده‏,‏ ولامولود هو جاز عن والده شيئا‏.‏

‏(7)‏ الإيمان بالغيوب المطلقة التي لايعلمها إلا الله‏(‏ تعالي‏),‏ ومنها علم الساعة‏,‏ ونزول الغيث‏,‏ وعلم ما في الأرحام‏,‏ وما تكسب كل نفس في مستقبل عمرها‏,‏ وبأي أرض تموت‏.‏

من مكارم الأخلاق في سورة لقمان
‏(1)‏ تحريم كل صور اللهو الماجن الذي تتجاوز فيه حدود الأدب‏,‏ والاحتشام‏,‏ والذوق السليم‏,‏ فيخدش الحياء‏,‏ ويدمر الأخلاق‏,‏ ويفسد سلوكيات الناس‏,‏ ويضل عن سبيل الله‏,‏ ويجعل من الناس من يتخذ الحياة هزوا والأصل فيها أن تؤخذ مأخذ الجد‏.‏

‏(2)‏ بر الوالدين‏,‏ وإن كانا كافرين أو مشركين‏.‏

‏(3)‏ التأسي بالصالحين‏,‏ والحرص علي مصاحبتهم‏.‏

‏(4)‏ النهي عن التكبر علي الخلق‏,‏ وعن الاستعلاء في الأرض لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ لايحب كل مختال فخور‏,‏ ومن هنا كانت الدعوة إلي القصد في المشي‏,‏ والغض من الصوت‏,‏ والتذكير بأن أنكر الأصوات هي تلك الأصوات الحادة‏,‏ المرتفعة النبرة كصوت الحمير‏.‏

‏(5)‏ التأكيد علي قيمة العقل في الحكم علي الأشياء التي لايجدي فيها مجرد الميراث كالدين‏,‏ واستنكار مبارزة الله تعالي بالمعاصي في أوقات الرخاء والسعة‏,‏ واللجوء إليه في ساعات الأزمات والضيق‏.‏

من الاشارات الكونية في سورة لقمان
‏(1)‏ الإشارة إلي خلق السماوات بغير عمد مرئية‏.‏

‏(2)‏ ذكر إلقاء الجبال في الأرض رواسي لها كي لا تميد وتضطرب بما عليها من الخلائق‏.‏

‏(3)‏ بث الحياة في الأرض من كل دابة‏.‏

‏(4)‏ إنزال الماء من السماء‏,‏ وإحياء الأرض بواسطته حتي تنبت من كل زوج بهيج‏.‏

‏(5)‏ تأكيد حقيقة أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ وأن غيره لا يخلق شيئا‏.‏

‏(6)‏ التوصية بضرورة الاقتصاد في المشي‏,‏ والغض من الصوت‏,‏ والإشارة إلي أن أنكر الأصوات هو صوت الحمير‏,‏ وفي ذلك من القيم البيئية ما فيه للتحذير من التلوث البيئي بالضوضاء والضجيج‏.‏

‏(7)‏ الإشارة إلي أن خلق البشر جميعهم‏,‏ ثم موتهم وبعثهم هو بالنسبة إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ كخلق نفس واحدة وإفنائها ثم بعثها‏.‏

‏(8)‏ الإشارة إلي كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس بولوج كل من الليل في النهار‏,‏ والنهار في الليل‏.‏

‏(9)‏ الإشارة إلي حتمية فناء الكون بالتأكيد علي أن تسخير كل من الشمس والقمر هو إلي أجل مسمي‏.‏

‏(10)‏ التأكيد علي أن جريان الفلك في البحر هو نعمة من نعم الله‏,‏ وآية من آياته‏.‏

‏(11)‏ التأكيد علي أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو وحده الذي عنده علم الساعة الأخيرة من عمر الكون‏,‏ وهو وحده الذي ينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام‏,‏ ويعلم ماذا تكسب كل نفس في غدها وبأي أرض تموت‏,‏ والأحداث من حولنا تؤكد صدق ذلك وحقيقته‏.‏

من الدلالات العلمية للآية الكريمة
تقول الآية الكريمة التي نحن بصددها علي لسان لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه‏:‏
واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير‏*.‏
‏(‏لقمان‏19)‏

و‏(‏القصد‏)‏ هنا من الاقتصاد أي عدم الإسراف أو الاتزان بين الإسراف والتقتير‏,‏ ومدلوله هنا هو التوسط في المشي بين البطء والإسراع في شيء من السكينة والوقار الذي لايشوبه التبختر والاختيال والعجب بالذات‏.‏
و‏(‏الغض‏)‏ من الصوت هو خفضه إلي مستوي الحاجة‏,‏ وكفه عن إيذاء مسامع الآخرين‏,‏ وفي ذلك من الأدب‏,‏ والثقة بالنفس‏,‏ والاطمئنان إلي صدق الحديث ما يجعل غض الصوت من مكارم الأخلاق‏,‏ ويجعل أعلاها أقبحها كصوت الحمير أي نهيقها لما فيه من العلو المفرط بين الزفير والشهيق‏,‏ من الفزع الذي ينتابها عند رؤية الشياطين وذلك لقول المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا‏,‏ وإذا سمعتم نهيق الحمار فاستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم فإنه رأي شيطانا‏(‏ أخرجه النسائي وبقية كتب الحديث الستة سوي ابن ماجة‏).‏

والآية الكريمة فيها نهي واضح عن رفع الأصوات دون ضرورة‏,‏ والدراسات الحديثة تؤكد أن الضوضاء صورة من صور تلوث البيئة‏,‏ وإن هناك علاقة وثيقة بين الاستقرار البدني والنفسي للكائن الحي‏-‏ بل وللجمادات‏-‏ في وسط ما‏,‏ وبين مستوي الضجيج السائد في ذلك الوسط‏.‏ فالضوضاء الصاخبة تؤدي إلي خلل واضح في أنشطة ووظائف الأجهزة المختلفة في جسم الإنسان من مثل زيادة إفراز مادة الأدرينالين مما يؤدي إلي توتره العصبي‏,‏ ويقظته الزائدة‏,‏ وشدة إنتباهه فوق الطاقة مما يزيد من إرهاقه‏,‏ وشعوره بالإعياء الفائق عن الحد‏.‏ فجسم الإنسان‏-‏ كأي كائن آخر‏-‏ يستقبل الموجات الصوتية كما يستقبل غيرها من صور الطاقة بدرجات متفاوتة‏,‏ وينتج عن ذلك فيه قدر من ردود الأفعال المتباينة في مختلف أجهزته خاصة في كل من جهازه العصبي المركزي‏,‏ وجهازه الدوري‏,‏ وجهازه السمعي‏,‏ وفي أنظمة غدده وإفرازاتها الداخلية‏;‏ وذلك لأن الأصوات تحدث تغيرات في ضغط الهواء بالزيادة‏(‏ التضاغط‏)‏ والنقصان‏(‏ التخلخل‏)‏ وتندفع هذه التغيرات علي هيئة موجات من الذبذبات المنتشرة في كل الاتجاهات من مصدر الصوت بسرعات تقدر بنحو‏330‏ مترا في الثانية في المتوسط‏.‏ وتعتمد طبقة الصوت علي عدد الذبذبات في الثانية التي تؤثر في طبقة الهواء‏,‏ دون أن تتأثر سرعة الصوت‏.‏ أما شدة الصوت فتعتمد أساسا علي سعة الذبذبة‏,‏ وتتناقص بالتدريج بالبعد عن مصدر الصوت‏.‏ وأقل تردد للموجات الصوتية تسمعه أذن الإنسان هو‏(20)‏ هيرتز‏(‏ أي عشرين ذبذبة في الثانية‏)‏ وأعلاه هو‏(15,000‏ إلي‏20,000)‏ هيرتز أي‏15.000‏ إلي‏20.000‏ ذبذبة في الثانية‏.‏ والموجات الصوتية تنقل الطاقة من المصدر إلي أذن المستمع أو إلي أجهزة الاستقبال‏.‏ ومن الثابت أن بعض الحيوانات من أمثال الخفافيش‏,‏ والحيتان الزرقاء‏,‏ والدلافين وبعض الحشرات لها قدرة استماع فوق صوتية تتراوح بين‏(30),(100)‏ كيلو هيرتز‏.‏ والموجات الصوتية لاتتحرك في الفراغ‏,‏ فهي تحتاج إلي وسط من الهواء أو السوائل كالماء‏,‏ أو الجوامد كي تتحرك فيه‏.‏ وتتحرك الموجات الصوتية في الهواء بسرعة تقدر بنحو‏(1200)‏ كيلو متر في الساعة عند مستوي سطح البحر‏,‏ ومع زيادة كثافة الوسط الذي تتحرك فيه الموجات الصوتية فإن سرعتها تزداد بصورة مطردة حتي تصل إلي‏(4800)‏ كم في الساعة في الأوساط المائية وإلي أضعاف تلك السرعة في الجوامد‏.‏

وعند ارتطامها بأسطح صلدة ملساء كبيرة فإن جزءا من هذه الموجات الصوتية يرتد محدثا الصدي‏,‏ بينما ينفذ الجزء الباقي من خلال هذه الأسطح‏.‏ وفي داخل المباني المغلقة يتكرر إنعكاس الموجات الصوتية مرات عديدة بواسطة الأسطح الداخلية لتلك المباني فيزداد الصدي‏.‏
وللمقارنة بين شدة موجتين صوتيتين تستخدم وحدة خاصة تسمي البل‏(Bel)‏ نسبة إلي جراهام بل‏(GrahamBell)‏ مخترع التليفون‏,‏ وهذه الوحدة تستخدم كذلك كوحدة لقياس كل من شدة الصوت والقدرة علي السمع‏.‏ ولما كانت هذه الوحدة كبيرة نسبيا فقد اقترح قسمتها علي عشرة واستخدام هذه الوحدة العشرية التي عرفت باسم عشر البل الديسيبل‏(Decibel)‏ في المقارنة بين شدة صوتين من الأصوات‏.‏

وأقل تردد يمكن لأذن الإنسان أن تسمعه وهو‏(20)‏ هيرتز تكون حركة طبلة الأذن كبيرة‏,‏ ولكن إذا زادت الضغوط الصوتية إلي أعلي من‏(160)‏ ديسيبل يمكن أن تتمزق طبلة الأذن بالكامل‏.‏ ومن الأضرار التي تنشأ عن الضوضاء الصاخبة حدوث اضطرابات في وظائف الأذن‏,‏ والأنف والحنجرة‏,‏ وإمكان فقد حاستي السمع والشم جزئيا أو كليا‏,‏ والإصابة بالعديد من أمراض كل من القلب والأوعية الدموية من مثل زيادة نسبة الكوليسترول في الدم‏,‏ وحدوث الجلطات‏,‏ وتصلب الشرايين‏,‏ وارتفاع ضغط الدم‏,‏ واضطراب إفرازات الغدد الصماء‏,‏ وأنشطة بعض وظائف المخ خاصة في حالات التوتر الشديد من الضوضاء الصاخبة‏,‏ التي قد تؤدي إلي عدم انضباط معدلات إفراز بعض الهرمونات‏,‏ وما يصاحب ذلك من اضطرابات في وظائف مختلف أعضاء الجسم‏,‏ وغير ذلك من الاضطرابات العصبية والنفسية المصاحبة بالشعور بالصداع المزمن‏,‏ والضيق‏,‏ والشعور بالإجهاد‏.‏ وقد ينعكس ذلك علي كل من الجهاز العصبي المركزي والجهاز الهضمي فيؤدي إلي عسر الهضم وحدوث القرح المختلفة‏.‏ ولذلك وضعت العديد من دول العالم قوانين صارمة لمكافحة الضوضاء الناتجة عن ضجيج محركات الطائرات خاصة تلك التي تفوق حاجز سرعة الصوت‏,‏ والضجيج الناتج عن كثافة مختلف وسائل المواصلات‏,‏ وعن حركة آلات المصانع‏,‏ وآلات الحفر وغيرها‏,‏ وعن الموسيقي الصاخبة‏,‏ وضجيج كل من الناس في مناطق الزحام‏,‏ وأصوات الحيوانات المستأنسة وغير المستأنسة وأصوات الصواريخ‏,‏ والمتفجرات‏,‏ والقنابل وغيرها من وسائل الاقتتال‏,‏ وكل ذلك يؤثر في الغلاف الغازي للأرض‏,‏ ويرتد تأثيره علي كل شيء فيها من الإنسان‏,‏ والحيوان‏,‏ والنبات‏,‏ والجمادات‏.‏

ولذلك وضعت جداول لتحديد أقصي مدة يمكن أن يتعرض لها الانسان تحت شدة معينة من الضوضاء‏,‏ فتحت شدة في حدود‏45‏ ديسيبل لا يستطيع الفرد العادي أن ينام في هدوء واسترخاء‏,‏ وعند‏(85)‏ ديسيبل تبدأ آلام الآذان‏,‏ فإذا وصلت شدة الصوت إلي‏(90)‏ ديسيبل لا يجوز أن يبقي الإنسان لأكثر من ثماني ساعات‏,‏ وإذا زادت الضوضاء إلي‏(100)‏ ديسبل لا يجوز أن يبقي الإنسان لأكثر من ساعتين‏,‏ وتحت شدة للصوت تصل إلي‏(110)‏ ديسيبل لا يمكن التعرض لها بأمان لمدة تزيد علي نصف الساعة‏,‏ فإذا وصلت شدة الصوت إلي‏(160)‏ ديسيبل حدث للإنسان صمم تام‏.‏
وأثناء استخدام أجهزة فوق صوتية مثل السونار‏(Sonar)‏ التي تصل شدتها إلي‏(200)‏ ديسيبل في الأوساط المائية فإنها تؤدي إلي القضاء التام علي العديد من الحيوانات البحرية بتمزيق أنسجة جسدها‏.‏

وقد ثبت بالقياس أن شدة صوت نهيق الحمار تتجاوز المائة ديسيبل‏,‏ وأن كثرة التعرض لهذا الصوت قد يصيب الإنسان بالعديد من الأمراض‏.‏
ومن الحيوانات المستأنسة ذات النبرة العالية في الصوت أيضا الكلاب‏,‏ والأغنام‏,‏ ولذلك يجب أن تخصص لها أماكن بعيدة عن سكني كل من الإنسان وسكني غيرها من الحيوانات المستأنسة‏.‏

والإشارة القرآنية التي تقول‏:...‏ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير فيها من السبق العلمي ما لم يكن معروفا في زمن الوحي بالقرآن الكريم‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏,‏ وورودها في كتاب أنزل علي نبي أمي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين‏,‏ من قبل أربعة عشر قرنا‏,‏ وإلماحاتها إلي أخطار التلوث البيئي بالضجيج‏-‏ وهي حقائق لم تعرف إلا في أواخر القرن العشرين‏-‏ لمما يقطع بأن القرآن الكريم لايمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ حتي يكون حجة علي الخلق إلي قيام الساعة‏.‏
وهذه الإشارات العلمية في كتاب الله وأمثالها لمما يشهد كذلك للنبي الخاتم الذي تلقي القرآن العظيم بالنبوة وبالرسالة فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏