مقدمة صليبية

التقديم في هذا الكتاب – ص – 7- يرجح أنه "منشور تنصيري" .. لأنه يرسم منهاج عرضالمسحية على غير المسيحيين وليس موجها لدعم إيمان المسيحي بعقيدته.
فهو يتحدثعن الكلام بلطف ووداعة مع المخالفين . وخدمتهم، حتى لو أساءوا..!
وهو يستشهد علىهذا المنهج بآيات من الأناجيل. كما يطلب هذا المنهج معرفة معتقدات الآخرين، ودراسةكتبهم، ومعرفة ما يسيئون فهمه من الكتاب المقدس ويستشهد لهذا المنهج – أيضا – بآياتمن الأناجيل .
فهو "تقديم" يرسم أسلوب التنصير .. وكيفية عرض المسيحية على غيرالمسيحيين.
*وبسبب من أن أوراق هذا "المنشور التنصيري" لم تقف عند عرض العقائدالمسيحية .. والدفاع عنها .. وتقديمها لغير المسيحيين – بهدف تنصيرهم - وإنماتجاوزت هذه الاهداف إلى التعرض لعقائد الإسلام، وذلك بمحاولات الاستدلال بالقرآنالكريم على صحة العقائد المسيحية التي يرفضها القرآن والإسلام .. وأكثر من هذا ،تجاوز هذا "المنشور التنصيري" ذلك إلى الطعن في عقائد إسلامية أساسية، محاولاتفنيدها وسلوك سبيل الكذب والتدليس على علماء الإسلام من مثل الإمام الفخر الرازي ( 544- 506) هـ (1150- 1210م) والإمام البيضاوي ( 691هـ - 1290م ) لجعل القرآنوالإسلام يشهد لتواتر الكتاب المقدس واستحالة تحريفه .. والقبول بعقيدة صلب المسيح- عليه السلام – وتأليهه !.
لتجاوز هذا "المنشور التنصيري" عرض المسيحية والدفاععن عقائدها ، إلى الطعن في القرآن والإسلام ، والكذب والتدليس على علماءه ، لقصرالإسلام على أن يشهد للعقائد التي يرفضها .. لذلك ، فإن الواجب هو الرد على ما جاءبهذا الكتاب .. وليس فقط التوصية بمنع تداوله.. وذلك قياما بفريضة : تبليغ الدعوة ،وإقامة الحجة، وإزالة الشبهة .. بل الشبهات التي تضمنها هذا "المنشورالتنصيري".
وإذا كان الدين – أي دين- إنما يتمحور حول (عقيدة) تمثلالنواة لهذا الدين .. و(كتاب) هو المرجع لهذه العقيدة ، ولثوابت هذاالدين.
فإننا – في الحوار الموضوعي – مع دعاوى هذا "المنشور التنصيري"..سنقف عندالقضايا المحورية التي دارت حولها أهم الدعاوى التي وردت فيه :
1ـ قضية الكتابالمقدس ـ بعهديه القديم والجديد ..وهل استحال على التحريف ـ كما يدعي هذا " المنشورالتنصيري"؟..أم أنه قد أصابه التحريف؟.
2ـ وقضية التأليه النصراني للمسيح – عليه السلام - .. ودعوى أنه ابن الله .. وكلمته أي عقله – الذي أصبح – في العقيدةالنصرانية - الإله الحقيقي .. الخالق لكل شئ .. والذي بدونه لم يكن شئ .
3- وقضية العصمة والخطيئة والمعجزات – التي توسل بها هذا الكتاب إلى تأليه المسيح ..
حول هذه القضايا الكبرى سيكون حوارنا مع دعاوى هذا الكتاب ..مع كشف الكذبوالتدليس الذي مارسه كاتب هذا الكتاب ضد أئمة الأسلام وعلماءه كي يجعلهم يؤيدونالعقائد التي يرفضها الإسلام .
تلك هي القضايا ..وهذا هو المنهج الذي سنعرض بهالرد على دعاوى هذا الكتاب.
(1)
صحة التوراة والإنجيل وعدم تحريفهما:
لقدكرست أوراق هذا الكتاب الفصل الأول – ص 4-12.. للحديث عن هذه القضية – وفي هذاالفصل يقول الكاتب:
"يدعي البعض بحدوث تحريف في التوراة والإنجيل ، ولكنهم لايقدمون أي دليل على ذلك ، وهو مجرد افتراض واتهام لا سند له ، وفي حديث نبوي : " البينة على من ادعى".
أي كل من يدعي بأي اتهام يجب أن يقدم البينة ، أي الدليلعلى صدق إدعاءه ".
***
الأدلة على تحريف التوراة
*وعملا بمنهج "مستعدونللمجاوبة" .. واستجابة لطلب كاتب هذا "المنشور التنصيري" نقدم الادلة – وليس دليلاواحدا على تحريف التوراة والإنجيل .. الادلة المنطقية .. والموضوعية. والقائمة علىالاستقراء لواقع هذه التوراة وهذا الإنجيل ..بل والشهادات التي شهد بها على هذاالتحريف " شهود من أهلها" – أي من اليهود والنصارى.
وأول هذه الأدلة :
إنالتوراة هي الكتاب الذي أنزله الله – سبحانه وتعالى – على موسى – عليه السلام - .. وموسى قد ولد ونشأ ، وتعلم ، وبعث وأوحي إليه بمصر .. ونزلت عليه التوراة باللغةالهيروغليفية – لغته ولغة بني إسرائيل في مصر - .. ولقد مات موسى ، ودفن بمصر ، قبلدخول بني إسرائيل – بقيادة يوشع بن نون – إلى أرض كنعان – فلسطين – وقبل نشأة اللغةالعبرية بأكثر من مائة سنة – إذ العبرية – في الأصل – لهجة كنعانية - .
فأين هيالتوراة التي نزلت على موسى بالهيروغليفية ؟.. هل لها وجود أو أثر في التراث الدينياليهودي ؟ ..
الجواب – الذي يجمع عليه الجميع – وفي مقدمتهم اليهود - : أنه لاوجود لهذه التوراة!.


التراث الديني اليهودي ظل شفاهيا 8 قرون فكيف يظل نقيا؟؟
ثاني هذه الأدلة
أن موسى – عله السلام – الذي نزلت عليه التوراة ،بالهيروغيليفية – قد عاش ومات في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ..بينما حدث أول تدوين لأسفار العهد القديم – علىيد " عزرا" – أي في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد – بعد عودة اليهود من السبي البابلي ( 597-538ق.م)- الأمر الذي يعني أن التراث اليهودي قد ظل تراثا شفهيا لمدة ثمانية قرون – عبد أثناءها بنو إسرائيل العجل تارة ..وأوثان الكنعانيين تارة أخرى ..وانقلبوا فيها على أنبيائهم في الكثير من الأحيان.
فهل يتصور عاقل أن يظل تراث ديني في الحالة الشفهية ، على امتداد ثمانية قرون ، شهدت كل هذه الانقلابات ضد أصوله الأولى – توراة موسى عليه السلام – دون أن يصيبه التحريف والتغيير والتبديل والحذف والإضافة والنسيان ؟!
وثالث هذه الأدلة
على حدوث التحريف في أسفار العهد القديم هو هذه التناقضات الصارخة القائمة فيها حتى الآن ..إذ لو كانت هذه الأسفار هي كلمة الله التي نزلت على موسى – عليه السلام – لاستحال أن يدخلها التناقض أو الاختلاف ، ولأن حصر التناقضات التي تمتلئ بها أسفار العهد القديم يحتاج إلى " سِِفر" فإننا سنكتفي – هنا مراعاة للمقام
بضرب الأمثلة – على سبيل المثال
– 1فاسم الله – في هذه الأسفار – أحيانا يكون " يهوه" وأحيانا يكون " إيلوهيم " الأمر الذي يشهد على اختلاف العصور ، وتعدد المواريث الدينية ، وتنوع الثقافات اللاهوتية ، وتمايز المصادر التي جمعت وأُدخلت-بعد ثمانية قرون – وعبرها في هذه الأسفار.
– 2وفي الحديث عن بدء الخلق – الذي ورد في هذه الأسفار – نجد العديد من الاختلافات والتناقضات :
ففي سفر واحد ، هو
-سفر التكوين نجد:
أن النور قد خلق في اليوم الأول – تكوين 1:5.
ثم نجد أنه قد خلق في اليوم الرابع – تكوين 1:16-19
والشمس. يقال –مرة – إنها خلقت في اليوم الأول – تكوين 1:5
- ومرة ثانية يقال إنها خلقت في اليوم الرابع – تكوين 1:14-19
وكذلك الحال في تاريخ خلق الكائنات الحية .
- ففي سفر التكوين 1:20-23 أن الحيوانات والطيور خُلقت أولا – في اليوم الخامس – وأن آدم خُلق في اليوم السادس
- ثم يعود نفس السفر – التكوين 2:7-19 فيقول : إن الإنسان خُلق، أولا ثم النباتات ، ثم الحيوانات والطيور.
فهل يمكن أن تكون هذه الاختلافات والتناقضات ، هي كلمة الله – التوراة – التي أوحى بها إلى موسى – عليه السلام -؟!
–3وفي الحديث عن عمر الزمان – من آدم إلى طوفان نوح – عليهما السلام – نجده
* في التوراة العبرية 1656 عاما.
وفي النسخة اليونانية 2262 عاما.
* وفي النسخة السامرية 1307 أعوام.
فهل يجوز أن ينسب هذا الاختلاف إلى الله ..خالق الزمان ..والعلاّم بأيامه وثوانيه ؟!
–4وفي الحديث عن تاريخ نزول إبليس إلى الأرض نجده :
* مرة: قبل خلق آدم ودخوله الجنة – رؤيا يوحنا اللاهوتي 12:7-10-0
* ومرة بعد خلق آدم ومعصيته في الجنة – التكوين 3 :1-15-0
– 5وفي مدة طوفان نوح – عليه السلام - ..نجدها :
في سفر التكوين 7:12-أربعين يوما وأربعين ليلة .
* وفي نفس السفر – التكوين 7:24- نجد مدة الطوفان 150 يوما
فبماذا نسمي ذلك إلا أن يكون اختلافا وتحريفا وتزييفا ؟!
– 6وفي الحديث عن عدد سنين الجوع التي حكم الله بها على داود – عليه السلام – نجدها :
*سبع سنين – في صموئيل الثاني 24:13.
*وثلاث سنين- في أخبار الأيام الأول 21:11.
– 7وفي الحديث عن عدد المراكب التي قضى عليها داود – عليه السلام – في "أرام " ..نجده :
700 مركبة ..و40.000 فارس – في صموئيل الثاني 10 -18
* و7.000 مركبة و 40.000 رجل – في أخبار الأيام الأول 19:18.
– 8وفي الحديث عن عدد اليهود الذين أطلقوا من سبي " بابل ..نجده 6.377-: في عزرا (2(
و7.265 – في نحميا. (7)
–9وفي الحديث عن دخول بني إسرائيل أورشليم واستيلائهم عليها:
* يقال إنهم دخلوها واستولوا عليها وقتلوا ملكها – في يشوع 10:23-42
* بينما يقال إنهم لم يستطيعوا الاستيلاء عليها – في نفس السفر – يشوع 15:63.
–10وفي الحديث عن تحريم زواج الإسرائيليين من غير الإسرائيليات ..نجد
* في سفر التثنية 7:3: " ولا تصاهرهم ، بنتك لا تعط لابنه ، وبنته لا تأخذ لابنك".
بينما نجد في سفر الملوك الأول 3:1-12 : وصاهر سليمان فرعون مصر ،وأخذ بنت فرعون ..هوذا أعطيتك قلبا حكيما ومميزا حتى أنه لم يكن مثلك قبلك ولا يقوم بعدك نظير "
* ثم نجد – في نحميا 13: 26-27" تم لوم سليمان لزواجه من الأجنبيات ".
–11وفي الحديث عن تسبيح الأرض وحمدها لله – سبحانه وتعالى – نجد :
*الأرض تسبح وتحمد الله – في المزمور 66.
*بينما نجد الأرض لا تسبح الله ولا تحمده – في المزمور 30:9.
– 12كما نجد التوراة السامرية – التي ترجع إلى القرن الرابع ق.م تختلف عن النص الماسوري في أكثر من 6000 موضع!
-13 ونسخة التوراة السامرية تتفق مع الترجمة الستعينية ( 250 – 130 ق.م ) في الثلث فقط!
– 14وسفر إرميا – في الترجمة السبعينية – ينقص عن النص العبري نحو السبع!
– 15وسفر أيوب – في الترجمة السبعينية ينقص عن النص العبري نحو الربع !.
– 16كما نجد أسفار العهد القديم لا تتحدث عن موسى – عليه السلام – بلسان المخاطب – أي أنها لم تنزل عليه – وإنما تتحدث عنه – كثيرا – بضمير الغائب – أي أنها تراث جُمع ودون بعد وفاته - ..ومن ذلك – على سبيل المثال:
* وكلم يهوه موسى ..وكلم يهوه موسى وجها لوجه " – الخروج 33:11.
* وأما الرجل موسى فكان حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض " – العدد 12:3
*فسخط موسى على وكلاء الجيش " – العدد 31:4
* موسى رجل الله " التثنية 31:1
ومات هناك موسى عبد الرب " – التثنية 34:35
*فقال الرب لموسى "- الخروج 6:1
* فتكلم موسى أمام الرب "- الخروج 6:13
*فقال موسى للرب"- العدد 11:11
*وقال الرب لموسى " – التثنية 31:14
*فمات هناك موسى ..ودفنه ( الرب) ..وكان موسى ابن مئة وعشرين سنة حين مات ..ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى "- التثنية 34:5-10
وفي الآية 6 – من نفس السفر ونفس الإصحاح – إشارة إلى وفاة موسى ، تقول :
*ولا يعرف شخص قبره حتى يومنا هذا"
فهل هذا الكلام " نزل على موسى – في التوراة – أم إضافات وتأليفات أدخلت في هذا التراث ،بعد وفاة موسى – عليه السلام – بقرون ؟!
– 17ثم هناك اختلافات الكنائس النصرانية في عدد أسفار العهد القديم التي تؤمن بها هذه الكنائس:
* فالبروتستانت يؤمنون بستة وستين سفرا
*والكاثوليك يؤمنون بثلاثة وسبعين سفرا
* والأرثوذكس يؤمنون بستة وستين سفرا.
* وأخيرا ..شهد البابا شنودة – الثالث – بابا الأرثوذكس المصريين – في عظته الأسبوعية – بأن أسفار العهد القديم الحالية قد حذفت منها الأسفار القانونية ، التي تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأنها جزء من العهد القديم.
تلك أمثلة – مجرد أمثلة – على التناقضات ..والاختلافات ، التي تزخر بها أسفار العهد القديم ..والشاهدة على تحريف هذه الأسفار ..والقاطعة بأنها لا يمكن أن تكون هي كلمة الله التي أنزلها على موسى – عليه السلام -.