الطغيان آفة الأمم

قال الله تعالى في سورة الفجر " الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد " .
هؤلاء الأقوام هم : عاد الأولى أهل إرم ذات البناء الرفيع أي تلك القبيلة التي لم يخلق مثلها في القوة والشدة وضخامة الأجسام . وقوم هود : أول من نحت الجبال والصخور وجعلوا منها بيوتهم لقوتهم . وفرعون الطاغي الجبار ذي الجنود والجموع والجيوش , هؤلاء هم الذين وصفهم الله بصفة الطغيان , فاستحقوا العذاب الشديد , والطغيان هو تجاوز الحدود في كل شيء , ومن مظاهره التمرد والعتوا عن أمر الله , والظلم , ومن نتائجه كثرة الفساد في البلاد من اعتداء علي الناس , والتجني والقهر والافتراء , وكسر الخاطر واتهام الأبرياء , وأكل أموال الناس بالباطل , والنهش في الأعراض , وقذف المحصنات , وتدبير المؤامرات والخيانة وإضمار الشر والسوء لعباد الله المؤمنين بغير ما سبب ولا جريمة ارتكبوها , ولم يسلم من أذاهم الكبير ولا الصغير ولا الرجل ولا المرأة وحتى الحيوان ناله من أذاهم وعذابهم نصيب , وأكثروا في الأرض الفساد بتصرفاتهم , وتكبروا حتى علي الله صاحب الفضل والنعمة التي هم فيها , وطغوا علي عباده , والطغيان يجرئ صاحبه على دحض حقوق الناس , أي أن كل واحد منهم يطغى علي من هو دونه ، ويسلبه حقه , ويحط من شأنه وقدره ويعذبه علي أبسط الأمور حتى ولو حصلت بحسن نية , وهذا فساد عظيم إذا أصاب أمة من الأمم استحقت عذاب الله ; أي أن هؤلاء الذين استبدُّوا, وظلموا في بلاد الله, فأكثروا فيها الفساد أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر, وكان لهم بالمرصاد في كل زاوية من زوايا الحياة الدنيا .
هذه بعض مظاهر الفساد التي تظهر في المجتمع نتيجة الطغيان , والتي بسببها أنزل الله عليهم ألوان من العذاب الشديد
ويقول ابن عاشور في التحرير والتنوير :-
[ إن في الطغيان اختلال الشرائع الإلاهية والقوانين الوضعية الصالحة ، وهو من جهة أخرى يثير الحفائظ والضغائن في المطغي عليه من الرعية فيضمرون السوء للطاغين وتنطوي نفوسهم على كراهية ولاة الأمور وتربص الدوائر بهم ، فيكونون لها أعداء غير مخلصي الضمائر ويكون رجال الدولة متوجسين منهم خيفة فيظنون بهم السوء في كل حال ويحذرونهم ، فتتوزع قوة الأمة على أفرادها عوض أن تتحد على أعدائها ، فتصبح للأمة أعداء في الخارج وأعداء في الداخل ، وذلك يفضي إلى فساد عظيم ، فلا جرم كان الطغيان سببا لكثرة الفساد ."
والفساد سوء حال الشئ ولحاق الضر به . قال تعالى : وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل " وضده الصلاح . قال تعالى : " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها " فكان الفساد سببا لغضب الله عليهم والله لا يحب الفساد فصب عليهم العذاب الشديد ]
هذا العذاب قد نزل بهم في الدنيا ومازال ورائهم العذاب الأكبر يوم القيامة , فالدنيا خلقت ليمتحن فيها الإنسان , وزود بمقومات تجعله يصلح فيها ولا يفسد , فإن حاد عن طريق الحق أفسد في الأرض ونال بذلك العقاب المقرر من رب العباد , ولا نعرف أي سوط هو , ولكنه سيكون شديدا , فهل نظرنا في حال امتنا , في أية درجة من الفساد إن كان هناك فساد !!! , وهل بذلنا الجهد لإصلاح ما أفسدنا قبل أن ينزل بنا العذاب والعياذ بالله , وهل ظهر فينا من ينصح وينبه إلى الخطر قبل وقوعه , وهل قبل أولياء الأمور النصح , فهذه أسئلة يجب أن يسألها كل واحد منا لنفسه, ويجيب عليها بالفعل لا بالقول ؛ لأن الإنسان يرشد بفعله أكثر من إرشاده بقوله .
واعلم أخي أن القرآن خير واعظ وزاجر وآمر وناه , واسعوا لعزتكم وكرامتكم والتمسك بمجدكم وعروبتكم وامتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي . يقول الحق تبارك وتعالى : " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " وقال عليه الصلاة والسلام : " والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم "
وفقنا الله جميعا إلى الخير , وأرشدنا إلى سبيل الرشاد والهداية , وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته