88)‏ وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين‏*‏
‏*‏ المؤمنون‏:20*‏

بقلم الدكتور‏:‏ زغـلول النجـار
هــــــذه الآية الكريمة جاءت في نهاية الخمس الأول من سورة المؤمنون وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها‏(118)‏ بعد البسملة‏,‏ ويدور محورها الرئيسي حول قضية الإيمان بالله‏,‏ وصفات المؤمنين بألوهيته‏,‏ وربوبيته‏,‏ ووحدانيته‏,‏ ودلالات ومؤشرات التوحيد الخالص لله‏,‏ وتنزيهه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عن كل وصف لا يليق بجلاله‏,‏ ومقارنة هذا الإيمان الصادق بأضداده من الشرك بالله أو الكفر به‏(‏ تعالي الله عن ذلك الضلال علوا كبيرا‏).‏
وقد سميت السورة باسم‏(‏ المؤمنون‏)‏ إشادة بهم‏,‏ وتأكيدا علي فضائلهم‏,‏ وتمييزا لهم عن غيرهم ممن استزلهم الشيطان فأغرقهم في أوحال الشرك أو الشك أو الكفر بالله‏.‏

وهذه السورة الكريمة بشارة للمؤمنين برضاء الله عنهم‏.‏ لذلك استهلت بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

قد أفلح المؤمنون‏*‏ الذين هم في صلاتهم خاشعون‏*‏ والذين هم عن اللغو معرضون‏*‏ والذين هم للزكاة فاعلون‏*‏ والذين هم لفروجهم حافظون‏*‏ إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين‏*‏ فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون‏*‏ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون‏*‏ والذين هم علي صلواتهم يحافظون‏*‏ أولئك هم الوارثون‏*‏ الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون‏*‏
‏(‏المؤمنون‏:1‏ ـ‏11)‏

ثم انتقلت السورة الكريمة الي استعراض عدد من آيات الله في الخلق للدلالة علي طلاقة قدرة الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ وفي مقدمة تلك الآيات خلق الإنسان من طين‏,‏ ومروره بمراحل الجنين المتتالية في تتابع خلقه حتي أنشأه الله‏(‏ تعالي‏)‏ خلقا آخر‏,‏وحتمية موته ثم بعثه في يوم القيامة‏,‏ ومن تلك الآيات خلق سبع سموات متمايزة‏,‏ وإنزال الماء من السماء بقدر‏,‏ وإسكانه في الأرض‏,‏ علما بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قادر علي الذهاب به‏,‏ وتتضح القدرة الإلهية المبهرة في إنبات الأرض بمجرد إنزال الماء عليها‏,‏ وإنشاء جنات من نخيل وأعناب وغيرها من أشجار‏,‏ ونباتات الحبوب والثمار‏,‏ والفواكه والخضروات الكثيرة ليأكل منها الإنسان وأنعامه‏,‏ وغير ذلك من الحيوانات آكلة الأعشاب‏,‏ وخصت هذه السورة المباركة من بين ذلك كله شجرة الزيتون التي وصفتها بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين‏*‏
‏(‏المؤمنون‏:20)‏

وتحدثت الآيات عن معجرة خلق الأنعام‏,‏ وتكوين اللبن في أضراعها من بين دمها والفرث في أحشائها‏,‏ وما في تلك الأنعام من منافع عديدة للإنسان‏,‏ وأشارت إليها وإلي الفلك كوسيلة من وسائل النقل لهذا المخلوق المكرم من الله‏.‏
وبعد ذلك انتقلت السورة الكريمة الي سرد قصص عدد من أنبياء الله ورسله الذين اصطفاهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ لهداية أممهم‏,‏ وأكدت أن رسالتهم جميعا كانت رسالة واحدة ألا وهي التوحيد الخالص لله‏(‏ تعالي‏)‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة ولا ولد‏,‏ وكانت دعوة كل واحد منهم الي أمته دعوة واحدة تعبر عنها السورة الكريمة بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره‏.‏

وسجلت سورة‏(‏ المؤمنون‏)‏ تفاعل تلك الأمم مع رسالات ربهم‏,‏ ومن هذه الأمم أمة كل من أنبياء الله نوح‏,‏ وهود‏,‏ وصالح‏,‏ وأعداد أخري أرسلهم الله نبيا إثر نبي‏,‏ ورسولا إثر رسول‏,‏ حتي جاء زمان موسي وهارون‏,‏ ثم زمان عيسي ابن مريم‏(‏ علي رسولنا وعليهم جميعا من الله السلام‏),‏ وكان أمر الله‏(‏ تعالي‏)‏ إليهم واحدا مؤكدا علي وحدة رسالة السماء‏,‏ وعلي الأخوة بين الأنبياء‏,‏ وعلي وحدة الجنس البشري كله‏,‏ وإن كان أتباع تلك الرسالات قد تفرقوا‏,‏ واختلفوا‏,‏ وابتدعوا‏,‏ فيما أرسل إليهم فأفسدوه إفسادا كبيرا وظنوا أن ما يمدهم به الله من مال وبنين هو خير لهم‏.‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم‏*‏ وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون‏*‏ فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون‏*‏ فذرهم في غمرتهم حتي حين‏*‏ أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين‏*‏ نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون‏*‏
‏(‏المؤمنون‏:51‏ ـ‏56).‏

وتعاود السورة الكريمة سرد المزيد من صفات المؤمنين فتنعتهم بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون‏*‏ والذين هم بآيات ربهم يؤمنون‏*‏ والذين هم بربهم لا يشركون‏*‏ والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم الي ربهم راجعون‏*‏ أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون‏*‏ ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون‏*‏
‏(‏المؤمنون‏:57‏ ـ‏62).‏

وفي مقابلة واضحة لصفات المؤمنين ذكرت السورة بعض صفات الكفار والمشركين ممثلين في كفار قريش ومشركيهم ومن يسير علي خطاهم الي يوم الدين‏,‏ عارضة لشيء من حسرتهم يوم القيامة وفي ذلك تقول الآيات‏:‏
بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون‏*‏ حتي إذا اخدنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون‏*‏ لاتجأروا اليوم إنكم منا لاتنصرون‏*‏ قد كانت آياتي تتلي عليكم فكنتم علي أعقابكم تنكصون‏*‏ مستكبرين به سامرا تهجرون‏*‏ أفلم يدبروا القول أم جاءهم مالم يأت آباءهم الأولين‏*‏ أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون‏*‏
‏(‏المؤمنون‏:63‏ ـ‏69)‏

ثم عاودت السورة الكريمة الاستشهاد بعدد من آيات الله الدالة علي طلاقة قدرته ومنها خلق السمع والأبصار والأفئدة‏,‏ ونشر الجنس البشري في الأرض‏.‏ وحتمية حشر جميع الخلائق الي الله‏,‏ الذي هو يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار‏.‏
وردت السورة الكريمة علي الذين ينكرون البعث‏,‏ والذين يتهمون وحي السماء زورا بأنه من أساطير الأولين‏,‏ واستعرضت حوارا بين خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وبين الكفار والمشركين‏.‏

ونزهت الذات الالهية عن كل من الولد والشريك لانهما من صفات المخلوقين التي لاتليق بجلال الله‏,‏ وفي ذلك تقول‏:‏
ما اتخذ الله من ولد وماكان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم علي بعض سبحان الله عما يصفون‏*‏ عالم الغيب والشهادة فتعالي عما يشركون‏*.‏
‏(‏المؤمنون‏:92,91)‏

وتنتقل الآيات إلي وصف ذل كل من الكفار والمشركين في ساعات احتضارهم‏,‏ وبعد بعثهم‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
حتي اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون‏*‏ لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الي يوم يبعثون‏*‏ فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولايتساءلون‏*‏ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون‏*‏ ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون‏*‏ تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون‏*‏ ألم تكن آياتي تتلي عليكم فكنتم بها تكذبون‏*‏ قالوا ربنا غلبت علينا شقوئنا وكنا قوما ضالين‏*‏ ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون‏*‏ قال اخسأوا فيها ولا تكلمون‏*.‏
‏(‏المؤمنون‏:99‏ ـ‏108)‏

وتقارن الآيات بعد ذلك بين موقف المؤمنين الذين يطلبون المغفرة والرحمة من الله‏(‏ تعالي‏),‏ وموقف الكفار والمشركين الذين كانوا يقفون من المؤمنين موقف الاستهزاء والسخرية والضحك منهم فجزي الله المؤمنين بان جعلهم الاعلون في الدنيا والفائزين في الاخرة‏.‏
وتختتم السورة الكريمة بالتأكيد علي أن البشر لم يخلقوا عبثا‏,‏ وانهم حتما راجعون الي الله‏,‏ وعظمت الله الملك الحق الذي لا اله الا هو رب العرش الكريم‏,‏ واستنكرت شرك المشركين الذين هددتهم بعقاب شديد من الله‏,‏ ونعتتهم بالكافرين‏,‏ وقررت انهم لايفلحون ابدا‏,‏ وفي المقابل وجهت رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ ومن ورائه كل المؤمنين ببعثته الشريفة ـ ان يطلبوا المغفرة والرحمة من الله خير الراحمين‏,‏ وفي ذلك تقول الايات‏:‏

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون‏*‏ فتعالي الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم‏*‏ ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لايفلح الكافرون‏*‏ وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين‏.‏
‏(‏المؤمنون‏:115‏ ـ‏118)‏

من ركائز العقيدة في سورة‏(‏ المؤمنون‏):‏
من ركائز العقيدة الاسلامية التي جاءت بها سورة‏(‏ المؤمنون‏)‏ الايمان بما يلي‏:‏
‏(1)‏ أن الجنة حق‏,‏ وأنه لايرث الفردوس خلودا فيها إلا المؤمنون الذين عددت السورة الكريمة جانبا من صفاتهم ولذلك سميت باسمهم‏.‏

‏(2)‏ أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق الانسان‏,‏ ومقدر مراحله الجنينية مرحلة بعد أخري حتي تتم تسويته‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو رب كل شئ ومليكه‏,‏ وأن الانسان لم يخلق عبثا‏,‏ وأنه حتما عائد إلي ربه‏.‏

‏(3)‏ أن الموت حق علي جميع المخلوقين‏.‏

‏(4)‏ أن الآخرة حق‏,‏ وأن البعث والحشر والحساب حق‏.‏

‏(5)‏ أن أنبياء الله ورسله ورسالاته حق‏.‏

‏(6)‏ أنه لا اله الا الله‏,‏ وأن آيات الله حق‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ هو عالم الغيب والشهادة‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ هو رب العرش الكريم وأن الشرك بالله كفر‏,‏ وأنه لايفلح الكافرون‏.‏

‏(7)‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خير الرازقين‏,‏ وأنه هو الذي يحيي ويميت‏,‏ وأن له اختلاف الليل والنهار‏,‏ وأنه‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ منزه عن الصاحبة والولد‏,‏ وعن الشريك والشبيه‏,‏ وعن كل وصف لايليق بجلاله‏.‏

‏(8)‏ وبضرورة الاستعاذة بالله من همزات الشياطين ومن ان يحضرون‏.‏

‏(9)‏ وبأنه لاعودة بعد الموت إلا في يوم البعث‏,‏ وذلك لان الأموات وراءهم برزخ الي يوم يبعثون‏,‏ وبأنه عند نفخة الصور الأولي يصعق كل حي وعند النفخة الثانية يبعث كل ميت‏.‏

‏(10)‏ وأن من ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون‏,‏ وأن من خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون‏.‏

‏(11)‏ وأن طلب المغفرة والرحمة هو من الله خير الراحمين‏.‏

من الآيات الكونية في سورة‏(‏ المؤمنون‏)‏
‏(1)‏ خلق الإنسان من سلالة من طين‏.‏

‏(2)‏ وصف المراحل المتتالية في تكوين الجنين البشري بدقة بالغة‏.‏

‏(3)‏ وصف كل من الغدد التناسلية والرحم بأنه قرار مكين‏.‏

‏(4)‏ خلق السماوات السبع ومابينها من فواصل‏.‏

‏(5)‏ إنزال الماء من السماء بقدر وإسكانه في الأرض‏.‏

‏(6)‏ إخراج النبات من الأرض بعد إنزال الماء من السماء‏,‏ وإنشاء جنات من نخيل وأعناب وغير ذلك من النباتات ومالها من الثمار والفواكه الكثيرة‏.‏

‏(7)‏ وصف شجرة الزيتون بأنها تنبت بالدهن وصبغ للآكلين‏,‏ والإشارة إلي شجر الزيتون الذي ينبت في طور سيناء بصفة خاصة‏.‏

‏(8)‏ وصف الأنعام بأن فيها عبرة للمعتبرين خاصة مايخرج من بطونها من اللبن‏,‏ ومايؤكل منها من لحم‏,‏ وغير ذلك من المنافع الكثيرة‏.‏

‏(9)‏ الإشارة إلي إمكانية استخدام كل من الأنعام والفلك كوسائل للتنقل‏.‏

‏(10)‏ الإشارة إلي سبق خلق السمع لخلق كل من الأبصار والأفئدة‏.‏

‏(11)‏ الإشارة إلي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس بتعبير اختلاف الليل والنهار‏.‏

ذكر الزيتون وزيته في القرآن الكريم‏:‏
جاء ذكر الزيتون وزيته في سبعة مواضع من القرآن الكريم علي النحو التالي‏:‏
‏(1)..‏ وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلي ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون‏.‏
‏(‏ الأنعام‏:99).‏

‏(2)‏ وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين‏*(‏ الأنعام‏:141).‏

‏(3)‏ ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون
‏(‏ النحل‏:11)‏

‏(4)‏ وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين‏*‏
‏(‏ المؤمنون‏:20).‏

‏(5)‏ الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور علي نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم‏(‏ النور‏:35)‏

‏(6)‏ فلينظر الإنسان إلي طعامه‏*‏ أنا صببنا الماء صبا‏*‏ ثم شققنا الأرض شقا‏*‏ فأنبتنا فيها حبا‏*‏ وعنبا وقضبا‏*‏ وزيتونا ونخلا‏*..‏
‏(‏ عبس‏:24‏ ـ‏32).‏

‏(7)‏ والتين والزيتون‏*‏ وطور سينين‏*‏ وهذا البلد الأمين‏*..(‏ التين‏:1‏ ـ‏3)‏
وفي هذه الآيات الكريمة من سورة التين يقسم ربنا تبارك وتعالي ـ وهو الغني عن القسم ـ بكل من التين والزيتون وطور سنين‏.‏
أي الجبل الذي نودي موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ من جانبه في شبه جزيرة سيناء‏(‏ أي طور سيناء‏)‏ والبلد الأمين‏(‏ أي مكة المكرمة أشرف بقاع الأرض علي الإطلاق‏)‏ علي أن الله تعالي قد فطر الإنسان علي حب الإيمان وكراهية الكفر‏,‏ وعلي حب الخير والنفور من الشر‏,‏ وحب مكارم الأخلاق وكراهية الإسفاف في الحديث أو السلوك‏,‏ وحببه في الالتزام بذلك كله حتي يصل الي درجات من الكمال ترفعه إلي مافوق منازل الملائكة إذا التزم بذلك‏,‏ ولكن إذا انحرف الإنسان عن الفطرة التي فطره خالقه عليها‏,‏ وانغمس في وحل الشرك أو الكفر أو الضلال والانحلال الأخلاقي فإنه ينتكس انتكاسة تهوي به إلي أسفل السافلين‏.‏

والتين قد أشير إليه في القرأن الكريم كله مرة واحدة فقط في هذه السورة المباركة وحدها‏.‏
وكل آية من هذه الآيات السبع تحتاج في شرح دلالتها العلمية إلي معالجة خاصة‏,‏ ولكني سوف أقصر الحديث هنا علي الآية العشرين من سورة‏(‏ المؤمنون‏),‏ وقبل البدء في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين القدامي والمعاصرين في شرح هذه الآية الكريمة‏.‏
وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للاكلين



من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين‏*‏
‏(‏المؤمنون‏:20)‏

‏*‏ ذكر الطبري‏(‏ رحمه الله‏)‏ مامختصره‏:(‏ وشجرة تخرج من طور سيناء‏)‏ وشجرة منصوبة عطفا علي‏(‏ جنات‏)‏ يعني بها شجرة الزيتون‏(‏ من طور سيناء‏)‏ جبل‏....‏ مبارك نودي منه موسي ـ عليه السلام ـ واختلف فيه‏(‏ تنبت‏)‏ تثمر‏(‏ بالدهن‏)‏ و‏(‏صبغ للآكلين‏)‏ مايأتدمون به‏.‏
‏*‏ وذكر ابن كثير‏(‏ رحمه الله‏)‏ مامختصره‏:(‏ وشجرة تخرج من طور سيناء‏)‏ يعني الزيتونة‏,‏ والطور هو الجبل‏,‏ وقال بعضهم إنما يسمي طورا إذا كان فيه شجر‏,‏ فإن عري عنها سمي جبلا لا طورا والله أعلم

‏*(‏ وطور سيناء‏)‏ هو طور سينين‏,‏ وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسي بن عمران عليه السلام وماحوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون‏,‏ وقوله‏(‏ تنبت بالدهن‏)‏ أي تنبت الدهن‏...,‏ ولهذا قال‏:(‏ وصبغ‏)‏ أي أدم ـ قاله قتادة ـ‏(‏ للآكلين‏)‏ أي فيها ماينتفع به من الدهن والاصطباغ‏,‏ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏(‏ كلوا الزيت وادهنوا به‏,‏ فإنه يخرج من شجرة مباركة‏)‏ وروي عبد بن حميد في مسنده عن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ ائتدموا بالزيت وادهنوا به‏,‏ فإنه يخرج من شجرة مباركة‏).‏

‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما مختصره‏:‏
‏(‏ و‏)‏ أنشأنا‏(‏ شجرة تخرج من طور سيناء‏)‏ جبل‏,‏ بكسر السين وفتحها‏,‏ ومنع الصرف للعلمية والتأنيث للبقعة أي‏:‏ لأنه اسم علم علي البقعة التي فيها جبل الطور‏(‏ تنبت‏)‏ بضم التاء وكسر الباء من الرباعي أنبت‏,‏ وفي قراءة بفتح التاء وضم الباء من الثلاثي نبت‏(‏ بالدهن‏)‏ الباء زائدة علي الأول‏,‏ ومعدية علي الثاني‏,‏ وهي شجرة الزيتون‏,(‏ وصبغ للآكلين‏)‏ عطف علي الدهن أي‏:‏ إدام يصبغ اللقمة بغمسها فيه وهو‏:‏ الزيت‏.‏
‏*‏ وجاء في الظلال‏(‏ رحم الله كاتبها برحمته الواسعة‏)‏ ما نصه‏:(‏ وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين‏)..‏ وهي من أكثر الشجر فائدة بزيتها وطعامها وخشبها‏.‏ وأقرب منابتها من بلاد العرب طور سيناء‏.‏ عند الوادي المقدس المذكور في القرآن‏.‏ لهذا ذكر هذا المنبت علي وجه خاص‏,‏ وهي تنبت هناك من الماء الذي أسكن في الأرض وعليه تعيش‏.‏

‏*‏ وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله صاحبها‏)‏ ما نصه‏:(‏ وشجرة تخرج من طور سيناء‏)‏ أي وأنشأنا لكم شجرة تخرج من الجبل المعروف بهذا الاسم وهو جبل المناجاة‏(‏ تنبت بالدهن‏)‏ تنبت ملتبسة بالدهن ومصحوبة به‏....‏ والدهن عصارة كل شيء ذي دسم‏,‏ والمراد به هنا‏:‏ زيت الزيتون‏,‏ وقريء تنبت بضم التاء‏,‏ من أنبت بمعني نبت‏,‏ أو من أنبت المتعدي بالهمزة‏,‏ كأنبت الله الزرع‏,‏ والتقدير‏:‏ نبت جناها مصحوبا بالدهن‏(‏ وصبغ للآكلين‏)‏ أي وبإدام للآكلين‏,‏ والصبغ والصباغ ـ بالكسر فيهما ـ‏:‏ الإدام لأنه يصبغ الخبز‏,‏ وأصل الصبغ ما يلون به الثوب‏,‏ فكان الزيت إداما يؤتدم به كما كان دهنا يدهن به ويسرج منه‏.‏ والتغاير بين المعطوف والمعطوف عليه باعتبار الصفات لا باعتبار الذات‏.‏

‏*‏ وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏ وخلقنا لكم شجرة الزيتون التي تنبت في منطقة طور سيناء‏,‏ وفي ثمارها زيت تنتفعون به‏,‏ وهو إدام للآكلين‏.‏
وجاء في تعليق الخبراء بالهامش ما يلي‏:...‏ تقرر هذه الآية الكريمة أن شجرة الزيتون من ضمن النعم التي أنعم الله بها علي الانسان وعدد بعضها في الآيات السابقة واللاحقة لهذه الآية إذ أنها من الأشجار الخشبية التي تعمر طويلا لمدد تزيد علي مئات السنين‏,‏ فلا يأخذ أمرها جهدا من الانسان إنما تثمر ثمارا مستمرة طبيعية‏..‏ كما تتميز بأنها دائمة الخضرة جميلة المنظر‏.‏ وتفيد الأبحاث العلمية أن الزيتون يعتبر مادة غذائية جيدة‏,‏ فيه نسبة كبيرة من البروتين‏.‏

كما يتميز بوجود الأملاح الكلسية‏,‏ والحديدية‏,‏ والفسفورية‏,‏ وهي مواد مهمة وأساسية في غذاء الانسان‏,‏ وعلاوة علي ذلك فإن الزيتون يحتوي علي فيتامين‏(‏ ا‏)‏ وفيتامين‏(‏ ب‏).‏ ويستخرج من الثمار زيت الزيتون الذي يحتوي علي نسبة عالية من الدهون السائلة‏,‏ وهذا الزيت يستعمل بكثرة في التغذية‏.‏
وتضيف الأبحاث الطبية إلي زيت الزيوت فوائد عديدة‏,‏ فهو يفيد الجهاز الهضمي عامة‏..‏ والكبد خاصة‏,‏ وهو يفضل جميع أنواع الدهون الأخري نباتية أو حيوانية‏,‏ إذ لا يسبب أمراضا للدورة الدموية أو الشرايين كغيره من الدهن‏,‏ كما أنه ملطف للجلد‏,‏ إذ يجعله ناعما ومرنا‏,‏ ولزيت الزيتون استعمالات أخري كثيرة صناعية‏,‏ إذ تحضر منه بعض المركبات‏,‏ ويدخل في انتاج أفضل وأحسن أنواع الصابون‏,‏ وغير ذلك من مختلف الصناعات الغذائية والطبية‏.‏

‏*‏ وذكر صاحب صفوة التفاسير‏(‏ جزاه الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:(‏ وشجرة تخرج من طور سيناء‏)‏ أي ومما أنشأنا لكم بالماء أيضا شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل الطور وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسي‏(‏ تنبت بالدهن‏)‏ أي تنبت الدهن أي الزيت الذي فيه منافع عظيمة‏(‏ وصبغ للآكلين‏)‏ أي وإدام للآكلين‏,‏ وسمي صبغا لأنه يلون الخبز إذا غمس فيه‏,‏ فقد جمع الله في هذه الشجرة بين الأدم والدهن‏....‏

من الدلالات العلمية للآية المباركة
نظرا لتميزها الواضح فإن شجرة الزيتون أصبحت تصنف اليوم ضمن رتبة خاصة بها من رتب النباتات المزهرة تعرف باسم رتبة الزيتونيات
‏ORDEROLEALES)‏
‏,‏ بعد أن كانت تجمع من قبل في رتبة أخري تعرف باسم رتبة الملتفات
‏(OrderContortae)‏
وتضم هذه الرتبة عائلة واحدة هي العائلة الزيتونية
‏FamilyOleaceae‏
التي تقسم الي اثنتين مما هو تحت هذه العائلة هما‏:‏ تحت العائلة الزيتونية
‏SubfamilyOleoideae)
وتحت العائلة الياسمينية
‏Subfamilyjasminoideae.‏
‏*‏ وتضم أشجار العائلة الزيتونية‏28‏ جنسا‏,‏ وما بين‏500‏ الي‏600‏ نوع من أنواع النباتات المزهرة التي تنتشر انتشارا واسعا في كل أنحاء الأرض ما عدا المناطق المتجمدة والباردة‏,‏ إذ تنتشر في كل من المناطق المعتدلة والمدارية بصفة خاصة‏,‏ وتكثر ـ بالذات ـ في حوض البحر الأبيض المتوسط‏,‏ وفي جنوب غربي آسيا‏,‏ وعلي الرغم من هذا الانتشار الواسع إلا أن أشجار هذه العائلة نادرا ما تكون هي الأشجار السائدة في المنطقة الواحدة‏,‏ ومن هذه الأشجار ما هو دائم الخضرة كشجرة الزيتون‏,‏ ومنها ما هو متساقط الأوراق‏.‏
وتضم العائلة الزيتونية أشجارا خشبية‏,‏ كما تضم عددا من الشجيرات‏,‏ وبعض المتسلقات‏,‏ ولكن تتميز كلها بأوراقها الريشية المتقابلة أو المتبادلة‏,‏ البسيطة أو المركبة‏,‏ والتي يمكن أن تكون لها أذينات صغيرة عند قاعدة الورقة‏,‏ والثمرة في أفراد العائلة الزيتونية إما أن تكون حسلية كما هو الحال في ثمرة الزيتون‏(‏ وهي ثمرة عصارية‏,‏ حقيقية‏,‏ تكونت من نمو مبيض الزهرة فقط‏,‏ ولها بذرة صلبة في قلبها‏),‏ وقد تكون الثمرة لبية أو علبية كما هو الحال في بعض شجيرات الزينة والأسوار التابعة لهذه العائلة‏,‏ والبذور فيها إندوسبيرمية أي مغطاة بطبقة من الأنسجة التي تمثل غذاء للجنين الذي يأخذ شكلا مستقيما في العادة‏.‏

والنباتات المنطوية في الرتبة الزيتونية لها من الأهمية الاقتصادية والجمالية مايتمثل في شجر الزيتون بأنواعه وأصنافه المختلفة‏,‏ وثمره وزيتة وخشبة‏,‏ كما يتمثل في شجر الدردار
‏(Ashes)‏
المشهور بأخشابه الصلبة والشديدة التماسك‏,‏ وفي عدد من الشجيرات والمتسلقات ذات العطور العبقة من مثل البنفسج‏(lilacs)‏ والياسمين بأنواعه المختلفة
‏(Jasminum=Jasmines).‏
وأشجار الزيتون تتميز بأنها أشجار معمرة حيث يمكن للشجرة الواحدة أن تعيش لأكثر من ألفي سنة‏,‏ وينبت في مصر صنفان من نوع الزيتون المعروف خطأ باسم الزيتون الأوروبي
‏(Oleaeuropaea)‏
والذي كان من الأصح تسميته باسم الزيتون السينائي
‏(Oleasinaensis)‏
لأن زراعته انتقلت أصلا من شبه جزيرة سيناء إلي باقي أجزاء حوض البحر الأبيض المتوسط‏.‏
وأحد هذين الصنفين يعرف باسم الزيتون التفاحي‏,‏ ويتميز بثمرته الكبيرة الحجم نسبيا‏,‏ والقليلة الزيت نسبيا‏,‏ ولذلك يصلح أكثر للتخليل‏,‏ وتكثر زراعة هذا الصنف في واحات صحراء مصر الغربية وفي منطقة الفيوم‏.‏

أما الصنف الآخر فيعرف باسم الزيتون الشملالي ويمتاز بثماره الصغيرة الحجم نسبيا والغنية بالزيت ولذلك يصلح للعصر واستخراج ما به من زيت‏,‏ وتكثر زراعته في شبه جزيرة سيناء وعلي طول سواحل البحر الأبيض المتوسط‏.‏
والآية القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال تشير بوضوح إلي شجرة الزيتون التي تؤكل ثمارها‏,‏ ويؤتدم بزيتها وبما فيه من منافع‏,‏ وقد جاءت الاشارة إليها منسوبة إلي طور سيناء مما يرجح أن هذه المنطقة هي أصل منبت شجرة الزيتون‏,‏ كما ترجح وجود ميزات للصنف من الزيتون الذي ينبت في تلك المنطقة تميزه عن غيره‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين
‏(‏المؤمنون‏:20)‏

و‏(‏تنبت بالدهن‏)‏ أي تنبت ثمارها متلبسة بالدهن وهو زيت الزيتون‏,(‏ وصبغ للاكلين‏)‏ أي‏:‏ إدام وطعام لهم‏,‏ سمي صبغا لكونه إداما‏,‏ ولأنه يصبغ الخبز إذا لامسه‏,‏ ولعل في ذلك إشارة إلي ما هو غير الدهن من مئات المركبات الكيمائية المهمة التي مكن الله‏(‏ تعالي‏)‏ شجرة الزيتون من استخلاصها من ماء وتربة الأرض‏,‏ ونقلها في العصارة الغدائية‏,‏ وتخليقها في أوراقها وثمارها‏,‏ مما تعجز أكبر المصانع التي بناها الإنسان عن تحقيقه‏.‏ لذلك امتدح ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ كلا من شجر الزيتون وزيته في ستة مواضع أخري من القرآن الكريم‏,‏ وأقسم بالتين والزيتون في موضع منها‏.‏

وشجرة الزيتون هي شجرة صغيرة‏,‏ ولكنها شجرة معمرة‏,‏ دائمة الخضرة‏,‏ تتحمل الجفاف بشكل كبير‏,‏ وثمرتها من أهم ثمار الزيوت النباتية‏,‏ إذ يشكل زيتها ما بين‏60%,70%‏ من وزن الثمرة في المتوسط‏,‏ ويتكون زيت الزيتون من عدد من المركبات الكيميائية المهمة‏,‏ والتي منها مركبات الجليسرين والأحماض الدهنية المعروفة باسم الجليسريدات‏(Glycerides).‏ ويكون الحمض الدهني نسبة كبيرة من وزن الزيت‏,‏ ولذلك فإن صفات كل زيت تتوقف إلي حد كبير علي نوع الحمض الدهني المكون لمركب الجليسريدات فيه‏.‏ ومن أشهر الأحماض الدهنية في الزيتون والدهون بصفة عامة ما يلي‏:‏
‏(1)‏ حمض زيت الزيتون‏(OleicAcid).‏

‏(2)‏ حمض زيت النخيل‏(PalmaticAcid)‏

‏(3)‏ حمض زيت الكتان‏(LinoleicAcid)‏

‏(4)‏ حمض الشمع‏(StearicAcid).‏

‏(5)‏ الحمض الغامض‏(‏ حمض المستريك‏)(MystricAcid).‏
هذا ومن المعروف أن مركبات الجليسيريدات
‏(Glycerides)‏

قد تكون مفردة الحامض أو مكونة من أخلاط من تلك الأحماض الدهنية‏,‏ فإذا كانت ناتجة عن اتحاد الجليسرين مع حمض دهني واحد فقط سميت اسم الجليسريدات البسيطة
‏SimpleGlycerides‏
ولكن إذا نتجت عن اتحاد الجليسرين مع أكثر من حمض دهني ـ وهو الأمر الغالب ـ سميت باسم الجليسريدات المختلطة
‏(ComplexorMixedGlycerides)‏
وعادة ما تكون الزيوت والدهون مركبة من جليسريدات مختلطة إلا أن بعضها قد يحتوي علي نسبة عالية من نوع معين من الجليسريدات البسيطة وذلك مثل زيت الزيتون الذي يحتوي علي نسبة عالية من جليسريدات حمض زيت الزيتون
‏(OLEAICACID)‏
تتراوح بين‏67%,84%‏ مما ميزه عن غيره من الزيوت النباتية والدهون الحيوانية‏.‏

وبالإضافة الي ذلك يحتوي زيت الزيتون علي البروتينات وعلي نسب متفاوتة من عناصر البوتاسيوم‏,‏ الكالسيوم‏,‏ المغنسيوم‏,‏ والفسفور والحديد‏,‏ النحاس‏,‏ الكبريت وغيرها بالإضافة إلي نسبة من الألياف‏,‏ وتدخل هذه المكونات في بناء حوالي الألف مركب كيميائي حيوي في زيت الزيتون‏,‏ كلها نافعة لجسم الانسان وبعضها ضروري لسلامته‏,‏ ومن هنا كان فضل هذا الزيت علي غيره من الدهون والزيوت التي تمثل مركبات عضوية لها تركيب كيميائي متشابه فإذا بقيت سائلة عند درجة حرارة‏(20)‏ درجة مئوية سميت زيتا‏,‏ وإذا بقيت جامدة عند نفس الدرجة سميت دهنا‏,‏ ومنها الدهون المتعادلة‏,‏ والشموع‏,‏ والدهون المعقدة‏(‏ الليبيدات المختلطة‏).‏
وأهم مصادر الزيوت النباتية هي بعض البذور الزيتية مثل بذور كل من القطن‏,‏ والكتان‏,‏ والسمسم‏,‏ودوار الشمس‏,‏ والخروع‏,‏ والفول السوداني‏,‏ وفول الصويا‏.‏

لذلك يمكن الحصول علي الزيوت النباتية من بعض الثمار الزيتية من مثل ثمار الزيتون‏,‏ وجوز الهند‏,‏ والنخيل الزيتي‏,‏ أو من بعض أجنة الحبوب من مثل القمح‏,‏ والذرة‏,‏ والارز‏.‏

وتستخلص الزيوت النباتية بطريقة الهرس ثم الكبس أو العصر في مكابس خاصة‏,‏ وتعرف المادة الصلبة المتبقية من هذه العملية باسم الكسب الذي يستخدم علفا للحيوان لغنائه بالبروتين‏,‏ وقد يستخدم ما يتخلف عن عصر بذور السمسم غذاء للانسان‏.‏
وأفضل الزيوت النباتية علي الاطلاق هو زيت الزيتون‏,‏ وذلك لما أعطاه الله‏(‏ تعالي‏)‏ من خاصية خفض ضغط الدم‏,‏ وتقليل امتصاص الجسم للكوليسترول بصفة عامة وإنقاص المعدل الكلي للكوليسترول في الدم بحوالي‏13%,‏ وإنقاص معدل الكوليسترول الضار في الدم والمعروف باسم الكوليسترول الخفيف‏.‏
‏[LOWDENSITYLEPIDOPROTEIN(L.D.L)‏
بنسبة‏21%‏ فيرفع بذلك نسبة الكوليسترول المفيد نسبيا في الدم‏,‏ والمعروف باسم الكوليسترول الثقيل
‏[HighDenitylepidoprotein(H.D.L)]‏
ومن الثابت طبيا أنه كلما انخفضت نسبة الكوليسترول الضار وزادت نسبة المفيد منه في الدم كلما قلت نسبة الاصابة بالجلطات القلبية خاصة الاصابة المعروفة باسم احتشاء العضلة القلبية‏,‏ وعلي ذلك فإن تناول زيت الزيتون بكميات منتظمة يحمي القلب من أمراض انسداد الشرايين وهي من أكثر الامراض إنتشارا في الزمن الحاضر‏,‏ خاصة في الدول الغنية التي يبالغ أفرادها في تناول الطعام إلي حد التخمة‏.‏ وعلي الرغم من ذلك فقد لوحظ أن أقل نسبة إصابة بمرض الشرايين التاجية‏(‏ الإكليلية‏)‏ القلبية يوجد في حوض البحر الابيض المتوسط خاصة في بلدانه التي يتناول أفرادها الزيتون وزيته بكميات ثابتة ومنتظمة‏,‏ ويعتبرون كلا من هذه الثمرة المباركة وزيتها مصدرا أساسيا للدسم في طعامهم مما يشير الي الدور الفاعل لهما في الوقاية من أمراض شرايين القلب‏,‏ خاصة أنه ثبت بالتحليل الدقيق احتواء كل من الثمرة وزيتها علي مركبات كيميائية تمنع تخثر الدم‏.‏ وانطلاقا من ذلك يوصي الاطباء كل من أجريت لهم عمليات توسعة شرايين القلب بتناول‏4‏ ـ‏5‏ ملاعق من زيت الزيتون يوميا وبشكل روتيني كجزء من العلاج‏.‏

هذا‏,‏ وقد جاء ذكر الزيتون وزيته في سبعة مواضع من القرآن الكريم‏,‏ وأقسم به ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ ـ وهو الغني عن القسم ـ وأكد علي قيمة زيته وقيمته الغذائية مما أثبتته البحوث العلمية والطبية في العقود المتأخرة من القرن العشرين‏,‏ وتعتبر هذه الاشارات من المعجزات العلمية للقرآن الكريم الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة‏,‏ ومن معجزات الرسول الخاتم الذي تلقاه والذي يروي عنه‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله‏:‏
كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة‏(‏ أخرجه الامام أحمد عن مالك بن ربيعة الساعدي مرفوعا‏),‏ وقوله‏(‏ عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏)‏ في نفس المعني‏:‏ ائتدموا بالزيت وادهنوا به‏,‏ فإنه يخرج من شجرة مباركة‏(‏ رواه عبد بن حميد في مسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما‏).‏

وهنا يتبادر الي الذهن سيل من الاسئلة منها‏:‏ لماذا أنزل ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ هذه الاية المباركة فيما أنزل من قرآن علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وأنطقه بما نطق به عن شجرة الزيتون‏,‏ وثمرها وزيتها؟ وللإجابة نقول‏:‏ إن الله تعالي يعلم بعلمه المحيط أن الانسان سوف يصل في يوم من الايام الي اكتشاف قيمة الزيتون وزيته فتكون هذه الاية المباركة‏,‏ كما تكون أقوال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ مما يشهد للقرآن الكريم بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ فالحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي نعمة الاسلام‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الانام‏,‏ خاتم الانبياء والمرسلين‏,‏ وإمام الغر المحجلين والحمد لله في الاولي والاخرة‏,‏ والحمد لله في كل وقت وفي كل حين‏,‏ وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد النبي الامين‏,‏ وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏.‏