جمال سلطان | 09-12-2009 23:49

تابعت الحوار الذي عرضته قناة الجزيرة في برنامجها "الاتجاه المعاكس" أول أمس عن قضية حظر المآذن في سويسرا ، والذي كان ضيفاه كلا من النائب البرلماني السويسري "أوسكار فرايسينغر" صاحب مشروع القرار والصديق الدكتور عزام التميمي مدير مركز الدراسات السياسية في لندن ، وعلى الرغم من استحضار "فرايسينغر" كل طاقته العصبية للتماسك في الحوار إلا أنه فشل في إخفاء الوجه العنصري القبيح الذي يدفع أفكاره وسلوكه السياسي على حد سواء ، فقد بدأ بالتأكيد على احترامه للدين الإسلامي وحق المسلمين في أداء شعائرهم بحرية ، لكنه بعد أقل من عشر دقائق من الحوار اتجه بالحديث إلى أنكم تضطهدون المسيحيين في بلادكم وتتحرشون بالكنائس وتمنعون بناءها في السعودية ، ثم اتهم التميمي بأنه منتمي إلى حركة حماس ، ولم أستوعب أي معنى لاهتمامه بذكر حماس عدة مرات في حديثه رغم انعدام صلتها بالموضوع ، سوى أنه أثبت على نفسه التهمة التي ألصقها به التميمي ، وهي أنه صهيوني الهوى والانتماء ، وأنه حليف لمنظمات صهيونية أوربية لها أجندة عدائية ضد الوجود الإسلامي هناك ، لأن الحديث عن مشكلة بناء المآذن في سويسرا فما دخل حماس وفلسطين في الموضوع ، وما الداعي لكي يكون رابضا على خياله قضية فلسطين في الحوار لدرجة ذكرها حوالي خمس مرات في حديثه الممتد لأقل من ساعة زمن ، القضية إذن ليست قضية مآذن فقط ، بل كراهية عميقة للعرب والمسلمين وإعلان حرب حقيقي ضد المصالح العربية والإسلامية ، أيضا لاحظت أن الرجل راح يردد كلام صحافة ساويرس هنا في القاهرة بأن المصريين يحاربون بناء الكنائس ويمنعون ترميمها وهي أكاذيب يسهل دحضها بالصور المباشرة ، ومشاهد القلاع الكنسية الضخمة التي يتم إنشاؤها شهريا في طول البلاد وعرضها ، لكن اللافت هو استناد اليمين السويسري المسيحي المتطرف إلى مقولات صحف اليمين المسيحي المصري المتطرف ، بشكل حرفي ، ومن ذلك ترديد "فرايسينغر" بأن المآذن ليست من أصول الإسلام ولا شريعته ، وهو كلام يحسن أن يتركه لأهله فهم أدرى بالشريعة وأصولها ، ولا يليق به أن يلبس العمة ويتبوأ مقام المرجعية الإسلامية ، فهذه خفة عقل وقلة ذوق ، غير أن هذه أيضا من أسس الدفاع التي قالتها صحف ساويرس في القاهرة أيضا ، وأنا لا أفهم كيف لا تمثل المآذن أي رمزية دينية في الإسلام والعالم الإسلامي ، رغم أنها تمثل إجماع المسلمين على مدار أكثر من ألف وثلاثمائة عام ، من الصين شرقا إلى مراكش غربا ، وهو إجماع معتبر شرعا حتى لو لم يكن هناك عليه نص مباشر ، وحتى إذا لم تكن للمآذن ثبوت عقائدي أو عبادي ، إلا أنها تحولت عبر التاريخ الطويل إلى رمز للإسلام ودور العبادة فيه ، هكذا ـ على الأقل ـ اعتبرها جميع المسلمين طوال هذه القرون بجميع علمائهم ومذاهبهم الدينية ، الآن تكتشف صحف ساويرس وهذا العنصري المتصهين "أوسكار فرايسينغر"، أنها ليست من الإسلام ، وهل كان الحجاب أيضا ليس من الإسلام عندما تعرض لحملات التشهير والحظر والمضايقة في أكثر من عاصمة أوربية على يد المتطرفين من اليمين المسيحي أيضا ، ولقد استغربت جدا أن يستدل على صحة موقفه بأن المملكة العربية السعودية لا تسمح ببناء كنائس ، وهو ما يدل على أن موقفه يمثل "ثأرا" للمسيحية في الشرق ، أو ردا على ما اعتبره مضايقات لها ، على الرغم من أنه يدرك أن حالة السعودية حالة خاصة لوجود قبلة المسلمين بها وكونها حالة استثنائية بنصوص شرعية تمنع ذلك ، وهو الوضع نفسه لدولة الفاتيكان في قلب أوربا التي تمنع بناء مساجد فيها لاعتبارات مشابهة ، رغم عدم وجود أي نصوص دينية تمنع ذلك في المسيحية ، ولكنه إرث تاريخي أصبح معتبرا في الحالة الأوروبية ، وقد احترم المسلمون هذه الاعتبارات ولم يتحرشوا بالفاتيكان مرارا وتكرارا من أجل بناء مساجد فيها ، بينما المتطرفون من اليمين المسيحي الأوربي لا يملون من تكرار حدوتة كنائس السعودية المحظورة طوال السنوات الماضية .