ألف.. اثنان.. 5 آلاف.. 15 ألفا.. 30 ألفا.. 40 ألفا.. 60 ألفا.. وأخيرا توقفت عقارب ساعة الشهيدة الفلسطينية عند مبلغ 65 ألف جنيه (11 ألف دولار) في مزاد علني أقيم لشرائها لتسهم في جمع مبلغ الـ900 ألف دولار على الهواء مباشرة في ساعتين فقط لإغاثة الشعب الفلسطيني.. وكان ذلك المشهد إيذانا بتدشين حملة المليار يورو التي أطلقها اتحاد الأطباء العرب تحت شعار: "فلسطين.. أبدا لن تجوع".
وعبر الهاتف من قطر، جاءت كلمات الشيخ يوسف القرضاوي لتضفي حماسا أكثر على حماس المشاركين في حملة التبرع حيث قال: "لا أتصور أن يجوع الشعب الفلسطيني وحوله 300 مليون عربي ومن خلفه ألف مليون مسلم"، مشيرا إلى أن الإسرائيليين "لا يبخلون بالملايين لنصرة باطلهم، فكيف نبخل على نصرة حقنا؟!".
وشدد مجددا على أن "التبرع فرض على الأمة وخصوصا القادرين من أبنائها في الشرق والغرب والشمال والجنوب".
ولم تكن ساعة الشهيدة الفلسطينية التي تم إرسالها للجموع المحتشدة في قاعة دار الحكمة، حيث مقر اتحاد الأطباء العرب في القاهرة، مساء الجمعة 5-5-2006 هي الوحيدة التي أقيم عليها مزاد علني؛ بل كانت هناك حقيبة جلدية من شهيدة أخرى فلسطينية بيعت بخمسة آلاف دولار، وسط حضور مكثف من سياسيين ومفكرين وإعلاميين مصريين وعرب.
وأصرت عائلتا الشهيدتين على عدم ذكر اسميهما حرصا منهما على إبراز فقط المغزى من هذه اللفتة، وإيمانا منهم بأن الشهيدتين مكرمتان عند بارئهما.
وبعد أن أسفر المزاد العلني عن فوز أحد الحاضرين -لم يشأ ذكر اسمه- بساعة يد الشهيدة الفلسطينية، كان لافتا ظهور شخص بدا على ملامحه التأثر والضيق، وفسر ذلك لـ"إسلام أون لاين.نت" قائلا: "حرصت أنا وابنتي على أن نفوز بساعة الشهيدة الفلسطينية.. ووصلت في المزاد إلى مبلغ 60 ألف جنيه بالفعل لشرائها من مال ابنتي التي جهزته لإتمام زواجها، لكن قدر الله وما شاء فعل، ذهبت الساعة لشخص آخر".
وأشار إلى أنه وإن فاته الفوز بساعة المزاد فإن ابنته تبرعت بمبلغ 10 آلاف جنيه (1800 $)، وكذلك ابنه الشاب بمبلغ 1000 جنيه (180$). بقي أن نعلم أن الشخص المتبرع هو عبد السلام شحاتة لواء شرطة سابق.
فتاة أخرى -لم تشأ ذكر اسمها- تقدمت خلال الاحتفالية إلى المنصة الأمامية على حياء شديد وخلعت دبلة خطبتها من أصابعها وقدمتها لمذيع الاحتفالية، بينما لم يعلم خطيبها بعد أنها ستقدم الدبلة لفك الحصار ضد الشعب الفلسطيني.
وكان لافتا تبرع أكثر من سيدة وفتاة مصرية بحليهن الذهبية التي خلعنها وقت الحفلة. أما مريم ورؤى اللتان لم تتجاوز أعمارهن العاشرة فكانتا أكثر جودا وقت أن خلعن من أصابعهن الصغيرة خواتمهن الذهبية. وهذه "جهاد" -اسم طفلة عمرها 5 سنوات- صعدت على المنصة حاملة "حصالة" وطالبت بجمع أموال المتبرعين فيها.
الرجال لم يكونوا أقل سخاء من السيدات؛ فهذا شاب يبلغ من العمر 30 عاما يتبرع بشقته (80 مترا مربعا) إلى الشعب الفلسطيني.
وبلال، ومحمد، وعارف، ومحمود، أطفال لم تتجاوز أعمارهم العاشرة تنافست قلوبهم الرقيقة للتضحية، وأخرجوا ما في جيوبهم في الوقت ذاته؛ لأن الطفل الفلسطيني أولى بهذا المال في هذا الوقت، بحسب كلماتهم وقت التبرع.
أيمن نور، المعارض المصري رئيس حزب "الغد"، المسجون على خلفية اتهامات بتزوير توكيلات تأسيس الحزب، تبرع من جهته بمبلغ 3 آلاف دولار، وفور إعلان تبرعه علت أصوات عديدة في القاعة بالدعاء له: "فك الله أسره".
وما أن انتصفت الاحتفالية حتى أعلن مقدم الحفل المذيع عاصم بكري عن جمع المبلغ المستهدف بزيادة قدرها 5 آلاف جنيه مصري (900 دولار)، وسط تصفيق حاد من الحضور.
وفي وقت لاحق من اليوم السبت ارتفع المبلغ المستهدف إلى نحو 7 ملايين جنيه مصري ( 1.2 مليون دولار) .
هذه المشاعر الإنسانية هزت وجدان وزير الثقافة
الفلسطيني عطا الله أبو السبح، فتحدث قائلا للحضور: "لن نخذلكم، وسنظل على الحد الفاصل بين الحق والباطل حتى وإن تشرذمنا أشلاء، ولن نعترف بإسرائيل، ولن نخذل شعبنا، ولن نساوم على دماء الشهداء".
وأضاف: "يحرمنا الإسرائيليون من أن يشتري أطفالنا أقلام رصاص يتعلمون بها، أو أن نجني ثمرة الزيتون، وأن نربي المواشي لنأكلها، ويكون لنا اكتفاء ذاتي لكننا نقتات من الأرض ولن نعترف بإسرائيل، ونوقن أن النصر آت لا محالة".
وكشف أبو السبح عن أن الـ 24 وزارة في الحكومة الفلسطينية لا تجد ميزانية كافية لتسييرها، حتى إن إسماعيل هنية رئيس الوزراء يعطي لكل وزير ألفي دولار لتسيير وزارته لـ 40 يوما.
وقاطع عبد المنعم أبو الفتوح، الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، حديث أبو السبح قائلا: "ليأذن لي وزير الثقافة في التعقيب.. ربما لا تصدقون إن علمتم أن وزير الثقافة هذا جاء إليكم من فلسطين وهو يستقل سيارة أجرة من معبر رفح إلى القاهرة في وقت استغرق 9 ساعات".
الغناء والشعر
ووسط هذه الأجواء التضامنية مع الشعب الفلسطيني، كان الشعر والغناء حاضرين، وألهب المطرب إيمان البحر درويش حماس الحاضرين حين غنى قائلا: لكل من يجاهد في سبيل الله أقول: سراكم فوق في السما يا زينة الأرواح.. أدن يا بلال فوق الأقصى.. وانده للخلق اللي هتنسى.. وكبر لصلاة تجمعهم.
إبراهيم الزعفراني، منسق حملة المليار يورو، أعلن عن مجموعة من الأفكار الأخرى لاتحاد الأطباء العرب ستطبق لاحقا لدعم الشعب الفلسطيني وفك الحصار عنه، وذكر منها " قيام الفرق الغنائية الفلسطينية بإحياء حفلات لها في القاهرة وعواصم عربية أخرى".
وأردف قائلا: "كما يعتزم رجال أعمال فلسطينيين تأجير أجنحة عديدة في أرض المعارض لبيع المنتجات الفلسطينية المشهورة كالزيتون والزيت".
وقاطعه مقدم الحفل "بكري" بعرض قدمه أحد رجال الأعمال المصريين يتمثل في عزمه الاستثمار في قطاع غزة عبر فتح فرع لمصنعه هناك؛ دعما وإرساء لصناعة فلسطينية من ناحية، ولمد جسر عملي بين رجال الأعمال وفلسطين. من جانبه أثنى أبو السبح على الاقتراح، ووعد بدعم الحكومة الفلسطينية لهذا العرض.
وكشف منسق الحملة أن حملة المليار بدأت من القاهرة، وستدشن في عواصم عربية وإسلامية أخرى كدمشق بسوريا السبت 6-5-2006، وفي الدوحة بقطر يومي الأربعاء والخميس المقبلين.
جمعت الاحتفالية الكبيرة كوكبة من العلماء والمفكرين وأعضاء مجلس الشعب والسياسيين، تقدمهم في المنصة كل من: وزير الثقافة الفلسطيني، والدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء، وعزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق، ود. عبد المنعم أبو الفتوح، وحسين حمودة ممثلا عن عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، بجانب أحمد العسال رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بباكستان، والكاتب الصحفي مصطفى بكري.