65)‏ فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس
والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم‏(‏ الأنعام‏:96).‏
بقلم: د.‏ زغلول النجار
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في مطلع الثلث الثاني من سورة الأنعام‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ ومن طوال السور في القرآن الكريم إذ يبلغ عدد اياتها‏165‏ آية بعد آية البسملة‏;‏ وقد سميت بهذا الأسم لورود ذكر الأنعام فيها‏,‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة‏,‏ وفي مقدمتها الإيمان بالله ربا‏,‏ وبالإسلام دينا‏,‏ وبخاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا‏;‏ والإيمان بحقيقة الوحي‏,‏ وبوحدة رسالة السماء‏;‏ وبحتمية البعث والحساب وبالخلود في الحياة الآخرة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏...!!‏
والإيمان بالله‏(‏ تعالي‏)‏ يقتضي توحيده توحيدا مطلقا فوق كل خلقه‏,‏ وتنزيهه عن كل وصف لايليق بجلاله من مثل الادعاء الكاذب له بالشريك أو الصاحبة أو الولد‏(‏ تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا‏),‏ والإقرار له‏(‏ سبحانه‏)‏ بطلاقة القدرة التي لاتحدها حدود‏,‏ وعظيم السلطان الذي لاينازعه فيه منازع‏,‏ وبالألوهية والربوببية فوق كل خلقه‏,‏ وبأنه رب هذا الكون ومليكه والمتصرف فيه وحده‏.‏

وتبدأ سورة الأنعام بحمد الله‏(‏ تعالي‏):...‏ الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور‏...‏ وباستنكار شرك المشركين بالله‏;‏ وقررت عددا من حقائق الكون في الأنفس والآفاق مستدلة بها علي وجود الله‏(‏ تعالي‏)‏ وعلي وحدانيته‏,‏ وطلاقة قدرته‏;‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ له ملك السماوات والأرض‏,‏ ويعلم السر والجهر‏,‏ وماتكسب كل نفس‏....!!‏
وتنعي السورة الكريمة علي الكافرين إعراضهم عن آيات الله‏,‏ وتكذيبهم للحق بعد أن جاءهم‏,‏ وتنطعهم في طلب المعجزات الحسية من رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏);‏ ولذلك تتهددهم الآيات مذكرة إياهم بهلاك الأمم من قبلهم‏,‏ وبحتمية جمعهم إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ في يوم لاريب فيه‏...!!‏

وتثبت الآيات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ بأن مالقية من قومه من تكذيب واستنكار قد لقيه كل الرسل من قبله‏,‏ وأن الكافرين لايكذبونه ولكنهم بآيات الله يجحدون‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ شهيد بينه وبينهم علي صدق ماجاء به‏,‏ وأن القرآن الكريم قد أنزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحيا من عنده إلي خاتم أنبيائه ورسله لينذر به قومه‏,‏ والناس جميعا إلي يوم الدين‏;‏ وأن أهل الكتاب يعرفون ذلك فيما بقي من كتبهم كما يعرفون أبناءهم‏.‏
وتذكرهم الآيات بمباغتة الساعة‏,‏ وبأهوال يوم الحشر‏,‏ وبإيقافهم علي النار‏,‏ وندمهم علي كفرهم ساعة لاينفع الندم‏,‏ وتذكرهم الآيات بإنكارهم للبعث‏,‏ والله‏(‏ تعالي‏)‏ يعلم أنهم لو ردوا لعادوا إلي مانهوا عنه‏;‏ وتؤكد لهم الآيات أن الحياة الدنيا لعب ولهو‏,‏ وأن الآخرة خير للذين يتقون‏;‏ وتذكرهم بنعم الله عليهم‏,‏ وبأنه قادر علي أخذها منهم كما منحها لهم‏,‏ وتتهددهم بالعذاب بغتة أو جهرة‏.‏

وتطالب الآيات رسول الله‏(‏ صلي الله عليهم وسلم‏)‏ أن يبلغ الكافرين بأنه لايملك خزائن الله‏,‏ ولايعلم الغيب‏,‏ وليس بملك‏,‏ بل هو بشر ممن خلق الله‏,‏ لايتبع إلا مايوحي إليه‏,‏ وينذر الذين يخافون أن يحشروا إلي ربهم‏.‏
وتقرر الآيات في سورة الأنعام أن الغيب المطلق لايعلمه إلا الله‏,‏ وأنه‏(‏ تعالي‏)‏ يعلم كل صغيرة وكبيرة‏,‏ وكل حركة وسكنة في الوجود‏,‏ وأن كل ذلك مدون في اللوح المحفوظ‏;‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يتوفي الأنفس في منامها بالليل‏,‏ ويبعثها في النهار‏,‏ ويعلم ماتكسب كل نفس فيه‏,‏ ويظل الأمر كذلك إلي انتهاء الأجل‏,‏ ثم الرجوع إلي الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعد البعث لينبئ كلا بما عمل في حياته الدنيا‏.‏

وتنتقل الآيات إلي الحديث عن بعض طبائع النفس الإنسانية‏,‏ وتأمر رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ ومن بعده كل المؤمنين بعدم الجلوس في مجلس يتجرأ الحضور فيه علي الله‏(‏ تعالي‏)‏ وعلي آياته‏,‏ وتأمر بهجرالذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا‏,‏ وتأمر الآيات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أن يذكر بالقرآن الكريم كل الناس مخافة الهلاك بسوء الأعمال وفساد المعتقدات‏.‏
وتأمر الآيات بإقامة الصلاة‏,‏ وبتقوي الله‏(‏ تعالي‏)‏ في جميع الأحوال لأننا سوف نحشر إليه فيجازي كلا بعمله‏,‏ وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق‏,‏ وهو الذي يقول للشئ كن فيكون‏,‏ وهو الذي قوله الحق‏,‏ الذي له الملك في الدنيا والاخرة‏,‏ ويوم الفزع الأكبر‏,‏ يوم ينفخ في الصور فيخرج الناس من قبورهم كالجراد المنتشر‏,‏ وهو‏(‏ تعالي‏)‏ العليم بكل شئ ماخفي وماظهر‏,‏ وهو الحكيم في أفعاله‏,‏ الخبير بشئون عباده‏.‏

وبعد استعراض عدد من الأدلة القاطعة بوحدانية الله‏,‏ وببطلان الشرك وعبادة الأوثان عرجت إلي جانب من قصة سيدنا إبراهيم‏(‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏),‏ وإلي حواره مع أبيه آزر‏,‏ واستنكاره عبادة قومه للأصنام‏,‏ وكيف أراه الله‏(‏ تعالي‏)‏ ملكوت السماوات والأرض‏,‏ وآتاه الحجة علي قومه‏,‏ وأكرمه ـ علي الكبر ـ بالذرية الصالحة‏,‏ فتأكد له أن الأمن كل الأمن في معية الله‏,‏ وأن الأمن لايتحقق مع الشرك بالله أبدا‏.....!!‏
وأشارت السورة الكريمة إلي عدد من أنبياء الله غير إبراهيم‏(‏ علي نبينا وعليهم أجمعين من الله السلام‏)‏ منهم نوح‏,‏ واسحاق‏,‏ ويعقوب‏,‏ وداود‏,‏ وسليمان‏,‏ وأيوب‏,‏ ويوسف‏,‏ وموسي‏,‏ وهارون‏,‏ وزكريا‏,‏ ويحيي‏,‏ وعيسي‏,‏ وإلياس‏,‏ وإسماعيل‏,‏ وإليسع‏,‏ ويونس‏,‏ ولوط‏(‏ علي نبينا وعليهم أجمعين أفضل الصلاة وأزكي التسليم‏).‏

وأشارت سورة الأنعام إلي تحريف اليهود للتوراة‏,‏ وأكدت أن القرآن الكريم قد تكاملت فيه كل الرسالات السابقة‏;‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد أنزله علي خاتم الأنبياء والمرسلين لينذر به أهل مكة‏,‏ وأهل الأرض جميعا من حولها‏.‏
وتستنكر سورة الأنعام افتراء الكذب علي الله‏,‏ أو الادعاء الكاذب من قبل بعض الضالين بتلقي الوحي‏,‏ أو ادعاء القدرة علي الإتيان بمثل هذا القرآن‏,‏ وتستعرض حالة هؤلاء الضالين‏,‏ وهم في غمرات الموت‏,‏ وسكراته فتقول‏:.....‏ ولو تري إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون علي الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون‏,‏ ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم‏,‏ وما نري معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ماكنتم تزعمون‏(‏ الأنعام‏:94,93).‏

وتعاود السورة المباركة ضرب عدد من آيات الله في الخلق‏,‏ واستنكار الشرك بالله‏,‏ وتنزيهه عن كل وصف لايليق بجلاله‏,‏ فتقول‏:‏ بديع السماوات والأرض أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة‏,‏ وخلق كل شيء وهو بكل شئ عليم ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو علي كل شئ وكيل لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير‏(‏ الأنعام‏:101-103).‏
وتأمر الآيات رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ باتباع ما أوحي إليه من ربه‏,‏ وبالإعراض عن المشركين الذين لن يؤمنوا بوحدانية الخالق العظيم ولو جاءتهم كل آية‏,‏ وذلك لأن مشاهدة المعجزات الحسية لن تغني من عميت بصائرهم شيئا‏;‏ وتؤكد أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن الكريم حق‏,‏ منزل من الله الخالق‏,‏ وقد تكامل فيه وحي السماء‏.‏

وتأمر الآيات في سورة الأنعام بالأكل مما ذكر عليه اسم الله‏,‏ وقد بين الله‏(‏ تعالي‏)‏ الحلال والحرام‏,‏ وأحل الحلال‏,‏ وحرم الحرام‏,‏ إلا في حالات الاضطرار‏;‏ وتقرر الفرق الشاسع بين الهداية والضلال‏,‏ وأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ يهدي من يشاء ويضل من يشاء‏.‏
وتخاطب الآيات كلا من الجن والإنس بقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ لهم يوم القيامة‏:‏

يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا اشهدنا علي أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا علي أنفسهم أنهم كانوا كافرين‏,‏ ذلك أن لم يكن ربك مهلك القري بظلم وأهلها غافلون‏(‏ الأنعام‏:131,130).‏
وتنعي آيات سورة الأنعام علي الكافرين جرأتهم علي التحليل والتحريم بغير ماشرع الله‏,‏ وتتهددهم بأن الله‏(‏ تعالي‏)...‏ سيجزيهم بما كانوا يفترون‏*(‏ الأنعام‏:138).‏

وأوضحت الآيات أن ماحرم الله‏(‏ تعالي‏)‏ علي اليهود من الطعام إنما كان بسبب إفسادهم في الأرض‏,‏ وعصيانهم لأوامر الله‏,‏ وتحريفهم للتوراة‏,‏ وبغيهم علي عباد الله‏,‏ وطغيانهم بقتل الأنبياء‏,‏ وأكل الربا‏,‏ واستحلال أموال ودماء وممتلكات الناس بالباطل‏(‏ تماما كما يفعل الصهاينة المجرمون علي أرض فلسطين اليوم‏),‏ وفي خواتيم السورة المباركة جاءت بعدد من وصايا الله‏(‏ تعالي‏)‏ لعباده يقول فيها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولاتقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولاتقربوا الفواحش ما ظهر منها ومابطن ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولاتقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحس حتي يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لانكلف نفسا إلا وسعها‏,‏ وإذا قلتم فاعدلوا ولوكان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون‏(‏ الأنعام‏:151‏ ـ‏153).‏

وتختتم سورة الأنعام بختام يهز القلوب والعقول معا يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي لسان خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ قل إنني هداني ربي إلي صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين‏*‏ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ ولاتكسب كل نفس إلا عليها ولاتزر وازرة وزر أخري ثم إلي ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم‏(‏ الأنعام‏:161‏ ـ‏165).‏

والآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الأنعام علي صدق ما جاء بها من قضايا‏,‏ آيات عديدة نوجزها فيما يلي‏:‏
‏(1)‏ خلق السماوات والأرض بالحق‏.‏

‏(2)‏ جعل الظلمات والنور‏.‏

‏(3)‏ خلق الإنسان من طين‏.‏

‏(4)‏ لله خلق يسكنون بالليل وخلق يسكنون بالنهار‏.‏

‏(5)‏ حقيقة أن كل خلق من خلق الله هو أمة من أمثال أمم البشر‏.‏

‏(6)‏ التنبؤ بأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ سيفتح علي الإنسان من أبواب العلم ما نشهده اليوم‏.‏

‏(7)‏ تأكيد حقيقة أن بالكون غيوبا مطلقة لايعلمها إلا الله‏.‏

‏(8)‏ تأكيد حقيقة أن النوم صورة من صور الوفاة‏,‏ وأن اليقظة من النوم صورة من صور البعث بعد الموت‏.‏

‏(9)‏ تأكيد ظلمات البر والبحر أي أن الظلمة هي الأصل في الكون‏.‏

‏(10)‏ الإشارة إلي وسطية موقع مكة المكرمة بالنسبة لليابسة‏.‏

‏(11)‏ الإشارة إلي معجزة فلق كل من الحب والنوي لحظة الإنبات‏.‏

‏(12)‏ الإشارة إلي دوران الأرض حول محورها بتبادل الليل والنهار‏.‏

‏(13)‏ تشبيه طلوع الصبح بعد ظلام الليل بفلق النواة لحظة الإنبات‏.‏

‏(14)‏ الحكمة من جعل الليل للسكن‏,‏ والنهار للجري وراء المعايش‏.‏

‏(15)‏ تأكيد أن الشمس والقمر يجريان بنظام محكم دقيق يمكن من حساب الزمن‏,‏ والتأريخ للأحداث ولأداء العبادات في أوقاتها‏.‏

‏(16)‏ خلق النجوم ومن فوائدها للإنسان الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر‏.‏

‏(17)‏ خلق السلالة البشرية كلها من نفس واحدة‏.‏

‏(18)‏ إخراج الحب المتراكب علي هيئة السنابل من الخضر الذي ينبت في النبات‏.‏

‏(19)‏ إخراج القنوان الدانية وهي العراجين المتدلية من النخل‏(‏ جمع قنو‏,‏ وهو العنق أو عنقود التمر‏)‏ من طلع النخل‏,‏ وهو أول مايبدو ويخرج من ثمر النجل كالكيزان‏;‏ وإخراج جنات من أعناب‏,‏ ومن الزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه‏.‏

‏(20)‏ الإشارة إلي أن التصعد في السماء بغير وقاية يجعل الصدر ضيقا حرجا حتي يقضي علي الصاعد بالموت‏.‏

‏(21)‏ إنشاء جنات من المعروشات وغير المعروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه‏,‏ وكل قضية من هذه القضايا العديدة تحتاج إلي معالجة مستقلة‏,‏ وسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الخامسة عشرة التي تشير إلي جريان كل من الشمس والقمر بنظام محسوب بدقة بالغة مما يعين علي حساب الزمن‏,‏ والتأريخ للأحداث‏,‏ وأداء الحقوق والواجبات والعبادات في أوقاتها المحسوبة‏,‏ وقبل الدخول إلي ذلك لابد من الاستعراض السريع لأقوال عدد من كبار المفسرين السابقين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة‏.‏

من أقوال المفسرين
في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم‏(‏ الأنعام‏:96).‏
‏*‏ ذكر ابن كثير يرحمه الله مانصه‏:(‏ فالق الاصباح وجعل الليل سكنا‏)‏ أي خالق الضياء‏(‏ النور‏)‏ والظلام كما قال في أول السورة‏(‏ وجعل الظلمات والنور‏)‏ أي فهو سبحانه يغلق ظلام الليل عن غرة الصباح فيضئ الوجود‏,‏ ويستنير الأفق‏,‏ ويضمحل الظلام‏,‏ ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه‏,‏ ويجئ النهار بضيائه‏(‏ بنوره‏)‏ وإشراقه‏,.....‏ وقوله‏(‏ والشمس والقمر حسبانا‏)‏ أي يجريان بحساب مقنن مقدر لايتغير ولايضطرب‏,‏ بل لكل منهما منازل يسلكها في الصيف والشتاء‏,‏ فيترتب علي ذلك اختلاف الليل والنهار طولا وقصرا كما قال‏:(‏ وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل‏)‏ الآية‏,‏ وكما قال‏:(‏ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون‏),‏ وقال‏:(‏ والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره‏),‏ وقوله‏:(‏ ذلك تقدير العزيز العليم‏)‏ أي الجميع جار بتقدير العزيز الذي لايمانع‏,‏ ولايخالف‏,‏ العليم بكل شئ فلا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء‏,‏ وكثيرا ما إذا ذكر الله تعالي خلق الليل والنهار والشمس والقمر يختم الكلام بالعزة والعلم‏....‏

‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ مانصه‏:(‏ فالق الاصباح‏)‏ مصدر بمعني الصبح أي شاق عمود الصبح‏,‏ وهو‏:‏ أول مايبدو من نور النهار عن ظلمة الليل‏...(‏ سكنا‏)‏ يسكن فيه الخلق من التعب‏,(‏ الشمس والقمر‏)‏ بالنصب عطفا علي محل الليل‏..(‏ حسبانا‏)‏ حسابا للأوقات‏,‏ والباء محذوفة‏,‏ وهو حال من مقدر أي‏:‏ يجريان بحسبان‏...(‏ ذلك‏)‏ المذكور‏(‏تقدير العزيز‏)‏ في ملكه‏(‏ العليم‏)‏ بخلقه‏.‏
وذكر صاحب الظلال‏(‏ رحمه الله رحمة واسعة‏)‏ مانصه‏:‏ إن فالق الحب والنوي هو فالق الإصباح أيضا‏,‏ وهو الذي جعل الليل للسكون‏,‏ وجعل الشمس والقمر محسوبة حركاتهما‏,‏ مقدرة دوراتهما‏..‏ مقدرا ذلك كله بقدرته التي تهيمن علي كل شئ‏,‏ وبعلمه الذي يحيط بكل شئ‏.‏

وانغلاق الاصباح من الظلام حركة تشبه في شكلها انغلاق الحبة والنواة‏,‏ وانبثاق النور في تلك الحركة‏,‏ كانبثاق البراعم في هذه الحركة‏,‏ وبينهما من مشابه الحركة والحيوية والبهاء والجمال سمات مشتركة‏,‏ ملحوظة في التعبير عن الحقائق المشتركة في طبيعتهما وحقيقتهما كذلك‏...‏ وبين انغلاق الحب والنوي وانغلاق الإصباح‏,‏ وسكون الليل صلة أخري‏....‏ إن الإصباح والإمساء‏,‏ والحركة والسكون‏,‏ في هذا الكون ـ أو في هذه الأرض ـ ذات علاقة مباشرة بالنبات والحياة‏.‏
إن كون الأرض تدور دورتها هذه حول نفسها أمام الشمس‏,‏ وكون القمر بهذا الحجم‏,‏ وبهذا البعد من الأرض‏,‏ وكون الشمس كذلك بهذا الحجم‏,‏ وهذا البعد‏,‏ وهذه الدرجة من الحرارة‏...‏ هي تقديرات من‏(‏ العزيز‏)‏ ذي السلطان القادر‏(‏ العليم‏)‏ ذي العلم الشامل‏...‏ ولولا هذه التقديرات ما انبثقت الحياة في الأرض علي هذا النحو‏,‏ ولما انبثق النبت والشجر‏,‏ من الحب والنوي‏...‏ إنه كون مقدر بحساب دقيق‏.‏ ومقدر فيه حساب الحياة‏,‏ ودرجة هذه الحياة‏,‏ ونوع هذه الحياة‏...‏ كون لا مجال للمصادفة العابرة فيه‏....‏

وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن‏(‏ رحم الله كاتبه برحمته الواسعة‏)‏ ما نصه‏:(‏ فالق الإصباح‏)‏ الإصباح‏:‏ مصدر سمي به الصبح‏,‏ أي شاق ظلمة الصبح ـ وهو الغبش في آخر الليل الذي يلي الفجر المستطيل الكاذب ـ عن بياض النهار‏;‏ فيضئ الوجود ويضمحل الظلام‏,‏ ويذهب الليل بسواده ويجئ النهار بضيائه‏(‏ والأصح هو بنوره‏).(‏ وجعل الليل سكنا‏)‏ يسكن إليه من يتعب بالنهارويستأنس به لاسترواحه فيه‏.(‏ والشمس والقمر حسبانا‏)‏ أي يجريان في الفلك بحساب مقدر معلوم‏,‏ لايتغير ولا يضطرب حتي ينتهيا إلي أقصي منازليهما‏,‏ بحيث تتم الشمس دورتها في سنة‏,‏ ويتم القمر دورته في شهر‏,‏ وبذلك تنتظم المصالح المتعلقة بالفصول الأربعة وغيرها‏.‏ والحسبان‏:‏ مصدر حسبت المال حسبا ـ من باب فتل ـ أحصيته عددا‏.‏
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ مانصه‏:‏ وهو الذي يشق غبش الصبح بضوء‏(‏ والصحيح هو بنور‏)‏ النهار‏,‏ ليسعي الأحياء إلي تحصيل أسباب حياتهم‏,‏ وجعل الليل ذا راحة للجسم والنفس‏,‏ وجعل سير الشمس والقمر بنظام دقيق يعرف به الناس مواقيت عباداتهم‏,‏ ومعاملاتهم‏.‏ ذلك النظام المحكم‏,‏ تدبير القادر المسيطر علي الكون المحيط بكل شئ علما‏.‏

وجاء في صفوة التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبه خيرا‏)‏ مانصه‏:‏
‏(‏ فالق الإصباح‏)‏ أي شاق الضياء‏(‏ والصحيح هو النور‏)‏ عن الظلام وكاشفه‏,‏ قال الطبري‏:‏ شق عمود الصبح عن ظلمة الليله وسواده‏(‏ وجعل الليل سكنا‏)‏ أي يسكن الناس فيه عن الحركات ويستريحون‏(‏ والشمس والقمر حسبانا‏)‏ أي بحساب دقيق يتعلق به مصالح العباد‏,‏ ويعرف بهما حساب الأزمان والليل والنهار‏(‏ ذلك تقدير العزيز العليم‏)‏ أي ذلك التسيير بالحساب المعلوم تقدير الغالب القاهر الذي لايستعصي عليه شئ‏,‏ العليم بمصالح خلقه وتدبيرهم‏.‏

شرح الآية الكريمة في ضوء المعارف المكتسبة
تشير هذه الأية الكريمة إلي حقيقة كونية مؤداها أن الله جلت قدرته‏)‏ قد قدر للأرض أن تدور حول محورها أمام الشمس‏(‏ كما قدر لكل جرم من أجرام السماء أن يدور حول محوره‏,‏ وأن يسبح في فلكه‏),‏ وبذلك فإنه‏(‏ تعالي‏)‏ يفصل بالتدريج بين الأرض عن ليل السماء بطبقة نور النهار الرقيقة‏(‏ التي لايتعدي سمكها مائتي كليومتر بالنسبة إلي المسافة بين الأرض والشمس المقدرة بنحو‏150‏ مليون كيلومتر‏),‏ وبذلك فهو‏(‏ سبحانه‏)‏ يغلق هاتين الظلمتين المتداخلتين بالتدريج فيحل النهار محل ظلمة الأرض‏,‏ ويبقي ظلمة السماء‏,‏ ولذلك وصف ذاته العلية بأنه فالق الإصباح أي الصبح ولايقوي علي ذلك أحد غيره‏.‏
ثم يضيف وصفا آخر لتلك الذات العلية هي‏....‏ وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا‏...,‏ ويصف تقدير ذلك بأنه‏:....‏ تقدير العزيز العليم‏.‏

وجاء التعبير فالق الإصباح وجعل الليل سكنا إشارة إلي تبادل كل من النهار والليل‏,‏ وإلي جعل النهار لعمارة الأرض‏,‏ وإقامة عدل الله فيها‏,‏ وللجري وراء المعايش‏,‏ وللكدح من أجل كسب الرزق الحلال‏,‏ وجعل الليل للسكن والاستجمام‏,‏ والراحة والاسترخاء‏,‏ والتأمل والعبادة بعد كدح النهار‏;‏ وتبادل كل من الليل والنهار لايتم إلا بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏.‏
وهذه الدورة الأرضية التي تعرف باسم الدورة المحورية‏,‏ أو المغزلية‏,‏ أو الدورانية تتم بسرعة تقدر بنحو الثلاثين كيلومترا في الدقيقة‏(465‏ مترا في الثانية‏*60=27.9‏ كيلومتر في الدقيقة‏*60=1674‏ كيلومترا في الساعة‏)‏ لتتم دورة كاملة في يوم مقداره‏24‏ ساعة‏(23‏ ساعة‏,56‏ دقيقة‏,4‏ ثوان في المتوسط‏),‏ يتقاسمه ليل ونهار بتفاوت قليل في طول كل منهما‏,‏ وذلك بسبب ميل محور دوران الأرض علي مستوي مدار الأرض حول الشمس‏,‏ مما ينتج عنه تبادل فصول السنة‏:‏ الربيع‏,‏ والصيف‏,‏ والخريف‏,‏ والشتاء‏.‏

ويوم الأرض‏(‏ الناتج عن دورانها دورة كاملة حول محورها‏)‏ يختلف طوله علي مدار السنة بسبب تغيير سرعة سبح الأرض في فلكها حول الشمس‏(‏ سرعة الحركة المدارسة للأرض‏)‏ تبعا لبعدها عن الشمس‏,‏ وبسبب آثار ظاهرتي المد والجزر‏,‏ والدوران الفعلي للغلاف الغازي المحيط بالأرض‏,‏ وبسبب بعض التغيرات في لب الأرض‏.‏
وقد جددت الثانية كوحدة للزمن علي أساس أنها الفترة الزمنية المكافئة لـ‏1:86.400‏ من متوسط طول اليوم الشمسي علي مدار السنة‏(24‏ ساعة‏*60‏ دقيقة‏*60‏ ثانية‏=86.40‏ ثانية‏).‏

ولتفادي ماثبت من تناقص سرعة دوران الأرض حول محورها‏,‏ وبالتالي زيادة متوسط طول اليوم الشمسي بنحو‏0.001‏ ـ من الثانية في القرن الواحد‏,‏ فقد تم الاتفاق علي تعيين طول الثانية ذريا بأنها الفترة التي يتردد منها قفز الإليكترون من مدار إلي آخر حول نواة ذرة نظير عنصر‏(‏ السيزيوم ـ‏133)‏ نحو تسعة بلايين مرة‏(9.192.631.770‏ مرة‏),‏ كما يمكن تقسيم الثانية إلي وحدات أقل‏.‏
ومع دوران الأرض حول محورها أمام الشمس من الغرب إلي الشرق يبدو لنا هذا النجم‏(‏ الشمس‏)‏ صاعدا من جهة الشرق‏,‏ وغائبا في جهة الغرب في حركة ظاهرية تحدد لنا كلا من ليل ونهار‏,‏ ويوم الأرض‏;‏ وباستخدام كل من المزولة‏,‏ أو البندول المعلق من سقف مرتفع‏,‏ أو الساعات‏(‏ باختلاف أنواعها ودرجة دقتها حتي الساعة الذرية‏)‏ يمكن تقسيم كل من الليل والنهار إلي الساعات والدقائق والثواني‏,‏ وفي بعض الحالات إلي اجزاء من الثانية‏.‏

والدورة اليومية الناشئة عن دوران الأرض حول محورها دورة كاملة في كل يوم تجعل جميع مانراه في صفحة السماء الدنيا‏,‏ وكأنه يدور من حولنا‏,‏ وليست الشمس وحدها‏;‏ فبالمثل يبدو القمر وكأنه يطلع علي الأرض من جهة الشرق‏,‏ ويغيب عنها في جهة الغرب‏,‏ وهذه دورة ظاهرية‏,‏ وللقمر دورة حقيقية حول محوره المائل علي مستوي مداره أمام الأرض بسرعة متوسطة تقدر بنحو‏3675‏ كيلومترا في الساعة‏,‏ أي نحو واحد في الثانية‏,‏ وهي نفس سرعة سبحه حول الأرض في مدار به دائري يقدر طوله بنحو‏2.4‏ مليون كيلومتر لتتم هذه الدورة في أكثر قليلا من السبعة والعشرين يوما‏(27.3217‏ يوم‏),‏ ولكن نظرا لسبح الأرض حول الشمس في نفس الوقت مما يؤدي إلي تباعد نقطة البداية في كل دورة قمرية عن سابقتها فان القمر يتم دورته الشهرية فعلا في نحو‏29.5‏ يوم‏(29.5309‏ يوم‏)‏ هي مدة الشهر القمري‏;‏ ويقدر متوسط بعد القمر عن الأرض بنحو‏384‏ ألف كيلومتر‏,‏ وبذلك يكون يوم القمر هو الشهر القمري للأرض‏,‏ وهو يوم يقدر طول كل من ليله ونهاره بنحو‏14.5‏ يوم أرضي‏.‏
ويشترك في تحديد الشهر القمري كل من الشمس‏,‏ والقمر‏,‏ والأرض باوضاعها المحددة بالنسبة لبعضها البعض‏,‏ وكل من حركاتها الحقيقية‏,‏ والظاهرية‏;‏ فالقمر في سبحه في مداره حول الأرض‏,‏ وهو يواجهها بوجه واحد يتم دورته في شهر قمري يتراوح طوله بين‏30,29‏ يوما‏(‏ بمتوسط‏29.53‏ يوم فيبدأ بالخروج من دور المحاق‏(‏ طور الاقتران‏),‏ وبميلاد الهلال الجديد‏,‏ ثم بزيادة مساحة الجزء المنير من سطح القمر بالتدريج يتحرك إلي التربيع الأول‏,‏ ثم الأحدب الأول‏,‏ ثم البدر الكامل‏(‏ طور الاستقبال‏),‏ وبعد ذلك تبدأ مساحة الجزء المنير من سطح القمر في التناقص بالتدريج إلي الأحدب الثاني‏,‏ ثم التربيع الثاني‏,‏ ثم الهلال الأخير حتي يدخل في طور المحاق‏,‏ فيختفي نور القمر بالكامل لمدة يوم أو يومين حسب طول الشهر القمري‏,‏ ويعاود الظهور في أول الشهر القمري التالي بميلاد هلال جديد‏,‏ وهكذا إلي أن يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الكون بما فيه‏,‏ ومن فيه‏.‏

والأرض تسبح حول الشمس في فلك محدد لها‏(‏ ومعها قمرها‏)‏ لتتم دورة كاملة في سنة شمسية يقدر طولها في زماننا الراهن بنحو‏(365.25‏ يوم‏)‏ موزعة علي إثنتي عشر شهرا بعد بروج السماء‏.‏
ونظرا لميل محور دوران الأرض فإن فصول السنة تتبادل‏:‏ الربيع‏,‏ والصيف والخريف‏,‏ والشتاء‏,‏ وذلك بتقدير العزيز الحكيم‏.‏

ولقد شاءت إرادة الله الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ أن يتحدد يوم الأرض‏(‏ بليله ونهاره‏)‏ عن طريق دوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏,‏ وأن يتحدد شهر الأرض القمري بواسطة دورة القمر الشهرية حول الأرض‏,‏ ويتحدد شهرها الشمسي عن طريق بروج السماء‏,‏ وأن يقسم شهرها القمري إلي أسابيع‏,‏ وأيام بواسطة منازل القمر‏,‏ وأطواره المتتالية في كل شهر‏.‏
والسنة القمرية هي الفترة الزمنية التي يتم فيها القمر اثنتي عشرة دورة كاملة حول الأرض‏,‏ ويستغرق ذلك‏(354.37‏ يوم‏),‏ وكسر اليوم يجمع ليكون يوما في كل ثلاث سنوات تقريبا‏,‏ ومن هنا اعتبرت السنة القمرية البسيطة‏354‏ يوما‏,‏ والكبيسة‏355‏ يوما‏;‏ بينما تستغرق السنة الشمسية‏365.25‏ يوم‏.‏

ومن الناحية الشرعية فإن الشهر القمري يبدأ برؤية الهلال الجديد بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين أو الثلاثين من الشهر القمري السابق‏,‏ وينتهي برؤية الهلال الجديد الذي يليه بعد غروب شمس التاسع والعشرين أو الثلاثين منه‏;‏ وعلي ذلك فإن الفترة الزمنية للشهر القمري تكون عددا صحيحا من الأيام‏,‏ إما تسعة وعشرين يوما‏,‏ أو ثلاثين يوما‏.‏
ومن المعلوم أن الطول الفعلي للشهر القمري يتراوح بين‏(29‏ يوما‏,5‏ ساعات‏),‏ و‏(29‏ يوما‏,19‏ ساعة أو أكثر قليلا‏),‏ وعلي ذلك فإن مدته الوسيطة تقدر بنحو‏(29‏ يوما‏,12‏ ساعة‏,44‏ دقيقة‏),‏ وانطلاقا من ذلك فإن الأشهرالكاملة قد تتوالي مرة أو مرتين‏,‏ كما قد تتوالي الأشهر الناقصة مرة أو مرتين‏,‏ وسطح الأرض منقسم إلي قسمين يفصل بينهما خط اتحاد المطالع‏,‏ وجميع الأماكن التي تقع إلي الغرب من هذا الخط إذا رأت الهلال بدأ عندها الشهر القمري الجديد من اليوم التالي للرؤية‏,‏ بينما جميع الأماكن الواقعة إلي الشرق من خط اتحاد المطالع فإنها لاتري الهلال إلا في اليوم التالي‏.‏

واليوم يبدأ في التقويم القمري من غروب الشمس إلي غروبها التالي‏,‏ وبذلك يكون الليل سابقا للنهار‏;‏ وفي التقويم الشمسي يبدأ اليوم من منتصف الليل إلي منتصفه التالي‏.‏
وعلي ذلك فقد أصبحت حركات كل من الأرض والقمر والشمس معلومة لنا بدقة كبيرة لدرجة أن الساعات الزمنية تضبط اليوم علي حركاتها‏,‏ وصدق الله العظيم الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق‏:‏ فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم‏(‏ الأنعام‏:96).‏

وصدق ربنا‏(‏ العزيز الحكيم‏)‏ الذي أنزل كذلك قوله الحق‏:‏ والشمس والقمر بحسبان‏(‏ الرحمن‏:5).‏
أي بحساب محكم دقيق يعين الإنسان علي إدراك الزمن وحسابه والتأريخ للأحداث‏,‏ وأداء العبادات‏,‏ والحقوق‏,‏ ولولا ذلك لتعذرت الحياة علي الأرض‏,‏ وهي قضايا لم يدركها الإنسان إلا في أزمنة متأخرة بقرون طويلة بعد تنزل القرآن الكريم‏,‏ مما يقطع بأنه كلام الله الخالق‏,‏ ويشهد بالنبوة‏,‏ والرسالة للرسول الخاتم الذي تلقاه بحق‏,‏ وأبلغه بأمانة‏,‏ وصدق‏,‏ وجاهد في سبيله حتي أتاه اليقين‏,‏ فصل الله وسلم وبارك عليه‏,‏ وعلي آله وصحبه‏,‏ ومن تبع هداه‏,‏ ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏..‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏