- الشيخ سيد عسكر: تجسيد الأنبياء يحط من قدرهم

- الشيخ المختار المهدي: الأقباط ملتزمون بإسلامية مصر

- د. رفيق حبيب: رفض الأزهر نابع من تحريم تجسيد الأنبياء

- جمال أسعد: الفيلم يثير لغطًا بين الطوائف المسيحية في مصر

كتب- أحمد الطهطاوي

أثار مشروع إنتاج فيلم مصري يجسِّد حياةَ السيد المسيح عيسى ابن مريم- عليهما السلام- عاصفةً من الجدل لم تهدأ بعد حتى يتم البتُّ نهائيًّا في مشروعية هذا العمل الذي رفضه مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بشكل قاطع، فيما اعتبر "رجال دين" وناشطون أقباط أن الأزهر تدخَّل فيما لا يعنيه، مؤكدين أن تصوير حياة المسيح ليس مرفوضًا في المسيحية، مع الإشارة إلى أن بعض الكنائس تنتج أعمالاً فنيةً مسرحيةً وسينمائيةً داخليةً يتم فيها تجسيد حياة المسيح.

ورد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بأن المسيح لا يخصُّ المسيحيين وحدهم، وأنه أحد أنبياء الله الذين يؤمن المسلمون بهم، موضحًا أن الإيمان بالأنبياء والرسل جزءٌ من العقيدة الإسلامية.

(إخوان أون لاين) رصد هذا الجدل الدائر في الأوساط المصرية في التحقيق التالي:

في البداية يؤكد الشيخ السيد محمد عسكر- عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في مجلس الشعب والأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر "سابقًا"- أن الأنبياء لهم عند المسلمين منزلةٌ خاصةٌ، فالعقيدة الإسلامية تُلزمنا بأن نعظِّم جميع الأنبياء والمرسلين، والسيد المسيح على الأخص؛ لأنه من أولي العزم، فله منزلةٌ خاصةٌ، ومسألة تجسيد الأنبياء- سواءٌ رسمًا أو تجسيدًا بالتمثيل- يحطُّ من قدرهم.

ويتساءل مستنكرًا: مَن يستطيع أن يجسد شخصية نبي من الأنبياء؟! هل نأتي مثلاً بممثل جسَّد في الماضي (أو مستقبلاً) شخصية صعلوك أو مجرم في عمل فني سابق وارتبط في أذهان الناس بهذه الصورة ليجسِّد شخصية نبي من أنبياء الله؟! ويضيف: هذا طبعًا لا يجوز مطلقًا؛ لأنه وضعٌ لا يليق بخير البشر الذين خصَّهم الله- عز وجل- بحمل رسالة الدعوة إلى الله.

ويرفض د. محمد المختار المهدي- رئيس الجمعية الشرعية في مصر- تجسيد شخصية السيد المسيح عيسى ابن مريم- عليهما السلام- في أي عمل فني، ويقول: إن الإسلام يحثنا على احترام جميع الرسل والأنبياء، فلا يصح امتهان قداسة الرسل وكرامتهم، بأن يمثل أشخاصَهم أناسٌ لن يرتقي سلوكهم مهما كان إلى سلوك الأنبياء والرسل.

وحول معارضة بعض "رجال الدين" الأقباط رفضَ الأزهر لمشروع الفيلم قال د. المختار المهدي: إن مصر دولةٌ إسلاميةٌ، تحترم جميع الأديان السماوية، ولا بد أن يحترم الإخوة الأقباط رأيَ الأغلبية، والهدف في النهاية هو الحفاظ على شخص النبي عيسى من أية إساءة.

فتاوى قديمة

وقال مصدر في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: إن هناك فتاوى أصدرها المجمع في السابق ترفض تصوير الأنبياء أو كبار الصحابة؛ لأن تصوير النبي أو الصحابي ينتقل به في تصور الذهن البشري من المطلق إلى المحدود.

وأكد اعتراض الأزهر على تصوير المسيح في فيلم سينمائي أو أي عمل فني آخر؛ "لأن النبي في الفكر الإسلامي يكون على أكمل ما تكون الكمالات الإنسانية، وهو معصوم من ارتكاب الأخطاء".

وأشار إلى أن مشيخة الأزهر طلبت رسميًّا من البرلمان المصري إصدار تشريع يجرِّم الفتوى من غير المتخصصين، فيما رفض الشيخ محمود عاشور- وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية- علاج قضية الإفتاء بقانون؛ لأن هناك كثيرًا من المشكلات التي تستجد في حياة الناس وتتطلَّب رأيَ الدين فيها، كما أن المشرع الإسلامي لا يضيق على الناس، وبالتالي يمكن القضاء على مشكلة البلبلة في الفتاوى عبر الفضائيات بأن يُطلب من القائمين على أمر هذه القنوات انتقاء الأشخاص الذين يُفتون للناس ويصدرون لهم الأحكامَ بأن يكونوا من العلماء الدارسين لعلوم الدين ومن المؤهَّلين للفتوى ومن خلال التنسيق مع المؤسسة الدينية، سواءٌ الأزهر أو دار الإفتاء.

ويتفق د. رفيق حبيب- الباحث والمفكر القبطي- مع رأي الشيخ مختار المهدي في رفض فكرة تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية بشكل عام، ويقول: إن هذه الشخصيات لها مكانتها ومنزلتها في قلوب أتباعها أيًّا كانت الشخصيات التي يمكن أن تقوم بهذه الأدوار، فهي لا ترقى أبدًا لمكانة الأنبياء والرسل، فالمسألة يجب أن تُحظر قطعيًّا، ونسبة الوقائع ربما تكون غير دقيقة أو مجزَّأة وربما تخلُّ بالمعنى والقيمة والمكانة فضلاً عن التصور والاعتقاد.

وحول الجدل الثائر بين علماء الدين المسلمين و"رجال الدين" الأقباط حول أحقية اعتراض الأزهر على الفيلم ومعارضة الأقباط لتدخل الأزهر فيما يصفونه بأنه "شأن خاص بهم" يؤكد د. حبيب أن الخلاف العقائدي بين المسلمين والمسيحيين يُلقي بظلاله على كلا الفريقين، وبالتالي فمسألة تجسيد الأنبياء يجب حظرها قطعيًّا حتى لا نفتح بابًا للخلافات.

قضية الصلب

على الجانب الآخر المؤيد لمشروع الفيلم يؤكد الناشط السياسي القبطي جمال أسعد أن إنتاج فيلم يصور حياة وآلام المسيح ليس الأول من نوعه، لكنه الفيلم رقم 30 على مستوى العالم، ويأخذ هذا الفيلم أهميتَه باعتباره أول فيلم مصري عربي يُنتَج عن السيد المسيح، مشيرًا إلى أن الأزهر يعترض عليه من منطلق عدم إجازة تصوير الأنبياء والرسل، بالإضافة إلى قضية خلافية أخرى ستُثَار وهي صلب السيد المسيح، فالفيلم لا يستطيع إسقاط واقعة الصلب؛ ولذلك سيواجه باعتراض على إنتاج فيلم مصري يعرض واقعة الصلب.

ويشير جمال أسعد إلى أن منتجي الفيلم أعلنوا أنه سيكون فيلمًا أرثوذكسيًّا مصريًّا، وهو ما يثير اعتراض الطوائف المسيحية الأخرى كالكاثوليك والبروتستانت، خاصةً أن الكنيسة الأرثوذكسية اشترطت مراجعتها للفيلم.

ويتحفَّظ أسعد بشدة على الاعتراضات الدائرة حول الفيلم قبل البدء في كتابته واختيار الممثلين، مشيرًا إلى أنه لا وجهَ لاعتراض الأزهر؛ لأن الفيلم يصوِّر حياة المسيح من وجهة نظر مسيحية وهذا جائز في المسيحية، وليس من حق الأزهر الاعتراض على وجهة نظر تخص عقيدة الآخر، خاصةً أن المسيحيين يؤمنون بواقعة الصلب، وهم أحرار في إيمانهم.

كما يعترض أسعد على فكرة عرض الفيلم ومراجعته من جانب الكنيسة القبطية، مؤكدًا أن العمل الفني لا يجوز الرقابة عليه، وإصرار الكنيسة على مراجعته هو نوعٌ من فرض الرقابة والوصايا الكنسية على الأعمال الإبداعية؛ لأن القضايا الدينية ملكٌ للبشر وليست حكرًا على أحد.

ويرى أن الخلاف حول الفيلم يعني أن المناخ الطائفي في مصر لا يقتصر على المسيحي والمسلم فقط، بل يمتد داخل الدين الواحد بشكل متوتر؛ لأن الفيلم أحدث لغطًا بين الطوائف المسيحية المختلفة في مصر، ولا بد من إدارة حوار حقيقي في قبول كل منا للآخر، وتوقع أن تؤدي الخلافات والجدل الدائر إلى إيقاف مشروع إنتاج الفيلم؛ خوفًا من إثارة مواقف عقائدية أو لاهوتية أو قضائية.

وفي نفس السياق قال القس ثيؤدوثيوس أفامينا- سكرتير الأنبا دوماديوس ومطران الجيزة-: إنه ما دام الفيلم لا يسيء إلى المقدسات (سواءٌ للطوائف المسيحية أو عقائد الآخرين) فلا وجهَ للاعتراض على إنتاجه؛ لأن هناك عددًا كبيرًا من الأفلام الأجنبية تعرضت لحياة السيد المسيح وصلبه، كما توجد صورٌ مرسومةٌ للسيد المسيح والعذراء وتلاميذ السيد المسيح منذ ألفَي عام ولا تزال متداولةً بين المسيحيين في جميع أنحاء العالم، ولم تطالب أي عقيدة أخرى بوقف طباعتها أو توزيعها.

وأشار إلى التنسيق الكامل بين الكنيسة ومنتج ومخرج الفيلم ليس من باب الوصاية على الإبداع أو الرقابة، وإنما لكي يخرج الفيلم مطابقًا لتعاليم الكتاب المقدس، وتمت مراجعته من قبل الكنيسة، موضحًا أن ورود عبارة "تمت مراجعته من الكنيسة القبطية" على الفيلم تعطي مصداقيةً وثقةً أنه فيلم مطابق للإنجيل ولا يسيء للآخرين، كما يعطي مصداقيةً لأصحاب الفيلم بحيث يقبل على مشاهدته المسيحيون من كل العالم.

الرقابة

وحول الخطوات الفعلية في مشروع تصوير الفيلم قال السيناريست المصري فايز غالي- المكلف بكتابة السيناريو والحوار، في حوار له على شبكة الإنترنت-: إن الفيلم لم يُكتَب بعد، وأوضح أنه هو الذي كتب المعالجة، وهو موجود الآن في الرقابة ونحن في انتظار موافقتها.

وأضاف أن المعالجة تضم قصة حياة المسيح منذ ولادته وحتى صعوده إلى السماء بكل التفاصيل، مشيرًا إلى أن المشروع في مراحله الأولى واختيار النجوم من حقِّ مخرج الفيلم سمير سيف، موضحًا أنه تم رصد 30 مليون جنيه ميزانيةً مبدئيةً لتنفيذ هذا العمل الضخم.

والسؤال الذي يطرح نفسه: أيظهر هذا الفيلم للنور ويكون إشارةً لظهور نوعية الأفلام التي تتناول الرسول والصحابة وغيرهم من الرسل.. أم يستطيع الأزهر والمؤسسة الدينية أن تحافظ علي هيبة أنبياء الله ومنعهم من الظهور؟!.. الأيام القادمة حُبلى بالكثير من المفاجآت التي ستظهر في هذه القضية.

http://www.ikhwanonline.com/Article....87&SectionID=0