تأثير «تلفزيون الواقع» على الشباب الجامعي؟
عبد القادر الأسمر
ما هي أصول تلفزيون الواقع؟ هل يتلاءم مع مجتمعاتنا العربية والمحلية ؟
وكيف يتفاعل المشاهد مع هذا النمط الجديد من البرامج ؟
وهل هي تمارس نوعاً من التأثير المباشر عليه ؟ وما هي مستويات هذا التأثير؟
وهل يبقى رمزياً وسطحياً ام انه يتحول الى سلوك ؟
وما هي المتغيرات الواضحة والمؤشرات الاجتماعية التي أدى تلفزيون الواقع الى تغييرها؟

********
هذه الأسئلة تمثل اشكالية البحث الذي قدمه الطالب محمد اسماعيل في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية الفرع الثالث بطرابلس لنيل شهادة الجدارة في فرع علم اجتماع المعرفة والثقافة، تحت عنوان «تأثير تلفزيون الواقع على الشباب الجامعي في الشمال» - نموذج ستار اكاديمي 2 - بإشراف الدكتور فردريك معتوق.

وقد قسم محمد اسماعيل بحثه الى قسمين، أولهما قسم نظري تحدث فيه عن أسباب اختيار الموضوع واشكالية البحث والفرضيات والمنهج والتقنيات والاطار الزماني والمكاني والصعوبات البحثية.

واشار الى ان «تلفزيون الواقع» يقوم على مبدأ تصوير حياة مجموعة من الناس (من الجنسين) يفرض عليهم العيش في مكان مشترك لمدة معينة، وينقل على مدار الساعة حياتهم بالتفاصيل المملة، فيعيش المشاهد معهم كأنه واحد منهم. وهذه الفكرة أوروبية النشأة، لكنها صارت حديث الساعة في لبنان والبلاد العربية، وشهدت ضجة اعلامية جذبت مختلف اطياف المجتمع وبخاصة الشباب.

وقال ان من دواعي هذا البحث رصد تحول هذه الظاهرة الاعلامية الى ظاهرة اجتماعية، لمعرفة مدى تفاعل المجتمع معها، وبخاصة النخبة المثقفة، في اطار السؤال العريض «لماذا يشاهد الشباب الجامعي في شمال لبنان برنامج ستار اكاديمي؟».

ووضع في اطار هذا السؤال مجموعة فرضيات حاول الباحث اثباتها او نفيها انطلاقاً من الدراسة الميدانية التي قام بها على عيّنة عشوائية تمثل مائة طالب من كليتي الآداب والعلوم في فروع الشمال الجامعية، وزعت عليهم استمارات جرى فرزها، وتمخضت عنها النتائج التالية:

74% من الطلاب كانوا يؤيدون شخصية معينة من برنامج ستار اكاديمي، و26% منهم لا يميلون الى أحد.

65% معجبون بطريقة التصرف والحركات التي يقوم بها «بطلهم» و13% معجبون بقصة شعره، و12% مهتمون بطريقة لباسه.

11% أكّدوا محاولتهم تقليد شخصياتهم المفضلة بالحركات والتصرفات واللباس وقصة الشعر.

66% من الاجابات أجمعت على أن تلفزيون الواقع يحمل في تركيبته عدداً من المفاهيم الغربية، ما يدل على ان أصحابها يتعاملون بقدر كبير من الحذر والنقد مع مثل هذه البرامج.

أكّد 43% من أفراد العينة أن تلفزيون الواقع يساهم مباشرة في نشر مفهوم المساكنة، ويدعو الى تقبلها.

رأى 69% من الطلاب انهم لا يتمسكون بما ينشره تلفزيون الواقع، ما يؤكّد عدم تأثره بمفاهيمه وطروحاته.

اما عن الأسباب التي دفعتهم الى متابعة ستار اكاديمي، فيعزو 88% ذلك الى ملء وقت الفراغ.

وأكّد 10% انهم كانوا يصوّتون لصالح «بطلهم» المفضل، ورفض 90% منهم التصويت.

اعتبر 66% من العينة أن أبطال ستار اكاديمي لا يمثلون الشباب اللبناني، في حين رأى 34% انهم يمثلون طموحات الشباب وآماله.

ويشير 70% الى ان هذا البرنامج يعبر عن الممنوع في الشارع الشمالي وبخاصة مفهوم المساكنة، ونشر المفاهيم الغربية النافرة.

وفي المقابل يصرح 62% بأنهم مهتمون بالنمط الفني للبرنامج وبالأغاني التي تقدم فيه وبلوحاته الاستعراضية.

ويؤكد 60% ان البرنامج يسهم في تراجع الذوق الفني، ويعمد لبسط نمط فني غربي يركز على الرقص والديكور الجذاب وجمال المظهر على حساب الصوت.

وأقر 46% بأنهم لا يستفيدون شيئاً من هذا البرنامج، ورأى 32% انه يندرج في اطار التسلية و23% لملء أوقات الفراغ


وختم الطالب محمد اسماعيل بحثه بالإشارة الى ان الدراسة الميدانية أكدت ان تلفزيون الواقع هو أسوأ أداة تدجين وأكثرها عنفاً في سلب احلام الناس، ويتوسل الحلم والتطفل والمراقبة والتماهي مع «ابطال» البرنامج، وهو يلغي الآخر معنوياً.

ويضيف: وما يشد المشاهد دون ادراكه، هو التحول الذي ينجز امام عينيه بفعل سحر الواقع الذي يحوّل اناساً عاديين مختارين من الحياة الحقيقية الى هرة سهلة المنال وجاهزة الصنع، ونتحول في مجتمعاتنا رويداً رويداً الى مخدوعين، في حين تستطيع الغالبية منهم التملص من تأثيرات هذا البرنامج وامثاله بعد ان انكشفت خدعه وأساليبه وأهدافه، ومن أبرزها سلب المتصلين بالتلفزيون اموالهم لصالح معدي هذا البرنامج.


ويبقى التساؤل الأخير: هل يصمد الشباب أمام موجة التحديات الفكرية والثقافية والاجتماعية التي يطرحها تلفزيون الواقع ؟! والى متى؟