تناقضات قصة الرؤية والنبوة المزعومة
زعم بولس أنه لقي المسيح بعد ثلاث سنوات من رفعه، حين كان متجهاً إلى دمشق، لكن عند التحقيق في قصة رؤية بولس للمسيح يتبين أنها إحدى كذبات بولس وأوهامه، ودليل لذلك يتضح بالمقارنة بين روايات القصة في العهد الجديد، حيث وردت القصة ثلاث مرات: أولاها في أعمال الرسل (9/3-22)، من رواية لوقا أو كاتب سفر الأعمال، والثانية من كلام بولس في خطبته أمام الشعب (انظر أعمال 22/6-11)، والثالثة أيضاً من رواية بولس أمام الملك أغريباس (انظر أعمال 26/12-18)، كما أشار بولس للقصة في مواضع متعددة في رسائله.
و لدى دراسة القصة في مواضعها الثلاث يتبين تناقضها في مواضع:
1- جاء في الرواية الأولى (أعمال 9) "وأما الرجال المسافرون معه، فوقفوا صامتين يسمعون الصوت، ولا ينظرون أحداً" (أعمال 9/7)، بينما جاء في الرواية الثانية (أعمال 22): "الذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا، ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني" (أعمال 22/9)، فهل سمع المسافرون الصوت ؟ أم لم يسمعوه؟.
2- جاء في الرواية الأولى والثانية أن المسيح طلب من بولس أن يذهب إلى دمشق حيث سيخبَر هناك بالتعليمات: "قال له الرب: قم وادخل المدينة فيقال لك: ماذا ينبغي أن تفعل" (أعمال 9/6)، وفي الثانية: " قلت ماذا أفعل يا رب؟ فقال لي الرب: قم واذهب إلى دمشق وهناك يقال لك عن جميع ما ترتب لك أن تفعل" (أعمال 22/10).
بينما يذكر بولس في الرواية الثالثة (أعمال 26) أن المسيح أخبره بتعليماته بنفسه، فقد قال له: "قم وقف على رجليك، لأني لهذا ظهرت لك، لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت وبما سأظهر لك به، منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم…" (أعمال 26/16-18).
3- جاء في الرواية الثانية أن المسافرين مع بولس "نظروا النور وارتعبوا" (أعمال 22/9)، لكنه في الرواية الأولى يقول: "ولا ينظرون أحداً" (أعمال 9/7).
4- جاء في الرواية الأولى والثانية أن بولس "وحده سقط على الأرض" (أعمال 9/4)، بينما المسافرون وقفوا، وفي الرواية الثالثة أن الجميع سقطوا، فقد جاء فيها "سقطنا جميعاً على الأرض" (أعمال 26/14).
5- جاء في الرواية الأولى "أن نوراً أبرق حوله من السماء" (أعمال 9/3)، ومثله في الرواية الثانية (انظر أعمال 22/6)، غير أن الرواية الثالثة تقول: "أبرق حولي وحول الذاهبين معي" (أعمال 26/13).
فحدث بهذه الأهمية في تاريخ بولس ثم النصرانية لا يجوز أن تقع فيه مثل هذه الاختلافات، يقول العلامة أحمد عبد الوهاب: "إن تقديم شهادتين مثل هاتين (الرواية الأولى والثالثة) أمام محكمة ابتدائية في أي قضية، ولتكن حادثة بسيطة من حوادث السير على الطرق لكفيل برفضهما معاً، فما بالنا إذا كانت القضية تتعلق بعقيدة يتوقف عليها المصير الأبدي للملايين من البشر" ( )، إذ بعد هذه الحادثة أصبح شاول الرسول بولس مؤسس المسيحية الحقيقي.
لكن إذا أردنا تحليل الهدف الذي جعل بولس يختلق هذه القصة فإنا نقول: يبدو أن بولس اندفع للنصرانية بسبب يأسه من هزيمة أتباع المسيح، فقد رآهم يثبتون على الحق رغم فنون العذاب الذي صبه عليهم، وهذا الشعور واضح في قول بولس أن المسيح قال له: "صعب عليك أن ترفس مناخس" (أعمال 26/14).
و يُستغرب هنا كيف ينقل شخص من الكفر والعداوة إلى القديسية والرسالة من غير أن يمر حتى بمرحلة الإيمان، فمن الممكن تصديق التحول من فرط العداوة إلى الإيمان، أما إلى النبوة والرسالة من غير إعداد وتهيئة فلا، ومن المعلوم أن أحداً من الأنبياء لم ينشأ على الكفر، فهم معصومون من ذلك.
و لنا أن نتساءل كيف لبولس أن يجزم بأن من رآه في السماء وكلمه كان المسيح وليس غيره، إذ هو لم يلق المسيح طوال حياته.

ب. نفاقه وكذبه
و من الأمور التي وقف عليها المحققون في شخصية بولس تلونه ونفاقه واحترافه للكذب في سبيل الوصول لغايته.
فهو يهودي فريسي ابن فريسي (انظر أعمال 23/6)، لكنه عندما خاف من الجلد قال: "أيجوز لكم أن تجلدوا إنساناً رومانياً" (أعمال 22/25).
وبولس يستبيح الكذب والتلون للوصول إلى غايته فيقول: "صرت لليهود كيهودي … وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس … وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس … صرت للكل كل شيء" (كورنثوس (1) 9 /20-21).
ويستبح بولس الكذب فيقول: "إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان بعد كخاطئ" (رومية 3/7).
ومن نفاقه وتلونه تزلفه لحكام روما الوثنيين واعتبارهم وسائر الحكام سلاطين موضوعين من قبل الله، ويمضي فيجعل الضرائب والجزية التي يفرضونها حقاً مشروعاً لهم، فيقول: " لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله، حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة...فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضاً، إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه. فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام " (رومية 13/1-7).

ج. غروره
و تمتلئ رسائل بولس بثنائه على نفسه ومن ذلك قوله: "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان، بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات" (غلاطية 1/1)، وفي رسالة أخرى يقول: "بولس عبد الله ورسول يسوع المسيح…و إنما أظهر كلمته الخاصة بالكرازة التي أؤتمنت أنا عليها بحسب أمر مخلصنا الله" (تيطس 1/1-3).
و يظن بولس أن عنده روح الله فيقول : "أظن أني أنا أيضاً عندي روح الله" (كورنثوس (1) 7/40).
و يرتفع بنفسه إلى درجة القديسين الذين - كما يرى - سيدينون العالم بما فيهم الملائكة فيقول: "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟…ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة" (كورنثوس (1) 6/2-3) فهو سيدين الملائكة الذين كان قد ذكر بأن المسيح دونهم بقليل (انظر عبرانيين 2/9)، ويقول أيضاً مفاخراً بنفسه: "اختارنا الله قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة" (أفسس 1/4).

د. عدم تلقيه الدين والهدي من تلاميذ المسيح
ورغم أن بولس لم يلق المسيح فإنه يعتبر نفسه في مرتبة التلاميذ، لا بل يفوقهم "الإنجيل الذي بشرت به، إنه ليس بحسب إنسان، لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته، بل بإعلان يسوع المسيح…لم استشر لحماً ولا دماً، ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي، بل انطلقت إلى العربية (شمال جزيرة العرب) ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس" (غلاطية 1/11-18).
ويؤكد بولس على تميزه عن سائر التلاميذ وانفراده عنهم، و يصفهم بالإخوة "الكذبة المدخلين خفية، الذين دخلوا اختلاساً … الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة، فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا علي بشيء، بل على العكس إذ رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة، كما بطرس على إنجيل الختان" (غلاطية 2/4-7).
و هكذا يؤكد بولس بأن ما يحمله في تبشيره لم يتلقاه عن تلاميذ المسيح، بل هو من الله مباشرة.

اعترافات نصرانية بابتداع بولس لما قدمه
و يتساءل المحققون لماذا لم يذهب بولس بعد تنصره مباشرة إلى التلاميذ ليتلقى عنهم دين المسيح؟ بل ذهب إلى العربية ومكث بعيداً عن التلاميذ ثلاث سنين، ثم لقي اثنين منهم فقط لمدة خمسة عشر يوماً. (انظر غلاطية 1/18-19).
تقول دائرة المعارف البريطانية في الإجابة عن هذا السؤال: "إن ارتحاله إليها كان لحاجته إلى جو هادئ صامت يتمكن فيه من تفكير في موقفه الجديد، وإن القضية الأساس عنده هي تفسير الشريعة حسب تجاربه الحديثة".
و يقول المؤرخ جامس كينون في كتابه "من المسيح إلى قسطنطين": "إنه ارتحل بعد تحوله الفكري إلى العربية، وكان الغرض المنشود من وراء ذلك - كما يبدو من التبشير- أن يدرس مضمونات عقيدته الجديدة، ثم ذهب بعد ذلك بثلاثة أعوام إلى أورشليم حتى يجتمع ببطرس ويعقوب".
و يبرر جامس كينون موقف بولس فيقول: "كان بولس يؤمن أن الله قد وهبه ميداناً محدداً للعمل، ولا يجوز لرجل أن يتدخل في شئونه مادام روح الله بدورها هادية له". ( )