محمد القدوسى : بتاريخ 28 - 10 - 2005
هناك بعد غائب، ولعله البعد الأكثر أهمية، عن أحداث الفتنة الطائفية التى فجرها عرض مسرحى مسيئ للإسلام قدمته ـ وصورته وطبعته على أقراص مدمجة "C.D." ـ كنيسة "مارجرجس" بمحرم بك بالإسكندرية، ذلك هو البعد التشريعى، الذى كان ينبغى الالتفات إليه فور وقوع الفتنة، فالحفاظ على أمن الوطن وتماسكه هو أول وأهم وظائف القانون، وبديهى أن نبحث عن "الخلل التشريعى" عندما تختل هذه الوظيفة.
وفى حالتنا لا يحتاج البحث عن الخلل التشريعى إلى جهد كبير، فالموضوع ـ من الناحية القانونية ـ لا يعدو أن يكون تقديم عمل فنى قبل الحصول على تصريح بعرضه من الجهة المختصة، وهى "الرقابة على المصنفات الفنية"، إذ كان يجب أن يتم عرض النص على الرقابة، فإذا أجازته بدأت "البروفات" التى يحق للرقابة أن تتابعها، وأن تبدى ما تراه من ملحوظات عليها، ثم لها بعد ذلك أن تتابع العمل طوال مدة عرضه، ومن حقها أن تتخذ الإجراءات القانونية فى حالة الخروج على النص أو الابتذال أو أية مخالفة أخرى، وعلى الجهة المسئولة عن العرض أن تلتزم بتعليمات الرقابة حتى لا تتخذ ضدها الإجراءات القانونية.
هذا عن عرض العمل الفنى، أما تسجيله وتوزيعه فيحتاج إلى تصريح رقابى مستقل، وربما صرحت الرقابة بمشهد أو بكلمة فى العرض المسرحى أو السينمائى وحظرت المشهد نفسه أو الكلمة ذاتها عند الترخيص بتسجيل العمل وتوزيعه على الشرائط والأقراص المدمجة وغيرها من الوسائط.
وبديهى أن الرقابة على المصنفات الفنية ما كان يمكن أن تصرح بعرض العمل الذى أثار الفتنة، ومن باب أولى لم تكن لتصرح بتسجيله وتوزيعه، وبديهى أيضا ـ وبنص القانون ـ أن الكنيسة، وهى مؤسسة مصرية ذات طبيعة دينية، كان عليها أن تلتزم بالقانون وتعرض نص المسرحية على الرقابة، وتمكنها من متابعة البروفات والعرض، وتستأذنها قبل تسجيل العمل، وأرجوكم لا تزعموا أن الكنيسة لم تسجل المسرحية التى تزعم أنها عرضت عرضا محدودا بداخلها لليلة واحدة، أرجوكم قولوا كلاما معقولا أو حددوا "العفاريت" و"الجهات المجهولة" التى سجلت المسرحية بدون علم الكنيسة، ثم خزنت التسجيل عامين كاملين قبل أن تطبعه وتوزعه، وفى كل الأحوال فمن المستحيل أن تكون هذه الجهة المجهولة هى "الإخوان المسلمون" أو أية هيئة أو جماعة إسلامية أخرى، إذ لو تمكنت هذه الجهة الإسلامية من اختراق الكنيسة لدرجة تسجيل المسرحية بدون علم مسئوليها، لما كان المسلمون الغاضبون من ابتذال المسرحية فى حاجة إلى التظاهر أمام الكنيسة تعبيراً عن غضبهم، فما الذى يدعوهم إلى "التظاهر" ماداموا قادرين على الاختراق؟
الخلاصة أن ما حدث قد حدث، وأن جماعة من "الحمقى" فجرت فتنة" كادت الأمة أن تحترق بنارها، وعلى العقلاء أن يطفئوها، وأن يضعوا الضمانات التى تمنع تكرار الفتنة، تمنع "الحمقى" من اللعب بالنار. وتفعيل القانون يمثل ضمانة أساسية لاستقرار المجتمع، وعليه يجب أن يخضع الجميع لقواعد الرقابة على المصنفات الفنية: المسارح ودور السينما والعروض التليفزيونية والإذاعية، وعروض النوادى والمدارس والجامعات والمؤسسات الدينية، ومن غير المقبول أن تستثنى الكنائس من تطبيق القانون ـ أى قانون ـ فهى ليست "دولة داخل الدولة"، وفضلاً عن أن هذا الاستثناء يخل بمبدأ دستورى هو المساواة أمام القانون، فإنه يجعل الكنيسة هى المسئولة ـ وحدها ـ عن تبعات أى تصرف تقوم به خارج إطار القانون.
http://www.almesryoon.com/ShowDetail...ID=6577&Page=1
المفضلات