شرح النووى:
قال العلماء:
وقصته مشكلة-أى ابن صياد- وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره؟ ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة.
قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره وإنما أوحي إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر رضي الله عنه: إن يكن هو فلن تستطيع قتله.
وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو، وأن لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض ومن اشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكذابين.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أتشهد أني رسول الله" ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب، وأنه يرى عرشاً فوق الماء، وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال وأنه يعرف موضعه. وقوله: إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الاَن وانتفاخه حتى ملأ السكة. وأما إظهاره الإسلام وحجه وجهاده وإقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجال.
قال الخطابي: واختلف السلف في أمره بعد كبره فروي عنه أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس وقيل لهم اشهدوا،
قال: كان ابن عمر وجابر فيما روي عنهما يحلفان أن ابن صياد هو الدجال لا يشكان فيه فقيل لجابر إنه أسلم فقال وإن أسلم، فقيل إنه دخل مكة وكان في المدينة، فقال وإن دخل. وروى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة. وهذا يعطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلى عليه.
وقد روى مسلم في هذه الأحاديث أن جابر بن عبد الله حلف بالله تعالى أن ابن صياد هو الدجال، وأنه سمع عمر رضي الله عنه يحلف على ذلك عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبيّ صلى الله عليه وسلم. وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول: والله ما أشك أن ابن صياد هو المسيح الدجال. قال البيهقي في كتابه البعث والنشور: اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافاً كثيراً هل هو الدجال؟
قال: ومن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة الذي ذكره مسلم بعد هذا، قال: ويجوز أن توافق صفة ابن صياد صفة الدجال كما ثبت في الصحيح أن أشبه الناس بالدجال عبد العزى من قطن وليس كما قال،
وكان أمر ابن صياد فتنة ابتلى الله تعالى بها عباده فعصم الله تعالى منها المسلمين ووقاهم شرها،
قال: وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبيّ صلى الله عليه وسلم لقول عمر فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان كالمتوقف في أمره ثم جاءه البيان أنه غيره كما صرح به في حديث تميم، هذا كلام البيهقي وقد اختار أنه غيره،
وقد قدمنا أنه صح عن عمر وعن ابن عمر وجابر رضي الله عنهم أنه الدجال والله أعلم.
فإن قيل: كيف لم يقتله النبيّ صلى الله عليه وسلم مع أنه ادعى بحضرته النبوة؟
فالجواب
من وجهين ذكرهما البيهقي وغيره: أحدهما أنه كان غير بالغ واختار القاضي عياض هذا الجواب. والثاني أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم وجزم الخطابي في معالم السنن بهذا الجواب الثاني
قال: لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاب صلح على أن لا يهاجوا ويتركوا على أمرهم وكان ابن صياد منهم أو دخيلاً فيهم.
قال الخطابي: وأما امتحان النبيّ صلى الله عليه وسلم بما خبأه له من آية الدخان فلأنه كان يبلغه ما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الكلام في الغيب فامتحنه ليعلم حقيقة حاله ويظهر إبطال حاله للصحابة وأنه كاهن ساحر يأتيه الشيطان فيلقي على لسانه ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة،
فامتحنه بإضمار قول الله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} وقال: خبأت لك خبيئاً فقال هو الدخ أي الدخان وهي لغة فيه، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك أي لا تجاوز قدرك وقدر أمثالك من الكهانة الذين يحفظون من إلقاء الشيطان كلمة واحدة من جملة كثيرة، بخلاف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فإنهم يوحي الله تعالى إليهم من علوم الغيب ما يوحي فيكون واضحاً كاملاً، وبخلاف ما يلهمه الله الأولياء من الكرامات والله أعلم.
تعقيب:
يحتج البعض بما حلف به بعض الصحابة من أن ابن صياد هو الدجال
الرد:
قال الامام /أنس بن مالك
اذا وجدتوا رأيى يخالف قول الله و رسوله فاضربوا به عرض الحائط فكلا يؤخذ منه و يرد عليه الا صاحب هذا القبر(و أشار الى قبر النبى)
و ما من شك أن ابن صياد يعتبر أحد الدجاجلة ليس الا و ليس الدجال المنتظر.
المفضلات