مصطفى إنشاصي

العنف ظاهرة إنسانية عامة، لا يمكن حصرها في شعب أو أمة واحدة في العالم، لأن معظم الدراسات العلمية التي تناولت العنف كظاهرة إنسانية تحدث في كل المجتمعات، توصلت بعد بحث تلك الظاهرة ودراستها والتعمق في معرفة أسبابها، إلى أنها عادة ما تكون حالة طارئة، مؤقتة، ظرفية، أو ردة فعل، تشتد وتفتر، وتقوى وتضعف، تبعا للعوامل التي تكون سببا في حدوثها، وقد أرجع العلماء والباحثين هذه الظاهرة إلى أسباب متعددة: سياسية، اقتصادية، اجتماعية، نفسية... وغيرها.
هذا الفهم والتوصيف لظاهرة العنف الذي توصل إليه العلماء والباحثين، ينطبق على المجتمعات الإنسانية السوية والطبيعية في معتقداتها، وعلى المجتمعات التي لا تحتوي عقائدها الدينية، أو تراثها التاريخي، أو نسيجها الثقافي والفكري، على معتقدات، وقيم ثقافية، وتراث تاريخي... تجعل من العنف ليس ظاهرة عرضية في حياة تلك المجتمعات، ولكنها تجعل منها جزءا من البنية العقلية والفكرية والاجتماعية والنفسية للفرد والمجتمع ككل. والأخطر من ذلك أنها تجعلها أساسا للنهج والممارسة للقيادة السياسية والعسكرية لتلك المجتمعات. كما هو الحال عند أتباع الديانة اليهودية الوثنية، سواء كانوا اليهود أنفسهم، أو المتهودون من النصارى الصهاينة، أتباع المذهب البروتستانتي.
فهؤلاء لا يكون عندهم العنف ظاهرة، ولكنه يكون عقيدة وإرهاب باسم الدين!!. لذلك لا يحق لهؤلاء أن يتهموا أحدا بالإرهاب ،أو أن يضعوا تصنيفات للإرهاب.
العصر اليهودي الأمريكي التوراتي
ولكن في زمن انقلبت فيه القيم والمعايير، واختلت فيه المكاييل والموازين، ولم يعد يحكم العالم وينظم سير شئونه وعلاقاته، ويحدد نوع النظم والقوانين الدولية التي تحكم العلاقة بين دوله وشعوبه، بل حتى داخل كيان وحدود الدولة السياسية في كثير من الأحيان، غير راعي الإرهاب الولايات المتحدة التوراتية، بعد أن تحولت الأمم المتحدة إلى أحد أدواتها في فرض قيمها ومعاييرها على العالم أجمع باسم الشرعية الدولية.
في هذا الزمن يحق للعدو اليهودي والولايات المتحدة التوراتية أن يمارسا كل أشكال الإرهاب، على طول مساحة الكرة الأرضية وعرضها، بدعوى حقهما في الدفاع عن النفس. ولما لا؟!!. ففي زمن سيادة القيم والمعايير التوراتية والتلمودية، يحق لسادته أن يفعلوا ما يشاءون، فتصبح أبشع الجرائم الإرهابية، والوحشية اللا إنسانية، والإبادة الجماعية... دفاعا عن النفس. ومقاومة الشعوب المحتلة للمحتل، ودفاع الشعوب المستضعفة عن نفسها وحقوقها، يصبح إرهاب. كما يصبح اغتصاب وطن الغير أو احتلاله، وتشريد أهله، وملاحقتهم بالقتل والذبح، وهدم منازلهم، وجرف مزارعهم، وتقطيع أشجارهم المثمرة، ونهب ثرواتهم، وكل أنواع الإفساد في الأرض، وتدمير النسل والحرث، والحياة الإنسانية، يصبح نقلا للحضارة والمدنية، ونشرا ودفاعا عن قيم العدالة والحرية، وحقوق الإنسان والديمقراطية، أما رفض ومعارضة ومقاومة هذا الإرهاب التوراتي، يصبح همجية ووحشية وتخلف، تستحق عليها الشعوب الرافضة الإبادة والاستئصال من الوجود.
لذلك فإن من المفارقات العجيبة أن هؤلاء في الوقت الذي لا يزالون يمارسون فيه سياسة القتل والإبادة والاستئصال للآخر، وإرهاب الدولة المنظم، هم الذين يحاولون أن يضعوا تصنيف للإرهاب عالميا، وفرضه على العالم؟!!.
وإذا ما علمنا أن العدو الديني والتاريخي لأتباع المعتقد التوراتي سواء كانوا يهودا أو متهودين؛ هم العرب نصارى ومسلمين والمسلمين جميعاً، أدركنا لماذا كل هذه الهمجية في التعامل معهم. فالعرب هم جزء كبير وأساسي مما يسمى (الشعوب السامية) بحسب عقيدة التوراة الفاسدة وخرافاتها، والمفترض بحسب تلك العقيدة الفاسدة أن يكونوا شركاء لمن يدعون أنفسهم "شعب الله المختار" في وعد ربهم "يهوه" لمن يزعمون أنه (سام بن نوح)، لفلسطين وبالسيادة العالمية. وما يزيد من حقدهم وكراهيتهم لأهل فلسطين، ويجعلهم يسعون على إبادتهم واستئصالهم تماماً؛ ليس فقط تلك الأوامر الخرافية والأسطورية لإلههم "يهوه) بالقتل والإبادة لجميع الشعوب التي لا تُطيع (إسرائيل)، لا! ليس ذلك فقط ولكن؛ لأن العلوم الآثارية والتاريخية والأنثروبولويجية أثبتت أن أهل فلسطين (الكنعانيون) الذين بحسب خرافة التوراة حقت عليهم اللعنة بسبب حماقة أبيهم الذي تدعي التوراة أنه (حام بن نوح)، وأن الرب لعن ابنه الذي لم يكن قد ولد بعد "كنعان" وحرمه من البركة، وبذلك أصبح أصحاب الأرض الأصليين لا حق لهم في أرضهم التي بقدرة قادر أصبحت حق لليهود من أبناء (سام) هم بحسب تصنيف التوراة وتقسيمها للجنس البشري (ساميون) وليسوا (حاميون)! ومن جانب ثالث أن المسلمون هم أصحاب الحق الشرعي في ذلك الوعد المدعى توراتياً، وفي الوقت نفسه هم الوحيدون في العالم الذين يملكون النموذج الحضاري البديل عن النموذج الغربي التوراتي ـ النصراني، أو قل التوراتي ـ الإغريقي ـ الروماني.
لذلك لا غرابة أن تتركز تهمة الإرهاب من سيد الكون، الولايات المتحدة التوراتية، على العرب والمسلمون، من دارفور إلى سوريا، ومن العراق إلى أفغانستان، ومن .. إلى .. القائمة تطول. غير المؤامرات التي تحاك هنا وهناك من كتاب وصحفيين ومؤسسات مجتمع مدني، ممن تحوم حولهم كثير من الشبهات، بسبب نشرهم وترويجهم وتضخيمهم لأخبار كاذبة، أو مشبوهة وغير صحيحة أو دقيقة، عن أوطانهم، تمهيدا لتوجيه اتهامات أمريكية لها بحسب الغالب على هذه التلفيقات، من ضمن قائمة التهم الأمريكية الطويلة ذات العلاقة بالإرهاب، لتبرير التدخل في شئونها الداخلية، وابتزازها أمنيا، وإذا اضطر الأمر إلى احتلالها يتم ذلك.
وللأسف أن بعض المعارضين في وطننا قبلوا باعوا وطنهم وأبناء وطنهم للعدو المشترك المتربص بهم مهما كانت الخلافات الداخلية، من أجل تحقيق مكاسب حزبية أو مذهبية، أو عرقية، أو شخصية ليس من الوطنية أو الانتماء للدين والوطن في شيء. ولم يقتدوا بسلفهم الأول: ولا أظن أن أحداً منا لم يقرأ قصة أحد الثلاثة المخلفين التي وردت قصتهم في سورة التوبة، الذي أرسل له قيصر الروم يغريه بالقدوم إليه ويترك محمد صلى الله عليه وسلم الذي قاطعه وأمر المسلمين بمقاطعته، ومن ضمنهم زوجه، ويجعله قيصر الروم سيدا، ولكنه رفض. ولا أحد منا لم يطلع على رد معاوية بن أبي سفيان على رسالة قيصر الروم التي يعرض عليه فيها مساعدته ضد سيدنا الأمام علي كرم الله وجهة، وتهديد معاوية له بأنه إذا كرر ذلك سيصطلح مع الأمام علي ويأتياه ليزلزلا إمبراطوريته. وفي الوقت نفسه لنا في أفغانستان والعراق عبرة، فهاهم الذين باعوا وطنهم بعد أن باعوا أنفسهم للعدو الأمريكي التوراتي، وهذه هي نتيجة أفعالهم وأطماعهم. وفي الوقت نفسه، على الحكومات العربية والإسلامية ألا تتجاهل الحاجة للتغيير والإصلاح، وضرورة الإشراك الفعلي والبناء لأبناء الوطن في أدار وطنهم، والحفاظ عليه، وأن تعمل في ذلك كل ما بوسعها لقطع دابر الفتنة، وعدم توفير مسوغات أو مبررات واهية لضعاف الانتماء، والطامعين في المكاسب الحزبية والمذهبية والشخصية حتى وإن كان في ذلك تدمير الوطن، ما يساعد الولايات المتحدة التوراتية للتدخل في وطننا.
لذلك سنحاول في هذه الدراسة إعادة قراءة فلسفة ونظريات الإرهاب في التوراة، والغايات الدنيوية والسياسية التي غلفها كتبة التوراة بعقائد إجرامية فاسدة أضفوا عليها صفة الدين، وأصبح أتباعها والمؤمنين بها ـ سواء من اليهود أو النصارى الصهاينة ـ يمارسون سياسة الإبادة والقتل على أنها طاعة وتقرب للرب، وهي في الأصل معتقدات دينية باطلة. إنها محاولة لإعادة التأصيل لهذا الفكر الإرهابي التوراتي، الذي بناء عليه قامت الولايات المتحدة التوراتية بالإبادة الجماعية للهنود الحمر، واستئصالهم من الوجود. وعلى خطاها يسير العدو اليهودي الذي نشأ من قلب التوراة، ومن وسط بيئة التعصب والغرور والاحتقار للآخر، بيئة أحياء الجيتو اليهودية، ويحاول إبادة واستئصال الجماهير الفلسطينية بعد أن اغتصب وطنها وشردها منه.
وقبل البدء في التأصيل الديني التوراتي لهذا الإرهاب، نود التأكيد على أن التوراة المتداولة اليوم كتاب أساطير وخرافات، وليس كتابا سماويا.

التــوراة كتــاب مــزور

قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) سورة البقرة الآية 79.
لقد أصبح من المعروف علمياً وتاريخياً أن التوراة كتبت بأيدي أحبار يهود أيام السبي البابلي، لذلك جاءت مناقضة لتطور الحياة الإنسانية ولمسيرة التاريخ، فضلاً عما فيها من خرافات لا تتفق مع ما أثبتته الاكتشافات العلمية الحديثة. فقد جاء في "دائرة معارف لاروس" أن: (موسى ولد 1571، وتوفى 1451 ق.م *. فقد "أسس مدنية وديناً" ولا نملك الكتاب الحقيقي لشريعته، فقد نسبت إليه التوراة أو الكتب الخمسة الأولى من الكتاب المقدس، ولكن هذه التوراة حاملة لآثار لا نزاع فيها من الحواشي والتنقيحات، ومن علاقات أخرى تدل على أنها ألفت بعد الزمان الذي مات فيه موسى بعهد طويل) [1].
كما أن لا يعتقد أحد من علماء اليهود وأحبارهم أن هذه التوراة التي بأيديهم (أنها المنزلة على موسى ألبته؛ لأن موسى صان التوراة عن بني إسرائيل، ولم يبثها فيهم، وإنما سلمها إلى عشيرته، أولاد ليوى، ودليل ذلك قول التوراة: "وكتب موسى هذه التوراة، ورفعها إلى الأئمة حتى ليو"« ... ولم يبذل موسى من التوراة لبني إسرائيل إلا نصف سورة يقال لها: "هاأزينو" ... وأيضاً إن الله قال لموسى عن هذه السورة : "وتكون لي هذه السورة، شاهداً على بني إسرائيل" وأيضاً إن الله قال لموسى عن هذه السورة: "لأن هذه السورة لا تنسى، أفواه أولادهم".
ويعني أن هذه السورة مشتملة على ذم طباعهم وأنهم سيخالفون شرائع التوراة، وأن السخط يأتيهم بعد ذلك، وتخرب ديارهم ويشتتون في البلاد. فأما بقية التوراة، فدفعها إلى أولاد هارون، وجعلها فيهم، وصانها عن سواهم.
وهؤلاء الأئمة الهارونيون الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها، قتلهم "بخت نصر" على دم واحد، يوم فتح بيت المقدس... فلما رأى "عزرا" أن القوم قد أحرق هيكلهم وزالت دولتهم وتفرق جمعهم ورفع كتابهم، جمع من محفوظاته ومن الفصول التي يحفظها الكهنة، ما لفق منه هذه التوراة التي بأيديهم الآن) [2].
وقد حاول الكاتب اليهودي المعروف (ول ديورانت) إحصاء مصادر الفكر اليهودي فلم يكد يغادر من أسطورة أو فكرة وثنية مما سبق تاريخ دينهم أو عاصره من أساطير بابل او أساطير الجزيرة العربية، والمصادر السومرية، والقصص الشعبية في مصر والهند والفرس واليونان والتبت، والفكر الفرعوني القديم، والفكر الفارسي، وشريعة حمورابي، وقال: إنها جميعاً كانت منبعاً غزيراً لأسفار العهد القديم.
ويقرر (ول ديورانت) أن أسفار العهد القديم جُمِعت لأول مرة في بابل وظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، ويظهر اسم الكاهن (عزرا) مرتبطاً بتدوين التوراة.
وقد أقر الدكتور هربرت لوي اليهودي في كتابه "أديان العالم الكبرى": (إن هناك عقائد دخيلة انسابت إلى اليهودية عن فارس وبابل والإغريق لا سند لها في اليهودية بالذات) [3].
ويؤكد كثير من الباحثين والمؤرخين انحراف اليهود عن التوراة بعد عهد سيدنا سليمان عليه السلام وضياع التوراة، وإن الكاهن حلقيا كتب خلال سبعة عشر عاماً ما أسماه أسفار التوراة حوالي 629ق.م.
1) يقول السيد أبو حسن الندوي في هذا:
(... إنهم دسوا في كتبهم الدينية المقدسة معلومات بشرية ومسلمات عصرية عن التاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية ربما كانت أقصى ما وصلوا إليه من العلم في ذلك العصر. وكانت حقائق راهنة لا يشك فيها رجال ذلك العصر. ولكنها ليست أقصى ما وصل إليه العلم الإنساني).
ويضيف قائلاً:
(ولم يكتف رجال الدين بما أدخلوه في كتبهم المقدسة، بل قد دسوا كل ما تناقلته الألسن واشتهر بين الناس وذكره بعض شراح التوراة ة والإنجيل ومفسريها من معلومات جغرافية وتاريخية وطبيعية وصبغوها صبغة دينية وعدوها من تعاليم الدين وأصوله التي يجب الاعتقاد بها ونبذ كل ما يعارضها) [4].

يقول الدكتور (آرثر روبين) أحد أعضاء الحركة اليهودية وأستاذ علم الاجتماع في الجامعة العبرية في القدس: وبينما كان هؤلاء ـ اليهود ـ يتحرقون في المنفى "السبي البابلي" دون أن يستطيعوا مقاومة. تفتقت عبقرية التآمر لديهم عن فكرتي "الشريعة" و"الوعد" وغايتهما المحافظة على أنفسهم كعرف متمرد متآمر منطو على نفسه، منظم تنظيماً شبه عسكري، وغير قابل للاندماج مع غيرهم)، ويضيف: (إن الأسس التاريخية لهذه العقيدة "اليهودية الأرثوذكسية" قد أعطيت لليهود في تشريعات عزرا ونحميا حوالي 400 ق.م ثم عدلت ونقحت في القرون التالية في الشريعة غير المكتوبة، أي الشفهية وتلمود بابل) [5].
إذن فالتوراة التي يؤمن بها اليهود والنصارى اليوم مزيفة، كتبها أحبار اليهود ووضعوا فيها كل اتجاهاتهم السياسية وأهدافهم الدنيوية، ونظموها بطريقة مكنت لقياداتهم من السيطرة على أتباعهم وتنظيمهم تنظيم شبه عسكري غير قابل للاندماج مع غيرهم، من أجل تحقيق تلك الأهداف السياسية. ولم تعد تلك الأهداف السياسية لليهود خافية على أحد، بعد أن سيطر المتهودون النصارى الصهاينة، المحافظون الجدد على البيت الأبيض.

الغايات السـياسـية للتــوراة

من هنا يجب أن ننطلق في دراسة ومعرفة الأصول العقائدية للفكر الإرهابي التوراتي، وحقيقة المنطلقات الأيديولوجية لقادة الإرهاب العالمي اليوم، من حيث وضعت فكرة "الإله الخاص ـ يهوه" وفكرة "شعب الله المختار" وفكرة "الأرض الموعودة" وفكرة "العودة إليها" وفكرة "النقاء العرقي" وفكرة "التفوق النوعي لليهودي"، وليس من حيث استعيرت المفاهيم والأفكار العلمانية والقومية والاشتراكية والليبرالية وغيرها التي يحاول أن يخدع بها اليهود "الأغيار، الجوييم" ويضللونهم بها عن حقيقة غاياتهم السياسية الدينية في السيطرة على العالم.
من السبي البابلي الذي وضعت فيه تلك الأفكار ـ العقائد ـ التي تم تسخير اليهود لتحقيقها على مدي 2500 سنة، لأن هذه الأفكار لم تبتدعها الحركة اليهودية، ولم يبتدعها النصارى الصهاينة ليستغلوا اليهود لتحقيق المشروع الاحتلالي الصليبي ضد وطننا، ولكن اليهود هم الذين سخروا ولازالوا يسخرون النصارى جميعا، وخاصة البروتستنت منهم، لخدمة مشروعهم الخاص بهم وحدهم، وليس لخدمة المشروع النصراني اليهودي في أصله، لأن العقائد ـ الخرافات ـ التي يسعى النصارى الصهاينة لتحقيقها هي في الأصل خرافات يهودية توراتية وليست نصرانية غربية، لأن الإله الذي نسج على لسانه كتبة التوراة هذه الخرافات التي يؤمن بها النصارى البروتستنت هو إله خاص باليهود وحدهم، وهم "شعبه المختار"، وهو ليس إله كل البشر، أي أنه ليس عيسى عليه السلام الذي يؤمن به النصارى أنه الله أو ابن الله ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ وأنه إله كل البشر والمخلوقات.
في السبي البابلي بدأ "الفريسيون" وضع أساس الديانة اليهودية، الوثنية، العنصرية، القبلية، الإرهابية، فقد كان السبي البابلي هو الأول من نوعه في تاريخ اليهود، حيث تم فيه تدمير "مملكة يهودا" التي هي مناط الوعد في التوراة، وهدم الهيكل "هيكل سليمان"، وتشريد اليهود، خاصة زعمائهم الروحيين وسلالة الأنبياء والملوك. لذلك لم يكن هذا الحدث مجرد حدث عادي في تاريخ اليهود، بل إنه أصبح محور تاريخهم السياسي كله. فهناك في السبي البابلي وجد اليهود المسببين (أنفسهم مضطرين اضطرارا إلى إعمال الفكر في صلتهم بـ "يهوه" وفي العهد القديم القائم بينه وبين شعبه وفي أسباب محنتهم، ثم راحوا يتخيلون لأنفسهم سبيلا إلى مستقبل أفضل ووسيلة للخلاص من مثل هذه الكوارث التي حلت بهم. واعتبروا أن المحن التي مرت بها إسرائيل كان سببها عدم الوفاء بالعهد، وأن الطريق إلى إرضاء الإله هو: الخضوع في عبادته لحرفية النصوص والتمسك بالشعائر المطلوبة في غير ما لين أو تحرر، أي في الواقع إتباع شعائر غاية في الدقة والحرص تمنع تسرب أدنى نزعة إلى الوثنية، ويعود الفضل في تثبيت هذه الشعائر في تدعيم الاتجاه نحو مشروع محدد – قنن في صورة سايرت الرغبات الجديدة – إلى أنبياء المهجر وعلى الأخص حزقيال). [6]
ولأنه كان أغلب الذين سباهم نبوخذ نصر إلى بابل من رجال السياسة والدين والاقتصاد وقادة الجيش والحرفيين وملاك العبيد والمرابطين والكهنة. وكان هؤلاء أشد اليهود حرصا على الكيان اليهودي وأكثرهم تعلقا بفكر صهيون وتعصبا له، (فإنهم أخذوا يضعون خططا تتعلق بوضعهم عندما يعودون إلى القدس ولكي يضمنوا لأنفسهم وضعا مسيطرا حينئذ انتشرت بين هؤلاء حركة سياسية دينية ربطت نفسها بتقاليد ما يسمى بحركة الأنبياء في المنطقة. وكان من أبرز قادتها في منتصف القرن السادس عشر ق.م حزقيال أحد وجهاء القدس) [7]. وقد كان حزقيال زعيما روحيا لليهود في بابل لمدة عشرين سنة ، فقد سبي في السبي الأول عام 597 ق.م، وقد كان قد أعد إعدادا خاصا للكهنوت. وقد كان ما أدخله على الدين اليهودي من تعاليم وتفسيرات جديدة، ورؤيا للمستقبل في سفره المسمى باسمه "حزقيال" في التوراة، انحرافا باليهودية من كونها دين سماوي إلى الوثنية، ومؤامرة على الإنسانية جمعاء.
هناك في السبي البابلي فكر اليهود في وضع أساس دينهم الجديد، وتم تحريف الدين والتاريخ اليهودي القديم، للانتقام لأنفسهم، والعودة إلى صهيون، وإعادة مملكة يهودا، وإعادة بناء هيكل سليمان، وإقامة ملكا عليهم من نسل داوود. وهناك وضع الكتبة اليهود في توراتهم مفهوما سياسيا في إطار ديني يضمن لهم السيطرة على أتباعهم إلى أبد الدهر. وهناك كان منشأ اليهودية الأرثوذكسية التي ترفع شعار الدين اليهودي هو "القومية اليهودية" و"القومية اليهودية" هي الدين اليهودي، وهو الشعار الذي ترفعه اليهودية الحديثة؟!!.

اليهــوديـة الأرثـوذكســية

اليهودية الأرثوذكسية هي اليهودية، وهي التي تحكم كيان العدو اليهودي، وهي التي شرعت وارتكبت ولا زالت تشرع وترتكب كل المذابح والمجازر اليهودية ضد أبناء أمتنا وعلى رأسهم الجماهير الفلسطينية. نشأت في بابل ، في أيام المنفى، أثناء تحرق اليهود على ضياع الحكم والدولة وتدمير الهيكل وهم لا يستطيعون مقاومة أو عمل شئ، حيث تفتقت عبقرية التآمر لدى أحبار اليهود وقادتهم السياسيين وخاصة " حزقيال "عن فكرة الشريعة" و"الوعد"، وغايتهما المحافظة على أنفسهم كعرق متمرد متآمر منطو على نفسه منظم تنظيما شبه عسكري، وغير قابل للاندماج مع غيره. تقول الموسوعة اليهودية (وأصبحت الحياة اليهودية منذ ذلك الحين، منظمة حسب تعليمات الفريسيين. "وكلمة الفريسيين مشتقة من الآرامية وتعني المنشقين"، كما أعيد وضع كل تاريخ اليهود من وجهة نظر فريسية وأعطى وجه جديد للتشريعات السابقة "السنهدرين"، كما حلت سلسلة جديدة من التقاليد محل التقاليد القديمة، وقد كيفت الفريسية طبيعة اليهود وكذلك حياة اليهود وتفكيرهم للمستقبل كله) [8].
لقد خبر الكتبة والفريسيين "واضعي الشريعة" حقيقة النفسية اليهودية، ودرسوها جيدا وغاصوا في أعماقها لكي يتسنى لهم وضع قوانين الشريعة التي تحكم حياة اليهود بطريقة محكمة حسب ما يريدون لهم. ولتوجه تفكيرهم كما أرادوا، ولقد أكمل هذا البناء بعد ذلك حسب الحاجة وظروف العصر، بحيث لا يخرج الهدف عن الموضوع سابقا. وإن كان حزقيال قد كرس حياته لوضع خيوط المؤامرة أيام السبي البابلي فإن "عزرا" كرس حياته الفكرية (لوضع أسس عنصرية للدين مما أصبح يعرف باسم قوانين عزرا، وقد أكدت هذه السنن على توارث الدم اليهودي وعدم الزواج بالغير والانفصال عن الزوجة غير اليهودية وترحيلها مع أولادها المختلطي الدم، وجرى التأكيد على ضرورة الختان كعلامة جسمية مميزة لبني إسرائيل، وشاءت الظروف التاريخية أن تجعل من تعاليم عزرا السنة المتبعة في المجتمع اليهودي حتى قيل لو أن الوصايا العشر لم تنزل على موسى لنزلت على عزرا. وقد أشار الأستاذ (ماكس فيبر) العالم الاجتماعي الكبير. إلى أن عزرا وضع بعد العودة إلى فلسطين ما يمكن تسميته برنامج عزل اليهود عن الآخرين) [9].
وهكذا وضعت أول طوبة في سور "الجيتو" الذي كان يفرضه اليهود على أنفسهم أينما حلوا ليمنع ذوبانهم في الشعوب الأخرى (فالإصلاح العزراوي قام على القانون وضرورة التمسك به، وكان بمثابة نهاية طريق وبداية طريق آخر في التاريخ الإسرائيلي ... وبينما استخرج أجدادهم الكتاب المقدس، من حياتهم وواقعهم التاريخي. أصبحوا الآن يستخرجون حياتهم وواقعهم من كتاب القانون. هذا هو الطابع الذي انطبع به الدين اليهودي وبقي حتى العصر الحديث) [10].
وعن الهدف من إعطاء قوانين الشريعة تلك القداسة وجعلها تحكم حياة اليهود، يقول الدكتور روبين: (وقد فرض على القبائل الصغيرة الاعتقاد بأنها عرق نشأ وترعرع خلف الجدران المحصنة "أحياء الجيتو اليهودية"، عليه أن يكون دوما على أهبة الاستعداد بحيث أصبح انعزال اليهود واقعا كاملا وأزليا). ويضيف الدكتور روبين (وقد أثبت التاريخ أن كتبهم المقدسة قد أتمت غايتها على أكمل وجه وكانت الأرثوذكسية هي المسيطرة، لأنها خلافا لغيرها من المعتقدات لم تكن دينا صحيحا بمعنى الكلمة، بل منظمة قتالية تلبس لبوس الدين وغاياتها الاحتفاظ بنقاوة "الشعب اليهودي" الفيزيولوجية والثقافية) [11]. وفي رأينا أنه إن كانت تعاليم الكتبة قد استطاعت أن تحافظ على عزلة اليهود عن غيرهم من الشعوب، وعدم الذوبان والاندماج في الشعوب التي ينتمون لها عرقيا، إلا أنها لم تستطع أن تحافظ عليهم كعرق نقي وتمنع اختلاطهم الثقافي والعرقي مع غيرهم من الشعوب، كما يدعي دكتور روبين، وكما يعتقد اليهود عن أنفسهم، لأن دراسات علم الأجناس أثبتت اختلاط اليهود بالشعوب الأخرى عرقيا وثقافيا.. وهي إن كانت قد أتمت غاياتها السياسية، إلا أنها فشلت في إتمام غاياتها العرقية والثقافية.
اليهودية ديانة وثنية
لا بد لنا هنا أن نوضح نقطة ذات أهمية كبيرة لها علاقة بفكرة التوحيد عند اليهود، وهي: أن اليهودية دين وعقيدة توحيد وثنية، تقوم على الخرافة والأسطورة، وليس دينا ـ رسالةـ سماويا بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، كما يحاول اليهود وأنصارهم من العلماء الغربيين الترويج له، ويفرضوا علينا إجراء حوارات دينية مع اليهود تحت دعوى حوار الأديان ـ مع تحفظنا على هذا المصطلح ـ وذلك لأن ما يسمى بالديانة اليهودية اليوم قد تأكد بشكل قاطع ونهائي أنها ليست الرسالة السماوية التي نزلت على سيدنا موسى عليه السلام، ولكنها دين وثني قد تم تأسيسه في بابل، بعد أن دمر نبوخذ نصر دولة يهوذا عام 586 ق.م، وحرق هيكلهم المزعوم وسباهم إلى بابل، وهي خليط من المعتقدات والخرافات والأساطير البابلية، وغيرها من الديانات الوثنية التي كانت منتشرة في منطقة الهلال الخصيب ووادي النيل آنذاك.
يقول البروفيسور (إلس روفكن) في كتابه "صياغة التاريخ اليهودي": (أن فكرة التوحيد وتطبيقها لدى اليهود، لم ترتكز على أسس دينية أو روحية بقدر ما ارتكزت على ضرورات سياسية واقتصادية، وذلك على إثر منافسة شديدة بين زعماء اليهود بعد النفي إلى بابل كتب النصر فيها للفريسيين، وهؤلاء كانوا باتفاق جميع المؤرخين، أصحاب الأثر الكبير في صياغة تاريخ وشريعة اليهود). ويضيف مؤكدا على أنها عقيدة وثنية، قائلا: (ظهرت فكرة التوحيد لدى اليهود ورسخت بناء على مقتضيات معينة تاريخها محدد بدقة، وهو تاريخ الكتبة والفريسيين في بابل، أي حوالي العام 400 قبل الميلاد، وهي الفترة التي "ألفوا" فيها الأسفار الخمسة الأولى من التوراة.ومن هؤلاء المشككين من يعتمد على برهان لغوي ظريف، إذ أن أول كلمة كتبت من قبل الفريسيين هي "في البدء خلق الله السموات والأرض"، (تكوين 1:1)، وفي النص العبري (في البدء خلقت الآلهة السماوات والأرض)، وفيما يلي ذلك، وبناء على استنتاج البروفيسور رفكن، اعتمد الكتبة صفة المفرد عوضا عن الجمع لوصف الإله) [12].

أما الفكرة المنتشرة والشائعة عند المؤرخين وعلماء الآثار من مسلمين وغير مسلمين، عن أخذ اليهود عن الكنعانيين فكرة "الإله الواحد" فأنها فكرة خاطئة، وإلا ما كانوا اعتبروا اليهودية دين سماوي. وذلك لأن بني إسرائيل الذين دخلوا فلسطين كانوا يعرفون فكرة "الإله الواحد" عن طريق أنبيائهم، وأجدادهم من لدن إبراهيم عليه السلام مرورا بموسى عليه السلام إلى وداود وسليمان عليهما السلام. ولكن الصواب: أن اليهود بعد إقامتهم في فلسطين ولأن نفوسهم مريضة وجبلتهم شريرة، ولأنهم معاندون ومكابرون، وطبعهم الكفر والمعصية، فهم قد عبدوا العجل الذي صنعه لهم السامري من ذهب وحلي نسائهم وآيات ومعجزات الله تتنزل عليهم في عهد موسى، قال تعالى: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار) الأعراف، 148. ... وهذا تاريخهم مع جميع أنبيائهم، عمدوا إلى أحد آلهة الكنعانيين فعبدوه، وأعطوه الصفات الشريرة التي تتناسب وطبائعهم وميولهم النفسية، وكذلك غذوه باتجاهاتهم السياسية منذ البداية. علما أن "يهوه" لم يظهر في تاريخ بني إسرائيل عند غالب المؤرخين إلا بعد السبي البابلي، الذي كتبت فيه التوراة وحشد فيها كتبتها قصص وأساطير الأمم الأخرى ... إلخ.
ذلك أنه بلغ تأثير الحضارة "الكنعانية" على اليهود إلى درجة أنها غزتهم في عقيدتهم، حيث اقتبس اليهود منها كل ما استطاعوا، حتى فكرة "الإله الواحد"، كما يقول المؤرخين. يقول رجاء جارودي عن تأثير الحضارة الكنعانية في اليهود: (فحين التقى الكنعانيون والعبرانيون في المرحلة الأولى كان هناك رفض متبادل بين المؤمنين بالإله "يهوه" والمؤمنين بالإله "إيل" ثم ضعف اهتمام العبرانيين بإلههم مع استمرار توطنهم في كنعان، وقوي إحساسهم بإله المواطنين الأصليين حتى أنهم تبنوا اسمه "إيل" وجمعوه على "إيلوهيم") [13].
وعن أخذ اليهود لفكرة التوحيد عن الكنعانيين بعد أن أدخلوا عليه بعض التغييرات يقول "ول ديورانت": (يبدو أن اليهود "الفاتحين" "لفلسطين" عمدوا إلى أحد آلهة كنعان فصاغوه في الصورة التي كانوا هم عليها وجعلوا منه إلها صارما ذا نزعة حربية صعب المراس) [14]. كما أن "يهوه" بقي عند اليهود إله لا يحدد ولا يوصف، وأن طبيعته لا يحدها قيد ولا شرط، وبناءا على ذلك لم يضعوا له تمثال، ولم يتخيلوه على أي صورة كالكنعانيين وغيرهم. كما أننا لا نجد له زوجه أو ولد كآلهة الكنعانيين. وكثيرا ما كان يغضب الرب على شعبه لأنه كان يعبد آلهة الكنعانيين ويشعل لها نارا، ويبني لها معابد...إلخ، وهذا دليل على أن "يهوه" كان إله مثله مثل بقية آلهة الكنعانيين.
وهذه هي الحقيقة التي يتفق عليها العلماء أكثر من غيرها، إذ يرون أن (إله اليهود "يهوه" هو تطور طبيعي وبطيء من مرحلة تعدد الآلهة التي مر بها اليهود، شأنهم شأن القبائل البدائية الأخرى، تلك الآلهة التي كان "يهوه" مجرد واحد منها، إلى مرحلة الإله الواحد، وقد يكون نتيجة هذا التطور تلك الحرب الشعواء التي يشنها "يهوه"، من خلال التوراة، على غيره من الآلهة والتي بقيت آثارها عالقة في أذهان اليهود المتعددي الآلهة بالفطرة). كما أن "يهوه" خلال تطوره البطيء كما يقول (هومير سميث) قد اتخذ ("في فوضى تعدد الأديان، الكثير من خصائص آلهة إسرائيل المتعددة"، والصفة المشتركة لأكثر آلهة القبائل القديمة هي الحجر والنار، وتشترك هاتان الصفتان معا لتشكلا جبلا بركانيا، وهو رمز القوة الهائلة: "هو ذا اسم الرب (يهوه) يأتي من بعيد غضبه مضطرم والحريق شديد وشفتاه ممتلئتان سخطا ولسانه كنار آكلة وروحه كسيل طاغ يبلغ إلى العنق فيغربل الأمم من البوار .. إشعيا 30: 27 ـ 28) [15].
ومما يؤكد أن عقيدة التوحيد اليهودية عقيدة وثنية، ما قاله الأستاذ أندرسون: (إن الوحدانية التي كانوا "الكنعانيون" يدركونها في ذلك الوقت لم تكن وحدانية تفكير ولكنها وحدانية تغليب لرب من الأرباب على سائر الأرباب) [16].

كما يصف الدكتور (أنيس فريحة) "يهوه" الإله اليهودي: (إن "يهوه" كما تصوره الكاتب اليهودي مجرد إنسان قدير عظيم ينزل إلى الفردوس ليتحدث إلى آدم ويأمر قابيل وهابيل أن يقدما قرابين فيقبل لواحد منهما ويرفض قرابين الآخر) [17].
إذن فكرة "الإله الواحد" أو التوحيد عند اليهود، التي تم استعارتها من الكنعانيين هي فكرة وثنية، تقوم على توحيد الآلهة في إله واحد. أو تغليب إله على بقية الآلهة. وهذه العقيدة خلاف عقيدة الوحدانية التي دعا لها جميع الأنبياء والرسل، والتي كان عليها بني إسرائيل قبل إقامتهم في فلسطين، وتأثرهم بالحضارة "الكنعانية". وقد يكون أصل فكرة التوحيد عند الكنعانيين يعود إلى ما كان عليه "ملكي صادق" الذي عرف عبادة الله العلي القدير، وبارك سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما عاش في ضيافته، كما ذكر في التوراة.، وقد يكون ملكي صادق أحد أتباع أنبياء الله هود وصالح عليهما السلام، الذين يؤكد المؤرخون هجرتهم بعد نزول العقاب الإلهي بقوميهما الكافرين إلى فلسطين وجوارها من بلاد الشام.

أصول الإرهاب في التوراة

بعد أن اتضحت حقيقة الديانة اليهودية الوثنية، وتبين أن الكتبة الفريسيين استعاروا معتقداتهم من الشعوب التي كانت تسكن في منطقة الهلال الخصيب، وأن معظم الروايات التي ذكرت في الأسفار القديمة على أنها صلب التاريخ اليهودي، ما هي إلا الأساطير البابلية القديمة حرفت بما يناسب الرواية الفريسية عن تاريخ اليهود مثل قصص التكوين، النمرود، الطوفان، برج بابل وغيرها، وأنهم أضفوا عليها صفة العقيدة الدينية، وادعوا أنها كلام الرب. سوف نعرض لأهم الأصول التي قامت عليها هذه العقيدة الوثنية، والتي كانت ولا زالت سببا في كل المذابح والمجازر والكوارث التي حلت بالأمم التي يعيش اليهود بين ظهرانيها.

الإلـه العنصري و"الشعب المختار"

كان أول الأصول العقائدية التي اختارها الكتبة، هي: فكرة الإله "يهوه"، الذي جعلوا منه إلها خاصا بهم وحدهم من دون جميع شعوب العالم، وقد أصبغوا عليه مواصفات خاصة تتناسب والهدف والغاية التي يريدون. وقد كان حزقيال أول من أعطى للإله "يهوه" صفات الإلوهية التي ميزته عن جميع الآلهة الأخرى. وسيقوم هذا الإله "يهوه" باختيار "شعبه المختار" من بين الشعوب. فيصبح إلها عنصريا، قبليا، إقليميا. جاء في سفر ( تثنية الاشتراع 6/7): (لأنك شعب مقدس للرب إلهك وإياك اصطفى الرب إلهك أن تكون له أمة خاصة من جميع الأمم التي على الأرض). وهذا الرب سيقوم بواسطة شعبه المختار بتحطيم كل الآلهة الأخرى ويحكم الأرض (الرب رهيب عليهم فيستأصل جميع الآلهة وله يسجد الناس كل واحد من موضعه جميع جزائر الأمم). نبوءة صفينا 2/11.

ولم يكن "يهوه"، قبل "حزقيال"، سوى إله آخر من الآلهة القبلية "السامية"، لا يختلف عنها بشيء، مثله مثل (بعل ـ مردوخ) في بابل، و(ملكارت) في صور، و(آشور) إله الآشوريين. وقد أتى "حزقيال" فأضفى عليه صفات من الألهية لم تكن موجودة فيه. فأصبح "يهوه" إله يعلو البشر كلهم لحساب إسرائيل وهو إله خاص بهم وحدهم وليس إله الناس جميعا، وهو إله الحرب والانتقام ورب الجنود وبني إسرائيل شعبه المختار الذي من أجله سيفني جميع الأمم). وهو عدو الآلهة الآخرين، كما أن شعبه عدو للشعوب الأخرى، وهو إله قاس مدمر متعصب لشعبه لأنه ليس إله كل الشعوب.
و"يهوه" ليس بالمعصوم وكثيرا ما يقع في الخطأ. وقد وقف موسى منه موقف الناصح. إلى هذا المفهوم ترد كل صور الوحشية والقسوة في معاملة اليهود غير اليهود في الحرب والسلم، ومن هذه "العنصرية" ينطلق مفهوم "شعب الله المختار" المستعلي على كل الشعوب ووريث الرب إلههم في الأرض.
وهذا الإله "يهوه" إله حرب مقاتل باطش ومخطط محنك لا يستهين بأعدائه مهما قل عددهم، ويحسب لكل الأمور ألف حساب، فهو لا يؤمن بترك أيا من الأعداء مهما قل عددهم حيا (وإن لم تطردوا أهل الأرض من وجوهكم كان من تبقونه منهم كإبرة في عيونكم وكحربة في جنوبكم يضايقونكم في الأرض التي أنتم مقيمون بها "والتي أعطاكم إياها يهوه") العدد 33/55. كما أن إلههم إله محنك محب لشعبه وأمته، يحارب معه ويدعمه معنويا ، حيث يرسل هيبته أمامه ويرسل جنوده "الزنابير" ليطردوا سكان الأرض، وهو لا يطردهم دفعة واحدة في سنة واحدة حتى لا تفرغ الأرض وتكثر الوحوش على شعبه الرؤوف به ولكن قليلا ويأمرهم بأن يطردوا كل الشعوب من أرضه بلا رحمة أو شفقة وبكل قسوة (وتفترس جميع الجوييم الذين يدفعهم إليك الرب إلهك فلا تشفق عيناك عليهم) تثنية 7/16.
وهذا مبرر ما يقوم به اليهود اليوم من مجازر وطرد لسكان البلاد الأصليين، واغتصاب أرضهم وإقامة مغتصباتهم عليها. والقائد المحارب الذي لا يملك سيطرة كافية على جنوده ليس قائدا ناجحا، وأرفع أنواع الهيبة والسيطرة الخوف والتهديد، فإن لم تتبع أوامره بالقتل والابسال (فيكون أني كما نويت أن أصنع بهم اصنع بكم) العدد 33/56. فلا عجب إذن إذا كان هم اليهود الإبادة الجماعية للجوييم ، فالخطر عليهم من إلههم كبير إن لم يفعلوا ذلك [18].
علما أن إله اليهود لم يكن قبل المنفى (يتدخل في كثير أو قليل في حياة الشعوب الأخرى بعد أن تم الاستيطان الأول وقيام مملكة داوود. أما بعد المنفى فقد أصبح الإله يتدخل لا لحماية شعبه فحسب بل لإذلال وإخضاع شعوب العالم لشعبه المختار ولاستمرار استعبادهم له على مر العصور ... وهذا هو حصيلة حركة الإله من القومية إلى العالمية) [19].

الشــريعــة والـوعـــد

ولضمان السيطرة على اليهود من قبل قادتهم، وتوجيههم لتحقيق الأهداف السياسية التي تم وضعها،المتمثلة في الوعد الذي قطعه الرب "يهوه" لـ "شعبه المختار" بأن يحطم كل الآلهة الأخرى، ويجعلها وشعوبها غنيمة لـ "شعبه المختار"، كان لا بد من وضع شريعة تضبط سلوك وحياة اليهود من أجل تحقيق الوعد، ومن خلالها يتم التحكم في مصير اليهود ووجهتهم، لذلك فرض المؤلفون البابليون على شعبهم الشريعة المنزلة، التي على اليهود إتباعها لكي يستحقوا "الوعد". والغاية من "الشريعة" هو تنظيم اليهود تنظيما قتاليا يجعلهم أهلا للسيطرة على أعدائهم من "الجوييم"، بعد أن تربى في نفوسهم حقدا أبديا على أعدائهم "الجوييم"، ولم يكن تنظيما قتاليا فروسيا "شريفا" أي تتم فيه المواجهة مع أعدائهم على أرض المعركة وجها لوجه، وتكون الأساليب المتبعة إنسانية وأخلاقية، ولكنه كان تنظيما يقوم على أساس الغدر والغش والكره لكل ما هو إنساني، والعمل على تخريب الحياة الإنسانية، حتى يتمكنوا من تحقيق "الوعد" المؤامرة، ويمكننا أن نلخص غايات الشريعة في:
- إن غاية الشريعة اليهودية هي أن تربط ببعضها فئات قتالية غير قابلة للامتزاج مع الغير ولا تقبل المصالحة أو المهادنة معهم، ولا تعرف الرحمة أو الشفقة ومنظمة تنظيما شبه عسكري.
- إن إله اليهود القبلي يأمر بخدمة الشعب تحت طائلة المحي من الوجود.
- إن أسفار العهد القديم التالية للهكزاتوك إنما هي وصف للعقوبات والمكافئات التي يستحقها اليهود حسبما يكون قد عصوا أو أطاعوا الشريعة.
- إن رسالة الأنبياء لليهود هي إتباع الشريعة لكي يأتيهم "الوعد" أي يمتلكوا الأرض ومن عليها، وإلا عوقبوا بالمحو من الوجود.ص 20-21
- والشريعة تركز تركيزا خاصا على الحقد الأبدي الذي على اليهود تربيته في نفوسهم ضد أعدائهم التقليديين أي "الجوييم".
كما أن الرب إلههم قد طمئنهم إذا ما التزموا بالشريعة فسيكافئهم بالسيطرة على العالم وتحقيق الوعد (وأرسل هيبتي أمامكم وأكسر جميع الجوييم الذين تسير إليهم فأجعل جميع أعدائك بين يديك مدبرين وأبعث الزنابير أمامك فتطرد الحويين والكنعانيين والحثيين من وجهك، لا أطردهم من وجهك في سنة واحدة كيلا تصير الأرض كفرا فتكثر عليك وحوش الصحراء لكنني أطردهم عنك قليلا من أمامك إلى أن تنمى فترث الأرض وأجعل تخمك من بحر القلزم إلى بحر فلسطين من البرية إلى النهر فإني أسلم إلى يديك سكان الأرض فتطردهم من أمام وجهك لا تقطع لهم ولا لآلهتهم عهدا ولا يقيموا في أرضك) الخروج 33/27. (وتفترس جميع الجوييم الذين يدفعهم إليك الرب إلهك فلا تشفق عيناك عليهم) تثنية 7/16.
هذه خلاصة " الشريعة " لنيل "الوعد"، وأوامر "القتل الجماعي" هذه تتكرر في جميع التوراة التي تنظم حياة اليهود وعاداتهم، وعلينا أن نتذكر أن التعاليم اليهودية تقرأ في كل كنيس يهودي في العالم. وفي كل كنيسة نصرانية وخاصة الطوائف النصرانية البروتستانتية.
إن القارئ للعهد القديم والمتأمل لمضمون أسفاره يجد أنها وضعت بطريقة تخدم المؤامرة والهدف المنشود وهو السيطرة على العالم، وفيها دروس وتوجيهات لليهود في تعاملهم مع الأغيار، والاستفادة من كل شئ لمصلحة دينهم وغاياتهم، ويجد أن (كل هذه الكتب تنبأت بقيام مملكة "يهوه" حيث يسيطر اليهود على شئون العالم ويرثون الأمم إلى أن يقول (إشعيا) 60/20: (لا تغرب شمسك عن قمرك ولا ينقص لأن الرب يكون لك نورا أبديا وتكون أيام مناحتك قد أنقضت ويكون شعبك كلهم صديقين وإلى الأبد يرثون الأرض).
وترى أسفارهم أن يوم القيامة هو قيام "الدولة اليهودية" ودخول مسيحهم الهيكل حيث يتم السيطرة على العالم وسحق قوة "الجوييم" تقول "الموسوعة العبرية" أمام كلمة "الإيمان بالآخرويات" :(إن تحطيم جيوش يأجوج ومأجوج لا يعني كما قال (ويبر) خطأ إبادة عالم الجوييم عند انتهاء عهد المسيح المنتظر، بل إفناء كل سلطة وبلد تعارض ملك "يهوه" وتحقيق عهد المسيح المنتظر والشعوب التي ستخضع عندئذ للشريعة ستبقى على قيد الحياة ... وهكذا "يكون في كل الأرض يقول الرب ثلثين منها ينقرضان ويضمحلان والثلث سيبقى منها" زكريا 8:13، أما الأرض المقدسة نفسها فلن يسكن فيها أحد من الغرباء) [20].

الجـوييـم أو الأغيـار

إن كانت فكرة الإله الخاص "يهوه" و"الشعب المختار" تقف خلف شعور العنصرية والاستعلاء المذموم عند اليهود، والاستهتار بكل ما هو ليس يهوديا، وكل الأمراض والعقد النفسية والدينية عندهم، فإن فكرة الشريعة والوعد هما اللتان أوهمتا اليهود بنقائهم العرقي المزعوم، ونقاء الدم اليهودي من الاختلاط بدماء الشعوب الأخرى من الجوييم، وبتفوقهم النوعي على غيرهم من الشعوب الأخرى، وجعلتهم يستخفون بأرواح وحياة غيرهم من الأمم، وارتكاب المذابح والإبادة الجماعية تحت طائلة الخوف من غضب الرب والمحق من الوجود، ولأن غير اليهود ليسوا بشر، ولا روح إنسانية.
فالعقيدة اليهودية تعتبر الأمم الأخرى من غير اليهود "جوييم" وهي جمع "غوي"، ويستعمل اليهود مقابلها في العربية كلمة "الأمم". وهي تعني عندهم بحسب الظروف: العدو العالمي المكروه. أو السعادين الحليقة المحتقرة أو قطيع الجوييم الغبي، أو الإرث الذي وعدهم به "يهوه". فقد خلقهم الرب إلههم على هيئة البشر ليستأنس بهم شعبه المختار. أو بهايم وحواوين، وأن بيوت غير اليهود خان البهايم [21].
كما أنها تعني عقائديا عند اليهود: امتدادات الشيطان، مخلوقات شيطانية "ليس بداخلها أي شيء جيد على الإطلاق" حتى الجنين اليهودي يختلف نوعا عن الجنين اليهودي، كما أن وجود غير اليهودي مسألة "غير جوهرية" في الكون، فقد نشأ كل الخلق من أجل اليهود فقط [22]. كما أن التلمود كتاب اليهود الذي له مكانة أعظم من التوراة نفسها، أشد احتقارا وعنصرية واستعلاء على غير اليهود، وفيه من كلمات التحقير والتحريض على قتل كل من هو غير يهودي الكثير. فقد ذكر الأب برانايتس أن( اليهودي وحده يحترم كرجل، كل ما ومن في العالم له، وجميع الأشياء يجب أن تكون في خدمته، خصوصا الحيوانات التي لها أشكال آدمية) [23].
وقد جاء في كتاب "الكنز المرصود في قواعد التلمود" الكثير الذي لا يتسع له المقال عن نظرة ومكانة اليهودي بالنسبة لغير اليهودي، منها: أن الأرواح غير اليهودية هي أرواح شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات. أن نطفة غير اليهودي هي كنطفة باقي الحيوانات. لا يدخل الجنة إلا اليهود. أما الجحيم فهو مأوى الكفار، ولا نصيب لهم فيه سوى البكاء لما فيه من الظلام والعفونة والطين. غير اليهود حيوانات في صورة إنسان ـ هم حمير وكلاب وخنازير ـ يلزم بغضهم سرا. الفرق بين درجة الإنسان والحيوان هو بقدر الفرق الموجود بين اليهود وباقي الشعوب. إن الكلب ؟أفضل من الأجانب. "الشعب المختار فقط يستحق الحياة الأبدية، وأما باقي الشعوب فمثلهم كمثل الحمير.
كما أن التلمود يزخر بأوامر سرقة أموال وممتلكات غير اليهود، وواجب لعنتهم، والتحريض على قتلهم: ملعونة كل الشعوب، ومبارك شعب اليهود. استيلاء اليهود على ما يملكه الجوييم هو عمل تصحبه المسرة الإلهية. يستحق القتل كل جوييم حتى ذوو الفضل منهم [24]. يجب إزالتهم من سجل الأحياء لأنه قيل عنهم: من يأثم ضدي، سأزيله من سجل الحياة. من يقتل "مسيحيا" أو أجنبيا أو وثنيا يكافأ بالخلود في الفردوس والجلوس هناك في السراي الرابعة [25]. هذه النظرة السامية من اليهود إلى أنفسهم، واعتبار أنفسهم أنهم وحدهم البشر، والإنسان، وغيرهم حيوانات خلقت لخدمتهم، من أهم العوامل التي تشكل حالة الخلفية الفكرية للعنف والإرهاب في شخصية اليهودي، وتقوم بدور التهيئة النفسية عند اليهودي لارتكاب جرائم القتل والإبادة ضد غيره من اليهود وهو مرتاح الضمير، بل ويشعر بلذة ونشوة ورضي نفسي بعد كل جريمة، لأنه يعتبر نفسه بذلك نفذ أوامر الرب، وعمل على طاعته وإرضائه.
يتبع...