بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

عبد الله بن حُذَافة السهمي صفحة مضيئة للمسلم القوي

إن ثبات المسلم علي إيمانه بدين الله الحق رغم محاولات الضالين شرف عظيم..
فقد اختار الآخرة وفاز فوزاً عظيماً..

إن تاريخنا الإسلامي يشرف بصور مضيئة لمن ضربوا لنا أمثلة علي ثبات المسلم وتمسكه بدين الله تعالى مهما كانت الأخطار..

والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه، ولو أفضى إلى قتله، كما قال الحافظ ابن عساكر، في ترجمة عبد الله بن حُذَافة السهمي أحد الصحابة: أنه أسرته الروم، فجاءوا به إلى ملكهم..

ـ فقال له: تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي.
ـ فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب، على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين، ما فعلت!
ـ فقال: إذا أقتلك.
ـ قال: أنت وذاك!

فأمر به فصلب، وأمر الرماة فرموه قريبا من يديه ورجليه، وهو يعرض عليه دين النصرانية، فيأبى ثم أمر به فأنزل، ثم أمر بِقِدْر.
وفي رواية: ببقرة من نحاس، فأحميت، وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح.
وعرض عليه فأبى، فأمر به أن يلقى فيها، فرفع في البَكَرَة ليلقى فيها، فبكى فطمع فيه ودعاه..

ـ فقال له: إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة، تُلْقى في هذه القدر الساعة في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله.

وفي بعض الروايات: أنه سجنه ومنع عنه الطعام والشراب أياما، ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير، فلم يقربه.ثم استدعاه..
ـ فقال: ما منعك أن تأكل؟
ـ فقال: أما إنه قد حَلَّ لي، ولكن لم أكن لأشمتك فيّ.

ـ فقال له الملك: فَقَبِّلْ رأسي وأنا أطلقك.
ـ فقال: وتطلق معي جميع أسارى المسلمين؟ قال: نعم.
فقبل رأسه، فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده.

فلما رجع قال أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): حَقّ على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ. فقام فقبل رأسه(1).
"ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" (2) .

ـــــــــ
(1) ابن كثير, تفسير القرآن العظيم, ج 4, ص ص 606, 607.
(2) الآية 110 من سورة النحل..