خلقه الله وحرمه على نفسه



لله تعالى في كونه سننٌ ماضيةٌ، لا تتخلَّف ولا تحابي أحدًا، وسننُه في قيام الأمم ونهضتها، أو انهيارها وكبوتها، فيراها كلُّ صاحب عقل في تاريخ البشرية وحاضرها.

من هذه السنن وإن الله يهلك الأمة الظالمة وإن كانت مسلمة ، ويمكن للأمة العادلة وإن كانت كافرة. ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ (الكهف(59))، ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ (يونس: من الآية 13)، ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام(45)

فالظلم حرام مطلقًا: حرَّمه الله على نفسه فضلاً وكرمًا ومنةً على عباده، قال تعالى في الحديث القدسي الذي خرَّجه الإمام مسلم من حديث أبي ذر: "يا عبادي، إني حرمتُ الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"... إلى آخر الحديث، وقد وردت آيات كثيرة توضح أن الله لا يظلم أحدًا.. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ (النساء: من الآية 40)، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ﴾ (فصلت: من الآية 46)، ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (الكهف: من الآية 49)، ﴿وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ﴾ (آل عمران: من الآية 108).

وجعله محرَّمًا بين العباد: قال تعالى في نفس الحديث القدسي "فلا تظالموا"؛ أي لا يظلم بعضكم بعضًا.

وقد أعلن النبي r حرمة الظلم في أعظم مجمع وموقف فقال في خطبته يوم عرفة: ((ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا )رواه البخاري ومسلم

وفي الصحيحين أن النبي r قال: ((اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) وقال r فيما يرويه مسلم وغيره: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره)) وقد تهدد الله أرباب الظلم وأهله فقال جل ذكره: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾إبراهيم(42 )

فالله تعالى للظالمين بالمرصاد ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول r: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ r: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾أخرجه البخاري ومسلم وأخبرنا سبحانه أنه لا يحبهم فقال: ﴿وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ آل عمران (58)وقد لعن الله الظالمين فقال: ﴿ألا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾هود (18)

عاقبة الظلم

يأخذه الله ولو بعد حين: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾ (هود).

سبب الإفلاس والظلمة يوم القيامة: قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الظلم فإن الظلمَ ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشحَّ أهلك مَن كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" (رواه مسلم). :

قال صلى الله عليه وسلم: "أتدرون مَن المفلس؟ قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع. فقال: "إن المفلس من أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرِحَ في النار".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "مَن كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلل منه اليوم قبل إلا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئاتِ صاحبه فحمل عليه" (رواه البخاري).

الظالم محروم من شفاعة النبى عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول اللهr صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي، إمام ظلوم غَشُوم، وكل غال مارق".رواه ابن أبي عاصم في السنة ، وصححه الألباني.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: "ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا لا يفكه إلا العدلٍ " رواه أحمد :يُطوق من سبع أرضين: قال صلى الله عليه وسلم "مَن ظلَّم قيد شبر من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين" (متفق عليه).

يستجلب غضب الله على الأمة الظالمة: قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾ (هود)، وقال عز وجل: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)﴾ (الحج)، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه".

سوء الخاتمة وهول المطلع: قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)﴾ (فصلت).

الظلم من موجبات النار: قال صلى الله عليه وسلم: "مَن اقتطع حقَّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة"، فقال رجل ولو كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله، قال: "ولو كان قضيبًا من آراك".

باب العذاب على الأمة الظالمة: قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)﴾ (هود)، وقال عز وجل: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)﴾ (الحج)، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه".

الأسباب التي تؤدي إلى الظلم

تعدي الأمم حدود الله: وهو عدم الالتزام بالمنهج القويم، وهو مما يستلزم الانحراف عن الطريق المستقيم والوقوع في فيما حرم الله قال تعالى:(تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) البقرة: 229. حيث يظلمون أنفسهم بإيقاعها في الظلم والتعدي، ويظلمون الآخرين بسبب أكل حقوقهم و تعدي الحدود. {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى42

عدم تحكيم شرع الله في الأرض: هو الظلم البيّن قال تعالي {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }المائدة49 فإن المجتمع كثيراً ما يريد الالتزام بأحكام الله تعالى، لكن الجائرين يمنعونه من ذلك عن طريق تعطيل الأحكام الشرعية وتسليط القوانين الوضعية، التي هي عادة ما تكون سبباً لتقييد الناس وإيجاد الفساد، قال تعالى:(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) المائدة: 45 (فأولئك هم الكافرون) المائدة: 44 (فأولئك هم الفاسقون) المائدة: 47.

اتباع الكفار: {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }آل عمران69 إن من أهم أسباب تعطيل حدود الله والانزلاق في مهاوي البغي والضلال هو تسليط الكفار على المؤمنين، حيث إن الكافر يريد أن يطبق ما يعتقده أو ما يلائم مصالحه وشهواته، فيسير بالانسان أو بالمجتمع بما يضره ولا ينفعه، قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) التوبة: 23.

اتباع الهوى: وقد أشار القرآن الكريم إلى أنواع الظلم الناتج عن اتباع الهوى:

1: قصد إضلال الناس –لتأمين المصالح- قال تعالى(ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم) الأنعام: 144.

2: منع ذكر اسم الله –إذا تعارض مع المصالح- قال تعالى(ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه) البقرة: 114.

3: خذلان الحق وعدم الشهادة له، قال تعالى(ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) البقرة: 140 وقال تعالى(ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جائه) العنكبوت: 68.

4: عدم اتباع الصدق ومحاولة تكذيبه –خوفاً على المصالح- قال تعالى(فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه) الزمر: 32.

واعتبار كل واحد من هؤلاء أظلم ليس إلا لجهة أن أساس جميع هذه الأعمال هو شيء واحد وهو الشرك والتكذيب بآيات الله.

مقاومة الظلم والظالمين

عاب الله علي من رضي بالظلم واستكان له ولعنه وجعله من الفاسقين

فقال عن قوم فرعون الساكتين علي ظلمه {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ }الزخرف54
وعن قوم موسي حين خافوا وجبنوا عن مقاومة الظالمين( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ{ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون4} قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} {21-26 المائدة}

وصدق الشاعر

ولا يقيم على ضيم يراد به *** إلا الأذلان : عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته *** وهذا يشج فلا يرثي له أحد

(وعير الحي يعني الحمار – والخسف هو الذل والظلم )

وكما قال الشاعر

من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام

الإسلام يحضُّ المظلومين على عدم السكوت على الظلم:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97

ويحض المظلومين على الدفاع عن أنفسهم:

(ما من مسلم يظلم مظلمة فيقاتل فيقتل إلا قتل شهيدًا) حديث صحيح تخريج السيوطي. وأخرجه أحمد (2/205 ، رقم 6913) .

ولقد شرع الله الجهاد وفرضه على المسلمين؛ للدفاع عن المظلومين، مسلمين أو غير مسلمين، في كل زمان ومكان، ورفع الظلم عن البشر، أيًا كان دينهم أو جنسهم أو لونهم. {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193 ]، {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً} [النساء: 75 ]. {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} [الشورى: 39 ].