الشباب والعمل
الحمد لله الذي جعل الدنيا مزرعة للآخرة , ما تزرع في دنياك تحصده في آخرتك , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله إمام العاملين وقدوة المخلصين القائل : لئن يحتطب أحدكم حزمة علي ظهره ويبيعها خير له من مسألة الناس إن أعطوه أذلوه وإن منعوه أهانوه " اللهم صلى وسلم عليه وعلي آله وصحابته الذين عملوا لدنياهم كأنهم يعيشون أبدا وعملوا لآخرتهم كأنهم يموتون غدا . ويقول الحق تبارك وتعالى : "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " وقال : " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " .
إن العمل أيها الأخوة أساس البقاء , وشريان الحياة لكل المخلوقات من بشر وحيوان وطير , فرضته الفطرة السليمة ,وأوجبته الحاجة الضرورية ,ودعت إليه كل الديانات السماوية, وحثت عليه كل المذاهب والنظريات الوضعية, ومارسه الإنسان منذ القدم.
ولما جاء الإسلام نظر إلى العمل باهتمام واحترام , ودعا المسلمين لأن يكونوا عمالا قبل أن يكونوا حكاما أو ساسة أو مسئولين , الإسلام يعتبر العامل في مكانة أعلى من مكانة المسئول .. فالأمة تنتصر بفأس العامل أكثر من أن تنتصر بكرسي المسئول . وحين قال المصطفى : " إنما تنتصرون بضعفائكم . قال رجال الحديث أن الضعفاء الذين يقصدهم هم العمال الذين يحققون الانتصارات ,ثم يختفون في زحام الحياة حتى لا يكاد يشعر بهم أحد .
والرسول عليه الصلاة والسلام يحب الخشونة في الرجل , وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شابا خشنا قد ورمت يداه من كثرت العمل , فأمسك رسول الله بيد ذلك الشاب ورفعها إلى فمه الكريم وقبلها وهو يقول : " هذه اليد يحبها الله ورسوله " هذه شهادة تقدير من رسول الله للشباب , ووسام شرف علي صدور العاملين ينتقل من جيل إلى جيل عبر التاريخ حتى يرث الله الأرض من عليها .
إن المتتبع لسيرة الأنبياء وأولي العزم من الرسل, والمطلع علي تاريخ الصحابة والصالحين , يجد أنهم خلقوا عمالا ولم يخلقوا حكاما , فمنهم من امتهن الحدادة وصناعة السيوف, ومنهم من رعي الغنم , ومنهم من اشتغل بالتجارة . ولم يخلق لهم الله جنة في الأرض يعيشون فيها , ولم يرسل لهم كنزا ينفقون منه , ولم يولدوا في أفواههم ملاعق الذهب ؛ وإنما ولدوا علي فرش خشنة وأكلوا من طعام خشن , تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : " ما شبع آل محمد غداء وعشاء من خبز الشعير ثلاثة أيام متتابعات منذ عرفتهم حتى لحق بربه ".
أيها الشباب ..إن الرجال في نظر الإسلام لم يخلقو للدعة والنوم والراحة ولين العيش ونعومة المآكل والملبس , فتلك عيشة الناعمات من النساء ؛ ولكنهم خلقوا للأعمال الصعبة والمهام الكبيرة , ولذلك حرم عليهم التزين بالذهب والتأنق بالحرير لأنه يشكل مظهرا من مظاهر الطراوة التي لا تليق بالرجال.
أيها الشباب أن أمتكم تنظركم وقد فتحت لكم مواقع للعمل كثيرة في عصرنا هذا , وألقت عليكم أمانة الرقي بأمتكم فقوموا بها علي خير وجه , ولا تتركوا الأجنبي هو الذي يقوم بهذه المهمة , فلا يخلص فيها إلا علي قدر ما يعطي من مرتب , كما تنقصه روح المثابرة والجد في الرفع من مستوى البلاد وخدمة العباد , فلا تتقدم بلادنا إلا علي أكتاف شبابها , وقد أنعم الله علينا بنعم كثيرة لم تتوفر في بلاد أخرى , فلا تقابلوها بالكسل وعدم المبالاة,
وحين وجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمعا من الشباب في المسجد في غير وقت الصلاة نهرهم بصوت عال : " هبوا إلى أعمالكم فإن العمل عبادة وأن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضه .
فهبوا يا شباب أمة الإسلام إلى مواقع العمل وتزودوا بالعلم واجتهدوا في الرقي بالأمة إلى مصاف الدول المتقدمة فنحن أساس التقدم حتى للشعوب الأخرة .
والله ولي التوفيق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته