[ويقول العلامة " جيمس هنري برستيد " ( أن العبرانيين قد استقوا كثيراً من مؤلفات أو " أدب " الأمثال والأساطير التي كانت منتشرة إذ ذاك انتشاراً عالمياً قبل سنة 1000 قبل الميلاد .
وحينما حاول النبي " أشعيا " أن يبرهن على أن " آشور " لم تكن إلا آلة في يد " يهوه " ضرب لذلك مثلاً عن الآلات الجامحة ، يتضح أنه بلا شك يرجع إلى أصل أجنبي ، قال :
" هل تفتخر الفأس على القاطع بها ، أو يتكبر المنشار على مردده ؟ كأن القضيب يحرك رافعه ، كأن العصا ترفع من ليس هو عوداً " ( أشعـيا 10 : 15)
وكان يظن أولاً أن مصدر ذلك النوع من القصص أو الأمثلة الخرافية هو بلاد الهند ولكن الأستاذ " مسبرو " وجد منذ زمن طويل أقدم خرافة معروفة من تلك الخرافات على لوح كتابة مصري بمتحف " تورينو " .
وقد تأثر الأنبياء العبرانيون أيما تأثر بالمقابلة بين الرجل المستقيم والرجل الخبيث كما صورتها كتابات ذلك الحكيم المصري القديم : فقد اقتبس " أرميا " تلك الصورة الهامة للشجرتين اللتين تصورهما " أمينموبي " .
كما يتضح ذلك من المقارنة الآتية

أمينموبي : ( الحكيم المصري القديم ) النبي أرميا : ( من أسفار الكتاب المقدس )
والرجل الأحمق الذي يخدم في المعبد مثله كمثل شجرة نامية في غابة ، ففي لحظة يفقد فروعه ويجد نهايته في (مرفأ الخشب ) وينقل بعيداً عن مكانه ، والنار مأواه .
والرجل الحازم حقاً ينتقي لنفسه مكاناً .
فإنه مثل شجرة نامية في حديقة يزدهر ويتضاعف ثمره ويجلس في حضرة سيده .
وثمرته حلوة وظله وارف ، ويجد آخرته في الحديقة .



( أمينموبي 6 : 1 – 12 ) ملعون ذلك الرجل الذي يتكل على الإنسان ويجعل البشر ذراعه ، وعن الرب " يهوه " يجيد قلبه ويكون مثل العرعر في البادية ولا يرى إذا جاء الخير .
بل يسكن الحرة في البرية أرضاً سبخة وغير مسكونه .
ومبارك ذلك الرجل الذي يتكل على الرب " يهوه " وكان الرب متكله .
فإنه يكون كشجرة مغروسة على مياه وعلى نهر تمد أصولها . ولا تخشى إذا جاء الحر .
ويكون ورقها أخضر ، وفي سنة القحط لا تخاف ولا تكف عن الإثمار .
( أرميا 17 : 5 – 8 )

وحينما يتأمل الباحث تلك الصورة الشيقة التي رسمها " أمينموبي " للشجرتين فإنه يثب إلى ذهنه المزمور الأول الذي جاء فيه : -
المزامير :

1- طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار ، وفي طريق الخطاة لم يقف ، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس .

2- لكن في ناموس الرب " يهوه " مسرته ، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً .

3- فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه ، وورقها لا يذبل ، وكل ما يصنعه ينجح .

4- ليس كذلك الأشرار لكنهم كالعصافة التي تذروها الريح .

5- لذلك لا تقوم الأشرار في الحساب ولا الخطاة في جماعة الأبرار .... (المزمور الأول : 1 – 5) .....

ولا يمكن بحال أن تكون تلك المشابهات من قبيل الصدفة بل أنها بالعكس دليل على وجود جزء عظيم من الأنشودة المصرية الدينية القديمة منشوراً بشكل معدل في المزامير العبرانية .

وقد مضى الآن ما يقرب من جيل منذ أن لفت المؤلف الحالي الأنظار إلى التشابه المدهش الموجود بين المزمور 104 وبين الأنشودة الاخناتونية المنظومة لإله الشمس . ولم يكن في استطاعتي في ذلك الوقت أن أتعرض لأكثر من بيان وجه الشبه فقط ، إذ كان من الحكمة ألا تبنى أية نتيجة على مجرد وجود تلك الحقيقة ، ولكن الأبحاث والكشوف التي تلت ذلك العهد قد غيرت موقفنا تغييراً جوهرياً ، حيث صار لدينا الآن الأصل الهيروغليفي المصري الذي ترجمت ونشرت منه فقرأت كاملة برمتها في " كتاب العهد القديم العبراني " . فقد تعرف الأستاذ المأسوف عليه " هوجو جرسمان " (Hugo Gressman) ، الـبحـاثـة الضـلـيع وصـاحـب الـرأي الـثـاقـب فـي الأدب العـبراني بلا تردد على المنهل المصري الذي استقى منه (المزمور 104) المذكور الذي انحدر إلى فلسطين على ما يعتقد عن طريق فينيقية . بل قد ذهب الأستاذ " جرسمان " هذا إلى أبعد من ذلك ، بأن تعرف على وجود مؤثرات أجنبية في المزامير العبرانية ، حيث يقول :
" إن أقدم موضوع أسطوري تناولته " الأناشيد العبرانية " هو خلق العالم ، وهو وأسطورة الخلق نفسها يحتمل أنهما نشئا في بابل ، وأما موضوع العناية الربانية بالعالم فإنها فكرة جاءت فيما بعد وقد شقت طريقها إلى المزامير الفلسطينية بتأثير مصر القديمة " )
ويمضي العلامة " برستيد " قائلاً ( وقد كان المعروف من زمان طويل أن " محاكمة " " سليمان " المشهورة ترجع إلى أصل هندي شرقي ، ومع ذلك فإن الأبحاث العلمية لم تكشف لنا من قبل عن مؤلف شرقي قديم بلغة غـير فلسطينية ترجم عـنه بالتحقيق جزء بأكمله من " كتاب العهد القديم " كما نرى في هذه الحالة . ولهذا الكشف أهمية بعيدة المدى لدرجة أننا مع إشفاقنا من ملل القارئ نرى أنه لابد من إيراد بعض الأمثلة الدالة على ما تقدم ، فكلمات الحكماء في " سفر الأمثال " العبراني وفي حكم " أمينموبي " تبتـدئ بما يأتي :-

أمينموبي المصري سفر الأمثال العـبراني (22 : 17 – 18)
أمل أذنيك لتسمع أقوالي واعكف قلبك على فهمها لأنه شيء مفيد إذا وضعتها في قلبك .
ولكن الويل لمن يتعداها . 17- أمل أذنك واسمع كلام الحكماء ووجه قلبك إلى معرفتي .
18- لأنه حسن إن حفظتها في جوفك .
إن ثبتت جميعاً على شفتيك .
أمينموبي المصري سفر الأمثال العـبراني (22 : 21)
لأجل أن ترد على تقرير لمن قد أرسله . 21- لأعلمك قسط كلام الحق لترد جواب الحق للذين أرسلوك .











(1) أنظر كتاب المؤلف : History Of Egypt pp. 371-374 (1 st. Ed., New York, 1905)
(2) يشير إلى قضاء " سليمان " بين المرأتين اللتين ادعـت كل منهما أمومة الطفل
أمينموبي المصري (7 : 12 – 15) سفر الأمثال العـبراني (23 : 10)
لا تزحزحن علامات حدود الحقول
... ... ... ...
ولا تكونن شرهاً من أجل ذراع أرض ولا تتعدين على حدود أرملة . 10- لا تنقل التخم القديم ولا تدخل حقول الأيتام .
أمينموبي المصري (9 ، 14 – 10 ، 5) سفر الأمثال العبري (23 : 4 – 5)
لا تتعبن نفسك في طلب المزيد حينما تكون قد حصلت بالفعل على حاجتك .
وإذا جلب إليك المال بالسرقة فإنه لا يمكث معك سواد الليل وعندما يأتي الصباح لا يكون بعد في منزلك .
بل يكون قد صنع لنفسه أجنحة كالأوز وطار إلى السماء . 4- لا تتعجب لكي تصير غنياً .
. . . . . . . . . .


5- هل تطير عينيك نحوه وليس هو ؟
لأنه إنما يصنع لنفسه أجنحة كالنسر يطير نحوه السماء .
أمينموبي المصري (9 : 5 – 8) سفر الأمثال العبراني (15 : 16 – 17)
الفقر في يد الله خير
من الغني في الهرى (المخزن)
وأرغفة (تحصل عليها) بقلب فرح
خير من ثروة (تحصل عليها) في تعاسة . 16- القليل مع مخافة الرب " يهوه " خير من كنز عظيم مع هم .
17- أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضة .
أمينموبي المصري (16 : 11 – 12) سفر الأمثال العبراني (17 : 1)
والثناء على الإنسان كشخص محبوب عند الناس
خير من الغنى في الهرى ( المخزن ) . 1- لقمة يابسة ومعها سلامة خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام .
أمينموبي المصري (11 : 13 – 14) سفر الأمثال العبراني (22 : 24)
لا تصاحبن رجلاً حاد الطبع
ولا تلحن في محادثته . 24- لا تستصحب غضوباً ومع رجل ساخط لا تجيء .
أمينموبي المصري (22 : 1 – 8) سفر الأمثال العبراني (20 : 22)
لا تقولن قد وجدت حامياً
والآن يمكنني أن أهاجم الرجل الممقوت .
ضع نفسك في ذراعي الإله .
يهزمهم صمتك ( يعني الأعداء ) 22- لا تقل إني أجازي شرا
انتظر الرب " يهوه " فيخلصك
( لا تقل أجزي على الشر بل انتظر الرب فيخلصك )
أمينموبي المصري (23 : 13 – 18) سفر الأمثال العبراني (23 : 1 – 3)
لا تأكل الخبز في حضرة رجل عظيم
ولا تعرض فمك في حضرته .
وإذا أشبعت نفسك من طعام محرم
فإن ذلك ليس إلا لذة ريقك .
وانظر فقط (وأنت على المائدة) إلى الوعاء الذي أمامك وكن مكتفياً بما فيه . 1- إذا جلست تأكل مع متسلط فتأمل ما هو أمامك تأملاً .
2- وضع سكيناً لحنجرتك إن كنت شرهاً .
3- لا تشته أطايبه لأنها خبز أكاذيب .



أمينموبي المصري (27 : 16 – 17) سفر الأمثال العبراني (22 : 29)
الكاتب الماهر في وظيفته سيجد نفسه كفوا لأن يكون من رجال البلاط . 29- أرأيت رجلاً مجتهداً في عمله ، أمام الملوك يقف .

ولا حصر لما نستطيع إيراده من أمثال تلك المماثلات المتشابهة ، ولكن ما أوردناه من الأمثلة التي ذكرت يكفي بلا شك للدلالة على أن " سفر الأمثال العبراني " يحمل في ثناياه جزءا جوهريا من كتاب حكم لمصري قديم سابق له )
* وأخيراً ... وليس بآخر يعـترف الآباء الكاثوليك في مقدمة سفر الأمثال بحقيقة هذه الاقتباسات فيقولون ( يستحيل تحديد أصل هذه المجموعات حتى المسندة منها إلى " سليمان " . وقد تكون ثانية المجموعتين المذكورتين آنفاً من عهد " حزقيا " حسب ما يشير إليه عنوانها بالذات (25 : 1) . وحكم المجموعة الأولى منفردة أو مجموعة قد تكون أقدم من عهد " حزقيا " فلا يمكننا أن ننفي دور شخصية " سليمان " التقليدية في تأليف بعضها أو نقله إن لغة الأمثال لربما تعود إلى عهد أقدم من عهد " سليمان " وقد فاهت بها شعوب الشرق القديمة وحكماؤها من أدوميين وآشوريين ومن مصريين خاصة . حتى إن ثمة علاقات قوية بين الجزء الإضافي (22 : 17 ، 24 : 22) والمجموعة المصرية المعروفة باسم " امن – ام – اوبي " . إن عددا كبيرا من هذه الأمثال لا صفة دينية لها البتة)

1) فجر الضمير صـ 390 – 405
(2) الكتاب المقدس للآباء جـ2 صـ 166