بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام ..والمسيح ابن مريم عليه السلام نزول وعودة


بقلم
الشيخ عبد الرحمن العيسى
حلب 1430هـ - 2009م



مقدمة :


هذه مطالعة بيانية ، بقوة الفكر ، حول إحدى المقررات الإسلامية النبوية، ألا وهي نزول السيد المسيح عيسى بن مريم ، قبيل الساعة بقليل ، ومسوغاتُ هذا النزول ..
حيث أفاض سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، في هذا السياق، مؤكداً القول في مصداقية ذلك النبأ العظيم ، ونزول ذلك النبي الكريم..الذي يأتي على حين فترة عصيبة ، وحياة رديئة كئيبة ، آلت فيها القيم الدينية والإنسانية ، إلى النفاد والنضوب ، والاستهلاك الأناني الغوغائي الأهوج ، في سوق النّخاسة الفكرية والسياسية ، والشعارات البراقة ، والازدواجية المفضوحة والمعلَنة ، والتطفيف المكشوف ، والعدوان الصارخ ، والبلاء الأعظم ، والحرب الضروس ..


البيان والمدخل :


روى الإمام البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم : ((كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم )). والإمام هنا هوالمهديُّ ذاته ..

وهكذا فقضية نزول عيسى بن مريم ، في هذه الأمة ، آخر الزمان ، ثابتة بالسنة المتواترة ، وبنص القرآن ..
ولعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، كان يستشعر ما قد يكون من إنكار واستعباد لهذا النزول .. فكان يُقْسم على ذلك فيقول : (( والذي نفسي بيده لَيوشِكنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حَكماً عدلاً .. إلى آخره .. الحديث )) .
وكان أبو هريرة يقول : إقرأوا إذا شئتم ، قوله تعالى (( وإنْ من أهل الكتاب إلا ليؤمننَّ به قبل موته .. )) أي موت عيسى بن مريم ، بعد النزول آخر الدهر ..
وجاء في القرآن تأكيد لذلك ، في قوله تعالى : (( وإنه لعِلْم للساعة )) . أي إن عيسى يكون نزولُه علامةً للساعة وعِلماً بقربها ..
والحقيقة أن الأمة سلفاً وخلفاً , مجمعةٌ على ذلك ، ومعتقدة به ، فهو جزء من عقيدة الإسلام ، ويقينياته الكبرى ..
ولا يَضير هذا الاعتقادَ ، شذوذُ من شذَّ ، بإنكار هذا النزول ، ورفض الأحاديث الصحيحة والمتواترة ، وتأويل الآيات القرآنية ، تأويلاً يؤكد دعواهم ، وينفي عقيدة النزول ..
ليس البحث هنا في إثبات الثابت ، ونفي المنفيِّ ، بل هو شأن آخر ، يتوضح في الآتي ..
في البداية ، ما هي النسبة والعلاقة بين النزول وواقع الأمة و العالم ، في وقته وحينه ؟
ولماذا كل هذا الاستعداد والتهيؤ المبكِّر جداً ؟ رجل نبي كريم ، يريد قومُه أن يصلُبوه ، فيرفعه الله حياً ، ليأذن بنزوله وعودته قبل يوم القيامة ، فيحقق الأهداف الكبرى ، المنوطَة به أصلاً ؟.
والتي يؤدي تحقيقها ، إلى انفراجٍ أخطر وأعقد أزمة إنسانية حضارية في التاريخ ..

التمهيد لفهم إشكالية النزول :

بادئَ ذي بدء ، فإن أمة الإجابة من هذه الأمة ، هم الذين يُقرون لله بالوحدانية ، ولمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة ، أي يقولون : لا إله إلا الله محمد رسول الله ..
وأما أمة الدعوة ، فهم الذين يرفضون ذلك ، ولا يؤمنون بالرسالة المحمدية الإسلامية ، وهؤلاء هم أمم الأرض ، وشعوب العالم ، الذين تتوجه إليهم الدعوة الإسلامية ، ويُدعون إلى الإسلام ..
فسكان الكرة الأرضية ، هم أمته عليه الصلاة والسلام ، وهو مسؤول عن دعوتهم و هدايتهم ، وليس أيُّ نبي آخر ..
وحالُ البشر وواقع أمرهم ، مكشوف ومعروف ، وغير خافٍ ولا مبهم ولا غامض .. المعاناة واحدةُ الأسباب
و الدواعي، والشذوذُ في كل شيء ، يَجثم على صدر هذا العالم..
فأينما ذهبت ، وحيثما حللت ، فإنك واجد ضلالاً رهيباً يكتنف الجميع ، لم يمر له مثيل ولا قريب منه من قبل ، إلى جانب حروب وصراعات وتحديات مدمرةٍ لكل خير ، ومقوِّضة لكل حضارة ، تجري فيها الدماء و الدموع والأشلاء أنهاراً ..
وأخلاقيات و أدبيات وسلوكيات ، وأنماط عيش وحياة ، واستراتيجيات وسياسات ، كل ذلك رديء ووبيئ ، وظالم وآثم ، ومستنقعات من المآسي والفظائع والجرائم ، والأرض كلها ساحة رقص و مآتم !.
والداء واحد في جميع القارات : كفر بالقيم الإنسانية ، وهدر للكرامة الآدمية، وضياع كبير ، وسوء منقلب ومصير ، وشر مستفحل ومستطير ، ونزعة عدوانية وحشية ، وهتك لكل الحرمات والحقوق والمحرمات .. وعاصفة من إباحية ..
ولا حلول من وقاية أو علاج ، اللهم إلا ما يَصب الزيت على النار ، ويزيدها اشتعالاً واستفحالاً ..
ورجال المعابد والكهنوت ، والفكرِ الديني المصادَر والمتهافِت ، يضربون في حديد بارد ، ويَلْوون ألسنتَهم بالكتاب وبالخطاب ، لكي يكونوا في النهاية لا يخذل الباطل ، ولا ينُصر الحق ، ولا يمس الظالمين والمفسدين بسوء ، والهدف المستهدف عند هؤلاء ، دنيا عريضة ، تأكل دين صاحبها كما تأكل النار الحطب.. (( يبتغون عرض الحياة الدنيا ، ويقولون : سيُغفر لنا .. ))
امتلأت الأرض حقاً : ظلماً وجوراً ، وتحققت هذه المقولة، أكثر من أي وقت مضى ، وكما لم تمتلئ من قبل ..
وفي كل شبر من المعمورة ، فإنك واجد من الفتن والدواهي والمحن ، والمشكلات والموبقات ، والمظالم المروِّعة ، مايفتت الأكباد ، ويُذهل العقول ، ويخرب العواطف ، ويُحيِّر الحليم والعليم ..
والحياة بأوسع مجالاتها ، دوامات ومتاهات وانحرافات خطيرة ، تهوي بالبشر في مكان سحيق ، وتُطوِّح بهم في خنادق النار والعار والدمار ..
أضف إلى كل ذلك ، صراع العقائد ، وصدام الحضارات ، بين الشرق والغرب ، أو بين الشمال والجنوب ، أو بين الغرب الأوروبي وأمة العروبة والإسلام ، حيث كانوا لنا مفرقين ومستعمرين ومحاربين ومعتدين ، وما زالوا حتى الآن يشنون علينا حرباً لا هوادة فيها ، ويجيئوننا تحت كل راية غاية ، مدجَّجين ومهاجمين ، ولما ظهروا علينا لم يَرقُبوا فينا إلَّاً ولا ذمة، ولم تأخذهم تُجاهَنا آصرة ولا رحمة ، ولم يكتفوا بذلك ، بل زرعوا في قلب وجودنا ، ذلك الجسم الطفيلي الغريب ، الذي يمنع ويحول دون أن يلتئم لنا شمل ، وتتوحد لنا كلمة ، ويكون لهذه الأمة موقف تضامني فاعل في هذا الوجود ، الذي العدل فيه مفقود ..

ضرورات النزول ومسوِّغاته :

فنزول ذلك الإنسان ، سوف يلغي كثيراً من القناعات التي مضت عليها القرون ، ويُُحْدث في الأرض قناعات جديدة وبركات، قد تبدو الآن شبه مستحيلة..
نزول المسيح ، أعظم تحول في تاريخ آخر الزمن ، حيث يُصَدَّق قوله تعالى: ((وما قتلوه وما صلبوه)) ..
إن الحرب الاستعمارية ، والهجمة الصليبية القديمة والحديثة، التي شنها ويشنها علينا أعداء الله والحياة ، وأعداء أنفسهم ، هي التي فرضت وجودها على هذا العالم ، وأحدثت فيه انقسامات ، لا يرأب صَدْعها ..
ومن المستحيل الخروجُ من تحت ركامها ، والوصولُ إلى كلمة سواء بيننا وبينهم ..
ولدى التدقيق وإنعام النظر ، في هذه القضية ، تلوح لنا حكمة الخالق العظيم، الذي ادخر هذا الإنسان ، ليقوم بأعظم رتْق وجمع في آخر الزمان ، حيث يوحِّد الموقف والدين ، وتضع الحرب أوزارها ..
إذ تبدو الأمور الآن ، وكأنه لا عودة ، ولا مَن يمتلك ناصية التغيير والإغاثة, ومن المستحيل إحداث تغيير جذري ، في بنية العالم الإنسان ، و مآلاته الفاضحة ، وغير الفالحة ..
بالنسبة لنا ، ليس لدينا مشكلة في التعامل مع الآخرين وسوانا من خلق الله ، على قدم التكافؤ والاحترام والمساواة ، والتعاون المثمر والبنَّاء .. ولكن المشكلة الحقيقية ، المفعمة تعقيداً ورسوخاً ، التي لا تبدو أنها قابلة للحل والتجاوز ، هي في غطرسة الغرب الأوروبي والأمريكي ، وشعوره بالتفوق العرقي والعنصري واعتزازه بفرط القوة الطاغية ، واعتبارنا عنده غنائمَ حرب، وأُسارى ومرتهنين ، ومخلفات من الرجعية والتخلف ، وأننا لا نستحق الحياة إلا بقدْر خدمة مصالحه ، وتحقيق مطامعه ، ونهبنا وسلبنا ، واجتياح هويتنا ووجودنا ..
بيد أن المسيح الذي ينتسب إليه المسيحيون في الغرب الأوروبي والأمريكي ، هو الكفيل بإفهامهم وإرغامهم ، على أن الحقيقة المطلقة ، هي غير ما يعتقدون ويفكرون ويعملون ..
على حد قول الله تبارك وتعالى :(( وشهد شاهد من أهلها )) وقوله تعالى:(( وشهد شاهد من بني إسرائيل )) .
إننا لا ننكر أن المسيح سوف يأتي مبعوثَ الحضرة الإلهية النبوية ، ليغيث هذه الأمة ، وكل المؤمنين بالله في الأرض ، وليعيد الأمور إلى نصابها ومجاريها ، بعد أن آلت أوضاع هذه الحياة ، على ظهر هذا الكوكب المنكوب المغلوب ، إلى طرق مسدودة ، وعقد مستعصية ، وكراهية بين البشر ، وفردية وأنانية ، لم نعهد بمثلها ولا قريب منها في الغابرين ..

أعظم شاهد على العصر :

إن المسيح هو أعظم شاهد على العصر حقاً ، وهو أعظم من كل الشهود ، ولن ينطق إلا بالحق الذي طال عليه ليل الإظلام والتعتيم ..
لأنه مدعَّم بأدلة وثبوتيات وحيثيات ، لم تتوفر لكل الشهداء على هذا العصر ، لأن شهادته عملية إجرائية ، وشهادة أولئك : نظرية مبتورة ومجتزأة ومتقاصرة ..
وإن شهادة المسيح ، غير قابلة للرد والنقض والرفض ، حتى من أشد خصومنا اليوم وظالمينا ..
فالحقيقة سوف تفاجئهم وتُذهلهم ، وتنتزع منهم كل ما يقال ويُدَّعى ، من أوراق هذه اللعبة اللعينة والقذرة ، وتجعلهم لا يُحيرون جواباً، إلا أن يُذعنوا ويؤمنوا ، ويسلموا بالحق ، وسطوع الشمس ، ورائعة الضياء الباهر ..
وبالتالي يكتشفون أنهم كانوا مخدوعين ومخادعين ، ويتخلون عن كل ثوابتهم المزعومة ، وعقائدهم الموهومة ، وأنهم كانوا كاذبين!.

نزول وقدر إلهي :

نزول المسيح وعودته ، ليست قضية مُتْرفة ولا واغلة ولا متطفلة ، وليست لحسابات كهنوتية وعنصرية ، وإنما هي قدَر مقدور ومقدَّر أزلاً ، اقتضته ضرورات ما مر مثلها في التاريخ ، وبدونها سوف يظل هذا العالَم ، يتخبط في هذا الترنح الكبير والمبير ..
وسيظل الذين أعلنوا عليه الحرب والعداوة ، قبل ألفْي عام ، يفسدون في الأرض ، ويدمرون الكوكب ، ويُكذِّبون الحضرة الإلهية , بقولهم (( إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم )) .
سبحان الله العظيم .. أعظم أكذوبة في التاريخ ، عمرها عشرون قرناً ، هي التي صبغت العالَم ، وزلزلته زلزالاً شديداً ، وتحكمت بمصائر أقوامه وشعوبه حتى اليوم، وأججت حروباً طاحنة متواترة ، وأسالت الدماء البشرية أنهاراً ، وتمخضت عن أحداث وتحولات وتواريخ ، ليس لها من سند ولا مبرر ، إلا تلك الأكذوبة الفجة ..
وقد أحالت كوكب الأرض ، إلى طواعينَ وسجون ، ومقابرَ جماعيةٍ لا نهاية لها .. وعذاباتٍ من كل لون ونوع ..
وإلى اليوم ، ورغم ما توصل إليه البشر ، من سرعة الصوت والضوء ، والأقمار الصناعية العملاقة ، والمراكب الفضائية الهائمة ، والمخترعات الهائمة ، والاتصالات والانجازات ، التي يعجز العقل عن تصورها ومداها ، فإنه ما زالت الأساطير والخرافات والأكاذيب ، والمزاعم الساقطة ، تهيمن على هذا العالم ، وتحركه في كل اتجاه ، وتسوقه إلى مسالخ الذبح والجريمة والجنون ، وهيستيريا الأحلام والأوهام ، وتفجير بحر المآسي والفواجع والنكبات ، والأوجاع والآلام ..
إن فضح هذه الأكذوبة التاريخية العالمية ، هو الذي يتكفل نزول المسيح به ، ووقفِ طوفان ما بُني عليه ، ومال آل إليه ..
وختاماً ، فمن ذا الذي يمتلك القدرة على الفصل في كل هذا الواقع الذميم والجسيم ، والمعتَّق منذ الأجيال والقرون ، ولا تزيده الأيام ، إلا كالنار اتِّقاداً واشتعالاً ؟.
لعلي بذلك أكون قد أزحت الستار ، عن جدوى ومصداقية المسيح في عودته ونزوله ، وإنجاز ما عجزت عنه القارات والمعسكرات ، وكبرى التحكم والرئاسات ، بل كانت هي الوقودَ ، لحرب الصدام والخصام والعداوات ..
ولعلي أكون أيضاً ، قد زففت البشرى الأعظم ، إلى هذا العالَم المتهدم ، الذي تحركه الأصابع الخفية ، ولصوص الفلسفة الميكيافيلية ، وأن المسيح مات على الصليب !!

تتمة ..وتمام المعنى :

يتحدث القرآن المجيد ، عن قضية جوهرية ، هي الأساس في كل ما ذُكر آنفاً ، وهي أن السيد المسيح ، لم يمت بعدُ ، وأنه رُفع إلى السماء حياً بجسده وروحه ، وصُلب بالنيابة عنه ، الذي شُبِّه لهم ، وهو إما الذي خانه ، أو الذي افتداه ..
ومن أجل التحقق من ذلك ، سوف ينزل ويعيش بقية عمره المقدر له ، ثم يموت كما مات الصالحون من قبله ..
ولكن قبل موته ، هناك إيمان به من نوع آخر ، غير الذي عرف به في التاريخ..
فالذين أحبوا المسيح ، وانتسبوا إليه ، وغالوْا في هذا الحب ، وفرَّطوا بالتعاليم والبشارة التي جاء بها ، في حياته الأولى ..
هؤلاء سوف يؤمنون من جديد ، بالمسيح المبارك ، على أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروحٌ منه ..
وإيمانهم الجديد هذا ، سوف يقودهم إلى الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم - ويحبونه حباً جماً ، ويشهدون أن
لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ..
وبذلك يصبح المسلمون والمسيحيون أمة واحدة ، ذات عقيدة واحدة ، وهذا ما سيؤدي بالطبع ، إلى توحيد العالم الإنساني ، وإنهاء تعدد الأديان والعقائد ، وتضع الحرب أوزارها ، ويطفئ الله نارها ..
يقول سبحانه :(( وإنْ من أهل الكتاب إلَّا لَيؤمننَّ به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً )) . صدق الله العظيم .
خاتمة وختام :
لقد جاء هذا النبي والرسول ، بمعجزات لم يأت بها نبي من قبل ، إلى درجة أنه دعي آلهاً تجسَّد وتأنَّس ، وانتهت الرسالة الإلهية بنهايته ، ولا حاجة بعده لنبي آخر..
وحُرِّفت بشارة الإنجيل بأحمد ومحمد ، وأنها ليست لخاتم النبيين .. ثم كانت نهاية المسيح ، كما هو شائع في العالم ، رغم أن القرآن المجيد ، ينفي ذلك ، ويُتلى آناء الليل والنهار ..
فهل من المنطقي والمعقول ، أن تُطوى هذه الصفحة بتلك البساطة ، وأن يذهب دم المسيح هدراً ، دون أن يكون من حضرة العلي القدير ، تمحيص وكشف ، وتظهر الحقيقة المطلقة ، وتفنى كل المزاعم الرائجة ، التي اصطنعها اليهود ، أعداء المسيح ، الذين كانوا ضحية وهم كبير ، فعَميت عليهم الأنباء ، واشتبهت لديهم الأمور؟!.
ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى ، لن يترك الأمر يذهب سدىً ، وتكون لإبليس اللعين ، خاتمة الصدق والتصديق ، فيما راج عبر القرون ، بل لا بد من أن يُصَدَّق الرحمن ، أي يظهر صدقه للعيان ، ويُكذَّب الشيطان ، وحزبه الخاسرون ، ولا تتم هذه الإرادة والمعطيات ، إلا بنزول ذلك الإنسان ، وظهوره شخصياً بلحمه ودمه ، فيخاطب البشر بالحق الأبلج ، ولا تقوم الساعة ، وتنتهي الحياة ، إلا وقد حصحص الحق ، وانهارت دنيا الأكاذيب والأساطير والترهات ، وتداعى تاريخ الإفك والظلم ، وثبت الحق والصدق ، لبارئ الأرض والسمـوات ..

ولاية محمدية :

يقول سيدنا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :(( أنا أولى الناس بعيسى بن مريم )) . رواه أبو داود وأحمد ..
هذه الولاية المحمدية ، تعطي السيد المسيح ، ميزة عزيزة المنال ، ليست لغيره وسواه ، من الأنبياء والمرسلين ، وكان عيسى شديد الحب والتقدير والأدب والاحترام ، لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : خاتم النبيين..
فرسول الله عليه صلى الله ، هو أولى وأخص وألصق بعيسى ، من أمه التي حملته وولدته ، ومن حوارييه ، ومن كل أتباعه ومحبيه ، إلى يوم الدين .. وبذلك قضي الأمر من الله ..
وكأن نبيَّ الإسلام ، يحتضن المسيح ، ويضمه إليه ، في جنان ومودة ، ونُصرة كريمة ، بعد أن ضاع في خضم الاتهامات الباطلة ، ويدفع عنه قالة السوء ، التي أُقحمت فيه ، من قبل أعدائه اللدودين الجاحدين ..
فهو عند هؤلاء : دجال وساحر ، وطالب ملك ، ومحرض على الفتنة ، ومجدِّف على الشريعة ، ومخالف تعاليمها ، ومصرح بأن إسماعيل هو الذبيح ، وليس إسحق .. ومبشر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ..
فكون المسيح تحت الولاية المحمدية المباشرة ، يعطيه الحق لأن تكون له تلك القيمة الغالية ، ويرشحه للتدخل في حياة الأمة ، وردها إلى دينها ، وإحياءِ منهج نبيها، واتباع طريقة الخلفاء الراشدين ، وكبار الصحابة والتابعين ..
والرسول عليه الصلاة والسلام ، بقوله ذاك : قد وضع المسيح المبارك ، في الإطار الصحيح ، وجعله واحداً من أهل البيت المحمدي ، وحينما ينزل يصلي خلف المهديِّ : آخرِ الأئمة وخاتمهم ، ويتعاونان في وضع الأسس ، للإصلاح العالمي العام ، ونشر ألوية الحب والسلام ..
هذه المقالة ، تفسير وبيان ، واقعي ومنطقي ، للوعد الموعود، ألا وهو : نزول السيد المسيح عليه السلام ، من السماء التي رفع فيها ، إلى الأرض التي وُعد بالعودة إليها ، ليقوم عملياً وعلى مشهد من العالم ، بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي بشر به كثيراً ، ولينصره فعلاً وقولاً وإرادةً ، وليعليَ من شأن رسالته في الكون من جديد ، وذلك في آخر الزمن العائد والمستعيد ..
نيابة عن كل النيين ، الذين آتاهم الله الكتاب والحكمة والنبوة ، وتحقيقاً وتطبيقاً لقوله تبارك وتعالى : (( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لماَ أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدِّق لما معكم لتؤمننَّ به ولَتنصرنَّـه قال : أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا : أقررنا قال : فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين )) ..
إنه نزول لوفاء وإقرار واستقرار ... والله سبحانه وتعالى أعلم.

بقلم الشيخ عبد الرحمن العيسى