لا يخرج الاستهزاء بالمسيح ـ عليه السلام ـ من قبل القناة التلفازية في الكيان الإسرائيلي عن سلسلة التعالي اليهودي الإسرائيلي على الآخر، حتى الذي أسدى إليه معروفا؛ فالمسيحية المعاصرة الغربية، بمعتقداتها أو بقرارات مجاميعها "المسكونية"، قدمت الدعم ـ بكافة أشكاله ـ لليهودية والكيان الإسرائيلي.
وتعتبر البروتستانتية، الطائفة الداعمة الأولى، من خلال ارتباط العديد من معتقداتها بمعتقدات الديانة اليهودية، ودعوة أتباعها للعودة إلى الكتاب المقدس بعهديه الجديد والقديم المليء بتاريخ اليهود بفلسطين، فشكلت بأذهان الكثير من أتباعها الاقتران باليهود؛ مما ساهم في إيجاد و ترسيخ القناعة الإيجابية لدى الشعوب وقادة العالم الغربي نحو دولة الكيان الإسرائيلي، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يدل على ذلك مسار نتائج استطلاعات الرأي المتعلقة بالقناعات الدينية، كارتباط عودة المسيح بحكم اليهود لفلسطين.
وأما الكاثوليكية التي حملت لواء العداء لليهود تاريخيا؛ لاعتقادهم بقتل اليهود للمسيح ـ عليه السلام ـ، ورفضها لقرار تقسيم فلسطين، فقد قدمت العديد من التنازلات للكيان الإسرائيلي عبر محطات عديدة، أسهمت في تكوين وتثبيت هذا الكيان منذ نعومه إظفاره.
فيعتبر إعلان تبرئة اليهود من دم المسيح ـ حسب قرارات المجمع المسكوني الثاني الصادر عام 1965 ـ من أول وأبرز محطات الدعم، وأكثرها تأثيرا في التحول الكاثوليكي نحو اليهودية. وكان هذا الإعلان بتلك الفترة الحرجة في الصراع مع العدو الصهيوني، بمثابة إقرارٍ من الكاثوليكية للكيان الغاصب في فلسطين، ويعدُّ تغييرا جذريا لمعتقدات تزيد عن أكثر من ألفي سنة في العقوبة الإلهية لليهود بطردهم من فلسطين إلى بابل لما فعلوه بالمسيح، عليه السلام.
ثم جاءت خطوات أخرى ليستمر الدعم الفاتيكاني "لإسرائيل"، فكانت اتفاقية عام 1993 في إقامة علاقات دبلوماسية بين الفاتيكان والكيان الإسرائيلي، والاعتراف الرسمي بهذا الكيان، بالرغم من أن الكنسية قد أكدت ـ حين أصدرت وثيقة التبرئة لليهود ـ أنه لن يؤدي إلى الاعتراف بـ"إسرائيل"، فشكلت هذه الاتفاقية ـ أيضا ـ مخالفة صريحة لمعتقدات المسيحيين، الذين رددوها آلاف السنين، بحجة أن لا ذنب للأبناء بما فعل الآباء.
وفي عام 1998م، جاء الاعتذار البابوي لليهود عن مجازر النازية ضمن وثيقة ما سمي بالمحرقة (Shoah)، والتي لا دخل للكاثوليكية بها أصلا، وإنما لدفع تهمة واعتذار عن تقصير البابا، بيوس الثاني عشر، بحماية اليهود في هذه المجازر!!
والخلاصة عند تطبيق منهج صنع القرار في التحليل السياسي على القرارات الصادرة من الفاتيكان تجاه الكيان الإسرائيلي ـ وقد أتيحت لي الفرصة البحثية بالقيام بذلك ـ من حيث أهميتها، ونتائجها، وتأثيرها، تتضح العلاقة الإيجابية التصاعدية بين الطرفين، واستمرار التنازل الفاتيكاني "لإسرائيل".
ومع كل ما قدمته المسيحية الغربية، بطوائفها الكبرى، خدمة للكيان الإسرائيلي، يستمر هذا الكيان، بوسائل إعلامه وجمهوره بالتنكر لهذا المعروف، كما حصل في الإساءة التلفزيونية الأخيرة، وقبل سنوات عندما حاصرت سلطاته كنسية المهد، إحدى أكبر مقدسات المسيحية، وقصفتها متجاهلة نداءات العالم المسيحي آنذاك، وضربت بها عرض الحائط.
فإذا كانت هذه ردة فعل العدو الصهيوني على طوائف العالم المسيحي العديدة، فهل سيتورع عن الإساءة للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم؟ وهل يُرتجى منه رد معروف تنازلات النظام الرسمي العربي؟!
"مخطئ من ظن يوما *** أن للثعلب دينا".

المصدر: مجلة العصر
http://www.alasr.ws/index.cfm?method...ontentid=10716