كتـاب المنـاظـرة القــديم
نهاية القرن الثالث عشر
كتاب جدلى مجهول

هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من الأجزاء المجمعة من كثير من كتب المجادلة ومرتبة وفقاً لترتيب فقرات العهد القديم أو وفقاً لترتيب الأناجيل. ومن مصادر هذا الكتاب، الذى لا نعرف مؤلفه، الكثير من المصادر التى ذكرناها من قبل مثل "الأسقف نسطور" و"تاريخ يسوع" وكتابات رابى يوسف قمحى وولده داود وكتاب "حروب الرب" وغيرهم.
أراد الكاتب وضع كتاب يناسب جميع الشعوب لذلك توجد فيه كثير من أسس الفلكلور الشعبى والشعر المنثور. ويمكن تأريخ هذا العمل، وفقاً لما جاء فيه ووفقاً للإشارات التاريخية الواردة فيه، بنهاية القرن الثالث عشر، ويمكن القول، وفقاً للغة المستخدمة، أنه وضع فى ألمانيا.
عنوان الكتاب "المناظرة" وموضوعه الجدل. أما التسمية القديمة فقد أعطيت له للتفرقة بينه وبين كتاب "المجادلة" الذى كتبه بعد فترة متأخرة عنه رابى يوم طوف ليفمان ميلهويزن. يعتبر هذا الكتاب بمثابة دليل لمن يريد مجادلة المسيحيين من منطلق "إعلم بماذا ترد" فهو يمد كل مجادل بالمعلومات الوفيرة وفقرات من العهد الجديد وأسئلة توجه الى المسيحيين والإجابات التى يجب رفضها ومهاجمة العقيدة المسيحية من منطلق الدفاع عن التراث اليهودى.

تشير المادة المسيحية الوفيرة فى هذا الكتاب الى انفتاح المجتمع اليهودى فى وسط أوروبا على العالم المسيحى. ومن المحتمل أن تكون قد وصلت المعلومات الموجودة فى الكتاب الى المؤلف عن طريق الاتصالات التجارية أو بسبب عيش اليهود والمسيحيين معاً، وربما عن طريق مسيحيين تهودوا وأخبروا اليهود عن حياة المسيحيين وصلواتهم وعقائدهم وطقوسهم. ويحتمل أيضاً أن يكون قد قرأ القارئ النصوص المسيحية بلغتها الأصلية وترجمها الى العبرية. يقول المؤرخ حاييم هلل بن ساسون: "إن كتاب المجادلة القديم تعبير واضح عن فكر وتعامل يهود وسط أوروبا فى نهاية فترة الحملات الصليبية. ولا يوجد مثل هذا الكتاب ليعبر عن مشاركة اليهود فى العالم المسيحى المحيط به وكذلك موقف اليهود من نوحيده والأزمات النفسية والاجتماعية الناتجة عن ذلك".
يخصص المؤلف جزءاً كبيراً لشخصية المسيح وأعماله ويتحدث عنه من منطلق كونه شخصية تاريخية وأن كل ما نسبه إليه العهد الجديد قد حدث بالفعل. ولا ينكر المؤلف قصص الأناجيل ولايزعم أن ما ورد فيها ليس له أساس لكنه يرجع المعجزات الى قام بها يسوع الى القوة السحرية التى امتلكها. تتسم كلمات المؤلف عن يسوع بالعداء الشديد والسخرية وتمتلئ بالألفاظ الاستنكارية فيسميه فى بعض الأحيان بـ"ذلك الرجل" أو "الملعون" أو "المصلوب".
سنعرض بعض أجزاء من هذا الكتاب وفقاً للطبعة التى نشرها مردخاى برويار- والتى تطرقت الى يسوع وشخصيته. ومن قرأ، حتى الآن، هذه المجموعة من المصادر يشعر بالتأكيد أن لصاجب كتاب "المجادلة" تجديدات حقيقية لكنه رويداً رويداً يستخدم هذا الجنس الأدبى من كتب المجادلة من حيث الشكل وربما قلَّده.
"25) (فيما يخص رؤية رئيس السقاة التى رآها) "10وَفِي الْكَرْمَةِ ثَلاَثَةُ قُضْبَانٍ، وَهِيَ إِذْ أَفْرَخَتْ طَلَعَ زَهْرُهَا، وَأَنْضَجَتْ عَنَاقِيدُهَا عِنَبًا" فإنهم يقولون أقوال كفر ويحرفون الكلام كى يكون عن المصلوب وأشار: كما صلب هذا فإن يسوع قد صلب. و"إن القضبان الثلاثة" (فى رؤيا رئيس السقاة) هى الأيام الثلاثة التى دفن فيها (أى أن فى العهد القديم إشارة الى صلب يسوع والأيام الثلاثة التى مكثها فى قبره). ويجب الرد على ذلك بالأتى: إن رئيس الخبازين لم يكن قد خبزه كما ينبغى، وكذلك يسوع فالشريعة التى أراد تقديمها لم تكن ديانة كاملة وأنه كما صلب رئيس السقاة وذهب عن العالم هكذا صلب يسوع وذهب عن العالم. كما يجب الرد: أيها الضالون لماذا تشبهونه برئيس الخبازين؟ ولتشبهوه بابن ملك، أبشالوم الذى صلب، فكما سرق هذا معرفة البرايا لما ورد "6وَكَانَ أَبْشَالُومُ يَفْعَلُ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ لِجَمِيعِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا يَأْتُونَ لأَجْلِ الْحُكْمِ إِلَى الْمَلِكِ، فَاسْتَرَقَّ أَبْشَالُومُ قُلُوبَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ." وهكذا صنع يسوع وقد تمرد أبشالوم على أية حال، وهكذا فعل يسوع مع أبيه فى السماء!.

67) "إِذَا كَانَ لِرَجُل ابْنٌ مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِ أَبِيهِ وَلاَ لِقَوْلِ أُمِّهِ، وَيُؤَدِّبَانِهِ فَلاَ يَسْمَعُ لَهُمَا." إتفق رابى شلومو بن رابى أبون (فرنسا- القرن الثانى عشر) معهم ومع ما يقولونه عن الآية التى تقول "1قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ»." فقد قال الأب لإبنه (الله ليسوع): "إجلس عن يمينى فى السماء ولا تنزل بين أعدائك اليهود حتى أخضعهم لك وأضعهم تحت قدميك." لكن الابن تمرد ولم يصغ لأبيه وهبط على عكس رغبة أبيه فيعاقبه الأب ويجعل بنى إسرائيل يحاكموه مثل الابن العاصى لأن الاسرائيليين هم أبناء الأنبياء وعلموا أن هذا هو حكم أبيه فى السماء وقتلوه لعصيانه أمر أبيه. وعندما لم يستطيعوا تنفيذ حكم المارق العاق فيه لما ورد فى سفر التثنية (21: 18-21) لسحره فنفذوا فيه الحكم المقارب له "وَإِذَا كَانَ عَلَى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا الْمَوْتُ، فَقُتِلَ وَعَلَّقْتَهُ عَلَى خَشَبَةٍ" .

157) "1إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي؟" يفسر المسيحيون هذا المزمور قائلين أن يسوع قال أثناء صلبه " إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" . هاهو ترى أن يسوع قد اعترف بنفسه أنه مخطئ، فكيف تقولون أنه الله؟ كما نجد أنه يشكو من ترك الله له، أى أنه لم يكن حتى صِدِّيقاً لما ورد فى سفر المزامير "25أَيْضًا كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا" .
186) أكتب لهم: "53وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَمْثَالَ انْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ.54وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا:«مِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟ 55أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ 56أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهذَا هذِهِ كُلُّهَا؟» 57فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ:«لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إِلاَّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ». 58وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ قُوَّاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ." وأنا أتساءل هل كان لمريم أبناء وبنات غير يسوع (حيث أن ذكر أخوة وأخوات ليسوع مشكلة من منطلق الرؤية الكاثوليكية التى تقول أن مريم ولدت يسوع عندما كانت عذراء وحتى بعد ذلك لم يضاجعها أحد). وهل كان ليوسف النجار أبناء وبنات إذاً فقد صدق اليهود الذين عرفوه وإن قلتم أنه لم يكن ليوسف أبناء وبنات غير يسوع فلماذا قال اليهود: 56أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ ولماذا يسمونهم بأسمائهم يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا ولماذا لم يرد يسوع عليهم: أيها الضالون إن ما قلتم به من أن لى أخوة وأخوات كذب فأنا بن النجار وليس لى أخوة وأخوات. وإن كنتم مندهشين من حكمتى فلا تندهشوا لأننى أمتلك كل حكمة العالم. لكنه قال لهم كم يقول العازفون فى العصور الوسطى الذين ينتقلون من مكان الى آخر: فى كل مكان يذهبون اليه يكرمونهم أكثر مما فى ديارهم. وكذلك: من كانوا الأخوة الذين ذهبوا معه الى كفر ناحوم "12وَبَعْدَ هذَا انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلاَمِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّامًا لَيْسَتْ كَثِيرَةً" ؟ فإن قلتم أنهم تلاميذه، ألم يرد ذكرهم قبل ذلك الأخوة. لما ورد " هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلاَمِيذُهُ" (أى أن إخوته وتلاميذه ليسوا نفس الشئ" وإن قلت: كان كل بنى إسرائيل يُسَمون الأخوة، ألم يرد ذكر بنى إسرائيل بالاسم فى الأناجيل؟" (متى 13: 53-58) أى أنه لا يمكن تفسير كلمة الأخوة على أنها بنى إسرائيل بل المقصود أخوة يسوع. من هنا نعود الى نفس السؤال: من أين جاء الأخوة؟

206) ورد فى إنجيل لوقا 23: 32-34 "32وَجَاءُوا أَيْضًا بِاثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مُذْنِبَيْنِ لِيُقْتَلاَ مَعَهُ.33وَلَمَّا مَضَوْا بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى «جُمْجُمَةَ» صَلَبُوهُ هُنَاكَ مَعَ الْمُذْنِبَيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. 34فَقَالَ يَسُوعُ: «يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا." إن كان إلهاً حقاً فلماذا سمح لهم أن يلحقوا به ذلك الخزى والعار بصلبه مع اللصوص.

218) مكتوب لديهم وقف يسوع على نبع المياه وأكل وشرب الماء وجاء رجل وقال له: سيدى سمعت أنك إله وتستطيع أن تساعدنى فى شدتى، فأجابه يسوع: بل الإنسان الذى الذى ولد مبصراً ولا يستطيع أن يرى. فإنك ترانى من لحم ودم كالآخرين، فكيف لى أن أكون إلهاً (معنى ذلك أن يسوع يعترف ببشريته).

220) مكتوب لديهم إن مريم تنام فى أحضان يسوع وهو يرثيها كى تموت. إن كان إلهاً حقاً فلماذا يقتل أمه؟ اليس مكتوب "12أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ" ولو قلت أن المَلَك وليس يسوع هو الذى قتلها. أليس الملك رسول يسوع وأنه كان فى استطاعته أن يوقف ذلك ولم يفعل وذلك كما لوكان قتلها بنفسه.

221) مكتوب فى أناجيلهم أنه عندما ولدت مريم يسوع فى عصر الملك أغسطس أرسل للبحث عنه والقضاء عليه فخبأته أمه فى مذود الحمار. فلماذا لم يحم نفسه؟ ولماذا لم يظهر لمن يبحثون عنه وقال لهم: هآنا ذا وأنتم لا تستطيعون أن تصنعوا بى شيئاً لأننى ولدت وسأكبر حتى سن الثالثة والثلاثين؟ (...) ولماذا طار فى الهواء للفرار من الموت حتى جاءه يهوذا الأسخريوطى وطار إليه وأسقطه على الأرض رغماً عنه، وصلبوه؟ بل كان عليه أن يقول لهم: هآنذا لتصنعوا بى ما شئتم لأنى جئت لذلك كى أتألم وأموت وأنقذ العالم من جهنم. وكذلك المعجزات التى صنعها، لماذا انتظر حتى كبر ليصنعها؟ فقد كان يستطيع أن يصنع المعجزات وهو فى بطن أمه ورضيعاً وطفلاً حينئذ كان سيصدقه كل العالم. ولتعلموا أنه كان ساحراً وأن كل أعماله كانت سحرية لذلك حكم عليه بالموت لما أمر به إلهنا سبحانه وتعالى.

247) فلتسألهم: كم كانت تبلغ مريم من العمر عند ولادتها المصلوب؟ ألا تذكر الأناجيل أنها كانت ابنة الثالثة عشر، وإن كان كما تقولون قد وُلد بدون أب، فلماذا أظهر قوته فى ابنة الثالثة عشر وليست الثالثة أو الرابعة التى لا تحمل؟ حينئذ كان كل العالم سيعترف بالمعجزة الجديدة التى لم يسمعوا بها من قبل. ولتعلموا جيداً أن يوسف قد ضاجعها وأنجبه (يسوع) منها.


(من كتاب "ذلك الرجل" ترجمة: عمرو زكريا)

__________________