من الأمور العيانية المشاهدة التي يتفق عليها العقلاء من كل أركان العالم وأرجاء المعمورة هو أن أهل التدين عموما - مهما كان المعتقد- هم أكثر الناس سعادة وأهدؤهم بالا ، وأعظمهم صبرا عندما تحل المحن والمصائب الشديدة ، وذلك لرجوعهم إلى ما معهم من الإيمان . . . هذا الأمر كما تقدم لا أظن أن هناك من يجادل في صدقيته لظهوره البين.
تبقى المعضلة في مدى صدق هذه العقيدة في نفسها وهل هي حقيقة مطابقة للواقع في نفسه ( أي أنها صحيحة فعلا ليس فقط في وهم معتنقها)بحيث تكفل لصاحبها الفوز في الدارين ؟؟ هنا يقع الخلاف الشديد والتشرذم البعيد فكل صاحب مذهب يدعي له الصواب ويراه سبيله إلى النجاه، ولكن . . .
من هو المحق والمصيب في ظل تضارب المذاهب والأقوال وتناقضها؟؟؟
إن الوصول إلى هذه العقدة العسيرة ، يملي على الإنسان الصادق في طلب الحق أن يستكين لربه ، ولا يستحيي من إعلان فقره إليه وشدة حاجته وفاقته وتعويله عليه.
فبلا هذا الرصيد ، فإن الإنسان لامحالة واقع في الخسران المبين الذي لا عبارة يمكن أن تعبرعنه نسأل الله السلامة والعافية.


إن ركون الإنسان إلى ما نشأ عليه من معتقد دون السعي في طلب العلم والنظر في الآفاق، والقعود على تقليد الآباء والأجداد لهو الصفقة الخاسرة ، والغبن الفاحش!!
قال تعالى ( وإذا قيل لهم تعالو إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان ىباؤهم لايعلمون شيئا ولا يهتدون)
وقال (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نار حامية)
قال العلامة ابن كثيرt
عاملة ناصبة أي قد عملت عملا كثيرا ونصبت فيه وصليت يوم القيامة نار حامية)


قال ابن عباس :"عاملة ناصبة ؛النصارى"
مر عمر بن الخطاب tبدير راهب فناداه يا راهب فأشرف فجعل عمر ينظر إليه ويبكي فقيل له يا أمير المؤمنين : مايبكيك ؟
فقال ذكرت قول الله (عاملة ناصبة تصلى نار حامية)
وقال تعالى (وقدمنا إلى ما عملوامن عمل فجعلناه هباء منثورا )

فعلى الناصح لنفسه أن يستعين بالله في طلب الحق المبين ولا يغتر بما هو عليه ، ويخدع نفسه وينخدع بما تسوله له نفسه من أماني باطلة وظنون كاذبة ، وليعلم أن الراحة النفسية وحدها ليست كافية في إثبات المعتقد ، فلا يكن حاله كقول القائل :


إذا كان منزلتي في الحب عندكم *** ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي.
أمنية ظفرت بها نفسي زمنًا *** واليوم أحسبها أضغاث أحلام.

خلاصة القول : من ظن أن مجرد تدينه وما يهيؤه له من نوع سكينة هو الدليل وحده على صدق دينه فقد هلك!!
قال ابن القيم - رحمه الله- :

"فإذا انضافت الأقوال الباطلة إلى الظنون الكاذبة وأعانتها الأهواء الغالبة،
فلا تسأل عن تبديل الدين بعد ذلك".


فيا أيها " المسيحي المحترم " لا تركن إلى وجدانك فقط ! فنحن المسلمون نشاركك الشعور بحلاوة الإيمان والسكينة ، هذا في الظاهر وفي حقيقة الأمر الفرق الذي بين ما نحن فيه من نعيم الإيمان بالمقارنة بما أنتم عليه كا لفرق بين الطبشور والجبن : وإن اشتركا في البياض فالأول سم والثاني غذاء ،وأختم كلامي بهذا المثل الرائع للعلامة ابن القيم .



"لما أخذ دود القز ينسج، أقبلت العنكبوت تشبهه، وقالت: لك نسج ولي نسج، فقالت دودة القز: ولكن نسجي أردية الملوك، ونسجك شبكة الذباب، وعند مس الحاجة يتبين الفرق.
إذا اشتبكت دموع في خدود*** تبين من بكى ممن تباكى