هل الحق لا يثبت إلا بالمعجزة المادية؟، أو هل تنحصر معرفة الحق في سبيل واحد هو الأمور الخارقة؟
الجواب عند المحققين من أهل الإسلام هو: لا.
ذلك أن المعجزات المادية ظرفية ( زمانا ومكانا) وتقوم بها الحجة على من عاينها فقط ، وبلا شك فإنها آيات عظيمة ... وفيها عبرة وذكرى للمتفكرين والمعتبرين ممن يأتي في الأزمنة التي تليها( شرط أن يثبت خبرها ويشتهر أمرها بنقل العدول الأثبات، أو ينزل وحي يخبر بها من رب الأرض والسماوات).
ثم إن تفاوت الناس في العقول والمعارف ، وفي جودة الأذهان والبصائر إلى الحد الذي لا يمكن تقصيه ، اقتضت حكمة الله البالغة وفضله العظيم أن تتنوع الطرق وشواهد الإيمان- رحمة من الله بعباده- حتى يتسع طريق الإيمان ويتضح منهجه فتقوم الحجة، وتزول الأعذار ...
وعندنا - نحن المسلمين- فإن لفظة المعجزة لم ترد فيما أعلم في الشرع( الكتاب والسنة) ، وإنما جاءت بألفاظ : البينة والآية والبرهان والحجة والسلطان...
وحيث أن الإسلام جاء رسالة خاتمة ومهيمنة على ماقبلها، جاء بجنس من البراهين هو الأكمل والأبقى، والمساير لنمو العقل الشري الجماعي والمعارف الإنسانيةذات الطبيعة التراكمية.
لذا جاء ببراهين ساطعة وآيات فائقة يسجد لها العقل والقلب ، كما انها سهلة التناول وقريبة من الفطرة فلا تستدعي عملا كبيرا ولا نظرا متكلفا بل هي في عمومها لصيقة بحياة الإنسان في ليله ونهاره فقط ماعليه سوى أن يفتح لها عقله وقلبه وأن لايخونه سمعه ولابصره في إدراكها.
أما من كثف طبعه وغلظ فهمه ، فإنه يجد هذا الجنس من الأدلة في غاية الصعوبة، مع أنها قائمة كما أسلفنا من قبل على أمور فطرية ميسورة ، تثبت بها مجمل المطالب الدينة الكبرى ( أعني مسائل الإيمان) كوجود الرب وعلمه وقدرته وحكمته ورحمته.. واستحقاقه لجميع الكمالات والمحامد، وكذا إثبات النبوة والمعاد...

وسيتبع هذا الموضوع بحول الله وقوته مزيد بيان للمراد بالأدلة الإيمانية عند المسلمين ، وسيشفع بأمثلة عن هذه الأدلة والبراهين من كلام أهل العلم.
اليوم علم وغدا مثله*** من نخب العلم التي تلتقط
يحصل المرء بها حكمة*** وإنما السيل اجتماع النقط