 أخـــلاق المسلميـــن 

قال رسول الله ص ( إنما بعثت متمما لمكارم الأخلاق )ونرى أن من الصفات التي مدحها الله فى رسوله: حسن الخلق فقال تعالى ( وانك لعلى خلق عظيم ) وعلينا أن نقتدي بالرسول ص وان تلتزم بأوامره وإتباع ما جاء به من قرآن و سنة .
ونرى القرآن واصفا لصفات الأتقياء من المسلمين قائلا: (والذين يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا )
تلك الآيات الرائعة تتحدث عن نوع من المسلين وصلت أخلاقهم لدرجة من الرقى والسمو حتى أحاطت رحمتهم بأعدائهم فإذا وقع الأسير فى أيديهم أحسنوا إليه فمن الشهامة أن يهتموا به طالما وقع بأيديهم من حيث الطعام والشراب والتدفئة وتوفير سبل الراحة الممكنة له حتى يتم الحكم فى الأسير ومصيره .
وهؤلاء الصالحين رغم حبهم للطعام ورغبتهم فيه إلا أنهم يفضلون على أنفسهم ذوى الحاجات والأعذار فهناك المسكين واليتيم وذوى الأ مراض المزمنة الذين يستحقون الرعاية الكاملة . وانظر إلى قوله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) فهنا يتحدث الله عن نماذج تستحق الإعجاب بها والإقتداء بها فهم فقراء محتا جون ولكنهم ينظرون إلى غيرهم من الفقراء فيبخلون على أنفسهم بما فى أيديهم من مال أو طعام فقد يكون أكثر حاجة منهم ويصفهم القرآن قائلا ( ولو كان بهم خصاصة ) أى فقر وحاجة فرغم فقرهم إلا أنهم كرماء يؤخرون حوائجهم و يفضلون قضاء حوائج الناس .
وتناول القرآن صفات المؤمنين السامية مادحا لها رافعا من شأنها وشأن من يتصفون بها ففى سورة الفرقان جاءت صفات عباد الرحمن لتكمل الصفات التي سبق الحديث عنها فيقول عنهم (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ) إذن هم متواضعون لا يريدون أن يشعر بهم أحد أو يشير إليهم أو يرفع من شأنهم تعظيما لهم .ولكنهم رغم تواضعهم أقوياء لا يقبلون الظلم أو الذل وعلى استعداد للقتال دفاعا عن إعراضهم وكرامتهم . ويجب أن نعلم أن الفرق بين التواضع والضعف كبير .فهناك الخاضع المستكين المستسلم وآخر قوى جريء شجاع يرفض الاستسلام والتذلل للآخرين ولا يقبل أن يخدعه احد او يستولى على أمواله او ممتلكاته بدون حق ولو ترتب على ذلك موته دفاعا عما يمتلكه .وعندما تتناول الآيات صفة الحوار عندهم وضحت عدم موافقتهم على الجدال بدون فائدة وهذا لا يعنى أنهم يهربون من الدفاع عن أرائهم ولكنهم لا يريدون الدخول فى حوارات تافهة لا تفيد بل تزيد الخلافات والخصومات بين الأفراد .ونوضح ثانية أنهم لا يقبلون أن يتنازلا عن حقوقهم ولكنهم قد يتسامحون مع للحفاظ على صلة ما بينهم قد تكون قرابة أو صداقة او جيرة ولا يريد إفسادها فيترفع عن بعض التفاهات حفاظا عليها .
وتستكمل الآيات شرحها لصفات عباد الرحمن الذين استحقوا وعدا بالجنة والرحمة والمغفرة فتصفهم الآيات أنهم يتمتعون بالليل فى قضائه مع ربهم صلاة وذكرا ليزدادوا له قربا ويزداد الله عنهم رضا وكما يقول تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ) .
لاحظ هنا وصف القرآن لأخلاقهم فهم يرفضون النوم ليلا مهما بلغ إجهادهم لأنهم يريدون قضاء بعض الوقت مع ربهم يناجونه ويتحدثون معه يبثونه آمالهم وآلامهم ويشكون إليه ما يواجهونه من مشقة مع من حولهم من طالبي الدنيا الطامعين فيها الراغبين فى الاستحواذ عليها مهما كانت المبررات والوسائل.وهؤلاء الأتقياء حريصون على الالتقاء بالله يطلبون منه ما يتمنون ويستعيذون به مما يخافون .
ومن صفات هؤلاء المؤمنين الذين تتحدث عنهم الآيات السخاء والكرم مهما قلت أموالهم وضعفت قدرتهم على المشاركة فى مساعدة الفقراء وكما قال الرسول ص (رب درهم سبق ألف درهم )فهناك الأغنياء الذين ينفقون فى سبيل الله ولهم الأجر الوفير من الله وهناك الفقراء الذين يستقطعون من أموالهم القليلة للإنفاق فى سبيل الله وهؤلاء لهم الأجر الأكبر والأفضل عند الله .
ومن صفات المؤمنين التي ذكرها القرآن ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) فنهت الآيات عن الإسراف أو البخل ،فالإنسان له الحق فى التمتع بأمواله أو كما وضح القرآن (الطيبات من الرزق ) ولكن يجب أن يتصف هذا التمتع بالاعتدال دون تبذير أو تقتير فيعاتب ويلام من الآخرين على حمقه وجهله .
ويجب أن يفهم المسلمون أن أمر الله جاء واضحا أن الطعام والملابس ووسائل الركوب والمنازل يجوز أن تكون راقية جميلة دون إسراف أو تبذير . ولعلنا نذكر الأشخاص الذين ذهبوا إلى منزل الرسول ص ليسألوا عن عبادته ورغبة منهم فى التقرب إلى الله قرر أحدهم عدم الزواج والتفرغ للعبادة وقرر الآخر قيام الليل دائما وقرر الآخر صيام الدهر أبدا وعدم الإفطار ،وعندما علم الرسول بهذا الأمر نهاهم عن ذلك وأمرهم بالتيسير على أنفسهم حتى يستطيعوا القيام بأعباء الحياة من عمل وزواج ورعاية الأسرة والجهاد .وهنا نؤكد على قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ،قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ) اى أن تمتعهم بهذه النعم فى الدنيا لن يمنع عنهم ثواب الله فى الآخرة.وهل خلق الله هذه النعم ليتمتع بها الكفار دون المؤمنين ؟
ونتحدث عن صفة أخرى من الصفات الواجب توافرها فى المؤمنين وهى عزة النفس حيث رفض الإسلام أن تتواجد الشخصية الضعيفة والمتخاذلة بين أفراده ،وقال رسول الله ص (لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وان أساءوا أسأت،ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وان أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم ) وهنا يظهر حرص الإسلام على عدم تبعية المسلم لغيره من الأشخاص بل له الإرادة المستقلة التي تتبع ما أمر الله به ولا تنساق وراء الآخرين فى نزواتهم وهفواتهم .
ومن حرص الإسلام على شخصية المسلم قوله ص : (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ) وقال ص : (اطلبوا حوائجكم بعزة الأنفس ) اى لا يهين الإنسان نفسه لتحقيق بعض مطالبه.
ورفض الإسلام أن يتصف المسلم بحسد الآخرين لأن الحسد هو تمنى زوال نعمة الغير وهو يدل على نفس مريضة تكره أن ترى أحدا يعيش حياة آمنة سعيدة فيتعجب من غنى هذا ونفوذ ذاك وان هذا رزق الولد وذاك المال وآخر الصحة .ولهذا قال ص (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)
وقال تعالى محذرا من الحسد ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض )فالحسد يمثل اعتراض من الحاسد على تقدير الله للأرزاق وتدخل منه فى شئون الخلق ،فيجوز للجميع أن يطلبوا من الله ما يشاءون وكما قال ص(إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى )اى كونوا طامعين فى فضل الله
ولكن ليس لك الحق أن تعترض على إرادته وتتدخل فى تصريفه لشئون ملكه .
وأيضا رفض الإسلام الغيبة لما تمثله من خطر على ترابط الجماعة المسلمة وقال ص( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره )وذم القرآن هذه الصفة ونصح بعدم وقوع المسلمين فيها فقال (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) اى أن الإسلام يشبه الغيبة بأكل لحم الميت ولك أن تتخيل قبح هذا المشهد وبشاعته ،وعندما دخلت إحدى النساء على الرسول ص فأشارت عائشة بيدها إلى الرسول إشارة توحي إلى قصر قامة المرأة فقال ص ( لقد اغتبتها يا عائشة ) وبهذا نعلم أن الغيبة هى كل ما يصدر عن الإنسان من قول أو فعل ويسبب حزنا لدى آخر إذا علم بما قيل عنه فى عدم وجوده مما يسبب له حرجا وضيقا ويفسد العلاقة بين المسلمين .
ومن صفات المسلمين اختيار الأصدقاء الذين يساهمون فى دفعهم إلى الخير وليس تشجيعهم على المعصية ، وكما قال تعالى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) اى الأصدقاء سوف يتخلون عن بعضهم بل تتحول الصداقة إلى عداوة فيحاول كل منهم أن يلصق التهم بالآخر وانه سبب فساده وانحرافه .ونذكر قول أحد العصاة يوم القيامة (يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) وبينما يكون هذا هو مصير أصدقاء السوء يكون الحال مختلفا مع الأتقياء فنسمع الحديث القدسي مبشرا لهم قائلا ( سبعة أظلهم فى ظلي يوم لا ظل إلا ظلي .......ومنهم شاب نشأ فى طاعة الله ،ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وعليه تفرقا ) وقال ص (لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي )اى لا تحاول ان توطد علاقتك بشخص سىء وتتزايد العلاقة فتسمح له بدخول بيتك وهنا لا تأمنه على حرمات هذا البيت فلن يتورع عن انتهاكها .
ومن أخلاق المسلمين التى لا يجوز ان يفرطوا فيها العلاقة الجيدة مع الأقارب والجيران والزوجة ، فقد شجع الإسلام على إكرام الزوجة فقال ص : ( ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم )وقال ص ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) وقال ص(استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ) ولعل تلك الأحاديث تدل على الاهتمام الكامل من الإسلام بالمرأة وإعطاءها حقوقها كاملة من الاعتناء والاحترام ، و لكن البعض يحاول لن يستدل بحديث الرسول ص (إنهن خلقن من ضلع أعوج )على أن النساء مخطئات فى كل الأحوال وهذا خطأ ، فلقد وضح الإسلام أن المرأة مثلها مثل الرجل فى الكثير من الأمور وأنها تنال نفس القدر من الحسنات على العبادات والطاعات ونفس العقاب على السيئات ، وفى الحدود تعاقب المرأة نفس العقوبة الموجهة للرجل ،وهذا يدل على قدر كبير من التساوي بينهم ، ولكن ينبغي ألا نجادل فى أحكام الإسلام أن القوامة والمسؤولية بيد الرجل فهو الأقدر على تحمل أعباء المنزل ومصاعبه والمشاكل التى تواجه الأبناء والزوجة فى حياتهم يتحمل الزوج محاولة التغلب عليها ، ونلاحظ أن الرجل لا تتحكم فيه العواطف بنفس القدر التى تتعامل به المرأة وهذا يتيح للرجل التعامل بعقلانية اكبر مع الأحداث ولهذا قال ص: ( النساء ناقصات عقل ودين )اى أن قدرتهن على تحكيم العقل قليلة فهن متسرعات فى إصدار أحكامهن على الأمور والأحداث التى تدور حولهن . وهذا ليس مبررا للتقليل من شأن المرأة ولكنه دعوة إلى التأني والتمهل فى إصدار القرارات عن أحكام النساء والحذر من تولية المرأة المناصب القيادية التى قد تتسبب فى نتائج لها خطورتها .ولهذا ذم الرسول ص قوما تولت أمرهم امرأة ،وجعل الإسلام شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد فإذا نسيت احداهما ذكرتها الأخرى


وهكذا حاولنا أن نوضح بعض الصفات التى حرص الإسلام أن تتواجد فى الفرد المسلم والتى تتسبب فى زيادة الإخوة بينهم وترابط المجتمع المسلم فلا يتمكن منهم عدوهم ،فعلينا أن نتمسك بخصال الإسلام ونجعلها دستورا بيننا فى حياتنا ولو لم يلتزم بها غيرنا فنحن لا نتخذهم قدوة لنا بل نتبع ما أمر الله به من صبر وكرم وإيثار وشجاعة وجرأة ، ولكن لا يجوز للمسلم أن يعتقد أن حرص الإسلام على صفات الرحمة واللين يعنى التهاون فى الحقوق والتنازل عن كرامتنا وعزتنا بدعوى التسامح والصفح بل يجب مع التسامح أن يتصف المسلم بالشدة فى أمور الدين فلا تهاون مع العصاة والمذنبين ولا تنازل عن حقوقنا ويموت فداء لماله وعرضه ودينه ونفسه وكما قال ص ( من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ومن قتل دون نفسه فهو شهيد ) .

نتمنى من المسلمين أن يلتزموا جميعا بصفات الإسلام وخصاله رغبة فى ثواب الله والحصول على رضوانه فى الدنيا والآخرة .