المعجزة الباهرة

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | كاهن يعلنها بصدق من داخل الكنيسة : الإسلام أكثر منطقية من المسيحيّة ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | إجابة عن سؤال : من نسب لله الصّاحبة و الولد ؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | Moses PBUH in the river » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | قـُــرّة العُــيون : حلقة 01 » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

المعجزة الباهرة

النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: المعجزة الباهرة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2005
    المشاركات
    2,584
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    18-08-2023
    على الساعة
    04:23 PM

    المعجزة الباهرة

    د. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان

    ما من نبي بعثه الله إلا وآتاه من الآيات والمعجزات ما على مثله آمن البشر، وكانت جميع معجزات الأنبياء السابقين معجزات مادية محسوسة ومؤقتة، لا يعرفها من كان في عصرهم ولم يكن حاضراً معهم فضلاً عمن جاء بعدهم إلا بالخبر الصادق عنها، وكانت تلك المعجزات مناسبة لتلك الرسالات السماوية الخاصة بقوم دون غيرهم، فلم يرد الله لها أن تكون عامة خالدة كما هو الحال في الرسالة المحمدية الخاتمة، فكانت تلك المعجزات مناسبة لتلك الرسالات المحدودة زماناً ومكاناً وأقواماً.
    ولما كانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة الرسالات السماوية وأكملها وأفضلها، وكانت صالحة لكل زمان ومكان وحال، وكانت عامة لكل البشر عربهم وعجمهم، أحمرهم وأسودهم، قريبهم وبعيدهم، حاضرهم ولاحقهم إلى قيام الساعة، وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعث محمد عليه الصلاة والسلام إلى الناس كلهم عامة، فقد آتاه الله من المعجزات الباهرات، والآيات البينات، ما به ظهر صدقه، وصدق ما جاء به، وأنه رسول الله حقاً، وأن دينه هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، ولا يقبل من أحد ديناً سواه، وكان أعظم معجزاته وأعجبها وأدومها هو القرآن الكريم، هذا الكتاب الخالد المتجدد، الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تنفد أسراره وعبره، ولا يخلق عن كثرة الرد، :{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} فأخباره كلها صدق وحق، وأحكامه وأوامره ونواهيه كلها عدل ومصلحة وخير: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} فهو الهادي إلى سبيل الرشاد، والدال على كل خير للعباد في المعاش والمعاد، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} فهو النور المبين، والصراط المستقيم، والحبل المتين، والروح الذي به حياة الأرواح، وسعادة النفوس، وصلاح أمر العالم، من تمسك به هدي، ومن حكم به عدل، ومن قال به صدق، ومن عمل به سعد، ولا عجب فهو كلام رب العالمين، الذي جعله رحمة للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}.
    لقد أعجز أبلغ البلغاء، وأفحم أفصح الفصحاء، وتحداهم ربنا عز وجل أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة أو حديث مثله، ثم قطع سبحانه بعجزهم عن ذلك في قوله: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، ولم يزل هذا التحدي الصريح قائماً إلى يومنا هذا، ولن يزال كذلك إلى قيام الساعة، قال الله عز وجل: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} فحكم سبحانه حكماً قاطعاً حاسماً بأنهم لن يفعلوا مهما حاولوا وطاولوا، وتعاونوا وتظاهروا، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}؟ وهل بعد هذا الإعجاز من إعجاز؟!.
    وهذا وجه واحد من وجوه الإعجاز القرآني، وهي أوجه كثيرة جليلة تحير العقول، وتأخذ بمجامع القلوب، وكان من آخرها الإعجاز العلمي الذي بهر العلماء والأطباء، وأصحاب الكيمياء والأحياء والفيزياء، والمتخصصين في علوم الأرض والبحار والفضاء، وجعل كثيراً منهم يوقنون بأن هذا القرآن هو الحق المبين، وأنه لا يمكن أن يكون إلا من عند الله العليم الحكيم، فآمنوا بالدين الحق واستسلموا لله رب العالمين.
    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثلُه آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلىّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" أخرجه البخاري ومسلم.
    قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: "وإنما كان الذي أوتيته" أي أجله وأعظمه الوحي الذي أوحاه الله إليه وهو القرآن، الحجة المستمرة الدائمة، القائمة في زمانه وبعده، فإن البراهين التي كانت للأنبياء انقرض زمانها في حياتهم، ولم يبق إلا الخبر عنها، وأما القرآن فهو حجة قائمة كأنما يسمعه السامع من فيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم".
    ومن المعجزات الباهرة التي أجراها الله تعالى لنبينا عليه الصلاة والسلام: معجزة الإسراء والمعراج، حيث أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السموات العلى في ليلة واحدة بجسده وروحه، وفي حال يقظته لا منامه، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
    وقد جاءت هذه الآية في صدر سورة الإسراء، وسميت هذه السورة بهذا الاسم تمجيداً لهذه المعجزة، وتنويهاً بها، ولفتاً للأنظار إليها، وتذكيراً للعباد بآياتها ودلالاتها، وافتتح الله هذه السورة الكريمة بهذه الآية المعبرة التي ربط فيها ربطاً عجيباً بين المسجدين المباركين: المسجد الحرام والمسجد الأقصى. وفي هذا من الدلالات العظيمة ما سيأتي بيانه بعد قليل.
    وأما توقيت حدوث المعجزة الجليلة فكان تكريماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وبياناً لقدره عند ربه، ومواساة له وتسلية لقلبه، حيث وقعت بعد عشر سنوات من الدعوة والتبليغ، واجه النبي صلى الله عليه وسلم خلالها سلسلة ثقيلة من الشدائد والمتاعب، ومكائد عظيمة تكاد تزول منها الجبال الراسيات، فقد كانت قريش تبث دعاياتها وسمومها في كل مكان ضد الدعوة الجديدة، وتحاصر صاحبها وأتباعه، وتنزل بهم ألواناً من التعذيب والتنكيل، والملاحقة والتقتيل، والسب والإيذاء، وتؤلب العرب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته، وترسل وفودها إلى الحبشة لملاحقة هذه الدعوة وأنصارها.
    ثم حاصروه مع قومه في الشعب زمناً طويلاً، حتى تقرحت أشداقهم، ونحلت أجسادهم، وأكلوا الأعشاب والجلود من شدة الجوع، ثم مات عمه أبو طالب الذي كان يغضب له ويدافع عنه، وكانت له شوكة وهيبة، جعلته يتحدى قريشاً ويخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
    تالله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
    فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة واسعد وقرّ بذاك منك عيونا


    ويقول في لاميته المشهورة مخاطباً قريشاً:
    كَذبتُم وبيتِ الله نُبزى محمداً ولما نطاعن دونه ونناضلِ
    ونسلمه حتى نُصرَّع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل
    لقد علموا أن ابننا لا مكذبٌ لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل


    ثم ماتت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، الزوجة الحنون الرؤوم، الدينة الصالحة، العاقلة المسددة، التي واست وآست، وعاونت وناصرت، حتى استحق عام وفاتهما أن يسمى "عام الحزن"، وما كاد عمه وزوجته يلحقان بربهما حتى انطلق طواغيت الشرك وأئمة الكفر يتفننون في الكيد والإيذاء، ويمعنون في المكر والاعتداء، ويطاولون في الظلم والطغيان، بعد أن خلت لهم الساحة، وعز الظهير والنصير.
    واضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من مكة إلى الطائف لعله يجد هناك من هم أرق قلوباً وألين أفئدة، فإذا الكفر ملة واحدة، وإذا به صلى الله عليه وسلم يخرج من الطائف حسيراً كسيراً، شريداً طريداً، بعد أن رُدَّ عليه أقبح الرد، وأغري به السفهاء والصبيان، يسبونه ويسفهونه، ويصيحون به ويشتمونه، ويرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، وشجوه في رأسه عدة شجاج. هذا وهو يدعوهم إلى الحق، ويتعب من أجلهم، ويسعى إلى إسعادهم، وتحقيق الفلاح والنجاة لهم في معاشهم ومعادهم!!
    ثم يرجع إلى مكة وهو في تلك الحال التي تستدعي الشفقة والرحمة، فيجد أبوابها موصدةً دونه، ولا يستطيع دخولها إلا في جوار أحد المشركين من أهل المروءة والنجدة.
    في هذا الجو المعتم المظلم، ومن خلال هذه الشدائد الثقال، والمحن الجسام يكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسراء والمعراج، هذه الآية الباهرة، والمعجزة القاهرة، فيأسو جراحه، ويذهب همه وغمه، ويجدد عزيمته وثباته، ويظهر بذلك فضله وكرامته، حيث عرج به إلى السموات العلى، فاحتفى به أهلها من الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين، ثم رفعه الله إلى الملكوت الأعلى، عند سدرة المنتهى، وكلمه الله كفاحاً من غير ترجمان ولا واسطة، ثم جمع له إخوانه المرسلين، فصلى بهم إماماً في بيت المقدس، فكان هو أفضلهم وإمامهم مع أنه آخرهم وخاتمهم.
    فأسبغ الله عليه آيات التكريم والتمجيد في أعقاب تلك المشاق التي رآها وعاناها، لكي يتعلم أتباعه وورثة دينه أنه مهما أصابهم من البأساء واللأواء، ومهما عانوا من البطش والإيذاء، والسخرية والاستهزاء فإن العاقبة لهم، والنصر حليفهم في الدنيا والآخرة: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}.
    وقد سئل الإمام الشافعي رحمه الله: أيما خير للرجل أن يمكن أو يبتلى؟ فقال: لا يمكن حتى يبتلى.
    والله تعالى يقول: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}، وإذا عظم البلاء، واشتدت الظلماء، قرب الفرج، وآذن الصبح بالبلج:
    والليل إن تشتد ظلمتهُ فهذا الفجر لاح

    ويحدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الرحلة الخالدة فيقول: "أُتيت بالبراق وهو دابة أبيضُ طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرْفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس. قال: فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة. ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا..."
    ثم ذكر عليه الصلاة والسلام أنه رأى آدم في السماء الدنيا فرحب به ودعا له، ثم رأى يحيى وعيسى في السماء الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة، وكلهم رحب به ويقول: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، إلا إبراهيم وآدم، فإنهما قالا له: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رأى البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم رأى سدرة المنتهى، ورأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها، وله ستمائة جناح، ثم أدخل الجنة فرأى ما فيها من النعيم والقصور المعدّة للمؤمنين، ونظر في النار ومن فيها من الكافرين، قال عليه الصلاة والسلام: ثم فرضت عليّ الصلاة خمسين صلاة كل يوم، ثم ذكر أنه لما رجع إلى موسى نصحه بالرجوع إلى ربه ليسأله التخفيف، قال عليه الصلاة والسلام: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال: يا محمد إنهن خمس صلوات لكل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة"، فصارت خمس صلوات في العدد، وخمسين صلاة في الميزان، لأن الحسنة بعشر أمثالها. والحديث مروي في الصحيحين وغيرهما بألفاظ كثيرة متقاربة.
    ثم ذكر عليه الصلاة والسلام أنه بعد أن رأى الأنبياء في السموات ورحّبوا به، نزل إلى بيت المقدس وهم معه، وصلى بهم فيه.
    ثم خرج فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس، وشاهد قافلة لقريش في طريقه، فلما أصبح حدّثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وصفته، وبالقافلة ومن معها.
    قال الحسن البصري: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر، فقال أكثر الناس: هذا والله الأمر البيّن، والله إن العير لتطرد شهراً من مكة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة، ويرجع إلى مكة؟! قال: فارتد كثير ممن كان أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر، فقالوا له: هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه جاء هذه الليلة بيت المقدس، وصلى فيه، ورجع إلى مكة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لئن كان قال لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه؟ ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما ذكروا فأخبره، وسأله عن صفة بيت المقدس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فرفع لي حتى نظرت إليه"، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر، وهو يقول: صدقتَ، أشهد أنك رسول الله، حتى انتهى، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "وأنت يا أبا بكر الصِّديق، فيومئذ سمّاه الصِّديق".
    وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس قمت في الحجر، فجلَّى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا أنظر إليه".
    هذا هو مجمل قصة الإسراء والمعراج، التي جعلها الله كرامة لنبيه، وشاهداً على صدقه، وعزاً له، وتسلية لقلبه، وتنويهاً بفضله وشرفه، وإن في ذلك لذكرى للمؤمنين، وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون.
    وفي هذه الحادثة من الأحكام والدلالات، والعبر والعظات أشياء كثيرة يطول شرحها، ولعل من أهمها ما يأتي:
    الأولى: أن معجزة الإسراء والمعراج لم تكن تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وإعجازاً للمشركين، وفتنةً لضعاف الإيمان فحسب، بل كانت مع ذلك مناسبة لتشريع ركن من أهم أركان الإسلام، وهو الصلوات الخمس التي فرضها الله على المسلمين في كل يوم وليلة، فإن الله تعالى لم يفرضها على نبيه صلى الله عليه وسلم وهو في الأرض بواسطة جبريل، كما هو الحال في فرض الزكاة والصيام والحج وغيرها من فرائض الإسلام، وإنما فرضها عليه وعلى أمته في أعلى مكان وأشرفه، وفي أفضل حال وأكرمها، فرضها عليه مباشرة من غير رسول ولا واسطة، وفرضها أول الأمر خمسين صلاة في اليوم والليلة، ثم خففها إلى خمس صلوات وجعلها بأجر خمسين صلاة، أفلا يدل ذلك على فضلها وأهميتها، وشرفها وعظيم مكانتها، ومحبة الله لها وشدة اعتنائه بها؟!
    أفيحق بعد هذا لإنسان أن يزعم أنه مسلم وهو لا يقيم للصلاة وزناً ولا يرفع بها رأساً، ولا يعرف لها حرمة، تمر عليه الأيام والشهور، والدهور تلو الدهور وهو لم يركع لله ركعة، أو يسجد له سجدة؟!!
    فالصلاة صلة بين العبد وربه، وهي شعار الدين وعموده، ودليل الإيمان وشاهده، فمن أقامها فقد استقام دينه، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم، وقال أيضاً: "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة" رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح و أنجح، و إن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل منها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر أعماله على هذا" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وصححه الألباني.
    ألا فليفقه ذلك أولئك التاركون للصلوات بالكلية، وأولئك الذين لا يصلون إلا صلاة الجمعة أو العيدين، ويتركون الصلوات الخمس، وأولئك المضيعون للصلاة بتأخيرها عن مواقيتها، أو التساهل في شروطها وأركانها وواجباتها، والذين توعدهم الله بقوله: {فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون} أي: الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها المحدد شرعاً، أو يخلون بشيء من شروطها وأركانها وواجباتها من دون عذر.
    الثانية: أن نزول الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته بهم إماماً في بيت المقدس كما يدل على أنه سيد الأنبياء والمرسلين، بل سيد الأولين والآخرين، فهو يدل كذلك على أن دين الأنبياء واحد، وهو الإسلام، ودعوتهم واحدة، وهي الدعوة إلى توحيد الله تعالى وطاعته، والتحذير من الشرك وأسبابه، كما قال ربنا عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} فبين الغاية من بعثة كل الرسل، وهي دعوة الناس إلى التوحيد، واجتناب الشرك، وهذا هو الإسلام، ولذلك قال ربنا عز وجل عن أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
    الثالثة: أن الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير، لتربط بين الأماكن المقدسة لعقائد التوحيد جميعاً، ولتعلن وراثة الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم لمقدسات الرسل قبله، وارتباط رسالته بها جميعاً، وأنه وأتباعه أولى بتلك الرسالات السماوية القائمة على توحيد الله تعالى وإخلاص العبودية له من أتباعها الذين حرفوها وملؤها بالشركيات والبدع المحدثات، ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن ذلك؟ فقالوا: هذا يوم عظيم نجَّى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه، فقال عليه الصلاة والسلام: "نحن أحق وأولى بموسى منكم. فصامه وأمر الناس بصيامه" متفق عليه.
    وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَنا أَولَى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، ليس بيني وبينه نَبِيّ، والأنبياءُ إِخوَة، أبناءُ عَلاَّت، أُمَّهَاتُهم شَتَّى، ودِينُهُم واحد"، وأبناء العلات: الإخوة لأب من أمهات شتى، فشبه اتفاقهم في الدين بالأب الذي يجمع الأبناء كلهم مع اختلاف أمهاتهم، وشبه اختلاف شرائعهم باختلاف الأمهات.
    فنحن أهل الإسلام وأتباع محمد عليه الصلاة والسلام أحق وأولى بموسى وعيسى وإبراهيم وسائر الأنبياء والمرسلين ممن يزعم اتباعهم وهو يدين بغير دينهم، ونحن أتباعهم على الحقيقة، والسائرون على منهاجهم.
    وإذا كان اليهود يزعمون أن لهم حقاً تاريخياً في فلسطين، لأنها مهاجر نبيهم موسى، وأنه قد وعدهم بها، فإننا أحق بها لأننا أتباعه وأتباع جميع المرسلين عليهم أفضل الصلاة والتسليم، ونحن موحدون دعاة إلى التوحيد كما كان الأنبياء جميعهم كذلك.
    ولأجل هذا فإن فلسطين المباركة أرض إسلامية خالصة، والمسلمون أحق بها بتوريث الله إياها لهم، وهي موطن أبينا إبراهيم، ومولد عيسى، ومستقر موسى، ومسرى محمد، ومجمع الأنبياء والمرسلين صلى الله وسلم عليهم أجمعين، وهذه حقائق ثابتة تدمغ كل الدعاوى الباطلة التي يتمسك بها الصهاينة المحتلون لتبرير احتلالهم لديارنا ومقدساتنا في فلسطين.
    الرابعة: على الرغم من ثبوت الإسراء والمعراج بالتواتر وشهرته في الكتاب والسنة، إلا أن تحديد وقوعه بالسنة أو الشهر أو اليوم مما اختلف فيه أهل العلم ونقلة الأخبار والسير، وما كان هذا الاختلاف مع شهرة هذه الواقعة وأهميتها إلا لما استقر لدى السلف الصالح رضوان الله عليهم من أن معرفة وقت حدوث هذه الواقعة، لا يترتب عليه أمر ديني أو مصلحة شرعية، إذ المقصود هو الاعتبار والتأسي، وهما غير مرتبطين بزمن.
    أما ما يفعله بعض المسلمين، وتتناقله بعض وسائل الإعلام من إحياء ذكرى الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من رجب بأنواع الاحتفالات والأذكار والعبادات فإن ذلك كله من البدع المحدثات، والتشريعات التي لم يأذن بها الله عز وجل، ولو كان تخصيص هذه الليلة بذكر وعبادة معينة أمراً مشروعاً ويقرب إلى الله سبحانه لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فهم أحرص الناس على الخير وأسبقهم إليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذي.
    والعجيب أن كثيراً ممن يحيون هذه البدعة، ويحتفلون بالإسراء والمعراج لا يهتمون بالصلوات الخمس التي فرضت في تلك الحادثة، ولا يشهدونها مع الجماعة، فهم ينشطون في البدع والمحدثات ويقعدون عن السنن والواجبات.
    والله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان صالحاً موافقاً لشرعه، وابتغي به وجهه، كما قال سبحانه: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، وقد بينت هذا بالتفصيل في مقال سابق بعنوان "كل بدعة ضلالة".
    والمناسبات في تاريخ الإسلام كثيرة، وكلها أحداث جسام، وانتصارات عظام، يفرح بها كل مؤمن، وينشرح لها صدر كل مسلم، من البعثة إلى الهجرة، إلى بدر وفتح مكة، إلى الغزوات الفاصلة في تاريخ الإسلام كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهود أئمة الهدى من بعده، ولم يكن من السنة أن تتخذ عيداً يتحراه الناس ليفعلوا فيه ما يفعله بعض الناس في زماننا تقرباً وتعبداً من غير دليل من كتاب ولا سنة.
    وقد وقفت القرون المفضلة المشهود لها بالخير عند هذا الحد، فلم تكن تعمد إلى إحياء ذكرى الحوادث الإسلامية، ولم تتخذ من الأيام المفضلة أعياداً تخصها بتجمع أو عبادة من غير دليل ولا مستند شرعي، والخير كل الخير فيما ذهبوا إليه، والصواب فيما وقفوا عنده، والاقتداء بهم واجب في الدين وفيه تحصيل رضي رب العالمين.
    وقد نقل الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه سئل عن ليلة الإسراء، فقال: "لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره بخلاف ليلة القدر"، وقال أبو شامة في "الباعث": "وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والجرح عين الكذب"، وقال ابن رجب في "لطائف المعارف": "وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه، وأنه بعث في السابع والعشرين منه، وقيل في الخامس والعشرين ولا يصح شيء من ذلك"، ولذلك قال الشيخ عبد العزيز بن باز في "التحذير من البدع": "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث".

    المصدر
    http://www.islammessage.com/articles...d=132&aid=3755
    التعديل الأخير تم بواسطة دفاع ; 27-08-2008 الساعة 09:11 PM

المعجزة الباهرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اين الاعجاز او المعجزة فى ذلك ؟؟
    بواسطة خادم المسيح في المنتدى شبهات حول القران الكريم
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 21-10-2008, 03:14 AM
  2. المعجزة!!!!!
    بواسطة قابضة على الجمر في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 14-06-2008, 06:51 PM
  3. الحقيقة الباهرة إعجاز علمي ورقمي جديد في القرآن
    بواسطة ابو سلمان في المنتدى الإعجاز العلمي فى القرأن الكريم والسنة النبوية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-12-2007, 11:16 PM
  4. المعجزة الباهرة
    بواسطة السيف البتار في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 25-05-2006, 03:51 PM
  5. أين المعجزة إذن ؟
    بواسطة محمد مصطفى في المنتدى حقائق حول عيسى عليه السلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-12-2005, 12:04 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

المعجزة الباهرة

المعجزة الباهرة