أحمد عمر عيسى
تقوم قناة الحياة الضالة ببثِّ سمومها من قبرص، عبر القمر الأوروبي هوت بيرد, ومعظم برامجها مخصص للطعن في الإسلام، والتشكيك في كتابه ومحاولة إهانة نبيه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ والقليل منها موجه لأتباع المسيحية, وهي تُموَّل من قِبل نصارى المهجر، بموافقة كنيسة الإسكندرية، ورضا رأسها ـ وذلك على الرغم من تبرؤ قيادات الكنيسة من هذه القناة، كلما ضج بالشكوى أولو الألباب من كُتَّاب ومفكري مصرـ بدليل نسبة المشاهدة العالية للمسيحيين المصريين لبرامجها، ومناقشتهم لمحتوياتها التي تهاجم الإسلام ونبيه.

ثم إن المشرف على القناة، وصاحب فكرة تأسيسها، ويُدعى القمص زكريا بطرس يتزين بزي رجال الدين التابعين للكنيسة المصرية, وهو الزيُّ، الذي قال عنه الأنبا شنودة، أثناء فضيحة راهب دير المحرق: بأنه زي مقدس لا ينبغي لأحد من رجال الدين المشلوحين أن يرتديه, وهو بالمناسبة لم يعلن حتى هذه اللحظة عن شلح هذا القمص، الذي يلعب بالنار، ويسيء لدين الأغلبية المسلمة في مصر، وهم الذين يحلو للأنبا أن يسميهم "شركاء الوطن".

وبدلاً من أن تقوم القناة، والقائمون عليها بمحاولة الدعوة لدينهم بالإقناع وإعمال العقل, فضلوا أن يطعنوا في الإسلام ونبيه، علَّهم يستعيدون ما فقدوه من أرض؛ نتيجة ترك أتباع المسيحية لها، ودخولهم في الإسلام، الذي يخلو من الأسرار التي تمتلئ بها المسيحية, ويحتكر معرفتها رجال الكنيسة، هذا إن كانوا يعرفونها أصلاً.

المهم، أنهم أنتجوا البرامج المختلفة؛ للطعن في الإسلام والتشكيك في نصوصه, ومن هذه البرامج برنامج يقدمه شخص، يتم تعريفه عبر الشاشة بأنه الأخ أحمد، في محاولة من البرنامج؛ لإقناع المتلقي بأنه كان مسلمًا، ولكنه ترك الدين الإسلامي لصالح المسيحية, بينما يستضيف البرنامج شخصًا آخر، يعرف عن نفسه بأنه كان من مسلمي المغرب العربي, ويعرفه البرنامج بأنه الأخ رشيد ـ وما هو برشيد، بل هو في ضلال مبين لو يعلم ـ وهو من أسرة القناة، حيث كان يقدم برنامجًا آخر مشابهًا, ولكن يبدو أنهم اكتشفوا عدم جدوى ما يقدمون، على كثرته، فقرروا أن يجمعوا بين الشخصين في برنامج واحد, على أن يقوم أحدهما بدور مقدم البرنامج، وأن يقوم الآخر بدور الضيف، علَّهما ينجحان في مهمتهما المُدنسة في الطعن في نصوص الحديث النبوي الشريف؛ لبلبلة أفكار البسطاء من المسلمين، وذلك عبر الاعتماد على النصوص المحكوم بضعفها، وببطلانها من قِبل علماء الحديث.


وقد كانت آخر ألاعيبهم في ذلك، هو مناقشة موضوع فتنة القبر, الذي أثار فيه البرنامج عدة قضايا، يطالب المسلمين بأن يعملوا عقولهم للحكم عليها، والبحث عن إجابات لها.
أولاً: ينكر البرنامج، بل ويستنكر عملية إعادة الروح إلى المتوفَّى بعد الدفن لسؤاله عن ربه ودينه ونبيه وكتابه.

ثانيًا: الزعم بجهله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بفتنة القبر، حتى أخبرته بذلك امرأة يهودية، فاستعاذ من فوره من فتنة القبر، وأمر المسلمين بالاستعاذة.

ثالثًا: يتساءل البرنامج عن إجابته ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا ما سئل عن ربه وعن نبيه وعن كتابه... إلخ.

ولماذا يستعيذ هو أصلاً، وهو الذي جاء بالدين؟ واستجابة لمطلبهم فسنناقش النصوص فقط، دون الاعتماد على التفاسير أو الاجتهادات, كما طالبوا بذلك المتصلين بالبرنامج من الأستوديو، كما كان واضحًا من صدى الصوت؛ ليوهموا المشاهد بأن المسلمين لا يجدون جوابًا لهذه التساؤلات؛ لأنهم لا يفقهون من أمر دينهم شيئًا؛ فهم لا يقرءون كتبهم ليعرفوا ويكتشفوا ما بها من عوار, وإعمالاً لنصحهم سنكتفي بمناقشة النصوص لا غير؛ وذلك لأن الإسلام يأمرنا بالعدل، ونحن نرى عدالة مطلبهم.

ولنبدأ بالنقطة الأولى:

أولاً: قد نلتمس العذر لأصحاب البرنامج وللقناة ومن ورائهم، إذا كان في أمر إعادة الروح للمتوفى شيء من الغرابة أو المفاجأة بالنسبة للمسيحيين بالذات, ولكن سهم أصحاب البرنامج يرتد إلى صدورهم؛ حيث يبدو أنهم هم الذين لا يقرءون كتبهم, فقد أورد إنجيل (يوحنا) قصة لعازر، الذي أحياه المسيح؛ إكرامًا لأختيه مريم ومرثا.

والنص يقول الآتي: "فانزعج يسوع أيضًا، في نفسه وجاء إلى القبر، وكان مغارة وقد وضع عليه حجر، قال يسوع: ارفعوا الحجر. قالت له مرثا أخت الميت: يا سيد قد أنتن؛ لأن له أربعة أيام. قال لها يسوع: ألم أقل لك: إن آمنت ترين مجد الله. فرفعوا الحجر، حيث كان الميت موضوعًا ورفع يسوع عينيه إلى فوق، وقال: أيها الأب، أشكرك لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت؛ ليؤمنوا أنك أرسلتني. ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر: هلم خارجًا. فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل. فقال لهم يسوع: حلوه ودعوه يذهب" (يوحنا/11ـ 38:44/ طبعة دار الكتاب المقدس ـ القاهرة).

وكبداية، نقرر أننا كمسلمين نؤمن بأن النبي عيسى ـ عليه السلام ـ كان يُحيي الموتى، ويبرئ الأكمه، والأبرص، والأعمى، ولكن بإذن الله وقدرته تعالى, وإن كان أصحاب البرنامج، يؤمنون بأنه كان يفعل كل ذلك بصفته إلهًا فهذا شأنهم, ولكن النص معيب؛ لأن كاتبه فيما يبدو غير مقتنع بعملية إحياء ربه يسوع المسيح (عيسى عليه السلام) للعازر، فأسماه بالميت، فقال واصفًا خروجه: فخرج الميت، وذلك على الرغم من حدوث عملية الإحياء, كما أنه فاته توضيح أشياء، لا يستسيغها عقل البسطاء أمثالنا, مثل الكيفية، التي خرج بها العازر من القبر، وهو يداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل.

ما علينا.. ونعود إلى نص الحديث المعترض عليه من قِبل مقدم البرنامج وضيفه؛ اللذين يتضح لنا أنهما يعترضان بشدة على عملية إعادة الروح إلى الميت، ويتساءلان في دهشة هي مدهشة في حد ذاتها: كيف "تعاد إليه روحه؟", وكما هو واضح من قولهما أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينسب الفعل لنفسه.. هذا على فرض صحة الحديث, وإنما تمت النسبة إلى قوة قادرة هي قوة الله العلي القدير.

فإذا كان أصحاب البرنامج وقناتهم ومن وراءهم يؤمنون بأن إلههم يسوع قادر على إحياء الموتى؛ لأنه إله, فما بالهم يستكثرون على إله المسلمين، وعيسى منهم بالطبع ـ وهو رب العالمين فعلاً- أقل من فعل إلههم؟ حيث أحيا يسوع المسيح لعازر بعد موته بأربعة أيام كاملة، وبعد أن أنتن بشهادة أخته مرثا، لا بل بشهادة الإنجيل, بينما الاعتراض على إعادة إله المسلمين الروح إلى المتوفى، بعد الدفن مباشرةً في الحديث محل المناقشة.

والآن نبحث في الحديث محل النقاش، وهو حديث يقول عنه الشيخ أبو إسحق الحويني: أن حديث التلقين هذا حديث باطل منكر, وقد أخرجه الطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد"(3/45)، من طريق سعيد بن عبد الله الأودي قال: شهدت أبا أمامة، وهو في النزع الأخير فقال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا مات أحد من إخوانكم، فسويتم التراب على قبره, فليقم أحدكم على رأس قبره, ثم ليقل: يا فلان بن فلانة؛ فإنه يسمعه ولا يجيب, ثم يقول: يا فلان بن فلانة, فإنه يستوي قاعدًا, ثم يقول: يا فلان بن فلانة؛ فإنه يقول: أرشد يرحمك الله, ولكن لا تشعرون, فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمدًا عبده ورسوله, وأنك رضيت بالله ربًَّا, وبالإسلام دينًا, وبمحمد نبيًّا, وبالقرآن إمامًا؛ فإن منكرًا ونكيرًا, يأخذ كل منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق, وما نقعد عند من قد لُقِّن حجته, فيكون الله - عز وجل - حجيجه دونهما". فقال رجل: يا رسول الله, فإن لم يعرف أمه؟ قال: "ينسبه إلى حواء، عليها السلام،: يا فلان بن حواء"، قال الهيثمي في "المجمع": (في إسناده جماعة لم أعرفهم). وأخرجه الخلعي في "الفوائد"(ق55/2)ـ كما في "الضعيفة"(599)ـ وفي إسناده عتبة بن السكن, وقد تركه الدارقطني، وقال البيهقي: واهٍ منسوب إلى الوضع، هذا مع جهالة جماعة في الإسناد, وقد تتابعت عبارات أهل العلم في تضعيفه.

ويضيف الشيخ أبو إسحق: ثم إنه مما يدل على نكارة حديث التلقين هذا ما أخرجه البخاري (6/283 و10/563 و12/338 و13/68), ومسلم (12/42 و43 بشرح النووي), وغيرهم من حديث ابن عمر مرفوعًا : "إن الغادر يرفع له لواء يوم القيامة, يقال: هذه غدرة فلان بن فلان". وقد بوب البخاري على هذا الحديث بقوله: "باب ما يدعى الناس بآبائهم". وقال ابن بطال: في هذا الحديث رد لقول من زعم أنهم لا يدعون يوم القيامة إلا بأمهاتهم سترًا على آبائهم.

ويشير ابن بطال إلى أولاد الزنا؛ إذ لا آباء لهم. (مجلة التوحيد ـ السنة التاسعة والعشرون ـ العدد الثامن ـ شعبان ـ 1421 هجرية).
وفي الواقع، فإن تهافتهم واضح جلي لكل ذي نظر أو لديه من العقل أثر, غير أن شعورهم بأن الإسلام يسحب البساط من تحت أقدام المسيحية دفعهم إلى محاولات ميئوس منها؛ لبلبلة أفكار البسطاء من المسلمين من جهة؛ ولإرضاء شعب الكنيسة الباحث عن إجابات وتفسيرات لعقيدة أغرقه رجال الدين في تعقيداتها الفلسفية, وهو شيء مقصود من قِبل رؤساء الكنائس، الذين وضعوا أسسها في مجمع نيقية العام (325م)، الذي عقد لحسم الجدل حول طبيعة المسيح, أي أن السخرية بالعقول بلغت مداها، عندما تحدد مجموعة من البشر أيًّا كانت درجة تقواهم أو مبلغ علمهم طبيعة يسوع المسيح, هل هو إله فيُعبد.. أم أنه بشر فيُبعد؟ ولله الأمر من قبل ومن بعد.

المصدر
http://www.shareah.com/index.php?/records/view/id/1379/