كتبه: سيد محمود – لواء الشريعة

تعرضت النصرانية لتحريفات شتى، ومن أطرف ما تعرضت له من تحريف هو طبيعة الدعوة ومجالها.
والمنصرون اليوم يستندون على نصين مدسوسين في العهد الجديد، ينْسَبان للمسيح تكليفه لأتباعه بدعوة جميع الأمم وتنصيرهم، وقد بيَّنّا في مقال سابق «التنصير واجب ديني.. هدم مزاعم القس مكاري يونان»
حقيقة النص الأول في نهاية إنجيل مرقس، وبيَّنَّا أنه محرَّف بشهادة علماء المسيحية أنفسهم.
النص الثاني الذي يستند إليه المنصِّرون في خططهم الخبيثة هو نهاية إنجيل متى؛ حيث تنسب للمسيح قوله: «19 فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمِّدوهم باسم الأب والابن والروح القدس» (متى 19:28).
وحقيقة هذا النص لا تختلف عن سابقه في نهاية إنجيل مرقس، فهو محرَّف أيضًا.
ولا نسوق هنا كلام علماء الإسلام الذين لا يؤمنون بالكتاب المقدس أساسًا،
لكننا نسرد الدليل والبرهان من كلام علماء المسيحية أنفسهم، ومن مراجعهم المعتمدة:
تفسير العهد الجديد لـ تيندال : (الجزء الأول، ص275):
إن من المؤكد أن الكلمات «باسم الأب والابن والروح القدس» ليست النص الحرفي لما قال عيسى، ولكن....إضافة دينية لاحقة.
قاموس الكتاب المقدس لـ هاستينج (طبعة 1963، ص1015):
(.....هذا القول المتأخر فيما بعد القيامة غير موجود في أي من الأناجيل الأخرى، أو في أي مكان آخر في العهد الجديد، هذا وقد رآه بعض العلماء كنص دخيل إلى متى. وقد وضح أيضًا أن فكرة الحواريين مستمرين في تعليمهم، حتى إن الإشارة المتأخرة للتعميد بصيغتها التثليثية لربما كانت إقحامًا لاحقًا في الكلام).
كتاب جيروزاليم المقدس، عمل كاثوليكي علمي، قرر أن:
"من المحتمل أن هذه الصيغة (الثالوثية بمتى19:28) بكمال تعبيرها واستغراقه هي انعكاس للاستخدام الطقسي (فعل بشري)، الذي تقرر لاحقًا في الجماعة (الكاثوليكية الأولى). سيبقى مذكورًا أن الأعمال (أعمال الرسل) تتكلم عن التعميد «باسم يسوع»....
الموسوعة الدولية للكتاب المقدس المجلد الرابع صفحة 2637 وتحت عنوان العماد Baptism قالت:
ما جاء في (متى 28 :19) كان تقنينًا لموقف كنسي متأخر، فشموليته-جميع الأمم- تتضاد مع الحقائق التاريخية المسيحية، بل والصيغة التثليثية غريبة على كلام يسوع.
جاء في الإصدار المحقق الجديد للكتاب المقدس (NRSV) عن متى: (19:28)
"يدعي النقاد المعاصرون أن هذه الصيغة نُسبت زورًا ليسوع، وأنها تمثل تقليدًا متأخرًا من تقاليد الكنيسة (الكاثوليكية)، إنه لا يوجد مكان في كتب أعمال الرسل تم التعميد فيه باسم الثالوث.....
ترجمة العهد الجديد لـ جيمس موفيت:
في الهامش السفلي صفحة 64 تعليقًا على متى (19:28) قرر المترجم أن: من المحتمل أن هذه الصيغة، (متى 19:28) بكمال تعبيرها واستغراقه، هي انعكاس للاستخدام الطقسي (فعل بشري)، الذي تقرر لاحقًا في الجماعة (الكاثوليكية) الأولى. سيبقى مذكورًا أن الأعمال (أعمال الرسل) تتكلم عن التعميد باسم «يسوع»، راجع لأعمال الرسل (5:1).
تفسير الكتاب المقدس 1919 صفحة 723:
قالها الدكتور بيك (Peake) واضحة: «إن الأمر بالتعميد باسم الثلاثة كان إضافة مذهبية متأخرة».
هؤلاء هم علماء الكتاب "المقدس" يشهدون بتحريفه، وإضافة هذه الفقرة إلى إنجيل متى، وهو أساسًا إنجيل مجهول المصدر لا يُعلَم كاتبه؛ لأن متى كتب إنجيله باللغة العبرانية، بينما هذا الموجود الآن باللغة اليونانية.
التاريخ المسيحي يؤكد هذا أيضًا:
يؤكد الكتاب "المقدس" نفسه أن تلاميذ المسيح لا يعرفون هذا النص، فهم لم يخرجوا لدعوة الناس جميعًا، كما يقول المنصرون، ثم لم يخرجوا من فلسطين إلا حين أجبرتهم الظروف على الخروج، «وأما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس، فاجتازوا إلى فينيقية وقبرص وأنطاكيا، وهم لا يكلمون أحدًا بالكلمة إلا اليهود فقط» (أعمال19:11).
ولما حدث أن بطرس استُدعِيَ من قبل كرنيليوس الوثني، ليعرف منه دين النصرانية، ثم تنصر على يديه. غضب التلاميذ من بطرس، لأنه دعا رجلاً من غير اليهود، فقال لهم: «أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه، وأما أنا فقد أراني الله أن لا أقول عن إنسان ما: إنه دنس أو نجس» (أعمال 28:10)، لكنه لم يذكر أن المسيح أمرهم بذلك، بل قال «نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات، وأوصانا أن نكرز للشعب (أعمال42:10)، أي لليهود فقط.
* وجاءت شهادة تاريخية تعود للقرن الثاني مناقِضة لهذا النص المزعوم؛ إذ يقول المؤرخ أبولونيوس: «إني تسلمت من الأقدمين أن المسيح قبل صعوده إلى السماء كان قد أوصى رسله ألا يبتعدوا كثيرًا عن أورشليم لمدة اثنتي عشرة سنة».
وهذا هو المجرى الطبيعي لدعوة المسيح كما يذكرها الكتاب "المقدس".
فهو الذي قال لهم: «24 فأجاب وقال لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة» (متى15/24).
وهو الذي أمرهم أيضًا حين وجههم للدعوة: «هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا* 6 بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة»(متى 10/6).
وهنا يتضح حقيقة الأمر فلا المسيح عندهم أمر بالتنصير لجميع الأمم، ولا انتدبهم لاصطياد الفقراء والمنكوبين والجوعى، ليعطوهم الخبز بشرط الصليب.
وإنما هي غلافة جذابة للتغلغل داخل المجتمعات الأخرى وتفتيت وحدتها وتهيئتها كوجبة ساخنة على مائدة الغزو الصليبي.
لكن الإسلام لا يسمح لضباع التنصير الجائع أن تلتهم الضعفاء، وتستغل حاجاتهم بحجة حرية العقيدة.
ولا يسمح للمتاجرة بضمائر الشعوب وعقائدها لقاء حفنة من الدولارات القذرة، ولا يسمح بأصوات أهل الباطل الذين فشلوا في إقامة الحجة والبرهان على معتقداتهم، فراحوا يسوقونها للسفهاء والضعفاء في غيبة أهل الحق.
ونحن نسأل المنصِّرين؟
لماذا لا ينشطون إلا في مناطق الحروب والنزاعات.
ولماذا لا نراهم إلا في بُؤَر المجاعات والأوبئة والكوارث؟
الإجابة واضحة لا لبس فيها.
فقاعدة التنصير الأولى وربما الوحيدة هي الاصطياد.
اصطياد النفس الإنسانية في أضعف حالاتها، وأشد احتياجاتها، ثم السيطرة عليها وتوجيهها إلى حيث يشاءون.
هذه حقيقة التنصير وحقيقة دوره الخبيث.
ولهذا كانت الكنيسة القبطية تنفي بشدة علاقتها بالتنصير قديمًا.
لكنها عادت الآن لتعلن بسفور شديد أن عملها الأساسي هو التنصير،
وأنها متمسكة بهذا الدور.
تُرَى ما الذي دفع الكنيسة إلى هذا الآن؟
نظرة واحدة دقيقة إلى وضع العالم الإسلامي تعطيك الإجابة الحقيقية؛ لتعرف أين يتجه الضباع؟

المصدر

http://www.shareah.com/index.php?/re...n/view/id/545/