على الرغم من الإمكانات والقدرات التقنية العالية التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هناك عدم اتفاق على عدد المسلمين الأمريكيين، في ظل الطابع المدني في رصد وتوزيع الفئات السكانية الذي لا يراعي الانتماءات الدينية، ومع هذه الحالة تتفاوت التقديرات، حيث تقول المنظمات الإسلامية إن عدد المسلمين الأمريكيين يصل إلي 10 ملايين. بينما تشير التقديرات الأمريكية غير الرسمية التي أجرتها بعض المؤسسات البحثية الخاصة إلي أن عددهم بين 4 إلى 7 ملايين نسمة. وهم بذلك يعادلون، إن لم يكن يزيدون عددياً عن اليهود في الولايات المتحدة، ولكن شتان الفارق في القدرة والدور والتأثير.

ورغم هذا الفارق، الذي هو بطبيعة الحال لصالح اليهود، تنبع أهمية الصوت الإسلامي في الانتخابات الأمريكية في كون المسلمين الأمريكيين، يشكلون كتلة تصويتية مهمة في عدد من الولايات الأساسية التي تشهد منافسة حامية بين المرشحين مثل ولايات كاليفورنيا التي تضم (19%) من المسلمين الأمريكيين، ونيويورك (13%)، وألينوي (10%)، وتكساس (9%) وفرجينيا (7%) فلوريدا 6% من المسلمين الأمريكيين، وميتشيجان (6%)، وميريلاند (5%)، وبنسلفانيا (4%)، وأوهايو (3%).

وقد أظهرت نتائج استطلاع أجراه مركز واشنطن الإسلامي لحقوق الإنسان لصالح مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR ) ونشرت نتائجه في بداية العام الحالي، أن أكثر من نصف الناخبين المسلمين ما يزالون في مرحلة تقييم المرشحين وأنهم لم يحسموا بعد اختيارهم. وأشار الاستطلاع أن 87% من الناخبين المسلمين يشاركون بانتظام في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بصورة منتظمة، وأنهم شاركوا بالفعل في الانتخابات التمهيدية الجارية. وقال 42% منهم أنهم يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين بينما قال 17% أنهم جمهوريون وقال 28% أنهم لا ينتمون لأي حزب.

وتمثلت القضايا الأهم بالنسبة إلى الأمريكيين المسلمين في الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية الحالية هي التعليم والحقوق المدنية، التي يعانون نقصها في ظل إدارة بوش، والرعاية الصحية والوظائف والاقتصاد وعلاقات الولايات المتحدة مع الدول الإسلامية.

وكشف الاستطلاع الذي نشرت نتائجه نشرة واشنطن العربية، التي يصدرها مكتب برامج الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية الأميركية، عن العديد من النتائج التى تمثل تحديا للكثير من الصور النمطية التي تُرسم للمسلمين الأميركيين والتعميمات التي تساق عنهم عادة دون دراسة علمية موثقة. كما كشف أن المسلمين الأميركيين الذين يعتبرون أنفسهم أكثر "تدينا" من غيرهم من المسلمين الأميركيين، يميلون إلى الاعتقاد أكثر من غيرهم أن الإسلام والحداثة" غير متضادين.

كما أظهر الاستطلاع اهتماما استثنائيا بين المسلمين الأميركيين بالعلاقة بين دول العالم الإسلامي والولايات المتحدة، والقضايا التي تحكم هذه العلاقة وفي مقدمتها الصراع العربي ـ الإسرائيلي. فقد قالت 75% منهم إن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي "بطريقة عادلة" سيؤدي إلى "تحسين سمعة أميركا في العالم الإسلامي." وقالت نسبة 76% منهم إن "معاداة أميركا" في العالم الإسلامي هي مشكلة "جدية"، مثل مشكلة "التحامل ضد المسلمين الأميركيين" التي اعتبروها "تهديدا" لهم.

تاريخ من الأوهام:

في انتخابات عام 2000، توهّم المسلمون الأمريكيون أن التصويت للمرشح الجمهوري جورج بوش سيخدم قضايا العرب والمسلمين، خاصة مع تعهُّده بأن أمريكا لن تُمارس دور شرطي العالم. وصوّت نحو 46% منهم لصالح الرئيس بوش وخسِروا الرِّهان، حيث كشَّر عن أنيابه بعد أحداث 11 سبتمبر وغيَّر السياسة الأمريكية، وكانت الدول العربية والإسلامية في مقدمة الدول التي استهدفتها طموحاته ونزواته، وعندما حاول المسلمون الأمريكيون تعديل المسار في انتخابات 2004، لم يكن لدورهم تأثير يذكر.

وفي انتخابات 2008، يدخل المسلمون الأمريكيون الانتخابات وهم يُواجهون موقِفا فريدا، حيث زاد التورّط الأمريكي في العالم العربي والإسلامي، بشكل يُظهِر أنه لن يكون بوسْع الرئيس القادم الخروج بسرعة من الأزمات التي وضع فيها الرئيس بوش الولايات المتحدة، خاصة في العراق التي تجبر الظروف القائمة هناك أي رئيس يخلف بوش في البيت الأبيض على موقف بالغ التعقيد، حيث لا يُمكنه الاستمرار وليس بوسْعه الخروج منه قريبا، بجانب الأخطاء الكارثية للسياسة الأمريكية في لبنان وسوريا وأفغانستان وباكستان وإيران.

وإذا كان الصراع على انتخابات القادة أصبح محصوراً بين أوباما وماكين، فإن تصويت المسلمين الأمريكيين سيتجه بالدرجة الأولي نحو أوباما، وذلك لعدة اعتبارات، من بينها الميل التقليدي للمسلمين الأمريكيين نحو الحزب الديمقراطي ودعم مرشحيه، من ناحية، والجذور الإسلامية لأوباما من ناحية ثانية، والتوجهات الخارجية التي أعلن عنها أوباما وخاصة ما يتعلق منها بالوجود الأمريكي في العراق من ناحية ثالثة، ورفض المسلمين الأمريكيين لماكين وسياساته وتوجهاته من ناحية رابعة، وخاصة بعد إعلان المرشد الروحي لماكين "القس رود بارسلي"، أن الإسلام دين معاد للسيد المسيح، وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم "لسان حال مؤامرة الشر الروحي" - كبُرت كلمةً تخرج من فيه- ودعوته للقضاء علي الإسلام والمسلمين باعتبارهم أساس الإرهاب في العالم. معلناً أنه لن يصمت بعد الآن عن الإسلام. وسيعمل بكل ما بوسعه ضد فكرة أن إله المسيحية وإله الإسلام إله واحد. وسيحذر الناس من الأجندة الخبيثة لأعداء بلاده وأعداء صليب سيده المسيح، وسيبين الحقيقية كلما أتيحت له الفرصة" حسب تصريحاته.

ومع الآمال التي يعلقها البعض على دور المسلمين الأمريكيين، يبقي الواقع مخيباً لأن حجم تأثيرهم على السياسة الأمريكية لا يرقى إلى المستوى المطلوب، ولا يتواكب مع عددهم ولا مع إمكاناتهم، فبالرغم من النمو المتزايد للمنظمات الإسلامية التي تعمل على توعية وإعداد المسلمين سياسياً، إلا أنها لم تنجح حتى الآن في تحقيق أية مكاسب أو انتصارات سياسية، والسبب في ذلك يَكْمُن أولاً في البيئة السياسية الأمريكية التي تتسم بالصلابة الشديدة.. والتي تفرض حواجز عالية في وجه كل من يريد أو يحاول حتى اختراقها.

كما أن مسلمي الولايات المتحدة متحدون على ما يخص الأمور الدينية، ولكنهم متفرقون في كل ما يخص الأمور السياسية. ومهمة تحقيق وحدة سياسية في المناخ الأمريكي المسلم ليست بالشيء الهين أو اليسير، فالمصالح متنوعة وكثيرة ومتعددة، مما يؤدي بها في بعض الأوقات إلى التنافس والتناحر، ولذا فإنه من الصعب أن يجتمعوا على أهداف سياسية واحدة.

ويمكن التغلب على هذه المعوقات، من خلال تبني عدد من الخطوات، من بينها:

1ـ تصفية الأجواء مع الإدارة الأمريكية: فالتحدي الذي يواجه المجتمع الأمريكي المسلم يكمن في إيجاد ما يوازن الجماعة اليهودية الضاغطة، وإطلاق سراح صُناع السياسة الأمريكية لكي يسعوا وراء المصالح القومية الأمريكية التي تنادي بالاستقرار في العلاقات الدولية، والتي تنادي كذلك بإنشاء علاقات إيجابية وودية مع جميع الدولة الإسلامية.

2ـ عدم مُهاجمة اللوبي اليهودي: فبعض المسلمين الأمريكيين يرون أنه حتي يمكنهم الاندماج في الحياة الأمريكية بالصورة التي تحفظ هويتهم كمسلمين وفي نفس الوقت لا تفقدهم تواصلهم مع أصحابهم وجيرانهم الأمريكيين، لا ينبغي مهاجمة اللوبي اليهودي الذي يري في وجود المسلمين الأمريكيين تهديداً لمصالح إسرائيل فى السياسة الخارجية الأمريكية.

3- تنسيق الجهود بين المنظمات الإسلامية داخل الولايات المتحدة. فنجاح المسلمين الأمريكيين فى تحويل كل أعضاء المجتمع المسلم إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات القادمة، وقدرتهم على توحيد صفوفهم بالقدر الكافي للاتفاق على تفويض مرشح بعينه للرئاسة، من شأنه أن يساهم فى فرض المجتمع المسلم على الخريطة السياسية الأمريكية.

4ـ إبراز الدور الإسلامي على الساحة الأمريكية، من خلال بحث وجمع معلومات عن مشاركة وإسهامات المجتمع المسلم في الحياة الأمريكية المدنية، وإنتاج قائمة إرشادية للمنظمات الإسلامية والمراكز والمساجد وطبعها ونشرها بمختلف الوسائل، مع تعزيز الاستفادة، في هذا الإطار، من شبكة الإنترنت.

5ـ الحفاظ على الهُوية الإسلامية، وتنشيط العمل الدعوى من خلال مضاعفة جهد المنظمات العاملة في حقل الدعوة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تروج لها الجهاتُ المعادية للإسلام في المجتمع الأمريكي، وربط قضاياهم بعالمهم الإسلامي باعتبارهم جزءا منه، كخطوة على الطريق نحو تشكيل "لوبي إسلامي" يمكنه أن يؤثر على صانع القرار الأمريكي، وتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية بما يتفق والمصالح العليا للعالم الإسلامي والدفاع عن قضاياه المشروعة وحماية مقدساته وحرماته من الانتهاكات التي تتعرض لها بين الحين والآخر، دون رادع.

http://www.islammessage.com/articles...id=91&aid=3219