بسم الله الرّحمن الرّحيم


قواعد في صفات الله تعالى (من كتاب القواعد المثلى للعلاّمة محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى)



القاعدة الأولى

صفات الله تعالى صفات كمال لا نقص فيها بأيّ وجه من الوجوه كالحياة والعلم والقدرة والسّمع والرّحمة والعزة والحكمة والعلوّ والعظمة ونحو ذلك.

قال تعالى(للذين لا يؤمنون بالآخرة مثَل السَّوْء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم )والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى


وإذا كانت الصّفة كمالا في حال ونقصا في حال لا تثبت له إثباتا مطلقا ولا تنفى عنه نفيا مطلقا بل لا بدّ من التّفصيل,فتجوز في الحال التي تكون كمالا وتمتنع في الحال التي تكون نقصا وذلك كالمكر والكيد والخداع ونحوها فهذه الصّفات تكون كمالا إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها لأنّها حينئذ تدلّ على أنّ فاعلها قادر على مقابلة عدوّه بمثل فعله أو أشدّ, وتكون نقصا في غير هذه الحال ولهذا لم يذكرها الله تعالى على سبيل الإطلاق وإنّما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها

كقوله تعالى(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين). وقوله(إنّهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا). وقوله(والذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إنّ كيدي متين). وقوله(إنّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم).

ولهذا لم يذكر أنّ الله خان من خانوه فقال تعالى(وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم). فقال فأمكن منهم ولم يقل فخانهم لأنّ الخيانة خدعة في مقام الإئتمان وهي صفة ذمّ مطلقا.

القاعدة الثانية

باب الصّفات أوسع من باب الأسماء

وذلك لأنّ كلّ اسم متضمّن لصفة كما في قواعد الأسماء

وأمّا الصّفات فإنّ منها ما يتعلّق بأفعال الله تعالى وأفعاله لا منتهى لها كما أنّ أقواله لا منتهى لها كما قال تعالى (ولو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إنّ الله عزيز حكيم).
فقد يوصف الله بوصف ولا يشتقّ له من الصّفة اسما

ومن أمثلة ذلك أنّ من صفات الله تعالى المجيء والأخذ والبطش ونحو ذلك من الصّفات التي لا تحصى كما قال تعالى(وجاء ربّك). وقوله(فأخذهم الله بذنوبهم). وقوله(إنّ بطش ربّك لشديد). وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم (ينزل ربّنا كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا).

فنصف الله تعالى بهذه الصّفات على الوجه الوارد ولا نسمّيه بها فلا نقول إن من أسمائه الجائي والآخذ والباطش والنّازل ونحو ذلك وإن كنّا نخبر بذلك عنه ونصفه به.

القاعدة الثالثة

صفات الله عزّوجلّ تنقسم إلى قسمين ثبوتيّة وسلبيّة

فالثبوتيّة هي ماأثبتها الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله وكلّها صفات كمال لا نقص فيها بأيّ وجه من الوجوه كالحياة والعلم والقدرة والإستواء على العرش والنّزول إلى السّماء الدّنيا والوجه واليدين ونحو ذلك.

لأنّه لا يصف الله أعلم بالله من الله كما قال تعالى(قل أأنتم أعلم أم الله). كما لا يصف الله بعد الله أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال تعالى فيه (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى).

والسّلبيّة هي ما نفاها الله سبحانه وتعالى عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وكلّها صفات نقص في حقّه كالموت والنّوم والجهل والعجز والتّعب.

فيجب نفيها عن الله تعالى مع إثبات ضدّها على الوجه الأكمل وذلك لأنّ ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضدّه

مثال ذلك قوله تعالى(وتوكّل على الحيّ الذي لا يموت). فنفي الموت عنه يتضمّن كمال حياته

وكقوله تعالى(ولا يظلم ربّك أحدا). فنفي الظّلم عنه يتضمّن كمال عدله, وهكذا..

القاعدة الرّابعة

الصّفات الثبوتيّة صفات مدح وكمال فكلّما كثرت وتنوّعت دلالاتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر

ولهذا كانت الصّفات الثبوتيّة التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصّفات السّلبيّة فلم تذكر غالبا إلا في الأحوال التّالية

1- بيان عموم كماله كما في قوله تعالى (ليس كمثله شيء). وقوله(ولم يكن له كفوا أحد).

2- نفي ما ادّعاه في حقّه الكاذبون كما في قوله (أن دعوا للرّحمن ولدا, وما ينبغي للرّحمن أن يتّخذ ولدا)

3- دفع توهّم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعيّن كما في قوله تعالى (وما خلقنا السّموات والأرض وما بينهما لاعبين). وقوله(ولقد خلقنا السذموات والأرض وما بينهما في سستّة أيّام وما مسّنا من لغوب).

القاعدة الخامسة

الصّفات الثبوتيّة تنقسم إلى قسمين ذاتيّة وفعليّة

فالذاتيّةهي التي لايزال ولم يزل متّصفا بها كالعلم والقدرة والسّمع والبصر والعزة والحكمة والعلوّ والعظمة ومنها الصّفات الخبريّة كالوجه واليدين

والفعليّةهي التي تتعلّق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالإستواء على العرش والنّزول إلى السّماء الدّنيا

وقد تكون الصّفة ذاتيّة فعليّة باعتبارين كالكلام فإنّه باعتبار أصله صفة ذاتيّة لأنّ الله تعالى لا يزال ولم يزل متكلّما ,وباعتبار آحاد الكلام صفةفعليّة ,لأنّ الكلام يتعلّق بمشيئته يتكلّم متى شاء بما شاء كما قال تعالى (إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)

القاعدة السّادسة

يلزم في إثبات الصّفات التّخلي عن محذورين عظيمين هما التّمثيل والتّكييف

أمّا التمثيل فهو اعتقاد المثبت أنّ ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين وهذا اعتقاد باطل يقول الله تعالى (ليس كمثله شيء). وقال (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكّرون). وقوله (هل تعلم له سميّا). وقوله (ولم يكن له كفوا أحد).

وأمّا التّكييف فهو أن يعتقد المثبت أنّ كيفيّة صفات الله تعالى كذا وكذا من غير أن يقيّدها بمماثل وهذا اعتقاد باطل يقول الله عزّوجلّ (ولا يحيطون به علما). وقال(ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا). ومن المعلوم أنّه لا علم لنا بكيفيّات صفات ربّنا,لأنّه تعالى أخبرنا بها ولم يخبرنا عن كيفيّتها,فيكون تكييفنا قفوا لما ليس لنا به علم,وقولا بما لا يمكننا الإحاطة به.

والشّيء لا تعرف كيفيّة صفاته إلا بعد العلم بكيفيّة ذاته أو العلم بنظيره المساوي له أو بالخبر الصّادق عنه, وكلّ هذه الطّرق منتفية في كيفيّة صفات الله عزّوجلّ,فوجب بطلانها.

القاعدة السّابعة

صفات الله عزّوجلّ توقيفيّة لا مجال للعقل فيها

فلانثبت لله تعالى من الصّفات إلا ما دلّ الكتاب والسّنّة على ثبوته,قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله,لا يتجاوز القرآن والحديث)

وثبوت الصّفة يكون بثلاثة أوجه

1- التّصريح بالصّفة كالعزّة والقوّة والرّحمة والوجه واليدين ونحوه

2- تضمّن الإسم لها مثل الغفور متضمّن للمغفرة,والسّميع متضمّن للسّمع ونحو ذلك

3- التّصريح بفعل أو وصف دالّ عليهما كالإستواء على العرش كما قال تعالى (الرّحمن على العرش استوى),والنّزول إلى السّماء الدّنيا كما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم (ينزل ربّنا إلى السّماء الدّنيا),والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة كما قال تعالى (وجاء ربّك والملك صفّا صفّا),والإنتقام من المجرمين كما قال تعالى (إنّا من المجرمين منتقمون).





من كتاب القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمؤلّفه الإمام
محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى



وفي الختام أسأل الله العليّ القدير أن ينفعنا وينفع بنا





والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته