السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعلم أن مفتاح معرفة الله تعالى هو معرفة النفس.

كما قال سبحانه وتعالى:

( سَنُريهِم آياتِنا في الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ ).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

" من عرف نفسه فقد عرف ربه ".

وليس شيء أقرب إليك من نفسك ، فإذا لم تعرف نفسك ، فكيف تعرف ربك؟

فإن قلت: إني أعرف نفسي! فإنما تعرف الجسم الظاهر، الذي هو اليد والرجل والرأس والجثة، ولا تعرف ما في باطنك من الأمر الذي به إذا غضبت طلبت الخصومة ، وإذا اشتهيت طلبت النكاح ، وإذا جعت طلبت الأكل ، وإذا عطشت طلبت الشرب.

والدواب تشاركك في هذه الأمور.

فالواجب عليك أن تعرف نفسك بالحقيقة ، حتى تدرك أي شيء أنت ، ومن أين جئت إلى هذا المكان ، ولأي شيء خلقت ، وبأي شيء سعادتك ، وبأي شيء شقاؤك.

وقد جمعت في باطنك صفات: منها صفات البهائم ، ومنها صفات السباع ، ومنها صفات الشياطين ، ومنها صفات الملائكة ، فالروح حقيقة جوهرك وغيرها غريب منك ، وعارية عندك.

فالواجب عليك أن تعرف هذا ، وتعرف أن لكل واحد من هؤلاء غذاء وسعادة.

فإن:

1- سعادة البهائم في: الأكل ، والشرب ، والنوم ، والنكاح.

فإن كنت منهم فاجتهد في أعمال الجوف والفرج.

2- سعادة السباع في: الضرب ، والفتك.

فإن كنت منهم فاشتغل باشتغالهم.

3- سعادة الشياطين في: المكر، والشر، والحيل.

فإن كنت منهم فاشتغل باشتغالهم.

4- سعادة الملائكة في: مشاهدة جمال الحضرة الربوبية ، وليس للغضب والشهوة إليهم طريق.

فإن كنت من جوهر الملائكة ، فاجتهد في معرفة أصلك ، حتى تعرف الطريق إلى الحضرة الإلهية ، وتبلغ إلى مشاهدة الجلال والجمال ، وتخلص نفسك من قيد الشهوة والغضب ، وتعلم أن هذه الصفات لأي شيء ركبت فيك ، فما خلقها الله تعالى لتكون أسيرها ، ولكن خلقها حتى تكون أسرك ، وتسخرها للسفر الذي قدامك ، وتجعل إحداها مركبك ، والأخرى سلاحك ، حتى تصيد بها سعادتك.

فإذا بلغت غرضك فقاوم بها تحت قدميك ، وارجع إلى مكان سعادتك ، فتحتاج إلى معرفة هذه المعاني ، حتى تعرف من نفسك شيئاً قليلاً ، فكل من لم يعرف هذه المعاني فنصيبه من القشور، لأن الحق يكون عنه محجوباً.

إذا شئت أن تعرف نفسك ، فاعلم أنك من شيئين:

الأول: القلب.

والثاني:النفس والروح.

والنفس هو القلب الذي تعرفه بعين الباطن.

وحقيقتك الباطن ، لأن الجسد أول وهو الآخر، والنفس آخر وهو الأول ، ويسمى قلباً.

وليس القلب هذه القطعة اللحمية التي في الصدر من الجانب الأيسر، لأنه يكون في الدواب والموتى ، وكل شيء تبصره بعين الظاهر فهو من هذا العالم الذي يسمى عالم الشهادة.

وأما حقيقة القلب فليس من هذا العالم ، لكنه من عالم الغيب ، فهو في هذا العالم غريب ، وتلك القطعة اللحمية مركبة ، وكل أعضاء الجسد عساكره وهو الملك ، ومعرفة الله ومشاهدة جمال الحضرة صفاته ، والتكليف عليه ، والخطاب معه ، وله الثواب ، وعليه العقاب ، والسعادة والشقاء تلحقانه ، والروح الحيواني في كل شيء تبعه ومعه.

ومعرفة حقيقته ، ومعرفة صفاته ، مفتاح معرفة الله سبحانه وتعال ، فعليك بالمجاهدة حتى تعرفه، لأنه جوهر عزيز من جنس جوهر الملائكة ، وأصل معدنه من الحضرة الإلهية ، من ذلك المكان جاء ، وإلى ذلك المكان يعود.

فهل عرفت نفسك ؟

( منقول )