هل أوحى الشيطانُ لآدمَ وزوجتِه؟!

مِنَ الشبهاتِ التي أُثيرت حولَ قصّةِ آدمَu أنّهم قالوا: كيف لنبيٍّ معصومٍ كآدمَ u يستعينُ بِوَحيِّ الشيطانِ...هل مِن عِصمةِ الأنبياءِ أنْ يستعينَ النبيُّ بِوَحيِّ الشيطانِ كما فعل آدمُ وزوجته حواء، كي يعيش لهما مولود...؟!


ذكروا حديثًا في سننِ الترمذيِّ برقمِ 3003 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: " لَمَّا حَمَلَتْ حوّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ، وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ. فَقَالَ: " سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ". فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ. فَعَاشَ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قَتَادَةَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ.

الردُّ على الشبهةُ
أولًا: إنّ هذا الحديثَ لا يصحُّ عندَ أهلِ الحديثِ والتحقيقِ، فقد ضعّفَه الشيخُ الألبانيّ في (ضعيفِ سننِ الترمذيّ) قال: ضعيفٌ في السلسةِ الضعيفةِ(342) وضعيفِ الجامعِ الصغيرِ(4769).

وعليه: فكأنّنا لم نسمعْ شيئًا، ممّا قيلَ؛ لأنّنا لا نعترفُ بصحتِه ونِسبته إلى النبيِّ محمد...


ثانيًا: على الرغمِ مِن أنّ ضعفِ الحديثِ مُغْنٍ عن كلِّ تأويلٍ، أتساءلُ على فرْضِ صحّةِ الروايةِ التي لا تصحُّ سؤالين:

السؤالُ الأوّلِ: أين جاءَ في هذا الحديثِ الضعيفِ دورٌ لآدمَ معَ الشيطانِ أو ذُكر اسم آدمَ؟!

السؤالُ الثاني: هل حوّاءُ التي خدعَها الشيطانُ بحسبَ الروايةِ التي - لا تصحُّ - نبيّةٌ لها عصمة كبقية الأنبياء؟!

الردُّ على السؤالين:

الأوّلُ: بحسبِ الروايةِ الضعيفةِ لم يأْتِ اسمُ آدمَ فيها قطّ، ولم تذكرْ له دورًا...

وأتساءل: ما علاقةُ آدمَ بهذه الشبهةِ على فرْضِ صِحّةِ أدلّتِها والتي لا تصحُّ؟!


الثاني: إنّ حوّاء ليست نبيّةً يُوحى إليها مِن قبلِ اللهِ...وبالتالي فليس لديها عصمةٌ عندَ المسلمين، رُغمَ إنّها زوجةُ نبيٍّ؛ فزوجةُ النبيِّ مِنَ المُمكنِ أنْ تُشركَ باللهِ... كزوجتَيْ نوحٍ ولوطٍ، خانَتا النبيّيْن بالشركِ...

أمّا النبوّةُ فتنحصِرُ على الرجالِ فقط، وهذا بخلافِ ما يعتقدُ به المُنصّرون؛ فإنّهم يعتقدون بنُبُوّةِ نساءٍ كُثُرٍ، مثلِ: مريمَ، ودبورةَ النبيةِ القاضيةِ، أَسْتِير... ويرفضون نُبوّةَ آدمَ...! أدلّتَي على ما سبقَ:

1- قولُه I: ] وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ(109) [(يوسف).


2- قولُه I: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43) [(النحل).


3- قولُه I: ]وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ(8) [(الأنبياء).


ثانيًا: بعدَ بيانِ ضعفِ الحديثِ المُغْني عن أيِّ تأويلٍ...

ويبقى سؤالٌ يطرحُ نفسَه: ما هو التفسيرُ الصحيحُ للآيةِ الكريمةِ بعدَ بيانِ ضعفِ الحديثِ؟!

الجواب : جاء في التفسير الميسر: هو الذي خلقكم -أيها الناس- من نفس واحدة، وهي آدم uوخَلَق منها زوجها، وهي حواء; ليأنس بها ويطمئن، فلما جامعها -والمراد جنس الزوجين من ذرية آدم- حملت ماءً خفيفًا، فقامت به وقعدت وأتمت الحمل، فلما قَرُبت ولادتها وأثقلت دعا الزوجان ربهما: لئن أعطيتنا بشرًا سويًا صالحًا لنكونن ممن يشكرك على ما وهبت لنا من الولد الصالح.اهـ

قلتُ: وقد يُحمل المرادُ على آدم وحواء نفسيهما لا غيرهما، وهو أن حواء كانت في بداية حملها تحمل حملًا خفيفًا وتضع خفيفًا فلما كبرت في السن وثقلت أصبح الوضعُ ثقيلًا عليها، فدعا ربهما أن يعطهما بشرًا سويًا صالحًا و يشكرونه على ما وهب لهما من الولد الصالح....

وعلى هذا أكون قد نسفتُ الشبهةَ نسفًا، وذلك بعد بيان عدم صحة دليليهم، وعظم جهلهم، وبيان المعنى الصحيح الصريح الذي هدم سوءَ ظنهم وقلة حيلهم....


كتبه/ أكرم حسن مرسي