لا يملك اليهود ولا النصارى أي دليل – ولو كان ضعيفاً - يثبت صحة نسبة الأسفار المقدسة إلى أصحابها.
بل إن الأدلة تثبت عكس ذلك، وهو يتضح فيما نعرض من النصوص والشهادات التي تبطل نسبة أسفار العهد القديم إلى الأنبياء عليهم السلام، ومن ذلك:
سفر يشوع :
القراءة المتأنية لهذا السفر تكشف عن تأخر تاريخ كتابته عن يشوع بسنين طويلة، فقد جاء فيه خبر موت يشوع " مات يشوع بن نون عبد الرب ابن مائة وعشر سنين، فدفنوه في تخم ملكه " ( يشوع 244/29 - 30 ) .
ويذكر السفر أحداثاً بعد موته كتعظيم بني إسرائيل له بعد موته ( انظر يشوع 24/31) والسفر برمته يتحدث عن يشوع بضمير الغائب (انظر 8/35 ، 6/27 ).

سفر القضاة :

ويتحدث ويتحدث السفر عن الفترة التي تلت يشوع والتي سبقت الملكية ، وهي فترة مبكرة من تاريخ بني إسرائيل .
ولكن السفر يحوى ما يدل على أنه كتب في عهد الملوك فقد جاء فيه " في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل " ( قضاة 21/25 ).
ونحوه يقول السفر: " وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل " ( قضاة 17/6 )، مما يفهم منه أن الكاتب قد أدرك الملكية، وليس قاضياً يعيش في عصر القضاة.
يقول الأب لوفيفر: إن سفر القضاة أعيدت كتابته وعدلت مرات كثيرة قبل أن يصل إلى صيغته النهائية ، وإن أحداثه التاريخية تعوزها الدقة.

سفرا صموئيل ( الأول والثاني ) :
وينسب السفران للنبي صموئيل، لكن الجزء الأول أو السفر الأول يذكر وفاة صموئيل ودفنه " فمات صموئيل فاجتمع إسرائيل ، وندبوه ، ودفنوه " ( صموئيل (1) 25/1 ) فمن الذي أكمل السفر ومن كتب السفر الثاني ؟
يقول منقحو الكتاب المقدس الذي راجعه القسيس فانت السكرتير العام لجمعية الكتاب المقدس بنيويورك : مؤلف السفرين " مجهول ، ويحتمل أن يكون عزرا هو الذي كتبه وراجعه".
سفر أيوب :
ومن المفترض أن يكون السفر من كتابة النبي أيوب، لكن جاء في وسط السفر ما يدل على أن ثمة كاتباً آخر غير أيوب قد تدخل في السفر، ففي نهاية الإصحاح 31 يقول: " تمت أقوال أيوب " ( أيوب 31/40 ) من غير أن ينتهي السفر حينذاك، بل استمر بعده أحد عشر إصحاحاً تحدثت عن أيوب.
وفي نهاية السفر " وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنة ورأى بنيه ، وبني بنيه إلى أربعة أجيال ، ثم مات أيوب شيخاً وشبعان الأيام " ( أيوب 42/16 - 17 ) .

سفر المزامير :

عدد المزامير مائة وخمسون مزموراً تنسب إلى مؤلفين مختلفين ، إذ ينسب لداود ثلاثة وسبعون مزموراً، ولموسى مزمور واحد ، ولأساف أحد عشر مزموراً ، ولبني قورح أحد عشر مزموراً ، ومزموران لسليمان ، وآخر لايثان، وتسمى الباقي بالمزامير اليتيمة التي لا يعرف من قائلها !!!
فكيف وصفت بالوحي ؟ وهل كان بنو قورح أيضاً أنبياء، وهل كان أساف كبير المغنيين في بلاط داود نبياً؟ وما أدلة نبوة هؤلاء؟
والمتأمل في المزامير يدرك بوضوح كبير أن المزامير تعود إلى ما بعد داود وسليمان، وتحديداً للقرن السادس قبل الميلاد ، إلى أيام السبي البابلي ، وذلك يظهر من أمثلة متعددة منها " اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك ، ونجسوا هيكل قدسك، وجعلوا أورشليم أكواماً ، دفعوا جثث عبيدك طعاماً لطيور السماء " ( 79/1 - 2 ).
ومثله " الرب يبني أورشليم ، يجمع منفى إسرائيل يشفي المنكسري القلوب ، ويجبر كسرهم " ( 147 / 4 )
ومثله " على أنهار بابل جلسنا ... بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون، ... لأنه هناك سألنا الذين سبونا (بعد السبي البابلي) كلام ترنيمة، ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين: رنموا لنا من ترنيمات صهيون" ( 137 / 1 ) .... وغيرها .
وهذه الأمثلة تثبت أن كتابة المزامير تأخرت عن داود ما لا يقل عن أربعة قرون وعليه فلا تصح نسبتها إليه .

سفر إشعيا :
وينسب السفر للنبي إشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد ، فقد عاصر الملك عزيا ثم يوثام ثم أحاز ثم حزقيا ، ولكن السفر يتحدث عن الفترة الممتدة بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد مما يؤكد أن ثمة كاتب أو كاتبين قد كتبوا ذلك بعد إشعيا ، ومن أمثلة ذلك حديثه عن بابل الدولة العظيمة وتنبؤه بإنهيارها.
وأيضاً حديثه عن كورش الفارسي الذي ردّ اليهود من السبي (انظر 44/28 - 45/1).
كما يتحدث عن رجوع المسبيين والشروع في بناء الهيكل في الإصحاحات 56 - 66 يقول العالم الألماني أستاهلن: " لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده حتى الباب السادس والستين من تصنيف إشعيا .

سفر إرمياء :

أما سفر إرمياء فلا تصح نسبته للنبي إرمياء، إذ هو من عمل عدة مؤلفين بدليل تناقضه في ذكر الحادثة الواحدة ، ومن ذلك تناقضه في طريقة القبض على إرمياء وسجنه ( انظر: إرمياء 37/11 - 15 و 38/6 - 13 )
كما يحمل السفر اعترافاً بزيادة لغير إرمياء ففيه " فأخذ إرمياء درجاً آخر ، ودفعه لباروخ بن نيريا الكاتب ، فكتب فيه عن فم إرميا ، كل كلام السفر الذي أحرقه يهوياقيم ملك يهوذا بالنار ، وزيد عليه أيضاً كلام كثير مثله " ( 36/33 ).
وفي موضع آخر " إلى هنا كلام إرمياء " ( 51/64 ) ومع ذلك يستمر السفر، فمن الذي أكمله ؟

خاتمة جامعة :

ونختم مع اعتراف مهم يسجله مدخل التوراة الكاثوليكية وفيه: " صدرت جميع هذه الكتب عن أناس مقتنعين بأن الله دعاهم لتكوين شعب يحتل مكاناً في التاريخ ... ظل عدد كبير منهم مجهولاً .. معظم عملهم مستوفى من تقاليد الجماعة ، وقبل أن تتخذ كتبهم صيغتها النهائية انتشرت زمناً طويلاً بين الشعب ، وهي تحمل آثار ردود فعل القراء في شكل تنقيحات وتعليقات ، وحتى في شكل إعادة صيغة بعض النصوص إلى حد هام أو قليل الأهمية ، لا بل أحدث الأسفار ما هي إلا تفسير وتحديث لكتب قديمة " .
إذاً هذه الأسفار مجهولة المؤلف، لا تصح نسبتها للأنبياء، بل هي من عمل الشعب اليهودي طوال عصور التاريخ اليهودي، وقد استلهموا هذه الكتابات من تقاليدهم، لا من الله ووحيه، وكل ذلك شاهد على أن التوراة ليست كلمة الله.
وصدق الله حين قال { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } .