بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله

الظلم وخطره و العدل وأثره
الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين , والعاقبة للمتقين , ولا عدوان إلا على الظالمين , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحقُّ المبين , وقيُّوم السموات والأرضين , وإله الأولين والآخرين . وأشهد أن محمَّداً عبده ورسوله الأمين صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيِّبين , وصحابته الأكرمين , رضوان الله عليهم أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ فيَا أيُّها المُسلمون :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} .
معشَر المسلمين :
لقد جاء ديننا الإسلامي - ولله الحمد- بكل ما يُصلح حياة الأفراد والمجتمعات , وينظم أحوال النَّاس بمقتضى العدل الذي قامت به السموات والأرض. فهذا الدين الإسلامي أمر بالعدل وكلُّه عدلٌ ورحمة , ونهى عن الظلم وحذَّر منه وتوعَّد الظالمين بعذابٍ أليم. وإنَّ أعدل العدل وأصله وأساسه : الاعتراف بالله وإخلاص التوحيد والعبادة لرب العالمين , والإيمان بما له من الأسماء والصفات . كما أن أظلم الظلم , وأشدُّه وأفحشه : الشرك بالله تعالى كما قال عزَّ وجل: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
أيُّها المسلمون :
إن الظلم هو انتقاص الشيء ووضعه في غير موضعه الصحيح . ولقد جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصوصٌ عظيمة , وتحذيرات بليغة من الظلم وأحوال الظالمين , وما توعدوا به من الوعيد الشديد , والعذاب الأكيد , وذلك بما قدمت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد . قال تعالى: { وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}. وقال تعالى: {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}. وقال سبحانه: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ}. وقال عزَّ من قائل: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}. يشوي الوجوه إذا قرب منها , فكيف بالحُلوق والبطون التي تتجرَّعه نعوذ بالله من غضبه وأليم عقابه. ونظراً لشناعة الظلم وبشاعته فلقد حُرِّم في جميع الشرائع الإلهية , بل لقد حرمه الله على نفسه , ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : ((يا عبَادي إنِّي حرَّمت الظُّلم على نفسي وجعلتُه بينَكم محرَّماً فلا تَظَالموا)) والمعنى أنَّه منع نفسه من الظلم لعباده كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}. وقال عز وجل: { وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}. وقال تبارك وتعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. وقال: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }.
والظُّلم نوعان :

النوع الأول: ظلم النفس وأعظمه الشِّرك كما قال سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. فإن المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق فعبده وتألَّهه فوضع الأشياء في غير موضعها , وأكثر ما ذُكر في القرآن من وعيد الظالمين إنما أريد به المشركون كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. ثم يليه المعاصي والذنوب على اختلاف أجناسها من كبائر وصغائر.
والنَّوع الثاني : ظلم العبد لغيره وهو المذكور في الحديث السابق , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : ((إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومكم هذا في شهركم هَذا في بلدِكم هذا)).
عبَاد الله :
ما أعظم عقوبة الظلم , وما أبأس حال الظالمين إنه ظلماتٌ يوم القيامة , قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الظُّلم ظلماتٌ يوم القيامة)). وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله لَيُمْلِي للظالم حتى إذا أخذَه لم يُفلته ثمَّ قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} )). [رواهما البخاري ومسلم].
أيُّها المسلمون :
لقد أظلمت السماء , واقشعرَّت الأرض , وقلَّت البركات , وتكدَّرت الحياة من عدوان الظَّلَمَة وتسلطهم على المؤمنين في أقطارٍ كثيرة , فها هم المسلمون في العالم يمارَس ضدهم أبشع الجرائم والفتك والتقتيل من الصِّرب الحاقدين , ويقف العالم موقف المتفرج على صور الظلم البشعة ... وقل مثل هذا في كثير من الأقطار حيث يعيش فئام من المسلمين تحت قهر الظلمة وتسلطهم وما ربك بغافل عما يعملون. وسبحان الله العظيم كيف ينسى هؤلاء الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أن لهم موعدا عظيما, وموقفاً لن يَنسوه فويل لهم من عذاب عظيم , يوم تخشع أبصارهم ويقفون خاشعين من الذلِّ والهوان , قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} . ويل لهم من يوم الآزفة: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}. أين مَن يظلمون الناس من دعوةٍ تُرفع فوقهم تُفتح لها أبواب السماء ويُستجاب لها , وإن كان صاحب هذا الدعاء فاجراً فإن فجوره على نفسه , وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: ((اتَّق دعوة المظلومِ فإنَّه ليس بينها وبينَ الله حِجاب)). روي أن يحيى البرمكي لما نُكب وصُودرت أمواله وسُجن هو وابنه قال الابن : يا أبت بعد العزِّ أصبحنا في هذه القيود والسجن . فقال له يا بنيّ : هذا بدعوة مظلوم سَرَتْ بليلٍ غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها.

لا تَظلمنَّ إذَا ما كُنت مُقتدرا فالظُّلم تَرجع عُقباهُ إلى النَّدمِ
تَنامُ عَيناك والمظلومُ مُنتبــهٌ
يَدعو عَليكَ وعينُ الله لم تَنَمِ

أيُّها المُسلمون :
إياكم وظلم الناس وبخسهم حقوقَهم فإنكم ستقفون بين يدي حكم عدل : {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}.
واعلَم أيُّها الظالم : أنَّ من لا يستطيع أن يأخذ حقَّه منك في هذه الدنيا فإنه والله سيأخذه يوم القيامة , قال صلى الله عليه وسلم : ((أتَدرون مَن المُفلس ؟ قالوا : المفلس فينا مَن لا درهمَ لهُ وَلا متاع , فقال صلى الله عليه وسلم : إنَّ المُفلس من أمَّتي مَن يأتي يومُ القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ويَأتي وقد شَتم هَذا وقَذف هَذا وأكلَ مالَ هذا وسفَك دمَ هذا وضربَ هذا فيعطَى هذا من حسناته , وهذا من حسناته , فإن فَنِيَتْ حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار)). [رواه مسلم].
أيُّها المسلمون :
لقد فشا الظُّلم بين الناس اليوم , وتعدَّدت صوره وأشكاله , فمِن ذلك : ظُلم بعض الأزواج لزوجاتهم وخاصَّة من يكون له أكثر من زوجة , حيث يُفضل إحداهما على الأخرى بالنفقة والسُّكنى وربما عامل الأخرى بالقسوة والعنف والكلام السيّء . والله عزَّ وجل يقول: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} . وتذكَّر حينما تتسلط على هذه المرأة المسكينة الضعيفة أن الله قوي عزيز وهو عليك أقدَرُ ولك بالمرصاد.
ومن صور الظلم أيضاً عدم العدل بين الأولاد وتفضيل بعضهم على بعض بلا مبِّرر شرعي , وربما أعطى أحد أولاده قطعة أرضٍ أو مالٍ دون بقية الأولاد وهذا زورٌ وجَورٌ وحَيفٌ وظلمٌ والله لا يحب الظالمين.
ومن صور الظلم ما تفعله بعض المؤسسات والشركات والأفراد من ظلمٍ للعمَّال والأجَرَاء , إما بتأخير رواتبهم أو انتقاص شيء منها على خلاف ما هو موجود في العقد بينهما , أو بالاعتداء عليهم بضربٍ ونحوه. وكل هذا ظلم {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} .
كما أن الظلم أيضاً أخْذُ حقوق الغير وتملكها بدعوى أنَّها له كما يفعله البعض في الأراضي ونحوها , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((مَن ظَلَمَ من الأرضِ شيئاً طوَّقه من سبعِ أَرضين)). [رواه البخاري]. قال العلماء في معنى (( طوَّقه )) أما أنه يكلف نقل ما ظلم منها في يوم القيامة إلى أرض المحشر فهوى الطوق في عنقه , وأما أن يكون المعنى أنه يُعاقب بالخسف إلى سبع أرضين .
فيا مَن ظلم الناس بأكل أموالهم أو الكذب عليهم ونقل الكلام عنهم أو منع حقوقهم , تُب إلى الله قبل حلول الأجل وانقطاع العمل , قبل أن يكون ظلمك ظلماتٍ عليك. وتذكَّر مصارعَ الظالمين وكيف يقومون يوم القيامة تعلوهم الذِّلَّة والصَّغار , والفزع والنار. والله الذي لا إله غيره لن ينفعك أحد من البشر ولن يخلِّصك من العذاب إلا عمل صالح وتوبة نصوح ترجع فيها كل حق إلى صاحبه. والله الموعد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ}.
اللهم جنِّبنا الظلم وأعذنا من الظالمين. اللهم خلِّصنا من حقوق العباد وأغننا بحلالك عن حرامك. وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك. وأقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله أمر بالعدل والإحسان , ونهى عن الظلم والبغي والعدوان , وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم المنَّان , وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله أعظم الناس عدلاً , وأشدهم لله خشية وتعظيماً , اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ :
فاتقوا الله رحمني الله وإياكم , وأقسطوا إن الله يحب المقسطين.
أيُّها الإخوَة :
لقد سمعتم شيئا من شناعة الظلم وخطره , وما أعدَّ للظالمين من عذاب شديد وتهديد أكيد. وإن ضد الظلمِ العدلُ الذي أمر الله به في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}. وفي قوله: { وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }. والقسط بمعنى العدل وعدم الجَور , وعدل الإنسان يكون مع النفس ومع الغير , فعدله مع نفسه يكون بالإستقامة على منهج الله فلا غُلوَّ ولا تقصير فيحجز المرء نفسه عن المحرمات فلا يقع في الموبقات والمهلكات , ويكون العدل مع الغير بإعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه ابتغاء وجه الله عز وجل.
والعدل الذي أمر الله به وبه قوام الأرض عام يشمل جميع المسلمين كل بحسب ولايته ومسؤوليته , ولكنه على الولاة والرؤساء والقضاة أوجب وأعظم وكذا رب الأسرة في أسرته , أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِن أمير عَشَرةٍ إِلا يُؤتَى به يومُ القيامةِ مَغلولاً لا يفكُّه إلا عدلُه)) . [أنظر صحيح الجامع 5571 ومشكاة المصابيح 3697 والأحاديث الصحيحة 344]. ويكون العدل مع القريب والبعيد , والعدو والصديق في جميع الأحوال , قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
أيُّها المُسلمون :
ما أعظم العدل وما أكبر أثره وأكثر خيره فبقيام المرء بالعدل يحظى بمودة الناس في هذه الدنيا وبمحبَّتهم أما في الآخرة فهو في نعيمٍ مقيمٍ ومقامٍ كريم , روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المُقسطون على منابرٍ من نورٍ عن يميِن الرَّحمن وَكلتَا يَديه يمين الذين يَعدلون في حُكمهم وأهليهم وما وُلُّوا)).
اللهم اجعلنا من المقسطين الذين يعدلون في جميع أمورهم , اللهم وفقنا لأداء الحقوق وأعذنا من الظلم والعقوق. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

منقول موقع نور الإسلام

أقوال السلف والعلماء في العدل


- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ الله إنما ضرب لكم الأمثال، وصرف لكم القول؛ لتحيا القلوب، فإنَّ القلوب ميتة في صدورها حتى يحييها الله، من علم شيئًا فلينفع به، إنَّ للعدل أمارات وتباشير، فأما الأمارات فالحياء والسخاء والهين واللين، وأما التباشير فالرحمة، وقد جعل الله لكل أمر بابًا، ويسَّر لكلِّ باب مفتاحًا، فباب العدل الاعتبار، ومفتاحه الزهد، والاعتبار ذكر الموت ،والاستعداد بتقديم الأموال، والزهد أخذ الحقِّ من كلِّ أحد قِبَله حقٌّ، والاكتفاء بما يكفيه من الكفاف، فإن لم يكفه الكفاف لم يغنه شيء...) (1) .
- (وقدم على عمر بن الخطاب رجل من أهل العراق، فقال: لقد جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب. فقال عمر: ما هو؟ قال: شهادات الزور ظهرت بأرضنا. فقال عمر: أو قد كان ذلك؟! قال نعم. فقال عمر: والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول (2) .) (3) .
- وقال رِبعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد الفرس لما سأله: ما جاء بكم؟ فقال: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه حتى نفيء إلى موعود الله...) (4) .
- وقال عمرو بن العاص: (لا سلطان إلا بالرجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل) (5) .
- وقال ميمون بن مهران: (سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لو أقمت فيكم خمسين عامًا ما استكملت فيكم العدل، إني لأريد الأمر وأخاف أن لا تحمله قلوبكم فأخرج معه طمعًا من الدنيا؛ فإن أنكرت قلوبكم هذا سكنت إلى هذا) (6) .
- (وخطب سعيد بن سويد بحمص، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، إنَّ للإسلام حائطًا منيعًا، وبابًا وثيقًا، فحائط الإسلام الحقُّ، وبابه العدل، ولا يزال الإسلام منيعًا ما اشتدَّ السلطان، وليست شدة السلطان قتلًا بالسيف، ولا ضربًا بالسوط، ولكن قضاء بالحق وأخذًا بالعدل) (7) .
- وقال ابن حزم: (أفضل نعم الله تعالى على المرء أن يطبعه على العدل وحبه، وعلى الحقِّ وإيثاره) (8) .
- وقال ابن تيمية:(العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة) (9) .
- وقال أيضا: (وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام) (10) .
- وقال ابن القيم: (ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنَّه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أنَّ السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأنَّ من أحاط علمًا بمقاصدها، ووضعها موضعها، وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة.
فإنَّ السياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحقَّ من الظالم الفاجر، فهي من الشريعة علمها من علمها، وجهلها من جهلها) (11) .
منقول موقع درر