يقال: إن ترجمة القرآن ترجمة حرفية ومن لغته العربية إلى لغة أخرى جائزة، وغير متعذرة. و يقصد بترجمة القرآن التعبير عن معاني ألفاظه العربية، ومقاصدها بألفاظ غير عربية مع الوفاء بجميع هذه المعاني والمقاصد.
والدليل : أن القرآن الكريم لم ينزل للعرب وحدهم فقط، ولذا يجب تبليغه للأمم الأخرى الإسلامية عن طريق ترجمته إلى لغاتهم. وتبليغ الإسلام واجب، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب.
وقيل: إن ترجمة القرآن حرفياً إلى لغة أخرى اقتضتها السنة النبوية. والدليل: ( ما روي أن الفرس كتبوا إلى سلمان رضي الله عنه أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية فكانوا يقرؤون ذلك في الصلاة حتى لانت ألسنتهم للعربية ) .
* رد هذه الشبهة
أولاً: إن ترجمة القرآن ترجمة حرفية مستحيلة. فإنه يستحيل أن يترجم القرآن بألفاظ أخرى غير عربية تقوم مقام ألفاظه، وتعبر عن نفس معانيه ومقاصده فلا توجد هناك بين لغات العالم لغة تشبه مفرداتها وألفاظها، وتراكيبها نظيرتها في اللغة العربية، أو يمكن أن تعبر عن معاني ومقاصد القرآن الكريم نفسها. وبذلك فكل ترجمة من هذا القبيل لا تسمى قرآناً، وإلا كان محرفاً، ولا يستقيم التعبد به، والصلاة به ويكون في هذه الحالة ترجمة تفسير أو معاني، ولا يكون بل لا يسمى قرآناً.
ثانياً: إن تبليغ القرآن يمكن أن يتم من خلال ترجمة معانيه، وهو تفسيره ب! غير لغته. فينقل إلى الشعوب الإسلامية غير العربية، وبلغاتهم، فيفهمون علومه، وتكاليفه، وأحكامه، وعقائده، وشرائعه .. إلخ. ثالثاً: إن العناية الإلهية اقتضت أن يكون هذا القرآن، وأن يبقى عربياً لحكمة عدم إمكانية ترجمته أو لحكم أخرى لا يعلمها إلا الله. فقد تظهر لنا بعض حكم القرآن، وقد يخفى علينا الكثير منها. حتى الذي يظهر لنا من الحكم قد لا يكون هو المقصود. وكما قال الإمام السيوطي: ((إن تحت كل حرف من حروف القرآن الكريم معان لا يعلمها إلا الله تعالى)).
وغني عن البيان القول: إن الله تعالى لم ينزل القرآن،و لم يجعله عربياً إلا لحكمة هو ارتضاها، وإذا قال عنه عربي، سيظل عربياً، ولعلنا نعقل ما فيه، وما نزل لأجله. قال تعالى:
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(2)} يوسف
رابعاً: إن الحديث الذي استدلوا به خبر مجهول الأصل، في متنه، وسنده، ولذا لا يجوز الاعتداد به.
وحتى على فرض صحته، فالظاهر، بل والثابت أنه يعارض الأدلة المتفق عليها من قبل العلماء على عدم جواز ترجمة القرآن ترجمة حرفية، كما ويجاب على الحديث بأن المقصود هو أن سلمان الفارسي قام بالترجمة اللغوية التفسيرية للفاتحة ليس إلا. والله وأعلم.

************************
* أهم المصادر والمراجع.
ـ شبهات حول القران: لغازي عناية.
ـ الإتقان في علوم القرآن: للسيوطي.
ـ المجموع شرح المهذب: للإمام النووي.